سقيفة الشبامي

سقيفة الشبامي (http://www.alshibami.net/saqifa//index.php)
-   تاريخ وتراث (http://www.alshibami.net/saqifa//forumdisplay.php?f=39)
-   -   القنصل الهولندي ورحالة ألماني في زيارة تاريخية لحضرموت عام 1931م (http://www.alshibami.net/saqifa//showthread.php?t=101052)

أبو صلاح 01-30-2012 12:22 PM

القنصل الهولندي ورحالة ألماني في زيارة تاريخية لحضرموت عام 1931م
 
القنصل الهولندي ورحالة ألماني في زيارة تاريخية لحضرموت عام 1931م
سنتجاوز التمهيد والمقدمات ،وسنترك للقارىء الكريم الفرصة أن يتصور مجتمع حضرموت من خلال رؤية صور حية تعود بنا إلى ماضي بعيد لكنه غير قديم جداً من عاشه وهو حي يرزق اليوم يكون عمره وأحد وثمانون عاماً 0
الكولونيل" دانيال فان در ميولين والرحالة الجغرافي"لدكتور. هـ . فون فيسمان قاما برحلة إلى حضرموت في صيف عام 1931م وكانت حضرموت تتقاسمهما السلطنتين الكثيرية في الداخل والقعيطية في الساحل وجزء من الوادي0
أستكشفا مجتمع حضرموت من داخله وبعضاً من تراثه وآثاره ،ولا شك ولا ريب أن لهما أهداف مختلفة منها ماهو سياسي كما أستنتج ذلك مترجم الكتاب الدكتور محمد سعيد القدال أحد خبراء ومستشاري بريطانيا في حضرموت في القضايا التعليمية والإجتماعية الذي عاش طويلاً في حضرموت بعد أن أنتقل من السودان أبان فترة الإحتلال البريطاني فذكر أن من أهم أهداف هذه الرحلة (أن عددا كبيراً من الحضارم يعيشون في مستعمرات هولندا في جزر الهند الشرقية, وأصبح لهم وزن اقتصادي واجتماعي وسياسي. فكانت هولندا تريد أن تقف على الأوضاع في موطن الحضارم الأم, عسى أن يساعدها ذلك في ضبط حكمها في مستعمراتها هناك, خصوصاً بعد أن احتدم الصراع بين العلويين والإرشاديين المناوئين لهم.)
وفي كل الأحوال أن هذا لايعنينا اليوم إلا من خلال استكشاف رؤية الأوربيين لواقع حضرموت قبل ثمانين عاماً وماهي الرؤية اليوم في ظل الظروف والمتغيرات الدولية 0
ومن النقاط المهمة التي يمكن للباحث والقارىء الحصيف أن يلاحظها هو تشابه الظروف في بعض من جوانبها لما تمر به البلاد قاطبة وحضرموت خاصة كالظروف القاسية و الاضطرابات والحروب والمنازعات القبلية والسياسية وضعف تماسكه الداخلي نتيجة سياسات معينة ،ثم وقلق المجتمع الحضرمي من مستقبل بلدهما كما كان تعبر ذلك الشخصيات الإجتماعية وأعيان المجتمع من علماء وسياسين وتجار حضارم بهذه الصورة من قبل للأوربيين الزائرين كالقنصل الهولندي "دانيال" قبل ثمانون عاماً من اليوم !
سنختار لهذا وقفات من ماكتبهما من إنطباعات وإفادات ومشاهدات تناسب الموضوع التاريخي والعلاقات الإجتماعية والتراث الشعبي والآثار التي تزهو بها حضرموت أرض الحضارة والتاريخ العريق الواغل في القدم
0
الوقفة الأولى
رؤيتهما أن حضرموت بلد عريق في الحضارة والقدم والرخاء والثروات ووجهة نظرهما أن الإضطرابات السياسية والقبلية حدثت بعد دخول الإسلام حضرموتوكانت سبباً لهجرات الحضارم وهي من الهجرات الأولى في التاريخ !؟
يقول
: (000واشتهرت حضرموت في الأزمان القديمة بتصدير البخور والمرّ. وتدل آثار ونقوش الفترة التي سبقت الإسلام على ماض عرق ورخاء.
لكن رخاء الأيام الخوالي قد ولى منذ قرون تحت وطأة ظروف غير مواتية, وخلفه دمار يبعث على الأسى. صحيح أن الإسلام وجد طريقه منذ وقت مبكر إلى هذه البلاد, وأن العلم الإسلامي قد شكل, ضمن أشياء أخرى, طبقة بين السكان من التابعين المتفانين, ولكن النسق السياسي لهذا الدين لم يفلح في أن يجعل من حضرموت أرضا آمنة. فالحروب القبلية التي مزقت الناس, جعلت البلاد مغلقة عمليا أمام الزوار الأجانب, حتى ولو كانوا مسلمين. ومنعت السكان في نفس الوقت من استغلال أرضهم حسب جهدهم وهم في أمن وأمان. وبما أن الحضارم لهم قدرة حققوا بها نجاحا في ظروف الاستقرار, فقد أخذت أعداد كبيرة منهم تتسرب منذ قرون على اليمن ومصر وسوريا. ثم اتجهوا في القرون الثلاثة الأخيرة إلى الهند وجزر الهند الشرقية. ومن بين كل أجزاء الجزيرة العربية فإن حضرموت هي موطن الهجرات الأول.)

ابونورا 01-30-2012 05:31 PM

bism2

ما اشبه الليلة بالبارحه يا ابا صلاح ولم تجانب الصواب ابدا عندما قلت ان مشكلة البلاد منذ عقود وظروفها تتناسخ وتتكرر
قبائل متناحره , سلطة ضعيفه , سيطرة قوى خارجيه متنفعه من وراء الفتنة والفوضى , تنافس طبقي مقيت , يأس ورغبة
بترك كل هذا وراء ظهورنا والهجره بعيدا
الظروف تشابهت كيرا , ونتمنى تغير الحال يا ابوصلاح
بصراحة موضوع شدني من الوهلة الأولى وكأني أجد فيك ياصلاح ريح يوسف :) :)
نتابع بكل أعجاب وقفاتك التاليه , تقبل صادق الود وجزيل الاعجاب
sallalah

أبو صلاح 01-30-2012 05:43 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابونورا (المشاركة 697047)
bism2

ما اشبه الليلة بالبارحه يا ابا صلاح ولم تجانب الصواب ابدا عندما قلت ان مشكلة البلاد منذ عقود وظروفها تتناسخ وتتكرر
قبائل متناحره , سلطة ضعيفه , سيطرة قوى خارجيه متنفعه من وراء الفتنة والفوضى , تنافس طبقي مقيت , يأس ورغبة
بترك كل هذا وراء ظهورنا والهجره بعيدا
الظروف تشابهت كيرا , ونتمنى تغير الحال يا ابوصلاح
بصراحة موضوع شدني من الوهلة الأولى وكأني أجد فيك ياصلاح ريح يوسف :) :)
نتابع بكل أعجاب وقفاتك التاليه , تقبل صادق الود وجزيل الاعجاب
sallalah

شكراً لك يابونورا نور الله عليك فأنا لدي إحساس داخلي أنك قرأت ما بداخلي من رسالة أنوي توجيهها لجمهور الحضارم الذين لم تتح لهم الفرصة للإطلاع على ماكتب عن حضرموت بأقلام أخرى تصور لنا مشاهد نحن بحاجة للوقوف عليها اليوم أكثر من اي وقت مضى فما أشبه اليوم بالبارحة لك خالص شكري وتقديري

أبو صلاح 01-31-2012 08:36 AM

الوقفة الثانية
ذكرت آنفاً فيما تقدم من رؤية المشهد في حضرموت عام 1931م أن عدم الأستقرار كان نتيجة لأفتقاد الأمن في ربوع حضرموت الأمر الذي دفع بالحضارم إلى الهجرات عبر التاريخ فغادر الكثير منهم في موجات مختلفة ،لعدم تمكنهم من إستثمار أرضهم من جهة والحصول على حياة كريمة تؤمن حياتهم ومستقبل من يرعونه تحت أيديهم من أهلهم وذرياتهم ، ويمكن أن نستنج من هذا أن الحروب القبلية والمنازعات السياسية على الحكم التي شهدتها حضرموت قبيل الحرب العالمية الثانية بين سلاطين يافع وآل كثير وحلفاءهم من جهة والبؤس والفقر والترف والغناء الذي شاهداه الباحث الهولندي (دانيال )والرحالة الجغرافي الألماني (فون فيسمان )على وجوه الناس كوجهين متناقضين في مجتمع حضرموت في تلك الفترة عام 1931م - جعلهم يبحثون في شخصيية الحضرمي التي تخفي الشيء الكثير ،فهو الذي نجح خارج بلده وبعيداً عنها وكون الثروات الطائلة وعاش آمناً مستقراً هادئاً نافع غير ضار!!أنظر ماذا يقول الباحث :(000نجح الحضارم في الأزمان الغابرة في تأسيس سلطنات في جاوا (مثل: سياك, بونتياك). ولكنهم اقتنعوا الآن بالتجارة والمعاملات المالية. وبعضهم أثر وعاد إلى بلاده. وآثر بعضهم الآخر أن يستمتع بعيدا عن اضطرابات حضرموت ويمارس المتع التي لا تتوفر هناك. ويبلغ عدد الحضارم في جاوا بين سبعين وثمانين ألفا وبينهم مليونيرات.)
وهنا تلاحظ مدى أهتمام الأوربيين بجمع المعلومات عن الحضارم أكانوا في جاوا أو الهند أو شرق أفريقيا ومحاولات عدة لهم للوصول إلى قراهم ومدنهم للتعرف عن كثب عن الحضرمي الذي يعيش بين ظهرانيهم في بلدانهم او البلدان التي هي خاضعة لسيطرتهم كمستعمرات
حتى أنه في عام 1886م نشر ل. سي. فان دن بيرخ (Van den Berg) - مستشار حكومة هولندا في جزر الهند الشرقية - كتابا احتوى كذلك على وصفا لحضرموت أي للأرض الأم لأولئك المهاجرين. وقد جمع معلوماته من الحضارم في جاوا. ولاشك أن غيرهم من الأوربيين كالإنجليز والفرنسيين لو جلست مع أحد المعمرين سيذكر لك وقائع وصول النصارى كما يذكرون إلى قرية كذا ووادي كذا وكل له هدف معين ، ثم لاحظ كيف أنهم سخروا طاقاتهم وأموالهم في البناء والحكم بل والسياسة قد أسسوا أحزاباً إصلاحية وريدكالية خارج وطنهم هذا على المدى القريب في التاريخ وأنظر ماقبل هذا في صدر الإسلام (راجع موضوعي أعلام حضرموت في الولاية والقضاء )0

أبو صلاح 02-05-2012 08:32 AM

[الوقفة الثالثة
[إبداع الجغرافي الألماني فون فيسمان (Dr. von Wissman) وصديقه الهولندي دانيال فان در ميولين في وصف بروم والمكلا عند رؤيتهما للمكان عام 1931م
[SIZE="5"] كانت رحلتهما للوصول إلى مدينة المكلا قد توجهت من مدينة عدن على متن سفينة تعرف "أيامونت" كانت تسير بسرعة ستة أميال في الساعة. وقطعت المسافة إلى المكلا في أربعين ساعة ،والتي تبلغ 230 ميلا . وفي ظهيرة يوم حار من أيام شهر مايو خلال هذه الرحلة كانوا قد شاهدوا على الساحل "بئر علي" ميناء قنا التاريخي لمملكة حضرموت وبراكينها البنية - السوداء وأمامها كثبان الرمل الفراء - البيضاء كانت تومض في الشمس تحت السماء المبيضة - الزرقاء. ثم مدخل وادي حجر غرب مدينة المكلا , وهو الوادي الوحيد في المنطقة الذي تجري به المياه باستمرار طوال العام وعلى جوانبه أشجار النخيل 0
وهنا تطل عليهم بروم مقدمة المكلا وبابها الأول ويقول :( ثم تظهر بروم بخليجها الذي يحمى من الرياح الموسمية الجنوبية الغربية. وتنحصر المدينة بين جبال لا تترك سوى مساحة صغيرة لبستان من النخيل ومزارع للذرة والذرة الشامية. ثم ظهر قصر أبيض ومسجد بمئذنة وبعض المنازل الحجرية وشاطئ وقوارب صيد, صورة جميلة مثيرة للدهشة في هذه البقعة من الصخور الجرداء والصحراء )وما إن أخذت بروم تتلاشى , حتى بدأ يتضح أمامهم شيء أبيض وخلفه حائط منحدر من الصخر. كان ذلك هو مبتغاهم وهدفهم مدينة المكلا الجميلة تفتح ذراعيها يقول:COLOR="seagreen"]( المكلا جمالها أخاذ وهي البوابة إلى حضرموت الغامضة التي ظلت موصدة أمام الأجانب لفترة طويلة. وتمتد المكلا مثل شريط أبيض على حافة المحيط الأزرق عند سفح جبل مائل شديد الانحدار بصخوره المحمر - البنية . وتصادم أمواج البحر المدينة باستمرار. وتبقى المنازل البيضاء ذات الطوابق المتعددة مستقيمة صامدة. السياج الذي يحيط بسطوح المنازل مشيد من أعمدة ناصعة البياض. والمآذن شكلها مخروط قوي وهو الشكل الذي يتميز به الأسلوب الحضرمي. يقوم قصر السلطان الجديد في أقصى اليسار, وخلفه القصر القديم. ويقف القصر الجديد على صخور سوداء بالقرب من البحر. ولون القصر ضارب إلى الصفرة, وأبوابه ونوافذه من الطوب الأحمر, وشرفاته فاتحة الأخضرار. إننا أمام لوحة تحيطها أشجار جوز الهند والنخيل والمانجو والباباي. وهي لوحة ذات جمال بهيج لا يترك مجالا لناقد. إن التلوين هو الذي صنع ذلك الجمال. وحتى غياب الفن المعماري من المنازل له جماله000
)
ثم ينتقل الرحالة الجغرافي وصديقه من وصف المظهر العام للمدينة وقصر السلطان القعيطي ذو الطابع الهندي إلى وصف الميناء الفرضة القديمة ويقول : (يقوم الميناء في إحدى جوانب هذا اللسان القصير من الأرض, حيث تمخر السفن الشراعية بجلالها نحو المرفأ. وتظل القوارب الصغيرة والسنابيك في غدو ورواح تنتقل المسافرين والبضائع إلى أعتاب السلالم العريضة التي تقود إلى مبنى الجمارك الشاسع. وترسو السفن على بعد مائة ياردة في البحر. وصلت لتوها سفينة هولندية ضخمة تحمل 150 حضرميا من جاوا. وفي عرض البحر قارب بخاري تملكه شركة منافسة وصل في نفس الوقت الذي ألقت فيه "أيامونت" مراسيها. فأصبح اليوم بالنسبة لمدير الميناء والطبيب يوما مزدحما), لأن القبطان الهولندي يريد أن يبحر قبل الغروب. واهتم الطبيب بأمرنا وأخذ منا الخطاب الذي حملناه من المقيم البريطاني في عدن, ليقدمه للوزير ومعه طلبنا بالسماح لنا بالنزول إلى البر. وبعد ساعات من الانتظار جاء الرد الإيجابي, وأصر الطبيب على مصاحبتنا بنفسه إلى مقر إقامتنا ليتأكد أنه يناسبنا.)
سنتركهما بصحبة مدير الميناء الهندي هو المستر جهان خان, الذي أدخل تحسينات على إدارة الجمارك. وتولى فيما بعد وظائف رفيعة في الدولة. فأصبح السكرتير المالي (أي وزير المالية), ثم وزيراً للسلطنة. أما الطبيب الهندي فقد ذكر المؤلف اسمه في نهاية الكتاب وهو علي عبدالله حكيم.
وإلى لقاء آخر مع وقفة أخرى تقبلوا خالص تحياتي

أبو صلاح 02-06-2012 09:46 PM

الوقفة الرابعة:الحياة في السوق ( "البازار ")
وهكذا و اصل الضيفان الأجنبيان اللذان نزلا في مدينة المكلا الساحلية الجميلة وقد أستقرا في مكان إقامتهما يرافقهما الطبيب المكلف بمرافقتهما في هذه الزيارة فأشار عليهما بالنزول في أحد المساكن المهيئة للضيافة قائلاً: "يا حيا بكم" ودخلوا قبيل المغرب من ذلك اليوم من شهر مايو عام 1931م ،وبعد أستراحة قصيرة تناولوا فيها شرب الشاي خرجوا لزيارة السوق الذي يطلق عليه (البازار ) وهي كلمة لها انتساب للغة فارس أو الهند حتى قيل على الفلفل الأسود في حضرموت (بزار ) المهم أنهما خرجا إلى السوق وهنا نتركهما في زيارة السوق التجاري بالمكلا وهما في وصف السوق والبائعين وكذا الحركة في السوق وأنظر للوصف الدقيق لهيئة سكان المدينة والقاطنين فيها من البدو المنتقلين من البوادي في حضرموت :( ( ذهبنا نتجول في الطريق الرئيسي الذي يجري مثل بحر من البشر على امتداد الساحل من غرب المدينة إلى شرقها. يوجد ممثلون لكل قبائل الداخل, وهم يتجمعون في حلقات في الحوانيت المصطفة. أغلبهم لهم بشرة داكنة, ونصفهم الأعلى عار, وأجسامهم مدهونة بالنيلة). ورؤوسهم عارية أقدامهم حافية ويلبسون فوطة غليظة يلفونها حول وسطهم. وشعرهم المنفوش المرسل الفاحم السواد المعقوص يربطونه بعقدة مستديرة في مؤخرة الرأس. و يعصبونه في مكانه بصفيرة جلدية, أو يلفونه بخرقة خلف الرأس. كان لابد من تسليم بنادقهم وأحزمة الذخيرة على الحارس عند بوابة المدينة مما بعث فيهم شعورا بعدم الاطمئنان. ويلتمع شعرهم المدهون بالسمن. كما يدهنون الجزء الأعلى من جسمهم بالسمن فوق طبقة النيلة, فتنبعث منهم رائحة قوية من خليط السمن مع النيلة.) وأما زيارتهما لسوق الصيد أو الخصار كما هو الغالب على تسميته قال : : (مررنا في طريقنا بسوق السمك وهو مسرح لحركة تجارية نشطة في الأسماك التي يزخر بحرهم بأنواع متعددة منها. ويستمر ذلك النشاط من الصباح حتى المغرب. ويبدو أن سمك القرش أكثر الأسماك انتشاراً, فقد رأينا جوالات من القرش المجفف المملوح وهي معدة لترسل إلى الداخل, حيث يتناول البدو والحضر في أوقات الرفاهية قطعة منه يدعمون بها وجبتهم البائسة المكونة من الخبز والأزر إن رائحة السمك المجفف المتعفن تصاحب المسافر حتى وادي حضرموت ))
كانت طرق المواصلات شاقة ولم يكن أمام الباعة أو الصيادين سوى وسائل حفظ بدائية كالتمليح والتدخين والتجفيف لهذا تجد هذه الرائحة أكثر نفاذاً في الهواء الجاف خاصة في وادي حضرموت البعيدين عن البحر فسمك القرش (اللخم ) أكثر استخداماً له أهل الوادي أكثر من الساحل الذي تتشبع اجواءه برطوبة البحر وتقلل من أنتشار الروائح 00

