سقيفة الشبامي - أمثال شعبية في شعر حسين أبوبكر المحضـــــار

تفضل الأستاذ بدر بن عقيل بنشر دراسة متواضعة بعنوان ( أمثال شعبية في شعر المحضار ) في جريدة الثقافية اليمنية العدد 277 الصادر في 3 فبراير 2005 ولأهمية البحث لإتصاله بالتراث في حضرموت قررت نقله إلى السقيفة لتعميم الإطلاع .
تحياتي .

http://www.islamonline.net/arabic/ar...ages/pic17.jpg
الشاعر حسين أبوبكر المحضار ( يرحمه الله )

في البدء نتساءل:

لماذا تناول واسقط شاعر اليمن الكبير الراحل حسين أبوبكر المحضار الكثير من الأمثال الشعبية في أشعاره؟!

إن الإجابة نجدها في قول ابن رشيق:«المثل فيه ثلاث خصال:اصابة المعنى..إيجاز اللفظ..وحسن التشبيه»..ولذلك فقد التجأ إليها الشاعر المحضار كاسلوب في صياغته الشعرية،يدور على غايته في المعنى من بابه الخلفي الذي يدركه الوعي الشعبي،أما ليفاجئه ويكشفه،أو يرمز إليه من بعيد،في إشارة ذكية وايحاء معبر،لايتوانى أن يعريه ويكشف حقيقته..!!

وقد حدد الاستاذ عبدالله البردوني ثلاثة أسباب لقيمة تضمين الأمثال في الشعر:

«1»:شهرتها كأقوال حكيمة..

«2»:مكانتها الاجتماعية كنظام معرفي أغلب على العرب.

«3»:قيمتها الفنية كتسجيل حادثة وانطباقها على احداث.

ثم يبرز سؤال آخر:

üلماذا التقط المحضار كثيراً الأمثال الشعبية دون سواها من الأمثال العربية؟!

يقول زايلر:

«إن المثل الشعبي الحقيقي يعيش بين الطبقة الدنيا،والطبقة المتوسطة،وأن الأمثال تحمل صفة الجماعة التي تعيش فيها».

ولقد أراد شاعرنا المحضار تحريك الذاكرة الشعبية،واعادة الأذهان إليها،بحيث لايأتي المثل من خارج معارف اغلبية الناس،وإنما يأتي إليها..منها.

ولاشكل أن هذا المصدر والنبع الشعري المتدفق ،امتلك مفتاحه، وسبر أغواره الشاعر المحضار ،وكانت الحكمة الشعبية وكأعظم نتاج وخلاصة لتجارب شعبنا،باب المحضار ونافذته على الناس..وعلى الواقع،متعاملاً معها بروح الإنسان البسيط،والفنان المبدع.

يقول الاستاذ محمد عبدالقادر بامطرف:

«والشعر عند المحضار«كيمياء» سواء من ناحية الشكل أو الموضوع،فالعبر والكلمات والأمثال والاصطلاحات التي يستعملها المحضار،ويتناولها تناول الخبير بصناعته،وبمواد وأدوات تلك الصناعة،وهنا يكمن الخلق والابداع،وحسن التناول،ومزج المادة بالروح في اشعاره وكافة اغانيه».

إننا من خلال هذه الاطلالة على صدر الغراء «الثقافية» سنعرج على تقديم نماذج من الامثال الشعبية اليمنية التي وردت في غنائيات المحضار..أما بنصها الكامل،أو بما أضافه عليها من صياغة فنية بديعة،أو بما استوحاه منها من مشاعر ومعان.

كما نورد من قبلنا شيئاً من التداعيات والمقارنات،وبما يتوافق أو يقترب من مضامينها..