أبو صلاح 02-08-2012 08:13 AM

الوقفة الخامسة:
السيد المحضار ويقع حكم الدولة القعيطية على كتفية
وبعد أن تجول الزائر في اسواك مدينة المكلا عاصمة السلطنة القعيطية اليافعية في حضرموت ونقل لنا صورة حية لسوقها التجاري (البازار ) هذا المستودع التجاري لحضرموت كما وصفه ،ومروره بسوق السمك ،الذي لا تنفك رائحة السمك المجفف المتعفن (اللخم )تصاحب المسافر حتى وادي حضرموت ،ثم أنه قد تجول أيضاً ببعض دكاكين صباغة الأقمشة بالنيلة ووصفها ووصف أصحابها وصفاً مقززاً قال ( وتفوح من الصباغة رائحة تبعث على الغثيان وتغطى طبقات النيلة أجسام العمال ومنازلهم.)
وقد أختفت هذه الصناعة القديمة بعد إنتشار الصناعةالحديثة في الغزل والنسيج 0
وأستمر يصف السوق وحوانيته التي تبيع أنواع مختلفة من السلع الكمالية والغذائية المصنوعة محلياً وبعضها قادمة من وراء البحار كالأرز, والبن وقشر البن المجفف, والزنجبيل, والشاي من سيلان وجاوا, ومختلف أنواع الحبوب, والسمن, وزيت السمسم , والجاز, والكبريت, وفناجين الشاي وغيرها من السلع التي تحفل بها اسواق ( البندر) مدينة المكلا الضيقة في ذلك الوقت .
والأن سنأتي إلى وقفة أخرى لكنها ترتفع قليلاً عن الشارع لهذه العاصمة التي تدار منها كبرى سلطنات الجنوب في تلك الفترة عام 1931م ،والتي يتربع على عرشها سلاطين القعطة ذوي الأصول اليافعية عسكر أبو طويرق بدر بن عبد الله الكثيري ماذا يقول القنصل الهولندي (دانيال فان در ميولين المقيم في جدة بمملكة آل سعود وتحتل بلده بتافيا (جاكرتا ) بجزيرة جاوا وصديقه الجغرافي الألماني فون فيسمان (Dr. von Wissman)وعمن يدير دفة سياسة هذه الدولة بحنكة وتخضع له سلاطينها وقبائلها وفضله كبير على يافع بعد لقاءه بالوزير المحضار حيث يقول :(الوزير السيد أبوبكر بن حسين المحضار:قابلنا الوزير صباح اليوم التالي. وكان يتولى تصريف شئون الدولة في غياب السلطان. كان السيد أبو بكر بن حسين المحضار رجلا في ريعان العمر. وهو ذو شخصية حيوية ويقظة في تجانس, ولم تظهر منه أي بادرة امتعاض من النصارى والإفرنج. ويقع حكم الدولة القعيطية على كتفية. وشعبيته مدعومة بتراثه. في المقام الأول بوصفه من السادة ومن سلالة الرسول فهو ينتمي إلى الطبقة التي تقود المجتمع روحيا ودنيوياً. وفي المقام الثاني, كانت عائلة أبو بكر لستة أجيال خلت أكثر العوائل نفوذاً في حضرموت. وفي إحدى ساعات المحنة, استنجدوا بقبيلة يافع المقاتلة ليدعموهم في صراعهم ضد القبائل البدوية. فأرسل سلطان يافع نجدة بقيادة أحد القعيطيين, الذي دحر أعداء عائلة المحضار, ثم انتزع السلطة منهم. وأخذ نفوذ القعيطي ينمو. وفي عام 1874م طلب من الحكومة البريطانية في عدن أن تتدخل لحل النزاع بينه وبين آل كثير الذين رفضوا إعادة المال الذي استلفوه منه. فقامت لسلطات البريطانية بدعم القعيطي, وتمكن من انتزاع مدينتي الشحر والمكلا من الكثيري, لكن احتفظت عائلة المحضار بزاعمتها في المنطققة )
يقول المترجم د 0 محمد سعيد القدال :(الحقيقة أنه تمكن من انتزاع الشحر بدعم من القبائل اليافعية خاصة آل بن بريك وذلك عام 1868م, دعا آل كساد حكام المكلا عام 1882م.)
ولنا في الوقفة القادمة إن شاء الله تعالى رؤية أخرى حول وصايا السيد الحبيب الوزير حسين بن أبو بكر المحضار لضيوفه الذين ينوون السفر إلى وادي حضرموت وبما أخبرهم به عن الطريق شريطة أن يكونوا تحت حراسة جنود من العبيد التابعين للدولة ثم تأيكده لهم أن لايبتعدوا عن مدينة شبام التابعة للسلطنة القعيطية ،وماهو سبب تحذيره من دخول آراضي السلطنة الكثيرية المجاورة وعلى بعد أمتار من شبام ؟

خذني معاك 02-08-2012 11:29 AM


- أبـــــــ صـــــــــــــــــلاح ــــــوا :


- ليس غفلانين عن ما تسطر أناملك الكريمة : بل نتابع يا سيدي الكريم

- بشغف عن هذا التاريخ العريق والذي يرجع تاريخه إلى ما قبل مئات السنين

- أو بالأكثر , أستمر في الكتابة والبحث والتحري ونحن سنكون قريبين منك لكثرة الفضول

- وحباً لمعرفة ما تسطر يا عزيزي أناملك عن هذا التاريخ العريق .

- شكراً مليون لك لن توفي حقك يا أبا صــــــــــــــــــــلاح ,,,


- لك من كل الود والتقدير // تحياتي وودي ,,,

أبو صلاح 02-09-2012 07:47 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خذني معاك (المشاركة 699789)

- أبـــــــ صـــــــــــــــــلاح ــــــوا :


- ليس غفلانين عن ما تسطر أناملك الكريمة : بل نتابع يا سيدي الكريم

- بشغف عن هذا التاريخ العريق والذي يرجع تاريخه إلى ما قبل مئات السنين

- أو بالأكثر , أستمر في الكتابة والبحث والتحري ونحن سنكون قريبين منك لكثرة الفضول

- وحباً لمعرفة ما تسطر يا عزيزي أناملك عن هذا التاريخ العريق .

- شكراً مليون لك لن توفي حقك يا أبا صــــــــــــــــــــلاح ,,,


- لك من كل الود والتقدير // تحياتي وودي ,,,

سيدي الفاضل خذني معاك / شكرا لك ولجميل ودك ومعروفك ؛ومنك نتعلم على أنكم ياأستاذي الكريم من صفوة كتاب السقيفة ومبدعيها ،وهذه الإشادة مكرمة منكم لنا ودافعاً للأمام ،اسأل الله أن يقوينا على خدماتكم حتى نكون قائمين بواجب الأخوة ، وسلام الله عليكم ورحمة منه وبركاته

أبو صلاح 02-11-2012 05:48 PM

الوقفة السادسة :
بداية الرحلة من المكلا نحو الداخل والهاجس الأمني في الطريق
أنه لايمكن أن يكون الوزير الأول للسلطان القعيطي السيد" حسين أبو بكر المحضار"قد حذر وأوصى ضيوفه( الكولونيل" دانيال فان در ميولين والرحالة الجغرافي"لدكتور. هـ . فون فيسمان) أن لايتجاوزوا مدينة شبام شرقاً اتجاه الأراضي الخاضعة للسلطنة الكثيرية التي تبدأ من قرية الحزم حتى أجزاء من مدينة تريم ،مروراً بحوطة أحمد بن زين (خلع راشد )والغرفة بما فيها عاصمة السلطنة الكثيرية سيئون،ثم أننا لانستطيع أن نربط بين هذا التحذير من الوزير المحضار وذلك الزمان الذي مضى عليه أكثر من ثمانين عاماً إلا بظروف انعدام الأمن و الاستقرار في المنطقة التي تخضع للسلطان ألكثيري بصورة اخص وحضرموت بصورة أعم ، ولهذا قال الوزير لضيوفه الأجانب كما جاء على لسانهم :(000ثم أكد علينا ألا نتعدى مدينة شبام نسبة للمخاطر التي تهدد منطقة ألكثيري. وألا نحاول تحت أي ظرف العودة إلى الشحر عن طريق تريم. فالسيد أبو بكر الكاف في تريم هو بلا شك ثري وصاحب نفوذ, لكن لست له سلطة فيها ويحظى بخدمات البدو مقابل المال, ولا يمكنه تقديم حماية مسلحة ضدهم. أما سلطة القعيطي فهي قوية وجنوده من العبيد راية تحتمي بها.)
أما الوضع السياسي والإجتماعي في حضرموت في تلك الفترة (عام 1931م )أبان حكم سلاطين القعيطي وآل كثير قبيل الحرب العالمية الثانية بسنوات قليلة فقط ، كان يتمثل بشكل رئيسي في فقدان الأمن والاستقرار ،وانتشار الجهل و الثأر و الفقر والرق، والمرض والمجاعة التي مات فيها الكثيرين من السكان في وادي حضرموت ،وتشردوا من ديارهم وقراهم وأنتقل البعض منهم إلى المدن الساحلية ، كمانقله بشكل متواترأحفادهم ممن عاصر تلك الفترة وكان شاهداً عليها ، ولاحظه هولاء الزوار لحضرموت ودونوه في كتبهم ،وكانت هذه أيضا هي الفترة التي شهدت اقتتال قبيلة الحموم مع السلطات القعيطية في حروب طويلة في جزء من المنطقة الساحلية التي تقع تحت نفوذ السلطان القعيطي ويقطنها الحموم ؛ ولقد كانوا أي- الحموم - من القبائل الحضرمية الكبيرة ومن أشدها معارضة لنظام القعيطي في تلك الفترة0
ويتابع المؤلف وصف رحلته من مدينة المكلا في ظل هذه الأجواء، بعد أن بدأ ينفذ مارسمه له الوزير المحضار فهو يقول : ( أرسل لنا الوزير في اليوم التالي حافلة بسائقين وأربعة جنود. كان علينا أن نسافر في ذلك اليوم إلى شحير فقط. (وشحير تصغير شحر) وبعد الظهر سارت بنا العربة عبر بوابة المدينة – يقصد هنا مدينة المكلا كانت لها سدة أو بوابة - المنيعة التحصين وعليها الحراس ) ويتابع وصفه للطريق الشاقة وقوافل من الجمال تسلكها في طريقها إلى الوديان والداخل وكذا محطات الجمال والبدو الذين يسوقون هذه الجمال ويعلفونها ويسجل كل ماوقعت عليه عينيه وهو في طريقه للوادي عبر شحير ويقول :(000. وهناك بعض الحمير التي ينام بينها البدو وهم يتغطون بفوطهم أو يجلسون حول موقد للنار يأكلون من أوان خشبية ثريدا من الخبز المفتت مع قليل من الدهن. والبعض الآخر منهمك في مهمة تحميل الجمال وهي مهمة شاقة.) وقد لاحظ الرجل كيف أن الأطفال يقومون بجمع روث الجمال في زنابيل, وعرف من هذا أن له قيمة كبرى إذ يستعمل في الوقود. ويتضح انه خالطهمٍٍٍِ[ أي البدو ] في هذه المحطات قال (000 وتموج الأرض بقمل الجمال, وهو في الواقع نوع من القراد، وتنتشر رائحة بول الجمال النفاذة مع العرق فوق هذا الانتشار الواسع )
وظل الهاجس الأمني للزائرين أكثر اهتماما لهما قال: (وعلى الطريق قلعتان محصنتان بالجنود. وبعد البقيرين بمسافة قصيرة تنتصب صخرة طلاؤها أبيض. ووضعت على الجدار الصخري على جانبي الطريق علامتان توضحان, حتى في تلك المنطقة الجبلية, متى تكون البلاد في حالة سلم وحالة حرب. ولا يسمح بأخذ الثأر أو تسوية ضغائن قديمة في المدينة أو حولها.وعلى بعد مسافة قريبة من حدود تلك العلامات, أقام عشرون بدويا معسكرا مؤقتا تحت صخرة معلقة. وعلى قمة الصخرة في الجانب الآخر من الطريق يقف الحراس باحثين عن أي قافلة تمر على الطريق العام. وقد عادت إحدى القوافل سالمة إلى المكلا بعد أن أدت مهمة تتعلق بالأخذ بالثأر. وأدركنا لاحقاً أن وجودنا لابد أن يكون السبب في إطلاق سراحها.)
وحتى الآن لم يبتعدوا كثيراً عن مدينة المكلا عاصمة السلطنة القعيطية ، بل ما هما إلا في تخومها فقط وتلك كانت جزءمن هذه الظروف التي كان قد عاشها الحضارم في طريقهم لبناء مجتمع حضري متقدم عما جاوره من مناطق اليمن والخليج المجاورين ،ولاشك أننا قد قطعنا شوطاً كبيراً في بناء مجتمع مدني متحضر يسوده الإستقرار والسكينة فتباً لمن عكر صفو مجتمعنا في حضرموت وأراد شده لمثل هذه الظروف 000 و لم يكن السير نحو التنوير والتعليم والثقافة والعمل أليه بالأمر اليسير، حديثنا ووقفاتنا لم تكتمل بعد 0

أبو صلاح 02-13-2012 12:16 PM

أول لقاء مع قبيلة بدوية حضرمية

كانت تلك علامة واضحة لأغلب الزوار من الباحثين والسائحين والمغامرين الأوربيين على اهتمامهم باكتشاف المجتمع الحضرمي من الداخل ،وأنتقل ( الكولونيل" دانيال فان در ميولين والرحالة الجغرافي"لدكتور. هـ . فون فيسمان)إلى اللقاء بمكونات المجتمع الحضرمي المختلفة ،وهنا أثار منظر ذلك السهل الشاسع في أحد المنخفضات التي تقع بين الجبال على الطريق المؤدي إلى مدينة الشحر و تنمو في تربته الطينية الأعشاب. وترعى فيه الأغنام والخراف والحمير والجمال منتشرة بعيدا عن بعضها البعض. وتجلس الرواعي " البدويات " فوق قمة تراقب رعي هذه الحيوانات حيث المرعى ، وعلى مسافة غير بعيدة من المقر الرئيسي للبدو الرحل في هذه الأماكن أو تجمعهم في هذه المنطقة التي تعرف بريدة الشحر [والريدة مكان هضبي مرتفع عن مستوى سطح البحر بمئات الأمتار مستو يتخذه البدو مكان لأستقرارهم فوق هضاب حضرموت سواء كان في شمال حضرموت أو جنوبها ] وقد لاحظ مكان تجمعهم أي البدو في ريدة الشحر على يمين الطريق المؤدية إلى الشحر قال: (000. فاتجهنا نحوهم نحمل آلات التصوير ونحن نتوجس خيفة. ولم يلحظونا, كما أن كلاب الحراسة الشرسة التي تنتشر في الجزيرة العربية والتي تجعل المرور بمعسكر للبدو أمرا مستحيلا لا وجود لها هنا, وغيابها هذا كان لافا للنظر ) ولم تكن للبدو في هذ ه الهضبة من حضرموت كلاباً للحراسة وبيوتاً من الشعر والخيام كبدو الصحراء الذين سبق للزائر رؤيتها في أماكن أخرى من صحراء نجد أو الدهناء أو النفود قال : (ويبدو أن البدو في حضرموت ليس لهم خيام, إنما يسكنون في كهوف أو منازل أو كواخ, أو يعيشون كما في هذه الحالة بلا مأوى. فيشيدون كوخا على مساحة خمسة أقدام, حيث ينصبون أربعة أعمدة طولها حوالي ثلاثة أقدام ويعرشونها بأعمدة أخرى يغطونها بحشائش جافة طويلة. لا يمنع هذا الكوخ الشمس كثيرا. توجد منها هنا عشرة أكواخ متناثرة. بعضها أكثر بدائية, عبارة عن أعشاب مغطاة بخرق بالية وليس بها غلا بعض الظل)
ويروي الكولنيل دانيال وصديقه فوسمان أنه ذهب أليهم وهو يحمل كاميرا للتصوير فكانت ردود أفعالهم عند اللقاء إ ثار بعض الصخب,
لكنهم لم يتضايقوا أو ينفروا من رؤية هولاء النصارى الحمر بينهم بل أبدوا تفهماً وترحيباً بهم واستعدادا للرد على أسئلتهم بفطرتهم البدوية السخية المتسامحة ولم يفتهم ملاحظة النساء والأطفال الذين كانوا قد تجمعوا حين وصولهم لإشباع فضولهم قال :( 000وأجابوا على أسئلتنا بشيء من الفضول. وجلس النسوة والأطفال وبعض الشيوخ العجزة تحت ظل الأكواخ البائسة. ويرقد الأطفال في مهد مصنوع بطريقة عملية . ويبدون في داخله مثل المحار الذي له أرجل. حيث يرقد الطفل في الجزء الأسفل بينما يحميه الانحدار الأعلى من الشمس والريح, وتحمل الأم هذا المهد في ترحالها وتجعل الجانب المفتوح في واجهتها. ويرقد الطفل فوق زعف منسوج أو جلد. وفي حالة الجلد يوضع فيه ثقب بعرض بوصة لخروج الفضلات. )
وقد أثار أنتباههم توجس الأمهات كثيرا من العين الشريرة قال : ( فكان علينا ألا نبدى اهتماما' ملفتا بأطفالهن )
ومن اجل كسر الحاجز النفسي والدخول بشكل مباشر معهم ،وكسبهم بشكل مادي وعاطفي قال :(وزعنا بعض قطع النقود على الأطفال والشيوخ, وبعدما تبادلنا معهم الحديث أخذ توجس الآخرين يتلاشى. ورأت إحدى النساء ضرسا ذهبيا في فم أحدنا, فكان علينا أن نسلم أفواهنا لكشف دقيق. وانفجرت صيحات الضحك وتبعها مرح طاغ.
ثم أخذوا يكتشفون العديد من الأشياء الغريبة عن الأفرنج. فبعد أن فحصت المرأة التي في المقدمة أفواهنا, ذهبت أبعد من ذلك. أخذت تفك بأصابعها القوية الداكنة الجزء الأعلى من كم ذارعي. كانوا كلهم ينظرون في ترقب. واندهشوا عندما وجدوا أن الجزء المغطى من بشرتي أيضاً أبيض. وانفجر الجميع بالضحك, وتواصلت عملية الفحص. ثم انتزعت المرأة قميصي من البنطلون, وعندما ظهرت بطني أيضا بيضاء, انفجرت صيحة طويلة: "آله" تعبيرا عن ذهولهم. واستمرت اليد الداكنة تمسح بإعجاب ذلك الجزء من جسدي.)

كان هذا ما أراد المؤلف أن يصوره عن مجتمع البدو وعن قساوة الطبيعة والمعيشة التي جعلت من النساء يثيرهن لون بشرته البيضاء التي تبدو لهن ملفته للنظر وتثير الدهشة والاستغراب فأخذن يتحسسن بشرته بأيديهن الداكنة الخشنة كما قال بل ذهب لأكثر من ذلك وقال :( وعندما أرادت المرأة أن تواصل فحصها لجسدي, أكدت لها أنه كله من نفس اللون. فقالت: "هل فعلتم هذا بالصابون"؟. فقد سمعوا أن الإفرنج معتادون على غسل أجسادهم بالصابون. فقلت لها "لا إن الله خلقنا هكذا". فقالت: "لا شك أنكم تعيشون في منازل ولذلك فإن الشمس لا تحيل أجسامكن داكنة كما تفعل بنا, ولا شك أنكم تعيشون على اللبن". فقلت لها: "لا , إننا نأكل نفس الأشياء التي تأكلونها". فقالت: "ابقوا معنا وسوف نرقص ونصفق لكم الليلة". وأخذت سائلتنا المرحة ترقص وتصفق, فكان ذلك مصدر تسلية كبرى للنساء الأخريات. فقلت لها: "يسعدنا جدا أن نبقى, لكن ليس لدينا وقت, فعلينا أن نمضي بعيداً. "فقالت" لا , ابق هنا, وسوف نعطيك زوجة". فلم أتمالك من فحص النساء غير الجميلات اللائي أحطن بي. وقرأت المرأة أفكاري. فقالت: "لا, الفتيات الجميلات في المرعى وسوف يعدن بعد المغيب".)
وعندما ظهرت له اثناء هذا الاجتماع بالنسوة الوقوف على تفاصيل دقيقة من مجتمع النساء البدوي قال : (000رغم ما في حياة المرأة البدوية من بؤس وبدائية, إلا أنها تبذل جهداً كبيرا لتبدو جميلة.) ولم يزد الكولونيل" دانيال فان در ميولين في شرحه بعد هذه المقابلة بنساء البدو إلا أن قال :( 000 أما بالنسبة لذوقنا فإن النتيجة في الغالب قبيحة, إن لم تكن مفزعة.)
سنواصل معه الرحلة حتى نقف على الكثير من المحطات التي يفرق بيننا وبينها أكثر من واحد وثمانون عاماً حين كانت البداوة تمثل جزء كبيراً لايستهان به من مجتمع حضرموت قبل أن يتم استقرارهم وتوطين الكثير منهم ودخول التعليم والحياة المدنية أليهم وفوق هذا وذاك تعلمهم الكثير من الشعائر الدينية التي كانت تغيب عنهم 0

أبو صلاح 02-14-2012 09:13 PM

شحير ومدينة يفوح منها رائحة التمباك


لازلنا نسير في ركب (الكولونيل" دانيال فان در ميولين والرحالة الجغرافي"لدكتور. هـ . فون فيسمان) في الوقفة السابقة المتوجه إلى وادي حضرموت عبر خط الطريق القديم مروراً بشحير والشحر إلى الشرق من مدينة المكلا عاصمة السلطنة القعيطية في عام 1931م ،وتقع شحير قريباً من ساحل البحر العربي , وتبعد عن مدينة غيل باوزير بنحو 9 كيلومتر فقط .
كتب" الكولونيل" دانيال فان در ميولين" وهو يصف رحلته (تقع قرية شحير على الجانب الأبعد من الساحل, يقال إن سكانها 1500 [ لاشك أن هذا العدد قد تضاعف كثيراً في وقتنا الحالي ] يعيشون في أكواخ من الطين. وينتصب منزل الشيخ [ يقصد الشيخ الوالي أو الحاكم على هذه المنطقة يعرف "الماس "وهو من حاشية السلطان القعيطي الذي كان يحكم المكلا] في مكان بارز, والمنزل هو أيضا الحصن الذي يدافع عن المدينة ضد الهجمات. وفي المصطبة [ يقصد الدكة ] مدفعان صدئان. توجد في الجدران السميكة فتحات في كل طابق, والنوافذ صغيرة. مضيفنا هو "الشيخ الماس", الذي استقبلنا بحفاوة في مجلسه. وبناء على رغبتنا أمر بإعداد مكان لنا فوق السطح, لكن كان علينا أن ننتظر حتى يتم إبعاد النساء عن طريقنا. فقام مضيفنا بالتأكد من أن النساء اختفين خلف الأبواب المغلقة قبل أن يسمح لنا بمصاحبته إلى أعلى000)وفور الإنتهاء من أستقبال الضيوف وتقديم الشاي لهم مع بعض الفواكه البطيخ والتين الطازج والمر والحلو تعرف الزائر على مضيفه الشيخ "الماس " الذي كان ينتمي إلى أسرة السلطان, ووصفه الزائر بقوله : (وبه لمسات من دم هندي) ويمكن الرد على هذا أنه من تأثير الهجرة إلى الهند ولعلاقته الأسرية بمؤسس السلطنة القعيطية عمر بن عوض القعيطي الذي كان أحد الأثرياء في حيدر أباد بالهند 0
وقد كان في المنزل في نفس الوقت العامل أو الحاكم الذي يتولى أمر السلطنة في منطقة غيل باوزير وهو بالمناسبة أخو الشيخ "الماس "وقد طلب منهم زيارة غيل باوزير وحفزهم للزيارة بأن ذكر لهم مزارع التمباك الشهيرة التي يملكها هناك وتعد المنطقة من أفضل روائع الجزيرة العربية قال :(وألح علينا أن نزور غيل باوزير أغنى وأغنى وأجمل بقعة في الجزيرة العربية،ووعدناه أن نعبر على الغيل في رحلة العودة.)لكنهم لم يزورها إلا بعد عودتهم من تريم ووصولهم المكلا رجعوا مرة أخرى لزيارة الغيل 0
لم يكن في حسبان (الكولونيل" دانيال فان در ميولين والرحالة الجغرافي"لدكتور. هـ . فون فيسمان) أنهما على موعد زفاف لأحد الأهالي في نفس الليلة التي وصلوا فيه "شحير " ليستمتعا ويشاهدا الرقص الفرائحي للزفاف في تلك الليلة في "شحير "جنوب مدينة المكلا قال :( مكنتنا من موقعنا المتميز فوق السطح [ يقصد هنا الريم كعادة أهل وادي حضرموت يصعدونه للمبيت في ليالي الصيف الحارة ] أن نشاهد الاحتفال. ثم أضيئت مصابيح الغاز [ التريكات ], وبدأ بعد ذلك الرقص في الساحة, فوقف الرجال والنساء قبالة بعضهم البعض في صفوف طويلة, ثم أخذوا يقتربون ويبتعدون عن بعضهم مع إيقاع أرجلهم وتصفيق أيديهم. ويشاركون كلهم في غناه رتيب متواصل, يكررونه باستمرار بنفس اللحن. [ ولعله المريكوز المشهور في بعض مناطق حضرموت كالبوادي ،ويستبعد أن يكون الشرح بالمزمار المعروف بالظاهري الذي يعتمد الرقص فيه على الزفانة أو المشترحة التي تلاحق الرجل المشترح بصدرها وهو ممسك بيدها ويجذبها نحوه كما هو متعارف عليه في هذا الشرح ] أما كلمات الأغنية الفعلية فيقوم بإلقائها شخص واحد. كلهم يحفظون الأغاني القديمة ويجدون متعة في تكرار مقاطع منها ويجدون أيضا حماسة متزايدة من ذلك التكرار) هذا نوع من عدة أنواع من الشروحات الحضرمية من الملاحظ أن الهجرة إلى الهند وشرق أفريقيا لعبت دوراً في نقل بعضاً من أهازيج وطبول وأغاني من هذه البلدان و نقلها المهاجرون الحضارمة إلى بلدانهم 0
وقد أستمر الحفل إلى ساعات متأخرة من الليل قريباً من الفجر حيث قال :(000 ويتساقط العرق على صدور الرجال المكشوفة, لكنهم لم يرهقوا إلا قبيل الفجر، عندها هدأ صخب الاحتفال.أيقظنا السائق قبل أن يحل الضياء بأصوات بوق سياره أمام القلعة. فهو يعلم أن علينا أن نسافر إلى الشحر ونعود عن طريق الساحل قبل ارتفاع المد.)
وقبل أن نواصل السير معهم إلى الشحر وصولاً إلى وادي حضرموت نود أن نقف حول زيارتهما إلى مدينة غيل باوزير مادمنا قريبين منها بالرغم من أن زيارتها كانت بعد العودة من تريم حسب ماجاء في الكتاب0
رحلة غيل باوزير:
أستقلوا سيارة خاصة وضعها الوزير السيد أبوبكر المحضار تحت تصرفهم كما فعل من قبل. وكان ذلك في الرابع والعشرين من شهر يوليومن عام 1931م. وقد أطلق الزائر على غيل باوزير أسم (مدينة التمباك) ووصفها أيضاً بالمدينة التي تفوح منها رائحة التمباك وذكر بعض مشاهداته فيها من مزارع التمباك (التبغ ) التي يجني منها السلطان القعيطي دخلاً كبيراً ويصدر التمباك إلى الخارج لدول عربية كمصر وسوريا وبلدان أخرى وتقوم عربات النقل بنقل أكياس التمباك, البالغ طولها 200 ياردة, من الغيل إلى المكلا وذكر أنه يجلب لها السماد من المكلا وأماكن أخرى كالجزر في عرض البحر.وقال أن غيل باوزير ليس بها مظاهر من الجمال الطبيعي الملفت للنظر لكنه استثناء من هذا القصر السلطاني حيث قال:(000 ليس في مدينة غيل باوزير مظاهر جمال ما عدا القصر الكبير العتيق وبعض المساجد ) ويسمى هذا القصر باغ السلطان. وهو صورة مصغرة من تاج محل الشهير في البناء الهندسي الشرقي. وأصبح بعد الاستقلال الوطني للجنوب عام 1967م بيتا للضيافة ومنتجعا عاما. وتدهور كثيرا بعد عام 1995م ولم يعد صالحا للاستعمال كما جاء في هامش الصفحة من المترجم .
ومن الجدير ذكره أن غيل باوزير: تقع إلى الشمال الشرقي من مدينة المكلا وتبعد عنها نحو (43 كيلومتر)، وهو أرض زراعية واسعة فيها ينابيع ماء غزيرة جارية عليها كثيراً من أشجار النخيل وأكثر ما يزرع عليها التبغ - ويعرف هناك بالتنباك - وهو من أجود لأنواع المشهورة في حضرموت .
ومن الملاحظ أن الجودة تعود لعدد من العوامل المساعدة في زراعته في هذه المنطقة وقد توفرت لها المتطلبات الملائمة للزراعة من ذلك التربة المناسبة وتوفر المياه والتسميد بثلاثة أنواع من السماد حتى أنه أصبح عالي الجودة وقد نقل الزائر معلومات مفيده من غيل باوزير حيث قال: (يوضع السماد [ روث أو مخلفات الحيوان والإنسان والطيور ] للتمباك ثلاث مرات: الأولى بفضلات الطيور "الغوينو, والثانية بالسمك [السمك هنا يقصدالمجفف فهو سمك العيد الصغير, وبعد أن يجفف يسمى وزيف، ويجفف على مساحات واسعة عند ساحل البحر.], والثالثة بروث البهائم وفضلات الإنسان. ويروى بماء صاف وبكمية معلومة. ويوضع كل نوع من السماد في الزمن الصحيح. وتأتي أفضل أنواع الغوينو من جزيرة على الساحل الصومالي تمتلك السلطات البريطانية امتيازا فيها. ويوجد نوع آخر من الغوينو في جزيرة في بئر علي غرب المكلا )وهكذا تنتهي زيارتهما لغيل باوزير على أن نستأنف الوقفات لاحقا من الشحر سعاد الزبينة0.)

أبو صلاح 02-18-2012 12:16 PM

الشحر في عام 1931م رائحة الأسماك المجففة أقوى من رائحة المجارى.

لم يكن الشحر إلا وادي من الوديان الجافة التي كان يجري فيها في غابر الأزمان مياه السيول التي تنحدر نحو البحر، ثم جاءت الكلمة (الشحر ) لتطلق على المنطقة الساحلية الواقعة ما بين عمان و أبين في تاريخ مملكة حضرموت ، وفي مراحل تاريخية أخرى قبل الإسلام ايضا قيل لها( السوق) لكونها منفذا تجاريا لصادرات اللبان التي كانت تأتى به القوافل من ظفار إلى شبام ثم إلى (السوق) حيث يصدر منها إلى الخارج , وهي ايضاً كما في تاريخ (العرب قبل الإسلام ) أحد أسواق العرب القديمة في الجزيرة العربية يعرف يسوق الشحر , كما كانت واسطة للتبادل التجاري ما بين الهند و الخليج العربي و مصر و شرق أفريقيا من جهة وبين حضرموت من جهة أخرى0
مجد وأرث حضاري وتاريخي لمدينة الشحر التي تعاقبت عليها عصور وأحداث جسام لسنا بصدد الحديث عنها ،بقى أن نقول أن الشحر إذا ذكر أسمها ، تذكر معها الملحمة البطولية التي سطرها مواطنيها الأبطالوعلماءها الأجلاء ؛ ففي عام929هـ حين هاجم البرتغاليون المدينة و تصدى لهم المواطنون، و دار قتال شديد في الشوارع , وأنتصر وا وأستشهد الشهداء السبعة على ترابها 0
و منذ منتصف القرن الثاني عشر الهجري أصبحت حضرموت في يد عشائر يافع الذين كونوا لهم سلطنات وإمارات متعددة في مدن و قرى حضرموت حين أنكسر موج آل كثير أمامهم , وكانت الشحر من نصيب أل بريك الذين عقدوا تحالفات مع قبيلة الحموم و غيرها من القبائل التي تعيش في المنطقة المحيطة بالشحر . إلا أن أل كثير استعادوا السيطرة على مدن تريم وسيئون وشبام من أيدي اليافعيين ، ثم هاجموا الشحر سنة 1282 هـ و احتلوها و طردوا منها أل بريك . ثم قام السلطان عوض بن عمر القعيطي الذي قدم لتوه من الهند في العام نفسه بطرد أل كثير من الشحر و استولى عليها وجعلها نقطة انطلاق لاحتلال أراضي أخرى .
وحين وصل أليها ( الكولونيل" دانيال فان در ميولين والرحالة الجغرافي"لدكتور. هـ . فون فيسمان) في صيف عام 1931م فإنه بدأ زيارته للمدينة من القاء نظره على ساحلها ،وسورها الذي قيل أنه شيد في عهد آل بن بريك ليحمى المدينة من الهجمات المباغتة من قبل آل كثير والقبائل المتحالفة معهم ،وحين نظر لسوقها وشوارعها بدأ وكأنه ممتعضا بعض الشيء ولعله من سوء الحال الذي بدأ عليه مظهر وحال المدينة التي سبقت سمعتها أليه في اوربا فهو يقول :( تقع الشحر على ساحل مسطح متدرج الانحدار, حتى أن السفن لا تجد لها مرفأ إلا بعيدا في البحر. ورأينا في تلك اللحظة عددا من السنابيك والبحارة الذين يمارسون تجارتهم إلى ما بعد الغسق بوقت بعيد. يجري الممر من الساحل عبر رمال كثيفة إلى البوابة, التي تفتقد الآن أي ذوق معماري. أما السور فهو أيضا جديد وجانبه الداخلي مقوى بأعمدة من الطوب المصنوع من الطين. ويبدو أن السور أكبر من حجم المدينة, لذلك نصفها ميت وآخذ في التداعى خلف الجدران، العديد من المنازل غير مأهولة, وتهدم بعضها. عبرنا ساحة شاسعة في طريقنا من شرق المدينة إلى غربها. الشوارع قذرة, حتى المنازل المأهولة يبدو عليها الإهمال. )
وحاول الزائر أن يتوغل في أزقة وشوارع المدينة لكن رائحة السمك المجفف الذي يغطي سواحلها ولا يجد وسيلة حديثة لحفظه أو الأنتفاع به ،تجعل رائحته تضائق الزائرين ضيوف الحكومة القعيطية قال :(وتحلق فوق المدينة رائحة الأسماك المجففة المتعفنة, إنها رائحة أقوى حتى من رائحة المجارى.)ويبدو أن النظافة لم تكن من أوليات سلطات المدينة التي تقع المباني الحكومية لها في الجزء الغربي من المدينة.وأما القلعة التي تواجه أي غزو من جهة البحر تسمى حصن القعيطي وقد بناها في مكان حصن بن عياش على لطراز الهندي فهي :(تقف بجانب البحر على تل رملي شاخ, تمت حديثا صيانة المبنى, وتعطي خطوطه البسيطة القوية انطباعا جميلاً. وفي طابقه الأرضي مدرسة مؤقتة تضم بين 300 إلى 400 طالبا000 )وحين وصل الزائر مبنى الحكومة,الذي تقف أمامه ساحة نصبت عليها مدافع ضخمة عتيقة وبجانبها سارية تقف وحيدة أخذ يصفه ويقول : (000 مبنى ضخم مستطيل جيد البناء, وشيدت على السطوح شرفات لتناسب طقس الشحر الحار الرطب.) لكن حاكم المدينة لم يكن بالمنزل في ذلك الوقت ولعله كان في نزهة على ساحل البحر قال (000 فقد التقينا به على الساحل في عربته الأمريكية الجميلة. ملامحه هندية, ويبدو أنه متمدن لحد كبير بالنسبة لمدينته شبه المعزولة عن العالم الخارجي التي ما زالت تحلم بأمجادها الغابرة. كانت الشحر بحق في وقت من الأوقات أكبر من المكلا, بل كانت مركزا تجاريا هاما حتى قبل ظهور المكلا)0
وفي الوقت الذي كان الزائر يتجول في المدينة قد لاحظ خارج السور المقابر والقباب المشيدة على بعضها ، لفت نظره مبنى جميل قد شيده الثري السيد أبو بكر الكاف كداراً للضيافة قال :( 000 ويمتلك بالقرب منها [أي المقابر ]السيد أبو بكر الكاف, رجل تريم, قطعة أرض أقام عليها قصر ضيافة فخم لأقاربه وأصدقائه القادمين من جاوا إلى تريم أو عائدين منها عن طريق الشحر.)
وخلال هذه الزيارة أيضا كاد مشروع السيد أبو بكر الكاف لربط مدينة تريم بالشحر أن يكتمل ما عدا مسافة قصيرة من الساحل عبارة عن مسيرة ثلاثة أيام بالجمال لولا الفوضى القبلية التي تعترض طريق تقدم النقل والمواصلات في حضرموت كما أفادنا بذلك الزائر قال : ( فإذا اكتمل هذا الطريق, بالرغم من معارضة قبيلة الحموم المقاتلة التي يمر الطريق بأغلب منطقتها, فربما استطاعت الشحر أن تنمو وتملأ الجدران التي تحيطها.)وتحت ضغوط قبلية توقف هذا الطريق أكثر من مرة ، وكان قد بدأ العمل فيه من جهة تريم عام 1927م . ولأن حضرموت تجتاحها الفوضى وعدم الأستقرار ،وضعف حكومات السلطنتين الكثيرية والقعيطية ،فلم يستطيعا إقامة طرق معبدة ولاهما قادرتين على تأمين الطريق حتى أن السيد أبو بكر بن شيخ الكاف عقد مجموعة اتفاقات مع القبائل المار الطريق في أراضيهما، وأخذ منها عهودا بأن لا تتعرض للسيارات المارة في حدودها القبلية المعروفة ،وفي المقابل تعهد أبو بكر الكاف بتعويضهم بمبالغ مالية0
وكان آخر عهد الضيوف بالمدينة قبل مغادرتها أن قاموا بزيارة أخرى للمدينة ،وأخرى لنائب الحاكم بتسنيق من موظف هندي يعمل بالمدينةقال :(000ساعدنا في تلك الزيارة مفتش الضرائب وهو هندي على قدر رفيع من التعليم. كان استقبال نائب الحاكم حارا ووديا. فسرنا عبر مجموعة من الحراس الأشداء إلى مجلس على الطريقة العريقة, حيث النوافذ والشبابيك والأعمدة الخشبية مزينة بنقوش, والسقف مطلي بالأبيض والأحمر والأسود. وشاركنا بلذة في شرب الشاي مع كميات متنوعة من الحلوى والفواكه الطازجة والمعلبة.)ثم غادروها وهم يعتقدون أن سكانها هو لا يتعدى 6000 نسمة ،خلافاً للتقارير الرسمية التي تقول أن سكانها هم 9000 نسمة قال :( وبما أن الغربيين لا يدركون مدى ازدحام المنازل العربية الكبيرة بالسكان, فيبقى تقديرنا غير مؤكد، وبالمدينة 36 مسجدا.)