üيقول المثل:

«بعد من حبيبك يحبك»

وهو بمعنى «زد غباً،تزداد حباً» قال الشاعر:

يقولون عزي في الاقارب ان دنت

وماالعز إلا في فراق الاقارب

وقد نسي شاعرنا حسين أبوبكر المحضار يوماً هذه النصيحة فقال في أسف:

ومافقت إلا وقدني في شِعبك

نسيت النصيحة بعد من حبيبك يحبك

üيقول المثل:

«مافي جهنم كوز بارد»

الكوز:إناء من الفخار يضع محلياً لحفظ مياه الشرب والمثل يضرب في الشخص العديم الجدوى والمنفعة حين يطلب منه المساعدة..

يقول المحضار:

ولامقيلي يفي ولابرادي

ولاشي في جهنم كوز بارد

كما يقول الشاعر محمد بن أحمد بن هادي باوزير«أبوسراجين»:

قالوا العقال ماشي في جهنم كوز بارد

في المدارة الأمواج تلطم تشابه بحر بوكين

üيقول المثل:

«ذاالفرس وذا الميدان»

والمثل يقول لمن يتشكك في أمر غير مدعوم ببرهان يقول المحضار في مناشدته للمهاجرين بالعودة إلى حياض الوطن بعد أن اكتشفت خيراته النفطية والمعدنية في مناطق «شبوة» و«مدن»:

والخير موجود في شبوة وشي في مدن

والخيل خيلك وذا الميدان ميدانك

ومعروف عند اليمنيين والعرب بشكل عام أن امتلاك الخيل ترفع من شأن صاحبها،ولذلك قالوا في المثل الشعبي:

«الخيل تحت الدار عزّ»

لكن أبوالطيب المتنبي يقول:

وماتنفع الخيل الكرام ولا القنا

إذا لم يكن فوق الكرام كرام

üيقول المثل:

«مامع المحب إلى دموعه»

أي أن العاشق الولهان لايملك إلا الدموع للتعبير عن حقيقة مشاعره:

يقول شاعرنا حسين المحضار:

عاد قلبي معك وإلارميته

والهوى ذاكره أو نسيته

خذتنا ملك والملك ريته كان مدفوع

مامع العاشق بصر غير الدموع

وكم بللت الدموع درب العاشق الشاعر محمد بن عبدالرحمن اللخمي فقال:

ياحرقة البين كويت الحشا

حتى أذبت القلب في أضلعه

أذكيت فيه النار حتى غدا

ينساب ذاك الدرب من مدمعه

ولقد خشي شاعرنا المحضار من آثار ونتائج الدموع على العين،وعلى الرؤية السليمة،فقال:

من الدمع خيفان،خيفان لاتغمد

ماشي مثيل الدمع عالعين له تأثير

إذا خالط الأبيض،الأبيض الأسود

يسبب لها غمشة كما آلة التصوير

يقل النظر ويطير

وقدامها الواحد تشوفه كما اثنين

üيقول المثل:

«يسني على بيرين»

يسني:من السناوة،وهي عملية طلوع الماء من البئر بواسطة الإنسان أو الحيوان.

والمثل يقال للمستفيد في كل الأحوال والظروف

يقول المحضار:

بالبعد أنت لاتسبر

خليك عاسبرك

انت ذكي تسمع وتبصر

وانك غبي بُصرك

الوقت خلا كل باير

يسني على بيرين

üيقول المثل:

«لاتغرك شبعة العيد»

والمثل يضرب في الشخص المغرور الذي اغتنم فرصة نادرة ويظن أنها دائمة.

يقول الشاعر حسين أبوبكر المحضار:

لاتخلي شبعة عيد

على هوانا تزيد

الحب مش تقليد

الحب شي ثاني

ومن جانبه فقد حذر الشاعر الغنائي صالح عبدالرحمن المفلحي محبوبه من مغبة الوقوع في غرور «شبعة العيد» فقال:

جزائي يومنا حبك وخليتك مزًّيد

وكل الناس فيما لقيته فيك تشهد

إذا ناديتنا لبيت بك ياعيني وياسيد

توقع ياحبيبي لاتغرك شبعة العيد

üيقول المثل:

«يلعب بذيله»