أبو صلاح 03-10-2012 05:33 PM

الوقفة السابعة:
الرحلة إلى دوعن و "الموتر "قائداً للرحلة والسيد علوي يدبر أمر الحمير !
وأخيراً تقرر سفر القافلة من المكلا إلى دوعن وبعد أن قاموا بكل الترتيبات. فكان على ( الكولونيل" دانيال فان در ميولين والرحالة الجغرافي"لدكتور. هـ . فون فيسمان) أن يدفعوا مائة وستين روبية لأصحاب الجمال التي ستحمل أمتعتهم ، وحمارين قد تكفل السيد علوي بإدارة شؤنهما ،ومرتب اثنين من الجنود العبيد الذين سيتولون حراستهما . وقد رافقهما اثنا عشر بدويا من قبيلة سيبان. ومعهم جمالهم المحملة بالبضائع, لكنهم سيأكلون من المؤن الوافرة التي أحضرها قائد القافلة من الطعام وغيره الذي للرحلة من المكلا إلى دعون التي تستغرق ستة أيام. أما السيارة فتكون مهمتها فقط نقل الأجنبيان الكولونيل" دانيال فان در ميولين والرحالة الجغرافي"الدكتور. هـ . فون فيسمان والسيد علوي وخادمه وطباخا يتولى أمر الطباخة 0
بقى أن نعرف من هو قائد الرحلة الذي أوكلت له المهمة ويحظى بثقة الوزير المحضار الكاملة في عاصمة الدولة القعيطية بالمكلا،وقد تعهد أنه سيحملهما إلى دوعن حتى يوصلهما إلى حاكمها "باصرة 0 "ذاك هو سائق العربة الحكومية الصغيرة الذي يلقبونه "موتور" أي السيارة قال عنه الزائر: ( وهو لقب حديث استحقه بجدارة لأنه كان يقطع المسافة من دوعن إلى المكلا في يومين وليلتين عندما كان يحمل الرسائل الحكومية العاجلة.) ووصفه عند ما شاهده قال :(كان (موتور) صغير الحجم, وشعره المموج المدهون الأسود معقوص بضفيرة جلدية رقيقة حول رأسه، ويعلق على رقبته سلسلة يتدلى منها خاتم فضي يتوسطه حجر بني مستدير في حجم ظفر الإبهام. ويلف حول خاصرته قماشا داكن الزرقة وضع فيه غمد سكنية (يسمونها جمبية) , و هذا كل لبسه) المتواضع الجميل بدوي حضرمي من الطراز القديم،في هيئته وفطرته ، واكب التطور من الجمل إلى السيارة 0
غير أن السيد علوي العطاس أحد أهم اركان الرحلة والذي تربطه علاقة قرابة بالوزير المحضار لا يرتاح كثيراً ولا يطمئن حاله من البدو المرافقين للقافلة وهكذا كان موقف الطباخ صالح ،ولهذا قال القنصل دانيال معلقاً : (000 وما فتئ رفيقنا السيد علوي يؤجج نيران غضبنا وضقنا بترداده المستمر وعلى وجهه مسحة غموض قائلاً: "هؤلاء البدو أيها القنصل أناس رديئون , رديئون, رديئون جداً")
وحتى الان لاتزال القافلة في طريقها متجهة نحو دوعن فكانت أولى محطاتهم التي وصولها بعد ساعات من سيرهم قرية "لصب" الصغيرة. وبالقرب منها يخرج جدول صغير ينساب منه الماء إلى مزارع الذرة في القرى, لكنه لا يمكث طويلاً، ويزرع الموز والباباي هناك على حافة الحقول. أما سكان تلك القرى فلا يظهروا للقادمين غير أنهم ينظرون من فتحات صغيرة كالنوافذ في مساكنهم المبنية كالحصون العالية و ترتفع في واجهة الجبال0
لقد غادروا قرية اللصب وبدوا ينحدرون نحو الوادي ثم يعودون للصعود فقد كانت الطرق تمر بشقوق طولية وعرضية بين الجبال يشعر الراكب أنه يهبط ويصعد أحيانا لكنه يسير في أتجاه وادي دوعن وهذا ماوصفه الكولنيل دانيال قال : (000. سرنا في اتجاه الشمال الشرقي والشمس متوهجة أمامنا على زاوية مائلة, كنا في حالة صعود مستمر على امتداد الطريق.) ويضيف أيضا :( وعبرنا عند "العضوضة" على بئر ماء كبيرة, وشاهدنا "زيمان الكبرى" على يميننا قريبة من منحدر الجبل. وتنمو بين مزارع التمباك الشاسعة أشجار النخيل وجوز الهند والباباي والموز.)
كما شاهدوا عدة قرى منها "زيمان الصغرى "ومما لفت نظرهم تلك البنايات البيضاء المطلية بالنورة والتي تبدوا كعلاملات بارزة على الطريق منها يروي العطشان لهيب ظمأه قال : (000عرفنا هنا للمرة الأولى على تلك المؤسسات التي أقامها التقاة لحماية المسافرين من الظمأ, وهي "السقاية. ) والسقاية عبارة عن بناء صغير مساحته عموما خمسة أقدام مربعة وارتفاعه ستة أقدام, وسقفه في شكل قبة, ومبني من الحجر الطبيعي أو من الطين ومطلي بالجير الأبيض. وعلى جوانب جدران السقاية فتحات مربعة أو مثلثة على ارتفاع خمسة أقدام من الأرض, ومن خلالها يغرف الإنسان الماء من حوض عمقه ست بوصات مشيد على ذلك الارتفاع من السقاية. ويملأ الحوض يوميا بواسطة شخص يحصل على أجر من الوقف المخصص لهذا الغرض. وتوجد قرعة نارجيلة أو علبة صدئة أو كوب خشبي في إحدى فتحات السقاية, تستعمل للشرب.
ويطرح الكولنيل ملاحظته حول عادة لفتت نظره من وحي مشاهدته لشرائح اجتماعية مختلفة في المستوى الاقتصادي والجاه المعنوي تعامل معها في حضرموت أوحت له "السقاية "وطريقة الشرب منها حين قال :( وعلى المرء أن يألف سريعا العادة المتأصلة في هذه البلاد وهي شرب مجموعة من الناس من نفس الإناء تباعا، وحتى بين الأثرياء والسلاطين, فإن أكواب الشرب الخزفية الضخمة تنتقل من ضيف إلى آخر، ويشرب منها الجنود والعبيد أيضاً) وكان يحاول أن يبدي امتعاضه ايضا من شرب الماء من السقايات لكنه استطرد قائلاً ( وماء السقايات أغلبه متسخ , وبه خليط من الروائح والمذاقات،لكن الظمأ يعلم الإنسان التغاضى عنها, وبمرور الزمن يتلاشى التمنع.)
ولفترة زمنية قصيرة توقفت القافلة في قرية "زيمان الصغرى" تزودوا بمزيد من الحليب واللبن الخمير، الرائب [ الروبة ] وبعضاً من الفااكهة كاليمون وجوز الهند والموز, ثم واصل الجميع سيرهم بأتجاه قرية"الغيضة "أوالغياضة وسط مزارع تمباك مزدهرة ومحاطة ببساتين نخيل صغيرة. و كان عمدة قرية "الغيضة" من أقارب علوي العطاس المرافقف لهم بالرحلة , لذلك قال الكولنيل دانيال :( كنا تواقين لزيارته0 ووجدنا باب منزل العمدة البسيط محلى بزخارف بديعة. واستقبلنا في غرفة صغيرة معتمة, تستعمل مخزنا للتمباك وللاستقبال في آن واحد. عاش العمدة في بتافيا سبع سنوات, وكون ثروة من تجارة (الباتك), وما زال ابنه يواصلها هناك. وحالما علمت ذلك اقترحت عليه أن نتحدث باللغة الملاوية بدلا من العربية.)
فوافق مضيفهم وسرعان ماعادت بهم الذكريات إلى جزيرة جاوة الجميلة الحالمة 0
وحتى لقاء آخر لمواصلة الرحلة تقبلوا تحياتي0

أبو صلاح 03-23-2012 11:23 PM


والبدو ديمقراطيون إلى حد بعيد !!

وصباح اليوم التالي من الرحلة بعد توقف في قرية "زيمان الصغرى ) استأنفت المجموعة رحلتها بين الهضاب والوديان عبر الطريق الغربية
عبر " جول مسحة " -حاليا – بعد المرتفعات الهضبية فوق منطقة الحرشيات من الجهة الغربية مروراَ بمنطقة الرقق ثم ثلة باعمر العلياء ثم بعض القرى كاللصب" و" اللبيب ، وقبيل المغادرة وبناء على طلب المضيفين الذين وقفوا جميعاً في وداعهم قال الكولونيل دانيال :(000 وأخذنا لهم صورا فوتوغرافية بناء على طلبهم.) ثم أخذ يصف الطريق بعد تحركهم من تلك القرية السالفة الذكر قال :( تابعنا مجرى السيل العريض ثم عبرنا الهضبة التي تحيطها مصاطب ارتفاعها 300 قدما تقريبا. وعند نهاية الهضبة تقع قرية "حمم" على ارتفاع 50 قدما فوق تل في حافة الوادي الذي اتخذ اسمه منها. )
فقرية "حمم "هي القرية المشهورة في حضرموت
التي أتخذ التمباك (ألحمي ) شهرته منها وهي تبعد عن مدينة المكلا حوالي 50 كيلو متر تقريباً ،وهي موطن قبيلة" آل باهبري " السيبانية وأستوطنها اليوم آخرون ، وتزرع بها كثيراً من أشجار جوز الهند على مياه الينابيع الصغيرة, التي تسقى مزارع الذرة والتمباك الذي يزرع بعناية وخبرة فائقةعند سكان المنطقة ؛ وقد اشتهر بمذاقه المميز لمدخنين المداعة "الرشبة "0
كان الزائران الأجنبيان ( الكولونيل" دانيال فان در ميولين والرحالة الجغرافي"لدكتور. هـ . فون فيسمان) ضمن أهدافهما للرحلة إلى حضرموت يجمعان بعضاً من أوراق الأشجار والحشرات اضافة إلى المعلومات الأخرى عن مجتمع حضرموت قال :( 000حصلنا في معسكرنا [ يقصد المخيم المنتقل ] في حمم على كميات وافرة من الحشرات والنباتات. عثرنا على الفراش المسمى مبتلع الذنب (Swallow -Tail).)
ولم يفت عمدة حمم واظنه أحد شيوخ قبيلة باهبري السيبانية أن يزورهم ويحدثهم عن قرية ( حمم ) البالغ سكانها بين 200 و300 نسمة والتي تتخصص في زراعة التمباك, وهو المصدر الأساسي لمعيشتهم. ولذلك لم يهاجر إلى جاوا من رجاله سوى ثلاثة, لكنه سمع كل خير عن أرض جاوا وماتدر به من العسل واللبن على الحضارم ونساءها ذوات الأنوف القصيرة والعيون الصغيرة وكم يتمنى أن يذهب إلى هناك .
والبدو كعادتهم دائماً قلما يصدقون مع غيرهم ويجسدون دوماً مبدأ الميكيافلية (الغاية تبرر والوسيلة ) لهذا قال :(وعندما تقدما قليلا مررنا بمكان يسمى "كبر", زعم البدو أنه آخر مكان يمكن أن نجد فيه الماء لساعات, وألحوا علينا بشدة أن نرتاح هنا لفترة ما بعد الظهيرة. ومباشرة بعد موافقتي, اتضح لي أن القصة عن الماء اخترعت من أجل أن نتوقف.) كان المكان غير ملائم للتوقف والراحة من متاعب السفر لكنها كانت رغبة البدو المرافقين لهم , والماء يجلب من بئر في بطن الوادي من عمق عشرين قدما. قال (000ووجدنا أنفسنا مرغمين للبحث عن ظل يقينا من الشمس بين فجوة من الصخور ليس فيها مساحة كافية.) اغتنم فون فيسمان الرحالة والجغرافي الألماني زميل دانيال في الرحلة الفرصة وتسلق الجرف الشديد الانحدار الذي يصعد إلى الهضبة, يصاحبه أحد الجنود العبيد لكن البدو أخذتهم الدهشة والاستغراب من فعله وكأنهم يعتقدون أن لا أحداً يفوقهم في تسلق الجبال لهذا لم يصدق البدو أن "الإفرنجي" سوف يتمكن من الصعود بحذائه وسرواله أو بنطاله يتسلق جرفاً من الصخور الجيرية تصل إلى ارتفاع أكثر من ستون قدماً وأثناء ذلك قال الكولنيل دانيال :(000 وكانوا يتابعون محاولاته باهتمام من معسكرنا. لقد ولد فون فيسمان وتربى في الجبال الصخرية في "ستيريا", لذلك عندما تمكن من أن يقهر جزاء من الجدار محفوفا بالمخاطر بينما لم يتمكن الجندي إلا من متابعته بمشقة, فإن شعبيته ترسخت نهائيا بين أهل سيبان.)
فإظهار التميز وخرق العادة والرجولة والشجاعة حتى ولو في الباطل عادة مدعاة لكسب الشهرة أو الشعبية بين كثير من الأعراب وتأكيداً على ذلك قال:(000 وأصبحوا يلقبونه منذ ذلك الوقت "حرمل", وهو يعني الرفقة الحسنة, ولازمه الاسم طوال إقامته في حضرموت. و"حرمل" تحريف لكلمة "هيرمان" وهو نبات شهير في حضرموت لا تأكله الأبقار, فهو لذلك عديم الفائدة.)
وهذا مايظنه الكولنيل القنصل الهولندي غير أن الصحيح أن" الحرمل"هذا النبات العشبي الذي لا تأكله الأغنام أو الأبقاروينمو بريا في معظم بلدان الوطن العربي، خاصة في المناطق الصخرية في البيئات ذوات المطر الوفير نسبيًا كبلدان البحر الأبيض المتوسط ، فإن له فوائد طبية منها في الطب الشعبي الذي يتداوى به كثير من الناس اليوم ، كما تستعمل بذوره أيضا في أغراض أخرى كما يذكر بعض المختصين في إدرار اللبن عند النساء، وتقوية الناحية الجنسية عند الرجال. وقد أثبتت الدراسات أن القلوانيات التي تحويها بذور هذا النبات قاتلة للكائنات الحية الدقيقة، وأنها تؤثر في الديدان الشريطية0
وفي كل الأحوال فإن الرحلة والتعامل مع البدو مباشرة أكسبتهما شهرة كبيرة ولهذا قال عنهم "والبدو ديمقراطيون إلى حد بعيد,"لكن من أين له أن يستنتج ذلك ويتخذه حكماً قال :( لم يتمكنوا من حفظ اسمي, فأخذوا ينادونني منذ ذلك الوقت "قنصل". فإذا أرادوا أن يستفسروا عن شيء لا ينتظروا اللحظة المناسبة وإنما يصيحون من مؤخرة القافلة "يا حرمل" أو "يا قنصل". فأرد عليهم في الحال بنفس الصوت العالي "يا حاج" أو "يا سيباني". ثم يأتي بعد ذلك السؤال الذي أحاول أن أرد عليه مازحا. ) فالمجتمع البدوي تتمثل فيه الحرية الشخصية مع شظف العيش وقساوة الطبيعة حيث تكسبهم الصلابة و الصبر وقوة التحمل ،وتسقط كثيراُ من التكاليف المعهودة في مجتمع الحضر فهم يستمتعون بالضحك مع هولاء الأجانب من دون تكلف , قال : ( وإذا استطاع الإنسان أن يمتلك زمامهم بالحفاظ على روح المرح عندهم, فإنه يستطيع قهر ما هو عصي لديهم. واتضح لي ضرورة خلق صداقات مع البدو, على أن نحافظ في نفس الوقت على مسافة في علاقتنا حتى يشعروا بنفوذنا.)
ومما تجدر الإشارة أليه أن فون فيسمان استطاع أن يرى من فوق حافة الهضبة المرتفعة على البعد منظرا بديعا. في الجنوب الشحر والبحر, وفي الشمال أعلى جبل في حضرموت هو كور سيبان, والكتلة الضخمة للصخور الجيرية العتيقة. وفي الشرق والغرب السهل اللامتناهي 0
ثم أصبح من الضروري التحرك نحو دوعن بوادي حضرموت في صباح اليوم التالي حين بدأت الشمس ترتفع من اعلى الكتلة الصخرية التي كانوا قد باتوا تحتها قال :(000 وارتفعت الحرارة إلى 33 درجة, أرغمنا على الرحيل, بالرغم من أن البدو لم يكونوا ميالين لذلك. فكان إيقاظهم مشقة)
سنكمل الرحلة معهم إن شاء الله تعالى لكم تحياتي

أبو صلاح 04-01-2012 05:01 PM

كور سيبان والبدو يدهنون بالسمن والنيلة على اجسامهم!


لأكثر من 400 كيلومتر تمتد الهضبة الجنوبية في إقليم حضرموت الواسع من الغرب حتى الشرق ،على شكل قوس التوائي أعلاه في الغرب (كور سيبان )التي يصل ارتفاعها إلى 1230 مترا فوق مستوى سطح البحر وأدنها في الشرق نحو 615 متراً وتنحدر نحو الشمال باتجاه وادي حضرموت وهو طريق سير رحلة ( الكولونيل" دانيال فان در ميولين والرحالة الجغرافي"لدكتور. هـ . فون فيسمان) ورفقتهما من البدو والجمال والجنود من عبيد الدولة القعيطية والحضر يمثلهم السيد علوي العطاس المرافق للرحلة في مايو عام 1931م 0
وكنت قد تحدثت في الحلقة السابقة من هذا الموضوع الذي جعلته حصرياً على سقيفة التراث والتاريخ بسقيفتنا العامرة (سقيفة الشبامي ) عن توقف الرحلة في وادي (حمم ) الذي لايبعد عن الساحل سوى 50 كيلو متراً ،ونقلت لكم عن بعض المظاهر الطبيعية وأنشطة السكان في الوادي السالف الذكر وطرفاً من مجريات وصف الرحلة عبر الطريق الغربي المؤدي نحو وادي دوعن أحد أهم فروع وروافد وادي حضرموت الكبير مهد الحضارات الإنسانية و العربية القديمة ،ومهبط لبعض الرسل والأنبياء و بعض آيات الله الكونية والشرعية كما تحدث بذلك القرآن الكريم والتوراة والإنجيل ،وهاجر منه خيرة أهل حضرموت من الصحابة والتابعين 0 ومما تجدر الإشارة أليه أن أولى محطات التوقف للرحلة بعد استئناف السفر كانت قرية " الحسى" التي ينتمي أليها قائد الرحلة سائق السيارة المعروف "بالموتور "وكان ذلك مدعاة للتعطيل ومضيعة للوقت في ذلك اليوم, فلم يكن البعض على استعداد لمغادرة الحسى تحت أي ظرف.
لهذا قال الباحث :( نسي البدو الآن كل مشاحناتهم وأخذوا يشعون بالرضى واللين. ونهض أهالي الحسى لقطع العلف للحيوانات, وجاء كل السكان لمشاهدة معسكرنا, بعد ذلك أخذ (موتور) كل رفاقه ليتناولوا الطعام في القرية. وكان قد جاءنا قبل ذلك بفوطة مليئة بالنبق. تسمى شجرة النبق السدر أو الدوم, ولها أهمية جوهرية في هذه الأجزاء من حضرموت000 )
وعلاوة على قيمته الغذائية التي يستخدمها أهل القرى والأرياف فإن كثير من البدو قديماً كانوا يعيشون على النبق واللبن من حيوانات الرعي في أوقات الندرة
ولا يبدو عليهم الهزال من هذا الغذاء كما رآهم الرحالة الدكتور. هـ . فون فيسمان0
ولأشجار النبق "الدوم "فوائد كثيرة في حضرموت من ذلك استخدام أوراقها "اللين " للغسل (غسة ) وتنظيف الشعر وتطهير الميت فهي ملينة ومنظفة للأوساخ بعد طحن أوراقها الجافة " وأما أخشابها تبنى بها أسقف المنازل ويصنع منها النوافذ والأبواب ،وأدوات ووسائل الحرث 0
وأما الزهور فهي مصدر رئيسي وهام لرعي النحل وقد اشتهرت دوعن بعسلها الذي مصدره رحيق زهور النبق أو العلب وقد لاحظت أن الباحث لم يلتفت لهذا على أهميته0
وتابع الكولونيل وصف منطقة أو قرية الحسي الشاهقة الارتفاع قال (تقع الحسى على ارتفاع 4500 قدم فوق سطح البحر, والليالي هنا باردة. وبينما نحن هناك فحصنا أكداس النباتات التي جمعناها من قبل وضغطناها. ولخيبة أملنا الكبرى وجدنا أغلبها قد تعفن بالفطريات000)
وفي كور سيبان المكان الذي يصفه الجغرافيون ومنهم الرحالة الجغرافي الألماني الدكتور. هـ . فون فيسمان0
ب أنه أعلى قمة جبلية مرتفعة في حضرموت وقد رغب الرحالة الألماني في تسلق القمة :( وبالطبع كان فون فيسمان يريد تسلقه. ووضعنا الترتيب بحيث يتحرك في فجر اليوم التالي مصحوبا بجندي وبأحد البدو ليكون دليله, بينما أقوم أنا مع الجندي الآخر بالأشراف على استعدادات المعسكر للرحيل وحث القافلة على التقدم السريع, ثم نلتقي مرة أخرى عند توقفنا بعد الظهيرة.)
ونتيجة للارتفاع الشديد عن مستوى سطح البحر تجد أن درجات الحرارة تنخفض كثيراً في هذه المنطقة حتى أنه لأتزيد في أعلاها عن 20 درجة مئوية في شهر مايو الحار ،ويمكن استغلال واستثمار هذه المنطقة بشكل جيد والاستفادة من صخورها الجيرية والتي تعد خاماً لصناعات مختلفة منها الأسمنت 0
وتابع الكولونيل وصف طريقه بعد اسيقاضهم من النوم في اليوم التالي قال: (كان الليل في الحسى شديد البرودة, حتى غدا النوم في الفجر مستحيلاً, فليس من السهل الاستيقاظ مبكراً. سرنا في صباح هذا اليوم الثاني عشر من مايو من السادسة والنصف حتى الحادية عشرة، وأنساب طريقنا فوق الأرض العالية المستوية, ومما يثير الانتباه هضاب الصخور الجيرية المسطحة, التي يخترقها الوادي عموديا ومن ثم تبدأ الوديان الجانبية.)
لقد لاحظ الباحث الهولندي و الرحالة الجغرافي الألماني البيئة التضاريسية والمناخية للمنطقة ومظهر الشقوق العرضية والطولية التي يتميز بها الجزء الجنوبي الغربي من هضبة حضرموت الجنوبية وانحداراتها الشديدة الوعورة ووضع لذلك تفسيراً مقنعاً وفق نظريات المناخ وأقتنع بنظرية "كيتاني" (Caetani) في تفسير أسباب الجفاف ورأى أن السبب يعود إلى تعرض المنطقة لأمطار غزيرة في أزمنة متقدمة عرضت الهضبة الجنوبية الغربية لتأثير التعرية المائية الكبيرة المنسابة نحو البحر على نحو ما رآه من مظاهر تضاريسية وتركيبات صخرية جيرية قال :( إن كثرة الأمطار في هذه الهضبة الجرداء, حيث تتسرب كل المياه في الحال, ربما سببت فيضانات عاتية اندفعت بقوة أولية خلال الوديان إلى البحر. بهذه الطريقة تكونت وديان شديدة الانحدار فوق الهضبة.)
وفي كل الأحوال فان كور سيبان أعلى جبل في حضرموت حيث يشاهد الإنسان منظرا بديعاً فوق "وادي حويرة" , الذي أحدث تجويفا عميقاً في الجانب البعيد من كور سيبان يقع حوالي 3000 قدم.
ينمو على إحدى القمم الشاهقة من كور سيبان نبات لعله شجر التين, وبه عناقيد كبيرة من زهور محمرة رأى ذلك الزائر والباحث الهولندي عام 1931م 0
وأستمر السير نحو الداخل مخترقاً الهضاب التي تنتشر في (الجول الجنوبي ) وبرودة الجو تزيد بعد أن غربت الشمس قال :(وما إن غربت الشمس حتى بدأنا نرتجف في ملابسنا الخفيفة, فأسرعنا بارتداء ملابس دافئة قدر المستطاع. أما رفاقنا البدو فليس لهم أي ملابس دافئة ولا حتى بطانيات يتغطون بها أثناء نومهم. فكانوا يجلسون في الصقيع والأجزاء العليا من أجسامهم عارية, ويبدو أن ذلك لا يؤذيهم. على الرغم من أنهم يوقدون نارا يتحلقون حولها إلى وقت متأخر من الليل, يحكون أقاصيصهم أو ينشدون "دانا دانا" بتطريب. وكان وقع أصواتهم النكراء منفرا000 )
كان الليل بارداً في قرية "القمرة" التي باتوا بها تلك الليلة .
وفي الصباح واصلوا الرحلة فالطريق ينبسط في بيسر فوق الهضبة المنحدرة, وقد مروا بعد ساعات من سيرهم بقريتين بها عدد من الأهالي كانوا في انتظارهم يطلبون منهم شيئاً من الأدوية ويعتقدون أنها مع الأغراب القادمون من الخارج قال : (وقضينا فترة الراحة ما بعد الظهيرة في مربعة. توافد علينا هنا بعض سكان القرية يطلبون أدوية. فكنت أجثو عند صندوق الأدوية في الشمس المحرقة أحلول أن أعالج المرضى, فأقوم بتنظيف العيون المغطاة بأوساخ الالتهاب بالقطن والبوريك ثم بقطرات من الدواء, أما المصابون بالحمى فأعطيهم أسبرين مع كوب من الشاي الحار والليمون لعلاج الصداع والحمى. ونظفنا الجروح المتقيحة وربطناها بالضمادات. كما أعطينا بعضهم زيت الخروع والكينياء.)
ورغم اضطرارهم لتعرض الغرباء في الطريق لطلب معالجتهم من بعض الأمراض ،غير أن مظهرهم يوحي بصحتهم والعافية التي يتمتعون بها تلك الأيام قبل انتشار القات بينهم هذه الأيام قال :( ويعطى السكان انطباعاً بالصحة والعافية, وعلى الرغم من أنهم لا يغسلون أجسامهم إلا نادراً, ويمسحونها بالسمن والنيلة, لكن المدهش أن الأمراض الجلدية قليلة بينهم. )
وأردف في وصف البدو في هذه القرية ألمسماه (الدهماء )التي تتكون من عشرين منزلاً صغيراً مبنيا من الحجارة وبها بعض من الزراعة التي تعتمد على مياه الأمطار :( غالبية البدو صغار الأجسام وبنيتهم ضعيفة, لكن لهم قوة تحمل عظيمة ولا يعطونك الانطباع بأنهم يعانون نقصا في التغذية.)
غير أنهم يعانون من انتشار بعض الأمراض المنتشرة في القرية التي أدت إلى فقدان البصر كما لاحظ كثرة القبور الجديدة حول القرية قال (
كان عدد المصابين بالعمى وبأمراض العيون الأخرى مروعا. والمقبرة التي تقع خارج القرية كبيرة. صفوف من المقابر مغطاة بأكوام من الحجارة مما يعطى انطباعا بأنها حديثة. ويبدو أن "الدهما" ابتليت بوباء.)
وبعدما اجتازوا قرية "دهما" شاهدوا (الكريف ) الذي أطلق عليه المستشرق ببحيرة صناعية تم حفرها بجهد كبير لتحفظ ماء المطر, مخصصة لشرب الإنسان والدواب كانت جافة في ذلك الوقت 0
وإلى لقاء آخر بأذن الله تعالى لكم تحيات كاتب هذه الوقفات أبو صلاح حفظه الله0

أبو صلاح 04-20-2012 10:59 AM

الوقفة الثامنة
في دوعن مع الحاكم باصرة ،والنساء يردن رؤية النصارى

النظر من أعلى العقبة (عقبة الجبل ) أعلى دوعن ومنها مباشرة إلى الوادي ،عملية صعبة ترافقها عدداً من المخاطر وتجعل من الإنسان أن يقول من المستحيل على الحيوانات بأقدامها التي تناسب السير في السهول, أن تهبط الهضبة, خصوصا إذا كانت محملة.
لكن بدو سيبان القائمين عليها يعرفون مساطب الأرض المرتفعة والعقبة وطاقة جمالهم. ويبدو أن الجمال كانت تدرك ما ينتظرها, من تعب ومشقة وهذا مايمكن رؤيته وسماعه من أصواتها الحزينة عند النزول وهي محملة 0
وبعد أن هبطت القافلة بكامل طاقمها المكونة من الجمال والسيارة الصغيرة التي كانت تحمل الكولنيل الهولندي "دانيال وصديقة الرحالة الألماني ". وقف جمهرة من الصبية ينتظرون رؤية القادمين ووقفن مجموعة من النساء في الخلف في ظل أشجار النخيل مخفيات ويدفعهن الفضول الذي عرفن به في حضرموت, لا يردن أن تفوتهن فرصة رؤية النصارى.
وفي هذه الأثناء قدمت ثلة من جنود السلطنة القعيطية ؛ أرسلهم الحاكم "عمر باصرة" ليقود الضيوف إلى قلعته.
وعندما نظر الزائر إلى طلائع المستقبلين من أهل دوعن قال : (000 كانوا يبدون كأهل اليمن الشمالي) فأوجه الشبه في السكن واضحة فقال : ( 000 وبالفعل جاء بعضهم من المرتفعات الغربية، تقع القرى والمدن قريبا من سفح الجبال بالقرب من المزارع ،والمنازل عالية جيدة البناء, تقوم في الغالب على منحدر حاد.)كانت أولى محطات توقف الوفد الزائر هي المصنعة", وهي حصن الدولة القعيطية والمقر الرسمي للوالي أو الحاكم لدوعن في ذلك الزمان المقدم عمر باصرة، رجل مسن ضرير في كامل هيبته، وكان قد تلقى تعلميه الديني في الأزهر بمصر ، بمساعدة التاجر الحضرمي محمد سعيد العمودي المقيم في مصر في تلك الأيام .
ومما تجدر الإشارة أليه تكرار أسماء القرى في حضرموت فــ "المصنعة " مثلاً ستجد أن هذا الأسم موجود في مناطق أخرى من وديان حضرموت0
المنظر جميل ويلفت النظر ، فأشجار النخيل وهي محملة بالتمر في عناقيده من أنواع مختلفة وهي : (00 قوية ورائعة تتدلى منها عناقيد ثمارها الصفراء والحمراء ويحيط بكل شجرة حائط من الطين, حتى إذا جاء السيل لا يجرف جذورها ويبقى جزء كبير من الماء داخل تلك الحواجز.) ثم يمضي بهم الطريق صعودا عبر قرية المصنعة إلى الحصن, الذي يقف فوق صخرة عالية تعلو كل المنازل الأخرى قال الزائر في وصفه له : (000 يبدو الحصن مثل قلاع العصور الوسطى العاتية عليه أبراج في أركانه, وبوابات ضخمة, واسطبلات, ومساكن للجنود, وقاعات وغرف, والبوابات المتينة منحوتة نحتا رائعا ومزينة بلوحات معدنية ورؤوس مسامير.) فتح لهم جنود الحراسة البوابة الأولى حتى دخلوا ا منها إلى بوابات أخرى قادتهم إلى حجرة يجلس بها الحاكم باصرة وعلى مشارفها يقع اسطبلا للعجول : هنا يجلس باصرة محاطا بمستشاريه والجنود وبزعماء قبائل البدو الحليفة قال : (000 نهض باصرة بمشقة متلمسا طريقه ليحيينا. قامته فارهة ولحيته طويلة بيضاء, وما زال ذهنه يقظا وصوته واضحا.) قد شربوا مزيدا ً من القهوة وأقداح الشاي الساخن المتلاحقة التي تبعت القهوة.) قال : (000 وسألنا العبد الذي يعد الشاي في الساموار إذا كنا نريد شاي سيلان أو جاوا. ) ووما تجدر الإشارة اليه أن الشاي قد حل محل القهوة في مجالس أهل حضرموت وخاصة مدن وقرى الوادي ،ولعلهم قد تميزو عن غيرهم من مناطق اليمن والجزيرة العربية بل وربما مناطق العالم الأخرى خاصة في الطريقة والكيفية التي يتم بها اعداد الشاي ومن ثم شربه 0
فالبخاري او السماور عرفها الحضارم في الداخل والخارج ،وان كانت الريادة الاولى لمدن سيئون وتريم وقد قيل أن الشاهي أول ما استخدم كمشروب في حضرموت كمنافساً للقهوة في أوائل القرن الرابع عشر الهجري عندما قام بجلبه من بلادالحجاز السيد حامد بن عبد الله الجنيد 0
ويزرع ألشاهي في شرق آسيا والهند وشرق أفريقيا وبعض الدول الأسيوية والأفريقية ذات المناخ الموسمي ،وتنسب أسماءه الشهيرة عادة إلى التاجر الذي يستورده فمنه باسلامه وشاهي مشعبي وغيره قال : (000ثم قدم لنا بعد ذلك التمر والأناناس المعلب )وأما المسكن الذي سيضعون متاعهم ويستريحون فيه قال : ( فقد خيرنا باصرة بين السكن في القلعة أو في منزل في المدينة, فاخترنا منزل المدينة, وذهبنا إلى هناك مصحوبين بموكب من الجنود وحفيد الحاكم ولفيف من ذريته.)
يتكون المنزل من خمسة طوابق وبقربه أشجار النخيل المحملة بالتمر وكان المنزل يتكون من عدد من الغرف قال : ( 000أما الأجنحة التي سكنا فيها فكانت غير مأهولة ونظيفة, أمر باصرة بفرش سجاد في الغرفة التي شاركنا فيها السيد علوي. وصحبنا موكب التابعين إلى أعلى وظلوا يراقبون وينظرون إلى الأشياء المدهشة التي كانت تخرج من حقائبنا.)
وكعادة أهل الأرياف فالغالب أنهم لايبارحون المكان ولا يعتبرون جلوسهم فوق الضيوف ثقيلاً عليهم ،فهم يتصرفون مع الغريب وكأنهم يعرفونه من زمان قديم قال :(طرح علينا أحفاد الحاكم بهندامهم الحسن العديد من الأسئلة وحكوا لنا الكثير, ويبدو عليهم الرضا وهم يتكدسون في الغرفة المكتظة الساخنة. تخلصنا من ذلك الجمع بعد مشقة. وساعدنا الأولاد في ذلك, لكن بعد ذلك لم تبد لديهم الرغبة في مبارحتنا. 000.)وبمشقة خرجوا وتنفس الضيوف الصعداء ،لكن لم يدم هذا طويلاً قال : ( بعد مضي ساعة عاد ثلاثة من الصبية وسمحنا لهم بالدخول. قالوا بلهفة إن لديهم رسالة عاجلة لنا حسب قولهم. فقالوا إن والدهم يمتلك أجمل منزل في كل وادي دوعن, ولا بد أن نراه دون تأخير. وذكروا أنهم ولدوا في أديس أبابا من أم إثيوبية. حيث كان يعمل والدهم هناك في تجارة الجلود التي جمع منها ثروة بنى بها هذا المنزل. لم يرحنا الصبية ألا بعد أن وعدناهم بالحضور في الغد.) هذه هي عادة أهل الأرياف، الفراغ الكبير الذي يعيشونه ،ودافع حب الاستطلاع والظهور، أو قل الفضول من عادات القرى المتأصلة في كل مكان من الريف الحضرمي تقريباً لكنها اليوم على الأقل قلت كثيراً باتوا ليلتهم في مدافعة البعوض متحصنين النامسويات التي يحملونها معهم قال : (000 فالمراحيض والحمامات في المنزل مكان مناسب لتوالد الحشرات. يتواجد الذباب أثناء النهار أكثر مما نحتمل.)
وفي صباح اليوم التالي, السادس عشر من مايو, أرسل لهم الحاكم باصرة إفطارا عربيا أصيلاً كما وصفوه قال :( كمية وافرة من التمر في سلة, علبة مليئة بالعسل بقرصها وهو العسل الشهير في هذه البلاد وأحد بضائعها التي تصدر, معه أنناس من إنتاج مصنع صيني لحفظ الفاكهة في سنغافورة, وكمية من الخبز الحضرمي في سلة, عبارة عن فطائر من الدقيق خبز لتوها وما زالت ساخنة. هذا الخبز بلا ملح وثقيل نوعا ما ولكن مذاقه طيب, أما عندما يبرد يصبح قويا مثل الجلد. وطعمه أفضل وهضمه أيسر من الخبز الذي يصنعه البدو ويخبزنه في الرماد. هذا الأخير في حجم راحة يد الرجل (أي سمكه حوالي بوصة) وهو غالبا محروق من الخارج وغير ناضج من الداخل) وصف كامل لم يفته شيئاً ،فالزائر دقيق في وصفه حتى قال (000 ولونه إما أصفر أو أحمر حسب نوع الذرة أو الدخن الذي صنع منه.)وبعد أن تناولوا الفطور ذهبوا سوياً إلى القلعة في المصنعة لمناقشة الترتيبات للرحلة القادمة : ( أما رفاقنا السيبانيون فسوف يبقون هنا مع جمالهم وحميرهم, لأننا نحتاج الآن إلى جمال معتادة على السفر عبر الوادي العريض المسطح.)
وفي القلعة كان اللقاء بالمقدم باصرة ومجموعة أخرى من الرجال حيث طرحت عليه عددا من الأسئلة وأخذت له صورا تذكارية مع مجموعة كبيرة من عائلته في الشرفة القريبة من المجلس. ثم بدأ حوار طويل,( كانت أسئلتنا التي لا تنتهي تقابل بإجابات صبورة. أخبرنا باصرة أن وادي دعون وفرعه وادي ليسر تحت سلطته. ويبلغ سكان القرى الخمسين 20 ألف نسمة.
توجد فقط مدرستان, أسس كليهما أبوبكر بن شيخ الكاف ويصرف عليهما ايضا 0
ومن الجدير ذكره أن السيد الثري ابو بكر بن شيخ الكاف من مواطني السلطنة الكثيرية حيث يخضع جزء من تريم للقعيطي (دمون وقسم ) وجزء آخر للكثيري وهو يدعم معظم المدارس وقام بصك عملة "تسمى عملة الكاف " وساعد على شق طريق بين الشحر وتريم ،ويقوم بصرف مرتبات موظفي السلطنة الكثيرية ويعود الفضل الكثير له ولبعض من المحسنين في المهجر في بناء مدارس في المكلا والشحر قال : (000 يوجد في خريبة, [ الخريبة ] وهي العاصمة القديمة لوادي دوعن, مدرسة بها بين 70 إلى 80 تلميذا, ومدرسة أخرى في قيدون بها بين عشرين إلى خمسين تلميذا،يوجد في محافظة باصرة [ يقصد الولاية التي تخضع لحكمه في اطار السلطنة القعيطية ] حوالي 200 مسجدا, بينها مساجد رائعة, أقامها في الغالب السادة الأثرياء, ومتصلة بمنازلهم. جمع أولئك الأثرياء أموالهم دائما من المهجر. كل مقاطعة في حضرموت لها بلدان معينة يهاجر إليها سكانها في مجموعات ويكونون ثرواتهم فيها. فيذهب أهل دعون إلى الحبشة ومدن ساحل البحر الأحمر وساحل أفريقيا الشرقي. ولم يذهب منهم إلى جاوا سوى مائة, بينما ذهب إليها من وادي ليسر حوالي 500 رجلا.)
وفي كل الأحوال فالمقدم "عمر باصرة " يقع تحت سلطته قرى ومناطق قبلية كقبيلة سيبان الكبيرة العدد في هذه المنطقة وقرى ووديان مختلفة من دوعن ويعاونه في إدارة حكمها بعض الشخصيات القبلية من بينهم عثمان بن محمد العمودي حاكم "ريدة الدين" (Deyyin) وزعيم قبيلتها, متحالف مع باصرة قال : ( 000 ويقال إن قبيلة العمودي هذه متوحشة وبدائية, لكن يعطى زعيمهم انطباعا متجانسا. ما كنا ندري وقتها أننا سوف نعبر منطقته في رحلة عودتنا, وإلا كنا اغتنمنا الفرصة ومنا ببعض الإجراءات مقدما. يدعى العمودي أنه يحكم 2500 بدوياً, كما أكد أن الذين يخضعون له لن ينالهم أذى من أي إنسان إلا ما يأتي من الله.)
مازلت في دوعن ولي وقفات أخرى من خلال ماكتبه المؤلف الهولندي الكولونيل" دانيال فان در ميولين والرحالة الجغرافي"لدكتور. هـ . فون فيسمان"

الخليفي الهلالي 04-20-2012 11:27 PM

واصل واصل يا أبو صلاح بارك الله فيك ووفقك في جهودك الكبيره التي تبذلها

تحياتي؛؛؛؛؛

شيخ القبايل. 04-20-2012 11:57 PM

موضوع جميل وممتع ومرجع

نعجز عن الشكر استاذنا القدير ابو صلاح


أبو صلاح 04-21-2012 11:37 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الخليفي الهلالي (المشاركة 714690)
واصل واصل يا أبو صلاح بارك الله فيك ووفقك في جهودك الكبيره التي تبذلها

تحياتي؛؛؛؛؛



الخليفي الهلالي
شكراً لك ومرورك وتعليقك وسام أعتز به فهو يعطي الموضوع أهمية أكبر من كاتب متميز ومرموق ، فجزاك الله خير تقبل تحياتي

أبو صلاح 04-21-2012 11:54 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شيخ القبايل. (المشاركة 714699)
موضوع جميل وممتع ومرجع

نعجز عن الشكر استاذنا القدير ابو صلاح


شيخ القبائل
مرورك أعتز به ،وشهادة من شخصية شبامية لها وزنها الثقافي والإجتماعي في سقيفتنا العامرة ،تحياتي وتمنياتي لك بمزيد من النجاح في مهامك،وتغمرك دوماً إن شاء الله السعادة ودمت بخير لايريك الله مكروهاً 0

شيخ القبايل. 04-22-2012 02:49 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو صلاح (المشاركة 714822)
شيخ القبائل
مرورك أعتز به ،وشهادة من شخصية شبامية لها وزنها الثقافي والإجتماعي في سقيفتنا العامرة ،تحياتي وتمنياتي لك بمزيد من النجاح في مهامك،وتغمرك دوماً إن شاء الله السعادة ودمت بخير لايريك الله مكروهاً 0


ابو صلاح كتبت ردك بلون أبيض مثل قلبك

طبت وطابت أيامك ولياليك .. كلك ذوووق

أبو صلاح 05-06-2012 08:27 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شيخ القبايل. (المشاركة 715056)



ابو صلاح كتبت ردك بلون أبيض مثل قلبك

طبت وطابت أيامك ولياليك .. كلك ذوووق

شكرا لك ياعزيزي "شيخ القبائل " لك خالص شكري وتقديري ؛وبالمناسبة نحن في رحلتنا في الوقفة القادمة التي أنا في الساعات القادمة بصدد تحريرها إن شاء الله تعالى نقترب من العالية ،الصفراء شبام لنرى صورة منها في مايو عام 1931م 0
وإلى ذلك الملتقى لك تحياتي وصباحك منور وجميل0