ــ وهو وصف للشخص الخبيث الماكرـ

وقد اسقط هذا المثل على الشيطان الذي يعيش حالة عداء دائم مع الإنسان ويدفعه للوقوع في الأعمال السيئة يقول المحضار معاتباً محبوبه:

بدلّت لبسك ليه تبديل

ابليس يلعب لك بذيله

كماأن هذه الصفة الشيطانية ممكن أن يعمل بها بعض الناس وقد عانى منهم المحضار..اسمعوه يقول:

بطرح عطب وسط اذاني

ولعاد باخلي الحاسد ولاالشاني

يلعب بذيله

يابوي ماجرى لي من عيال ابليس والشيطان

üيقول المثل:

«مايضيع حق وبعده مطالب»

وهو بمعنى الحديث الشريف«الساكت عن الحق شيطان أخرس»

يقول المحضار:

نداء الحق والواجب

وحبك ياوطن

يبطل حجة الغائب

ويتحدى الزمن

ومن له حق به طالب

ولو بعد حين

üيقول المثل:

«صاحبك الأول لايغرك الثاني»

وفي معنى المثل قال الشاعر:

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى

ماالحب إلا للحبيب الأول

ويقول الشاعر حسين أبوبكرالمحضار:

داني داني ياقرة اعياني

حبيبك الأول لايغرك الثاني

كما يقول:

خفاق قلبي لهم

خفاق للحب الأول

مااختار حد غيرهم

عن حبهم ماتحوَّل

üيقول المثل:

«وزن كلامك»

دعوة لأن يكون للكلام قيمة وجدوى وقد أشار المحضار لهؤلاء الذين لايعطون للكلام وزنه بقوله:

هل غاب عن ذهنك

كلامي لك من العادل وهن

لي ماعرف وزنك

ولي هو في كلامه ماوزن

üيقول المثل:

«الغلطة مرجوعة»

وهو بمعنى الحديث الشريف:«الاعتراف بالذنب فضيلة»

ويقول شاعرنا حسين المحضار معترفاً في جانبه:

راجعوه إن كان عاده تراجع

وان شي غلط بيننا الغلطات مرجوعة

وهكذا كان قد اعترف بالخطأ الشاعر سالم باوزيرو فقال:

قل له صبرنا إلى حد ذا متى الصبر

كل ماقرعنا الباب هذا بابكم مقلود

شل الغلق وذي بليلة عندكم سراء

بشكي بحالي عليكم والغلط مردود

üيقول المثل:

«ماتعزك إلا أوطانك»

أي أن الوطن يظل دائماً مصدر اعتزاز وفخر وقديماً قال الحكيم علي بن زايد:

عز القبيل بلاده

ولوتجرع وباها

يسير منها بلاريش

ولاملك ريش جاها

ولذلك يقول الشاعر حسين أبوبكر المحضار في مناشدته للطيور اليمنية المهاجرة بالعودة إلى حياض الوطن:

قل مرحباً للوطن لاقد دعاك الوطن

في حلها ماتعزك غير أوطانك

والتشبث بتراب الوطن الغالي يؤكد عليه المحضار في قوله:

عزي وطاني

من حيث يدي تصل

فيها كناني

من كل قاطر وبل

خله يعاني

لي مالقاله مكن قال بومحضار

üويقول المثل:

«علامة المحبة المودة»

وفي هذا يقول المحضار:

حسن الظنا لي بي

فواساني اعز الاحباب

وقضى مطاليبي

ونا للود منه طلاب

والود عنوان المحبة

والشخص لي ماودنا ماهو حبيبي

üيقول المثل:

«الرجال صناديق»

ــ أي أن الرجال كاتمون للأسرارـ ويقول الحكيم «أبوعامر» عن أهمية كتم السر:

يقول بوعامر خيارة لعلم قوله مادريت

ان شفت شي ماقلت شي وان حد حكالي ماحكيت

أما شاعرنا حسين المحضار فيقول:

ياخير جيره

صافيين الخواطر والسريره

مافشواالسر وقلوبهم مثل الصناديق.
( انتهى )