أبو صلاح 05-06-2012 09:05 PM

من دار المنصب محمد بن عبد الله البار إلى"قويرة" الوزير المحضار

وادي دوعن الجميل من أهم روافد وادي حضرموت وأبرزها إذ يتفرع الوادي الرئيس إلى فرعين مهمين ، كلاهما جناحي الوادي الكبير ونبض الحياة فيهما ،(وادي الأيمن ووادي الأيسر) ويقال عادة (ليسر وليمن )،وكلاهما ينحدرا من مرتفعات غرب الهضبة الجنوبية لوادي حضرموت الكبير[ راجع لي موضوع عن وادي حضرموت أكبر وديان شبه الجزيرة العربية 0 حصري على سقيفة الشبامي والجغرافيون العرب ] وقد كنت في ماتقدم ذكره – من الموضوع السابق - قد ذكرت أن الأجنبيان الكولونيل" دانيال فان در ميولين والرحالة الجغرافي"لدكتور. هـ . فون فيسمان)
قد نزلاء وتوقفا في "المصنعة " مقر حاكم دوعن "عمر باصرة "رحمه الله احد ولاة السلطان القعيطي الذي تولى حكم أجزاء واسعة من وادي حضرموت ومنها وادي دوعن إضافة إلى المناطق الساحلية ،وتحت حماية بريطانيا العظمى التي كانت تحتل مدينة عدن وترتبط بمعاهدات حماية مع سلاطين المحميات الشرقية والغربية حتى عشية استقلال الجنوب عام 1967م 0
وكانا- الزائران – قاما في الصباح الباكر من اليوم التالي لهما في دوعن بالتجوال بين بساتين النخيل والقرى الصغيرة الواقعة بالقرب منها في واجهة سفح الجبل الذي تشع منه الشمس. ولكنهما حين عبرا قرية "القرين" اندفع نحوهما أبناء السيد محمد بن عبد الله بن طه البار وهو "المنصب"الشهير المنتمي للسادة العلويين الحضارمة من مواطني دوعن ويعدون أهم المرجعيات الدينية في منطقتهم ،إذ يتولون كثيراً من الأمور الدينية ومنها أيضا حل المشاكل الاجتماعية والسياسية بين قبائل المنطقة ، وإن تقلص دورهم بعد تأسيس الدولة المركزية 0
وعلى كل حال فقد نزلوا ضيوفاً على المنصب "السيد محمد بن عبد الله بن طه البار "وسنرى كيف وصفوا المنزل وضيافتهم فيه في تلك الفترة قال :( يستحق المنزل بحق مشقة الزيارة. فرغم حداثته إلا أنه حافظ على النمط القديم. كل النقوش الخشبية على الأبواب والنوافذ والزخرفة فوق الألواح الحديدية المطلية بالقصدير ورؤوس المسامير حضرمية أصيلة. والمنزل مبني من الطين فوق جلاميد من الصخر. والطوابق المأهولة مطلية بالجير الأبيض وكذلك السياج الصخري والسطوح وأركانها المزخرفة. )
وقد استنتج الكولونيل الهولندي من وجهة نظره أن العلاقة قائمة مابين بناء المسجد من جهة ، والمكانة الاجتماعية والثروة التي جمعها المنصب من المهجر الآسيوي (جاوة) وبفضل الإسلام الذي يدينون به على حد قوله ، لكنه قد لاحظ الفرق شاسعاً بين المنطقة الفقيرة التي اغلب أهلها من الفقراء وبين الأثرياء الذين جمعوا هذه الأموال من هناك قال : (يوجد دائما بجانب منازل الأثرياء مسجد بمئذنة, مطلي باللون الأبيض الخلاب. وهناك ممرات تصل المنزل بالجانب الأرضي وكذلك بسطح المسجد. تقام صلاة المغرب والعشاء في فصل الصيف فوق السطح, هنا يجلس العالم في الأمسيات ويقوم بتحفيظ القرآن للصبية الذين يتحلقون حوله. والسيد الذي جمع ثروة في المهجر يقوم أولا ببناء المسجد ثم بعد ذلك المنزل. أليس هو مدين لوضعه المتميز في بلاده للإسلام, ولعون الله للثروة التي نجح في جمعها في المهجر؟ والنتيجة هي هذه المساجد الفارهة في بلاد حضرموت الفقيرة.)
استغرق الرجل في وصفه للمنزل والأرضية التي قال عنها أنها دائما مزينة بخطوط متموجة حفرت في الطين قبل أن يجف،ثم وصف الغرف الكبيرة (المحاضر بو أربعة وبوستة بو ثمانية ) كما يطلق عليها عادة في حضرموت وهي لاتوجد عادة إلا في قصور السلاطين والمناصب وبعض شيوخ القبائل في حضرموت لارتفاع تكلفة بناءها الكبير ،وحجم المنزل أو القصر وسعة غرفه دلالة على حجم وكبر صاحبه ومنزلته في المجتمع الحضرمي ،وهي غالبة ماتكون مطلية بالجص والنورة ،وربما مزخرفة من الداخل والخارج ، وتعتمد على أعمدة خشبية مزخرفة بالنقوش والرسومات الجميلة (أسهم ).
كما لاحظ أن الألوان المفضلة هي الأحمر الغامق والأسود والأبيض, وهي التي يطلى بها السقف.
ويدخل الإنسان المجلس أو غرفة الاستقبال عادة عبر باب يقع وسط أقصر الجدران، وتوجد على جانبي الباب صناديق خشبية, تحفظ فيها مراتب النوم والمخدات أثناء اليوم. هذه الصناديق الثقيلة مزخرفة بشكل بديع بحديد مطلي بالقصدير, وهي في الغالب الزينة الوحيدة في الغرفة.
ويستمر الزائر في وصفه للمنزل قائلاً : ( 000فتحات الشبابيك صغيرة منخفضة الارتفاع. ومزالج الخشب والبراويز في منازل الأغنياء منحوتة، والأرضية مغطاة بحصير بسيط مصنوع من أغصان النخيل, (الحصير – سلقة )يفرش فوقها الأغنياء السجاد. توضع مساند على الجدران للاتكاء عليها.)وقال أيضا : ( ووضعت في منزل البار مرايا في السقف وهو تقليد حديث وقبيح.)
ولاحظ الزائر اهتمام الأسرة بأخذ صوراً تذكارية للصبية الذين كانوا يحيطون بالضيوف : (أخذنا المزيد من الصور للصبية والأطفال حتى ندخل البهجة للأسرة0 كان معنا في المجلس رقيق الخدمة وأطفالهم بألوانهم السوداء الفاحمة, يقدمون القهوة والشاي والحلوى الوافرة ويتجاذبون معنا الحديث, لكنهم يقفون في الخلف في تواضع شديد.)
كانت تجارة العبيد رائجة في تلك الفترة ،ومن نتائجها أن وصلت حضرموت آلاف من الأفارقة المخطوفين من شرق وغرب إفريقيا في ذلك الحين ،فكانت قوافل الرقيق الذين يتم اصطيادهم من قراهم واماكن تجمعاتهم وملاعبهم خلال يقظتهم ونومهم بواسطة بعض رجال السفن والمغامرين تذهب بهم للسواحل العربية ومنها حضرموت :قال : (شاهدنا عدة أشكال من الزنوج في الطرقات والمزارع, مما يدل على وجود أعداد كبيرة منهم في وادي دوعن. ويعملون في الزراعة والخدمة المنزلية.)شاهد الزوار صوراً من الثراء والرفاهة و البؤس والمرض الذي يفتك بعدد كبير من السكان لانعدام الخدمات الطبية والعناية بغالبية السكان في القرى والأرياف، :(بذلنا ما في وسعنا لمعالجة عدد كبير من المرضى الذين توافدوا علينا بعد الظهر طلبا للدواء أو لتنظيف جروحهم وقروحهم. لم نستطع أن نقدم إلا القليل, وعلى أي حال ما هي الفائدة من العلاج مرة واحدة. يوجد في كل حضرموت وما حولها طبيب واحد حصل على تدريب غربي. ويعود الفضل هنا أيضا إلى السيد أبو بكر الكاف الرجل المستنير الذي استقدم هذا الطيب الشاب الهندي, لكن مركز عمله في مدينة تريم البعيدة . ويذهب الأغنياء أحيانا إلى عدن لاستشارة الطبيب, كما أن البعثة الطبية في الشيخ عثمان بالقرب من عدن معروفة للقلة.)
ويمكن نقل المريض من الأثرياءوالمقتدرين على دفع المال بسرير يحمله مجموعة من الرجال الأجراء على الأكتاف من وادي حضرموت حتى مدينة المكلا عبر طريق قوافل الجمال الذاهبة إلى المكلا براً ،أو السفر به من المكلا حتى عدن بالبحر لظروف النقل والمواصلات الصعبة في تلك الفترة0
وفي كل الاحوال كان من المقرر اللقاء بالسيد مصطفى بن أحمد المحضار أحد أقرباء الوزير القعيطي في قرية القويرة القريبة من القرين بوادي دوعن بهدف تسليمه رسالة من الوزير المحضار أحد أهم رجالات الدولة القعيطية قال :(ذهبت مع السيد علوي قرب المغيب إلى "قارة المحضار" ["قويرة المحضار" , وهو تصغير قارة.] على بعد نصف ساعة, حيث يعيش السيد مصطفى بن أحمد المحضار, الذي نحمل له رسالة من الوزير في المكلا. استقبلنا استقبالا وديا للغاية. فقد شاهد السيد المسن بعض أنحاء العالم, ويرى الحياة في حضرموت موات. كنت مدفوعا للحديث باستمرار, ثم أصبح الجو وديا حتى أخذني إلى منزله الآخر الكبير وتجول بي في كل أنحائه, بعد أن تأكد أولا أن كل زوجاته الصغيرات قد أغلق عليهن الأبواب ووضع المفاتيح في المفاتيح في حزامه. وانتقمت الزوجات بأن قمن بالتمعن في الأجنبي من فوق السطوح. يبدو من مطبخ المنزل الواسع بجدرانه العالية أنه مزدحم بالسكان. تناولنا العشاء في شرفة السطوح, بعد أن عاد السيد وحاشيته من صلاة العشاء ي المسجد المجاور للمنزل. واستدعى المحضار ابن أخيه الوزير وكنا نحمل له أيضاً رسالة من والده في المكلا, وبعد أن قرأها دعانا أن نكون ضيوفه في اليوم التالي. قبلنا الدعوة للإفطار سنتحرك إلى نقطة توقفنا التالية في "صيف".) هذا ما سيكون لقاءنا القادم بأذن الله0

محمد نور 05-09-2012 03:02 PM

متاابعين اسستمر ايها المؤرخ العملاق
لك تحياتي

أبو صلاح 05-18-2012 09:50 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد نور (المشاركة 718806)
متاابعين اسستمر ايها المؤرخ العملاق
لك تحياتي

شكراً لك أيها النبيل ،تقديري لسمو خلقك بارك الله فيك ، في الساعات القادمة إن شاء الله يتجدد اللقاء في وقفة أخرى جديدة ضمن هذا الموضوع

حنطبه 05-18-2012 10:03 AM

أخي الكريم .

للعلم فقط ,من البرقيات التي جلبها معه برقية ضيافة للمقدم المرحوم بأذن الله / سعيد بن عمر بلحمر ويطلب منه الحضور إلى هولنداء ولازالت البرقية مع الأحفاد وهذا مااخبرني به الأخ سعيد محروس بلحمر .
تحيتي لك بحجم الكون وشكري وتقديري على هذا الطرح الجميل والمفيد .

أبو صلاح 05-20-2012 11:01 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حنطبه (المشاركة 720384)
أخي الكريم .

للعلم فقط ,من البرقيات التي جلبها معه برقية ضيافة للمقدم المرحوم بأذن الله / سعيد بن عمر بلحمر ويطلب منه الحضور إلى هولنداء ولازالت البرقية مع الأحفاد وهذا مااخبرني به الأخ سعيد محروس بلحمر .
تحيتي لك بحجم الكون وشكري وتقديري على هذا الطرح الجميل والمفيد .

أخي الكريم شكرا لمرورك ، وما أفدتني به من معلومة يمكن الإستفادة منها في سياق البحث التاريخي لك خالص شكري وتقديري
تابعني مع الوقفة التالية

أبو صلاح 05-20-2012 11:13 AM

في الخريبة عاصمة الأباضية

الآن يوجد الرحالة الجغرافي"الدكتور. هـ . فون فيسمان) في مدينة الخريبة القديمة ،التي كانت من أقدم مستوطنات وادي دوعن التي قيل أن أسمها دوعن ،وأهلها هم أول من دخل الإسلام ، وهي من أهم مراكز مذهب الإباضية في حضرموت،بل وقاعدة من قواعدهم إلى عصور متأخرة ،وهي قاعدة الوادي الأيمن اليوم وعاصمة دوعن التاريخية يقول الكولونيل" دانيال فان در ميولين : ( ينما كنت أقوم بهذه الزيارات, قام فون فيسمان برحلة قصيرة إلى الخريبة حيث تسلق العقبة المواجهة للمكان الذي نزلنا منه.) ثم يستطرد واصفاً مدينة الخريبة : (الخريبة مدينة صغيرة, بها شارع تجاري واحد وأربعة شوارع أخرى كبيرة وعشرون مسجدا صغيرا.هي أكبر وربما أقدم مدينة في وادي دوعن. ويرى بعض الجغرافيين أن اسم خريبة الذي يعني أنقاضا, هو الموقع الأصلي لمدينة دعون التي ربما جاء اسم الوادي منها. ويتحدث "بليني" عن "توأنى" التي اتخذ منها الأباضية الهراطقة مركزا لهم, ومن المؤكد أن المدينة قد دمرت عندما أبيدو) يؤكد المؤلف أن أسم المدينة "الخريبة " من الخربة أي الخرائب أو الأطلال وفي هذا دلالة على أنها من المدن القديمة في حضرموت وأما " "بليني"فيقصد به "بلينيوس" pliny "" " المتوفى سنة 79م، ومن كتبه المهمة كتابه "التأريخ الطبيعي" "naturalis historia" في سبعة وثلاثين قسمًا، وقد نقل في كتابه عمن تقدمه، ولا سيما معلوماته عن بلاد العرب والشرق 0وقد جعل أسم دوعن " "توأنى" في كتابه السالف الذكر الذي أشار إليه المؤلف 0
ويبدو أنه صنف "الأباضية " من الهراطقة أتباع الهرطقة وهذا خطأ منه أو من المترجم ،لأن "الهرطقة"التي هي في الأساس نشأت عند الفلاسفة المسيحيين ،وتعني الخروج عن الدين ،أو العقائد الدينية للدلالة على المخالفة ،وهي لاتنطبق من -وجهة نظري- على جماعة الاباضية، الذين هم يعدون من فرق الخوارج المسلمين ويطلقون على أنفسهم "الشراة "ثم أن جميع مؤلفي التاريخ والفرق الإسلامية في تاريخ الإسلام لم يصنفوهم قط على أنهم من الزنادقة، أو الملا حدة الذين ينكرون الإيمان بالله تعالى أو البعث أو غيره . و في السياق الإسلامي تستخدم الزندقة مرادفة"للهرطقة" للدلالة على وصف أتباع الديانات المانوية أو الوثنية والدجالين ومدعو النبوة أو المستهزئين بأحكام الدين وشرائعه ،أوالذين يعتقدون بوجود قوتين أزليتين في العالم وهما النور والظلام وهولاء زنادقة أو هراطقة ،والأباضية ليسوا منهم ؛ وإن كانوا مخالفين لأهل السنة في كثير من عقائدهم 0
وفي كل الأحوال فبلدة الخريبة من أهم بلدان دوعن ،وأعرقها في نسبهم من كندة والصدف ،واستوطنها فيما بعد أيضا آخرون من أبرزهم السادة من آل باعلوي وقبائل أخرى أيضا 0
سنواصل الرحلة إن شاء الله تعالى إلى صيف بعد هذه الوقفة0

الخليفي الهلالي 05-21-2012 12:10 AM

الفاضل أبو صلاح

أنت تسحرنا وتنلقنا على بساط الريح من مكان إلى آخر ومن زمن إلى أزمنه من تاريخ الوطن الحبيب

أخي ابوصلاح أقولها بصدق وأمانه أنني ومن خلال متابعتي لما تنقل أو تكتب فأنني انتقل روحيّاً
إلى تلك الأجواء الآسره بكل تفاصيلها ولا أبالغ والله الشاهد أنني انسى نفسي وأنا اتنقل فيما بين
عقاب وسهول ومطاريق مدن وادي عمد أو وادي دوعن أو اي مدينه أوقريه حضرميه لأنها أصل
بيئتي ومكان نشئتي ومرتع صباى.....

سلمت يمناك أخي الكاتب والاديب أبو صلاح؛؛؛؛؛

أبو صلاح 06-01-2012 09:54 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الخليفي الهلالي (المشاركة 720777)
الفاضل أبو صلاح

أنت تسحرنا وتنلقنا على بساط الريح من مكان إلى آخر ومن زمن إلى أزمنه من تاريخ الوطن الحبيب

أخي ابوصلاح أقولها بصدق وأمانه أنني ومن خلال متابعتي لما تنقل أو تكتب فأنني انتقل روحيّاً
إلى تلك الأجواء الآسره بكل تفاصيلها ولا أبالغ والله الشاهد أنني انسى نفسي وأنا اتنقل فيما بين
عقاب وسهول ومطاريق مدن وادي عمد أو وادي دوعن أو اي مدينه أوقريه حضرميه لأنها أصل
بيئتي ومكان نشئتي ومرتع صباى.....

سلمت يمناك أخي الكاتب والاديب أبو صلاح؛؛؛؛؛

شكراً لك أخي الخليفي الهلالي
ربما لا يخطر على بالك وأنت تطأ الأرض بقدميك في هذه الأمكنة التي أشرت أليها من حضرموت أنها الأم المعطاة لكل خير على مر الزمان ، وأن تحت كل قدم منهما عالماً بل عوالم كاملة من آثار البشرية التي مرت عليها منذ الأزل ،وأن أقتصرنا الأمر نقول من قوم نبي الله نوح "أبو البشرية الثاني "عليه السلام إلى يومنا هذا وحضرموت هي حضرموت ، وإن تباينت أساليب حياتها عبر التاريخ الطويل ، الكل منا ينتمي أليها ،وإن بعدت بنا المسافات عنها أو قربت كلنا حضرموت 000نتمنى لها العافية من الألم 0
مرة أخرى اشكرك على جميل عباراتك ،ومرورك الذي اغنى الموضوع وأنتظرني في محطة قادمة إن شاء الله

أبو صلاح 06-07-2012 11:34 AM

قفل دوعن ومادوعن إلا بصيف

"صيف"- بصاد مكسورة وتسكين اليا والفا-( قفل دوعن [ أي مفتاح دوعن ] ولها ذكر كثير في التاريخ ، وقد روي عن الشيخ عمر بامخرمه رحمه الله انه قال لبدر بوطويرق : ( حاذر على صيف ، شف مادوعن إلا بصيف )ذكر ذلك بن عبيد الله السقاف في إدام القوت في معرض ترجمته للمدينة وأما كون بلدة "صيف "قفل دوعن أو مفتاح دوعن فأنني أجد تفسيره من كلام السيد علوي بن طاهر الحداد في كتابه (الشامل في تاريخ حضرموت ص212 ) قال:( إذا جاوزت صيف وقطعت ساقتيها استقبلك واديان أحدهما عن يمينك وهو الأيمن يأتي من الجنوب وثانيهما عن يسارك من الناحية الجنوبية الشرقية وهو الوادي الأيسر ويقال ليسر فإذا اجتمعها قيل لهما وادي دوعن بتغليب اسم الوادي الأيمن فإنه الذي يطلق عليه اسم دوعن في العرف الخاص000 )
كان الطقس حار جداً غداة مغادرة الضيوف الخريبة باتجاه مدينة "صيف "أو بلدة صيف إذ تبلغ درجة الحرارة 39.5 درجة مئوية تحت أشجار النخيل في الطريق الذي سلكه (الكولونيل" دانيال فان در ميولين والرحالة الجغرافي"لدكتور. هـ . فون فيسمان) وما هي إلا ساعات حتى وصلوا "صيف" متنقلين بين عدداً من القرى الواقعة على منحدرات جبلية وأشجار النخيل والسواقي التي تمر بها مياه السيول والأعشاب الجافة التي تنتظر المطر0 وقبل أن تصل القافلة التي تحمل الضيوف ومرافقيهم خاصة السيد علوي العطاس إلى محطتهم التالية ؛ فقد مروا ببعض المظاهر الجغرافية التي لفتت نظرهم ووصفوه ومنها, أن أصبح بطن الوادي الشاسع مقفرا, ثم أخذ يضيق فوق طريق من الحجارة الجرداء إلى أن وصلوا مشارف "صيف" التي طلت عليهم فجأة ببنيانها المتواضع وحالة أهلها البائسة كما يقول الهولندي الكولنيل دانيال : (000شاهدنا "صيف" قرب المغيب ترقد فوق منحدر حطام الصخر العريض حيث يصبح الوادي شاسعا جدا وتكسر الشاطئ الصخري وتراجع. ضرب الفقر المدينة الصغيرة المحاطة بالسور, ذات المنازل القصيرة000 ) ثم أردف قائلاً : (ويبدو أن حالة عدد قليل من سكانها قد سمحت لهم بطلاء الطوابق المأهولة بالجير الأبيض [ النورة ]وببناء درابزين [ أي طابقين ] فوق شرفات السطح.)
الوضع العام للمدينة وطبيعة حاكمها وأهلها كما يبدو ، يمكن أن تستنتجه من انطباعات الضيوف الأجانب قال: (قد أفسدتنا معاملة الأيام الماضية حيث كان رجال السلطة والأعيان يستقبلوننا باعتبارنا ضيوفا لهم مكانة مرموقة. على أي حال ما زلنا هنا تحت حماية النظام القعيطي, وزودنا الشيخ الجليل باصرة برسالة إلى حاكم "صيف". وقد حذرتنا عائلة المحضار من حاكم "صيف". فهو رجل فقير, وضليع في علوم الدين التقليدية, لكنه جاهل وليست له كفاءة في مسائل الإدارة الدنيوية. والسكان متعصبون وفقراء. لكننا كنا نأمل فقط أن يمنحنا الحاكم شرفة السطح لقضاء الليل, وليس أكثر من ذلك, لأننا نرغب أن نبدأ رحلتنا صباحاً في اليوم التالي) وهنا ربما تلحظ انعكاس الخلاف أوالصراع الذي كان حينه على أوجه أو اشده بين حضارم المهجر في في تلكم الجزر الاندونيسية الخلابة القابعة خلف المحيط في جنوب شرق أسيا،وهي جزركمستعمرات هولندية قبل الحرب العامية الثانية سنة 1939م 0فالمشائخ وشرائح اجتماعية مختلفة من قبائل وادي دوعن وعمد مثل آل العمودي وآل بلحمر،وآل باصهي وآل باقبصي وغيرهم كانوا في حزب جماعة الإصلاح والإرشاد ؛وفي المقابل حزب الرابطة العلوية التي يتزعمها من السادة العلويين في اندونيسيا خاصة كاآل بن شهاب وآل طاهر وآل بن يحيى وآل الجنيد وآل العطاس وآل باعبود وعلى رأسهم جميعاً آل المحضار المنتمي لهم وزير الدولة القعيطية والشخصية المعروفة محمد بن أحمد المحضار التي لعبت دوراً كبيراً في قطب الصراع وكذا الحاكم أو الوالي عمر باصرة من قبل الدولة القعيطية ، وأنا لست بصدد الحديث عن هذه القضية وإن كنت قد لمست فقط أجواء ماحدث في تحذير السيد المحضار وكلام المؤلف والله أعلم 0
المهم أن الرحلة وصلت إلى صيف وسنترك القارئ أمام ماقد وصفه وكتبه الزائر ومن يرافقه من المهتمين عن بلدة "صيف " قال (بدت "صيف" جافية, خالية من النبات والألوان, والسكان يحدقون بطريقة عدائية إلى مجموعتنا الصغيرة وهي تخترق الشوارع الضيقة المتسخة. ثم قادنا الحراس إلى اسطبل ضيق, اجتزنا الساحة الداخلية التي تقف فيها الأبقار, ثم تسلقنا إلى السطح عبر سلالم ضيقة. وأحاطت بنا منازل طويلة كئيبة منعت عنا النسيم المنعش, وحجبت عنا أيضاً النوافذ الصغيرة التي كانوا يتجسسون منها علينا. وتوافد إلى الأسطبل وإلى سطحنا كل من "توم" و"ديك" و"هاري", حتى أصبحنا بعد قليل وسط جمهور محتشد. كل الجنود من قبيلة يافع, واستقبلوا بحفاوة نيابة عن الحاكم الغائب, ورجونا أن نتقبل القليل الذي يمكن أن يقدموه لنا. بل أحضروا خروفاً وجديا, وخيرونا أن نختار واحداً منهما للعشاء. كان الجنود سعداء بهذا التغيير الذي طرأ على حياتهم الرتيبة. بل أظهروا غاية المودة مما جعلنا نقبل الأمر لا مفر منه ونعد إقامتنا لليل فوق سطح الأسطبل. ولم نر أحدا من سكان المدينة, يبدو أنهم لا يريدون التعامل مع النصارى. أما البدو في الشارع والصبية فقد أبدو اهتماماً كبيراً. وبمساعدة الجنود وبلغة ركيكة, استطعنا أن ننظف مكاننا في السطح ونضع فيه أسرتنا. واستدعوا مجموعة من السكان الذين يتحدثون لغة الملايو. وقد تخلصوا من تعصب أهالي "صيف" من إقامتهم في جاوا وهم يعرفون ويقدرون حكومة هولندا. وهمسوا لنا بأن مكان إقامتنا غير مناسب, فالحاكم فقير وليست له سلطة. وقد تغيب متعمداً ليتجنب مشقة استضافتنا.) لاحظ أن الوصف فيه قسوة لأهل "صيف "خلافاً لما عرفناه من سابق زياراته هل انطباعاته عن سكان المنطقة وبلدتهم وحاكمها على حقيقته ،من المفيد أن نسمع من الأخوة أهل المنطقة أو من هو قريب منهم رأيهم ؟
لم يحصل الضيوف على راحتهم ،أو يتمكنوا من كتابة تقاريرهم بشكل جيد ،لأسباب تتعلق بصخب وضوضاء أحدثها السكان المحليون الذين لم يتركوا فرصة للضيوف لأخذ راحتهم قال : ( ثم قمنا بكتابة مذكراتنا وببعض الأعمال الضرورية الأخرى ونحن وسط كل أنواع الصخب والضجيج. وجلس الجنود من "صيف" مع أتباعنا إلى ما بعد منتصف الليل, وهم يستمتعون بأكل الشواء الأرز, ويتبادلون بأصواتهم النكرة كل أنواع الحكاوى والأخبار. وصلت محاولات "فريده" للاختراق حضرموت إلى مأساة عندما حل على "صيف" الكئيبة هذه. فكان سيء الحظ إذ وصل قبل يوم واحد من زيارة قبر الشيخ أحمد بن عيسى العمودي[ هو الشيخ سعيد بن عيسى العمودي النمتوفي سنه 676هـ وليس أحمد بن عيسى. وهو من كبار رجال التصوف والطريقة في مدينة قيدون وتقام له زيارة سنوية ]) ويتذكر الزائر حوادث حدثت لبعض الأجانب حين زاروا بلدة " صيف " من أهالي المنطقة حيث اجتمع آلاف البدو, وكانوا يعتبرون بعضهم جواسيس للإفرنج الإنجليز في عدن, وقال أن البعض نجوا بأعجوبة من الموت. وعومل بعضهم بقسوة, وانتزعت منهم نقودهم بل وأرغموا على مغادرة "صيف" والعودة إلى الساحل ،ووصفوا أهالي "صيف" بأنهم "مجموعة مريضة إلى حد بعيد ونظرتهم موبوءة"0
ثم حان موعد الرحيل من "صيف "قال :(كانت فترة راحتنا في "صيف" قصيرة الأجل. فعند الرابعة جاء الحاكم, وهو أيضا المؤذن, ليوقظ السيد علوي للصلاة. وبدأنا نستفسر فورا عن الحيوانات التي سنركبها وعن الترحيل. وكانت الإجابات عبارة عن وعود براقة, لأنه بعد فترة طويلة من شروق الشمس لم تظهر أي حيوانات. وأصبح البقاء فوق السطح غير محتمل فليس فيه ظل يحمى من حرارة الشمس. وظللنا ننتظر لساعات عند حقائبنا. واعترانا اليأس. ماذا سنفعل هنا إذا لم نحصل فورا على الحيوانات والسروج؟ لا يمكننا البقاء في هذه المدينة, وصبيانها في الشوارع بلا خلاق, وجنودها الكسالي يتحلقون حولنا. وعندما ظهر الحاكم مرة أخرى واجه عاصفة من التوبيخ. وأرسلنا الجنود أنفسهم لترتيب الأمور. وأخيراً نفضنا عن أرجلنا غبار "صيف" ونحن نتنفس الصعداء. ) وعند المغادرة من صيف رافقهم جنديان إضافيان, من جنود يافع تتحمل السلطنة القعيطية دفع مستحقاتهما، و يبدو عليهما الفقر والشحوب ومرتبهما لا يكفي لإعاشتهما جيداً. كما أخبر بذلك المؤلف قال : ( وطلب كلاهما أن يدخل في خدمتنا ويسافر معنا إلى الخارج. وعمل أحدهما في الفيلق العربي مع نظام حيدر آباد, ويتحدث الهندستانية.)
وحتى الملتقى في محطة ووقفة جديدة لكم تحياتي واعتذاري لأهل "صيف "إن كنت قد أسأت الظن فيهم وما أنا إلا ناقلاً ومعقباً وشارحاً وموضحاً إذا تطلب الأمر0

أبو صلاح 06-27-2012 05:22 PM

الهجرين في حضن جبل فارد جاثم على الأرض كالجمل البارك من غير عنق

نفضوا عن أرجلهم غبار "صيف" وهم يتنفسون الصعداء.لم ترق لهم الإقامة طويلاُ في بلدة"صيف"التي خلفوها وراء ظهورهم غير نادمين، واتجهوا صوب جهة المشرق، يسيرون ببطن الوادي ،وعلى جانبيه في جو حار مشمس تزيد درجة حرارته عن 39 درجة مئوية ،يطفئون حر الضماء من مياه السقايات البارد التي تنتشر كرؤوس المنارات البيضاء على طول الطرق التي تسلكها الدواب والمارة من الناس ،أوقفها أهل الفضل والرحمة من سابقي أهل حضرموت يرجون بها وجه الله 0
بعد مسيرة ساعتين من تحركهما من "صيف "فإذا بهما يقابلان اثنان من السادة العلويين وصفاهما بأنهما يحثان السير في اتجاه القافلة ،وكان قد وصفهما (الكولونيل" دانيال فان در ميولين أيضا )بأنهما ) في هندام حسن ) وهما مرسلان إلى السيد علوي العطاس رفيق رحلتهم إلى وادي حضرموت.
كما أن السيد أبو بكر بن شيخ الكاف في تريم قد أرسل سيارتين في طريقهما إلى حريضة توقعا أن القافلة لابد أن تكون "حريضة "هدف رئيس من أهدافها خاصة وأنها المدينة التي يقطنها جُل ّ عائلة "آل العطاس"ولهم بها مقام كبير يقصده زوار حريضة باستمرار0
قال المؤلف : (000فواصلنا مسيرنا الآن بهمة جديدة. وعبرنا مرة أخرى إلى الجانب الأيسر من الوادي, وهو الجانب الذي تقع فيه "صيف". وأصر الجنود اليافعيون على أن هذا الجانب غير آمن, وترجونا أن ننتظر وصول الجمال قبل أن نواصل.)
و أخيرا ظهر لهم جبل الهجرين بحافته الحادة المتميزة وقمته المسطحة, كسفينة ترسو في الفضاء، وحيث ترقد عند سفحه بساتين النخيل. قال: ( اندفعنا الآن بعزم جديد, بالرغم من الحرارة وحيواناتنا المجهدة. وعندما وصلنا إلى حافة الأرض المزروعة, اعتقدنا أننا وصلنا إلى نهاية رحلتنا, لكن ما زالت هناك مسافة علينا قطعها)
وخلال تلك المسافة التي كانت تفصلهم عن الهجرين كانوا قد توقفوا في محطات ،شربوا الماء البارد من أقداح الفخار،ثم واصلوا السير مع الدواب من الحمير التي ترافقهم في رحلتهم وهي متعبة لم تستطع مواصلة السير عبر قنوات المياه الجافة (أي السواقي )،فرحموها وآثروا السير على الأقدام، قال :( 000لم تستطع الحمير مواصلة السير أكثر من ذلك, فترجلنا منها. )
غير أن أحد الجنود اليافعين القساة لم يأبه بتعب حمار الكولونيل دانيال الذي ترك ركوبه شفقة عليه بعد أن اتعب فحدثت مشادة بين عصبية يافع وقوة هولندا الاستعمارية فأنظر ما حدث قال: (فاقتاد أحد الجنود اليافعيين حماري من لجامه إلى المؤخرة, وعندما وصل إلى هناك حاول أن يمتطيه خلسة. لكننا لمحناه, فصحت فيه لنزل منه, لأني نزلت منه لتوى رأفة به. فصاح إليه رفيقه اليافعي الذي كان يسير أمامي بألا يطيع أمري. فصحت فيه غاضبا ليصمت, وقلت له لقد دفعت أجر الحمير وأنا المسئول عنها. وعندما رد على بصفاقة قائلاً "أمسك لسانك", ضربته بصندوق على أذنه. فالتفت نحوى غاضبا وهو يمسك بندقيته وقال "هل أسكت على ضربك لي؟" فقلت له "سوف تطيع أمري فأنت تحت قيادتي". فتراجع عبد الله إلى المؤخرة وهو مقطب الجبين, بينما ركزنا أنظارنا جميعا على بندقيته.)
ولم يمض وقت طويل حتى جاء رفيقه بطلب الصفح عنه. وقال:( " لا تغضب منه فهو متوتر قليلاً". )
فرد الكولونيل بقوله :(ومن يستطيع أن يظل غاضبا لفترة طويلة من هؤلاء الأغرار الشرسين البدائيين؟. )
لم تسعفه قبليتة وعصبية العسكري اليافعي ، وحتى أن اعتذاره كان فيه مهانة له أمام هذا الأجنبي المستعمر في الأصل ، ومن ثم لأنه كان أجيراً عنده ؛لا ممثلاً للأمن ونظام الدولة القعيطية ووزيرها المحضار0
وبالنظر إلى تلك الواقعة والتأمل في بعض جوانبها ،تجد أن فيها ما يمثل صورة من صور رجالات الأمن والعسكر في السلطنات القعيطية والكثيرية السابقة التي حكمت حضرموت0
وفي كل الأحوال فقد انتهى الأمر في مساء تلك الليلة الساخنة بعد أن أعطي كلا الجنديين اليافعيين أجرتهما وصرفا أمرهما، و استغني الكولونيل عن خدماتهما : ولهذا قال :(000, أعطينا الجنديين اليافعيين مكافأتهما التي انتظراها بشغف, وافترقا من النصارى كأحسن ما يكون الأصدقاء.)
وحتى وصول القافلة إلى الهجرين،فقد مر الركب أثناء سيرهما على مسجد وبجانبه قبة وزير ماء للشرب على الطريق ،وبئر زراعية بها نسوة من الفلاحات يعملن في الزراعة ،قد استوقفهن مشهد رجال من النصارى الحُمر البشرة كما هو الشائع عند العوام . على أنهن ما إن شاهدن غرباء حتى سارعن بتغطية وجوههن ، وكن يضعن فوق رؤوسهن قبعات عريضة من السعف [مظلة ] للوقاية من حرارة الشمس0
وأخيرا وصلوا الهجرين :
الهجرين هي المدينة التي لا تغيب عن المشاهد والمنارات التاريخية في حضرموت كلما ذكرت ،وهي التي كما قيل "أشهر من نار على علم "، لا تغفل الكتابات التاريخية عن ذكرها ، لما لها ولأهلها الكنديون الذين سكنوها في الغالب منذ قديم الزمان كما ذكر الهمداني في صفة جزيرة العرب ،وبن عبيد الله السقاف في "إدام القوت" وكان قد وصفها بأحسن وصف وجدته في (إدام القوت معجم بلدان حضرموت قال : (هي واقعة في حضن جبل فارد جاثم على الأرض كالجمل البارك من غير عنق ، تحف بسفوحه النخيل من كل جانب ، متجانف طرفه الغربي إلى جهة الجنوب وطرفه الشرقي إلى جهة الشمال 000)
استقبلته المدينة المصلوبة على رأس جبل[ الباحث الهولندي وصديقه ] وبدأ بالصعود في طريقها المعبد نحو سفح الجبل، حيث تقع الهجرين، ويقود إلى بوابة هذه المدينة ممر معبد أيضا , وكانت تتحكم في الماضي بحكم موقعها في الطريق الرئيسي من الساحل إلى حضرموت. (الشوارع داخل المدينة أيضا شديدة الانحدار وتعطى المدينة انطباعا بالاضمحلال. وبها قليل من المنازل العالية أو الجميلة, واللون الأبيض الذي هو علامة الرخاء يكاد لا يوجد حتى في منزل واحد. يطغى على المدينة اللون الرمادي والبني مثل الجبال التي تقف أمامها. )
لاحظ أن انطباعه عن المدينة ومظهرها العام ،قد يفضي أليك بانطباع سيء فيما قاله عنها ماذا قال؟ : (توقفنا أمام منزل بطابقين يقع في شارع جانبي. يقال إن السيد محمد بن سالم بن عبدالرحمن الكاف, الذي نحمل له رسالة تعريف من مضيفنا في دوعن, يسكن هنا. وأخذوا منا الخطاب, وأغلق الباب مرة أخرى, وانتظرنا في الشارع. وعندما طال انتظارنا قلنا لأنسنا بقلق لعل الإفرنج غير مرغوبين في هذا المنزل.)
وهذا من سوء ظنه فيما يبدو،وإن اكتشف حقيقة الأمر وخطأ تقديره للموقف بعد ذلك ، قال :(000 ولم يكن الأمر كذلك, فقد كان هناك حفل زواج بالمنزل في ذلك الوقت, والمنزل مزدحم بالنساء فكان لا بد من إزاحتهن خلف الأبواب قبل أن يسمح لنا بالدخول.)
ولم ينته الأمر عند هذا الحد ،فإنه كما عهدناه من سابق في مواقف أخرى ينظر دائماً إلى سلبيات ومثالب وعورات القوم حين ينزل عليهم ؛وكأنه يحاول أن يكتشف ثمة ما يعيب ، من المواقف المظاهر والمناظر غير الجميلة التي يكتشفها في زيارته، وقلما يثني على أحد و يستحسنه ، إلا في حدود من يعرفه من خواص الجمهور فقط الذين تعامل معهم في حضرموت ؛وأدوا له مهام خاصة لتسهيل رحلته إلى وادي حضرموت ،على الأقل في ما مر بنا من زيارات سابقة في دوعن والشحر وشحير قال: ( 000 وبعد الانتهاء من هذه المرحلة, أخذونا إلى شقة تدل معالمها على أنها كانت مكتظة فقد كانت دافئة ومتسخة. ورغم أننا زحمنا المكان إلا أن بعض الفضوليين أقحموا أنفسهم علينا. ويبدو أن صاحب المنزل وابنه الذي يسيل المخاط من أنفه قد ادخروا الماء لكل الأغراض إلا للاستخدام. ولكن نظرته الودودة واستقباله الحار سرعان ما جعل كل شيء طبيعيا.)
يعود للاعتذار لنا معشر الحضارمة العرب بشكل مؤدب في تعبير منه غير مزري ولا فض أنظر لقوله : (
لعله من المناسب أن نتقدم بالعرفان لحفاوة العرب. فمن من الغربيين كان سيخفى امتعاضه إذا توقف حفل زواجه بمجيء قافلة من الناس المرهقين الجوعي؟ ومن منا كان سيفتح كل داره فورا للمسافرين "أبناء الطريق" ويقوم بنفسه بإحضار الماء لإطفاء ظمأهم, ويعد لهم في الحال الطعام الذي يقيم أودهم؟)
جميل منه هذا،وعلى كل حال نقول له الخيل أعلم بفرسانها، فلم يضرب لأحد من الناس مثلاً في كرمه إلا وحاتم الطائي وهو من العرب، ، وكعب بن مامة، في الإيثار،وقوله تعالى: " وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين " سبأ: 39 وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه " إن الله عز وجل كريم يحب الكرم و معالي الأخلاق ، و يبغض سفسافها " .
وكما هي عادة أهل الأرياف يحبون المعاشرة والمآكلة عند قدوم الضيف ،فاجتمع الناس في هذا المنزل بمدينة الهجرين من طوائف شتى لايفصلهم عن بعض عنصرية لون، أو حواجز طبقية، بالرغم من حضورهما في المشهد الاجتماعي لواقع حضرموت ولهذا وصف الواقع للمرة الثانية بأنه ديمقراطي،- كما تعلم في حلقة سابقة عن البدو في شحير - قال:( الحياة هنا ديمقراطية. ففي غرفة الاستقبال المحشوة بالناس, يجلس العبيد والخدم والأطفال وصاحب الدار معا ويشربون من نفس الإناء. ويعبون لأنفسهم القهوة في نفس فناجين الآخرين دون غسلها. وكرس مضيفنا نفسه لخدمتنا. كان يتغيب دائماً ليتأكد بنفسه أن التحضير للوجبة يتم دون إبطاء.)
وحتى موعد تقديم وجبة الغداء،ولعلها الصبحة أو المشطة كما في العادات الحضرمية ،لم تلبث النساء في الغرفة المجاورة لجلوس الضيوف ،يشدون بأغاني العرس مع الشرح النسائي الحضرمي المعروف، و كن في مرح دائم بالرغم من الحر القائظ الشديد في صيف مايو في تلك السنة -1931م -,
ولم يدر في خلدهن أن هذا الإفرنجي سيكتب عنهن كل شيء فيما بعد 0
وأخيراً جاء ت ساعة الراحة والغداء : (فقد قام مضيفنا الحاذق في هذا الأثناء في هدوء بإعداد غرفة لنا في ركن قصي من المنزل الشاسع. كان يرى إرهاقنا, فهمس لنا أن نتبعه حتى نهرب من فضول الزوار الذين لا ينقطعون. فأهل المدينة هؤلاء الذين لا يمكن أن نحمى أنفسنا منهم, لن يجروا على الدخول إلى هذه الغرفة الهادئة. واستلقينا فوق السجاد على الأرض, وسوف يهتم مضيفنا بألا يزعجنا أحد لمدة ساعة. ثم أحضروا لنا الطعام في هدوء, ولم نستيقظ إلا عندما كان الأرز الأصفر ينتظرنا في الصحون المفطحة حول مائدة الطعام المستديرة على الأرض, وبجانبه اللحم والطبيخ. وأمام كل واحد منا قطعة مستديرة من الخبز.) ولقد ظن صاحب المنزل أن الغداء قد لايكفي ،وبكل أدب واحترام تقدم ألينا واعتذر عن قلة الأكل المقدم لنا, ثم بدئوا يأكلون قال : (000 وانهمرتا على الأكل وننحن نردد "بسم الله الرحمن الرحيم".)
والصحيح الثابت من آداب الأكل في السنة النبوية أن تقول (بسم الله ) فقط إن كنت مستناً بسنته صلى الله عليه وسلم 0
قد لاحظ الضيف على الوجبة خاصة الأرز أنها مشابهه لما كان عليه الآسيويون في جاوا والهند وسيلان وهذا صحيح ،لأنها في الأصل نقلت مع الهجرة إلى حضرموت قال : (إن عادة طبخ الأرز واللحم مع كمية كبيرة من البهارات لا بد أنها جاءت من جاوا والهند. فهم يكثرون من البهارات التي لا يألفها الضيوف الأجانب) 0
كان مضيفهم يجيد التحدث باللغة الملاوية, ويهوى الحديث عن "شيربون" التي تقع في شمال ساحل جاوا, حيث حققت أسرته نجاحا ملحوظاً ويتمنى أن يعود بضعة أشهر عندما ينتهي حصاد التمر. ويمتلك والده عشرين منزلا هناك. وهو يعرف مائة وخمسين رجلا سافروا من الهجرين ليبحثوا عن حظهم في جاوا.
قال : ( 000 واطلعت قبل مغادرتنا على الجواز الهولندي لمضيفنا وأقربائه وكتبت عناوينهم ووعدت بأن أقابلهم فيما بعد في "شيربون", فهم يستحقون ولو اهتماما بسيطا من جانبنا, فقد كنا مشدوهين بالحفاوة البسيطة الصادقة التي لقيناها في هذا المنزل, خصوصاً بعد تجربتنا المريرة في "صيف".)
هل لاحظت ما أسلفت ذكره من طريقة وأسلوب الزائر مع غيره من الناس !؟
وعندما حانت ساعة الرحيل : وقف مضيفهم عند عتبة الباب في وداعهم بعد أن طلب منهم المبيت أيضا في الهجرين بإصرار شديد. (000لكن علوي العطاس كان تواقا إلى رؤية أسرته في موطنه, ولذلك قررنا أن نواصل السفر إلى "المشهد" بعد الظهر. )
و مما أثار الانتباه تجمع من يتحدث الملاوية من أهل الهجرين الذين أخذوا يتبادلون الحديث بها ببضع كلمات مع ممثل الحكومة الهولندية كما وصف نفسه "بالأبيض " التي تستعمر بلاده جاوا موطنهم الثاني في تلك الفترة (000 وعند وداعنا لم تحط بنا وجوه تعلوها الكراهية والاحتقار, ولا التعابير المسيئة للنصارى الذين يجب ألا يسمح لهم بتلويث الأرض, بل كان خروجنا عبارة عن موكب انتصار صغير, وتزاحم حولنا الصبية وهم يمتلئون حماسة, وكل واحد منهم يحاول إبراز معرفته بلغة الملايو.)
ولنا لقاء إن شاء الله في المشهد وآل العطاس دمتم بخير لكم تحياتي0

الخليفي الهلالي 06-28-2012 08:02 AM

ايكا دوة ساتو امبة ليما

يقال أن سكان حريضه يحسبون الأرقام بالملايو(الجاوي)

وخصوصا أصحاب (التوكو) الدكان هههههههههه؛؛؛؛؛

خذني معاك 06-28-2012 11:05 PM

- أبـــ صلاح ـــــــو :

- من خلال متابعتي لهذه السلسلة التاريخية الذي تسطرها أنامل

- الكاتب التاريخي تتركنا نسبح بعمق ونتلذذ في سرد القصة التاريخية القديمة

- ومن حيث التوثيق الرائع الذي يكلف الكاتب ( أبا صلاح ) الكثير من المشقة والتعب

- ولكن كونك رجل لديك إنتماء وطني وحبك لبلادك , فيدفعك التاريخ بقوة صارمة لبذل كل جهودك

- التي تشكر عليها وستثبت لك السقيفة هنا تسجيلك لهذا التاريخ العريق الذي تدونه بقلمك البلاتيني

- إلى جانب دعوات أبناء وطنك لك بالتوفيق , لأنك أنت ياأستاذي الكريم من أنرت عقولنا بهذا السجل العظيم

- مهما كتبت عنك فلن اوفيك حقك يا هذا الرجل المتحمس .

- ولو قلت لك مليون تحية قليل لجنابك وشخصيتك المرموقة ..

- لك من أبو خالد : كل الود والتقدير // تحياتي وودي //

أبو صلاح 09-04-2012 01:49 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الخليفي الهلالي (المشاركة 727267)
ايكا دوة ساتو امبة ليما

يقال أن سكان حريضه يحسبون الأرقام بالملايو(الجاوي)

وخصوصا أصحاب (التوكو) الدكان هههههههههه؛؛؛؛؛

نعم يالخليفي الهلالي صدقت
من أهل حريضة من ولد في بلاد الملايو ، ومنهم كما قلت يحسبون البقش ..... الزلط !... (ايكا دوة ساتو امبة ليما ) وجمعوا لهم ثروة عظيمة هناك ،ووصلوا إلى مراكز سياسية كبيرة مثل (الدكتور علي العطاس وزير خارجية سابق ) ومنهم من لعب دوراً كبيراً في تاريخ الجنوب السياسي المعاصر الجميع محل تقدير لا يقل هذا من شأنهم ،فريئس أكبر دولة مدنية وذات قوة اقتصادية وعسكرية هائلة في العالم من أصول مهاجرة أفريقية كماتعلم !! .المهم أن الحضارم مثل الشمس التي لاتغيب شرقت أم غربت نحن فخورون بهم حتى وإن كانوا يحسبون الأرقام بالملايو فهم يعدون من أصول بلاد حضرموت إن كانوا من موالدة شرق آسيا أو شرق إفريقيا ،فهم أثرو الحياة الثقافية والإجتماعية في هذا البلدان خطأ كان أو صواباً، هم منا ونحن منهم .... (حضارم كلمة طيبة تجمعنا ،ولاشك أن شبوة العاصمة القديمة منهم )

أبو صلاح 09-04-2012 02:07 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خذني معاك (المشاركة 727350)
- أبـــ صلاح ـــــــو :

- من خلال متابعتي لهذه السلسلة التاريخية الذي تسطرها أنامل

- الكاتب التاريخي تتركنا نسبح بعمق ونتلذذ في سرد القصة التاريخية القديمة

- ومن حيث التوثيق الرائع الذي يكلف الكاتب ( أبا صلاح ) الكثير من المشقة والتعب

- ولكن كونك رجل لديك إنتماء وطني وحبك لبلادك , فيدفعك التاريخ بقوة صارمة لبذل كل جهودك

- التي تشكر عليها وستثبت لك السقيفة هنا تسجيلك لهذا التاريخ العريق الذي تدونه بقلمك البلاتيني

- إلى جانب دعوات أبناء وطنك لك بالتوفيق , لأنك أنت ياأستاذي الكريم من أنرت عقولنا بهذا السجل العظيم

- مهما كتبت عنك فلن اوفيك حقك يا هذا الرجل المتحمس .

- ولو قلت لك مليون تحية قليل لجنابك وشخصيتك المرموقة ..

- لك من أبو خالد : كل الود والتقدير // تحياتي وودي //


أستاذي المبارك أبو خالد بارك الله فيك وأطال الله عمرك في طاعته ،وأستعملنا وأياك في ماهو خيرُ لدنيانا وآخرتنا أنه سميع مجيب
كلماتك كالبلسم على الجروح ،، والغيث للقلوب بوركت ياسيدي الفاضل أنني بصدد الإنتهاء من الوقفة التالية من هذا الموضوع الشيق الذي كما ذكرت سابقاً يرجع بنا إلى أكثر من ثمانين عاماً إلى الوراء في تاريخ حضرموت . نناقشه في وقفات أرجو من الله أن يوفقني إلى أتمامه ،وقد توقفت منه في رمضان وأيام العيد وهانذا أعود إن شاء الله تعالى [/COLOR]

أبو صلاح 09-17-2012 04:45 PM

من الهجرين إلى المشهد .....
من الهجرين إلى المشهد ؛ والمشهد قر ية صغيرة كانت تعرف قديماً ( الغيوار ) تقع شمال مدينة الهجرين التاريخية ولا تبعد عنها كثيراً،
وأسم "المشهد " جاء أنه أسم قرية عربية تقع في الجليل شمال فلسطين التاريخية, أو شمالي مدينة الناصرة في الأراضي العربية المحتلة من فلسطين. وأمّا" مشهد أو طوس "كما كانت تسمى قديما ايضا، فهي من كبريات مدن إيران ومن أعظم مدن خراسان، وقد فتحت في أيام الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وأصبحت (مشهد ) الإيرانية ،محل اهتمام كبير عند الشيعة الإمامية الاثناء عشرية ، لأن فيها الكثير من المزارات والمقامات الشيعية ، وأهمها إطلاقا ضريح الإمام علي بن موسى الرضا، ومشهده الذي به سميت تلك المدينة مشهدا.وأما "مشهد "في حضرموت الوادي ، فقد أطلق عليها هذا الأسم بدلاً
من أسمها القديم (الغيوار كما ذكر السيد عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف في (إدام القوت ) هو السيد علي بن حسن بن عبد الرحمن العطاس، مؤلف كتاب "المقصد في شواهد المشهد" الذي توفى سنة سنة1172 هجرية، ويرجع بن عبيد الله السقاف سبب التسمية أنه لما هاجر إلى هذا المكان قرية ( الغيوار ) كما تقدم بسبب أن أفراداً من عشيرته حسدوه في بلدته حريضة قال عنه :( لتفضله عليهم بعلو شانه وغزارة علمه وقوة عارضته وكان يتنقل في البلدان لنشر الدعوة الى الله تعالى وكانت امه من آل اسحاق الساكنين بهينن فبدا له ان يختط بذلك المكان دارا ويبني مسجدا ورغب الناس في البناء بجواره )كما ذكرأيضا -بن عبيد الله السقاف في كتابه السالف الذكر - قال :(... وعندما راوا عموم الامان بنيت الديار حوالي مسجده فكان بناءه واختطاطه ذلك المكان حصاة صادت عدة عصافير اذ قد استراح هو من مناواة الحساد وامن به الناس وزال الباس وكان يحتفل بمولد النبي [ صلى الله عليه وسلم ] في اليوم الثاني عشر من ر بيع الاول في كل عام يتقاطر له الوفود من كل ناحية ...) غير أن بعض من كتبوا في المسائل العقدية من العلماء المتقدمين شنع في القول بتسمية القبر مشهداً ،و عدَّ ذلك من الأصنام والأوثان كالإمام المحدث اليمني المجتهد محمد بن اسماعيل الصنعاني ، في كتابه (تطهير الاعتقاد , المكتب الإسلامي الطبعة الخامسة 1405هـ صفـ 27و26ـحة وآخرون .
أما المؤلف الهولندي الزائر "دانيال فان در ميولين " صاحب الكتاب فله سبباً أخر بتسمية (المشهد ) خلافاً لما ذكر أعلاه قال :( المشهد مدينة صغيرة منقرضة تقع وسط صحراء الوادي الجرداء. ومعنى اسم "المشهد" هو "المكان الذي مات فيه شهيد". وهي سوق موسمية هامة ومكان للحج. فخلال أيام محددة في شهر محرم حددت لهذا الغرص, يمتليء المكان بالبائعين والمشترين الذين يسكنون في المنازل والأكواخ المؤقتة, وأغلب المنازل الآن خالية ......) ولاشك أن الكاتب قد أخطأ في تعليله أو أن هذا من المترجم للكتاب .
وفي كل الأحوال قد وصلوا إلى المشهد في غياب حاكم المنطقة الذي يفضل السكنى في مدينة حريضة المزدهرة ،لكن هذا لم يمنع أبناءه المتواجدين في قرية المشهد بتقديم فروض واجب الضيافة لمن قدم من الضيوف على المنطقة ،ومما تجدر الإشارة أليه فقد أعجب بهما الضيفان الأجنبيان ،وهذا ليس بغريب عن عائلة آل العطاس التي يقصدها الزوار والضيوف باستمرار كما هو الحال في عاصمة آل العطاس حريضة قال : (.... تمتلك عائلة العطاس منزلا للضيافة جيد الإعداد لأفراد الأسرة الذين يمرون على المشهد. وتم حديثا طلاء الطابق الأعلى بالجير الأبيض, والسلالم والممرات والحمامات والمراحيض وكل شيء في غاية النظافة. كان شيئا كماليا بالنسبة لنا أن نستحم ونضع أسرتنا السفرية فوق السطح النظيف بطلائه الأبيض بعيداً عن الروائح النتنة التي تنتشر في كل مدينة عربية. وياله من فرق بين سح الأسطبل في "صيف"؟)
أتجه الكولنيل دانيال فان در ميولين والدكتور. هـ . فون فيسمان إلى خرائب ريبون القريبة من المشهد وتقع في جنوبها وجنوبها الغربي ،وهي من أهم مراكز الإستيطان البشري في حضرموت منذ آلاف السنين وقيل إلى ما قبل القرن التاسع قبل الميلاد، واستمر فيها الاستيطان والحياة المزدهرة حتى القرون الميلادية الأولى .
ولقد تمت في هذه الخرائب من المدينة حفريات وأبحاث ودراسات أثرية من قبل البعثة الآثرية السوفيتية في الفترة من «83 - 1989م » وهي دراسات علمية من قبل آثاريون روس وحضارم متخصصون ، وتوصلت إلى معطيات من خلال استقراءات النقوش والآثار بأن سكان المدينة كانوا يزاولون الزراعة وتربية الحيوانات ، وبنوا مجمعات سكنية وقصوراً جميلة للسكن وأبنية أخرى خاصة لأنشطتهم الدينية كالمعابد، وقد كانت كل الأراضي المحيطة بالمدينة التي تمت فيها الحفريات مغطاة بشبكات من قنوات الري والقنوات والسدود وأحواض المياه، ويدلكل هذا على ازدهار بلغ أوجه.
وقد شاهدالكولنيل" دانيال فان در ميولين والدكتور. هـ . فون فيسمان" بنفسه كثيراً من النقوش على صخورمنحوتة في المنازل وقبور الأولياء والمساجد والسقايات وفي داخل بئر القرية الكبيرة العميقة وقال : ( لم تكن المادة مشجعة؛ فالحجر الجيري الذي نقشت فيه مأخوذ من الجبال المجاورة وكان هشاً فلم تبق إلا شظايا من أغلب النقوش. لا شك أن بحثا دقيقاً أعمق مما نستطيع القيام به, سوف يسلط عليها ضوءا أكثر سطوعا.)
وحين أنتقل إلى خرائب ريبون جنوب غرب قرية" المشهد " أيضا قال :( .... ويشاهد الإنسان ///////////////////////// يصل ارتفاع بعضها إلى ثلاثين قدما, وعلى قممها بقايا جدران بنيت من كتل حجرية منحوتة, تلتحم مع بعضها بنوع من الأسمنت. وفوق قمة التل الأول شاهدنا بقايا لأربع قوائم عليها نقوش مربعة, علها الأساس لأعمدة. وفي اتجاه المنحدرات وجدنا الكثير من شظايا الحجارة نقشت عليها شخصيات. وفي التل التالي بئر قديمة, قطرها ثلاثون قدما وعمقها يصل إلى ستين قدما. ويتكون الجزء الأعلى من حائطها من طبقات من صخر متراكم بينما الجزء الأسفل من الطين. تغطى الأوساخ الآن جزءاً كبيراً من البئر ولعلها كانت أعمق مما هي عليه الآن ....)
وهكذا ظل الزائر ينقل في المنطقة الواقعة جنوب قرية "المشهد " يلاحظ ويسجل ويصوربآلة التصوير التي يحملها مزيداً من الأنقاض والآثار والنقوش التي حفلت بها منطقة أو مستوطنة "ريبون" ،وقد توقف أمام ماكان يعرف " بمقبرة الملوك " التي وقف عليها وقال : مقابر الملوك, التي تقع في مربع كبير جنوب جنوب غرب المشهد, تخلف كل الفضوليين الذين كانوا يتابعوننا. وجدنا نقوشاً قليلة هنا. والتلال منفصلة عن بعضها البعض, وعلى قممها أساسات لجدران صلبة يتكون منها سياج مربع مساحته ثلاثون قدماً. لم تكن الحجارة كبيرة جداً لكنها منحوتة نحتا جيداً. والأنقاض هنا مغطاة لحد كبير بأكوام من الطفال الرملي, ومن المحتمل جداً أن يكون بقايا الأجزاء العلياء للمباني. وتتناثر بين الصخور كثير من شظايا فخارية بنيّة - حمراء.)
وكان السيد حسن العطاس الأخ الكبير للسيد علوي رفيق الكولنيل " دانيال فان در ميولين " موجوداً في حضرموت بعد إن كان مسافراً في بتافيا من قبل , وقد حرص على اللقاء بالضيوف بعد أن جاء إلى المشهد للقائهم . قال : (.... لقد أرسل والدهم تعليمات ببرقية من بتافيا, ليستقبلوا بحفاوة المبعوث الأول لهولندا في حضرموت. وما أن استلم السيد حسن التعليمات, حتى امتطى هجينا وانطلق لملاقاتنا. ولم يجرؤ أن يلبس في بلاده غطاء الرأس الواقي من الشمس (البرنيطة) الذي يستعمله الإفرنج. لكن برزت فيما بعد كل تقدميته وحيويته وجرأته.)
ومنذ هذا اللقاء الذي تم في المشهد أصبح السيد حسن بن علوي العطاس الذي هو رب الأسرة ومقدمها في حريضة والذي وصفه الزائر بأنه رجلاً تقدمياً،وفي هذا كناية على تحضره ومدنيته التي أكتسبها من الهجرة وتعامله مع غيره من الأجنبيين , قال ( ... وقضينا وقتا جميلا تحت رعايته. ولو كان له الوقت الكافي ليرافقنا في رحلة العودة, لتجنبنا الكثير من المنغصات.) أنتهت بهذا زيارتهم للمشهد وخرائب ريبون .
لنا وقفة أخرى إن شاء الله تعالى ، نسجلها في حريضة موطن آل العطاس العلويون وإلى ذلك اللقاء لكم تحياتي


ابوعبدالرحمن الحزمي 10-18-2012 05:08 PM

اابحاث تاريخية طيبة يكتبها الباحث ابو صلاح الذي تخصص في تاريخ حضرموت وتراثها جزاك الله خير موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

أبو صلاح 01-10-2013 11:21 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابوعبدالرحمن الحزمي (المشاركة 742189)
اابحاث تاريخية طيبة يكتبها الباحث ابو صلاح الذي تخصص في تاريخ حضرموت وتراثها جزاك الله خير موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .


شكرا للأخ أبو عبد الرحمن الحزمي وبالمناسبة أبتداء من اليوم إن شاء الله سأستأنف كتابة بقية المواضيع حول هذه الرحلة الشيقة إن شاء الله تعالى تقبل خالص شكري وتقديري لك ولجميع حلان السقيفة الشبامية الكرام فالسقيفة بيتنا نحن دائماً بصدد التفكير في تقديم الأجمل والأفضل وقد نشغل أحياناً بظروف العمل وعوامل أخرى فوق طاقتنا لكنني لا أنسى السقيفة خلال يومي على الإطلاق .


الساعة الآن 02:22 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas