تفضيل الكلاب على بعض ممن يلبس الثياب محمد سالم قطن صحيفة المحرر
 

احتفظ فى مكتبتى المتواضعه بعدد لا بأس به من الكتب القديمه مرتين. اقصد قديمة فى موضوعها وقديمه ايضا فى طباعتها, اى انها قديمة تربيع.وبكلام آخرأعنى انها من الكتب التى تباروا فى نعتها ووصفها بالكتب الصفراء. لا لذنب جنته سوى انها طبعت فى مطابع يدويه قديمه بعد عصر (جوتنبيرج) الذى اوصى صناع المداد بان يضيفوا فى تخاليطهم المركبّه مزيدا من الصبغة الصفراء . طبعا كان اولئك الناعتون اللاعنون الذين حذرونا من قراءة الكتب (الصفراء) حينا طويلا من الدهر. لايقصدون شيئا من هذا القبيل . بل ان بعضهم يجهل حتى ابسط الاشياء عن المرحوم (جوتنبيرج) مخترع المطبعه. ولا يدرى بان اول كتاب طبعته تلك المطبعه (الصفراء) هو ايضا كتاب( اصفر) كما اننى على يقين بأنه لا يعرف سبب وصفنا لأم المدن الحضرميه بشبام الصفراء.
اقول قولى هذا, لأسرد فى وضوح باننى ماكنت لابسط عنوان هذه الخاطره. لولا اننى عكفت قبل ايام أقلب فى ارفف كتبى التى اهترأت اوراقها كثيرا , وكان أن انسلت من بين ثنايا الاوراق ورقة صفراء . اخذت امتّع ناظرىّ بما حوته اسطرها من كلام بليغ جميل لكاتب عربى اندلسى قديم وهو يوازن بين اهل الوفاء من الناس واهل الجحود.حتى انبرى اخيرا الى الاشاره الى انه اطلع على نسخة من كتاب الّفه احد معاصريه يحمل عنوان: تفضيل الكلاب على بعض ممن يلبس الثياب.!
اندهشت كثيرا عمّا دفع الرجل الى عقد هذه المقارنه شبه الظالمه. صحيحُ ان ال*** حيوان على قدر كبير من النفع للانسان, قديما وحديثا. والا لما اعتنى برعايته وتدريبه اهل القبعات. ولما وظفته الشرطه فى بلدان الغرب ضمن سلكها الوظيفى الذى يمتنع عن توظيف بعض سيىء السلوك من بنى البشر.
ربما ان الرجل قد عاش زمنا يشبه زماننا هذا الردىء . شاهت فيه بعض الوجوه وخربت بعض الضمائر. يصدق حدسى هذا كثيرا, اذا تذكرنا ان الاندلس , قبل سقوطها, قد مرّت بعصر اختلّت فيه الموازين وطغت فيه النذالة واختلطت مع بعضها الالوان. عصرٌ ارتخت فيه الاخلاق الى حد الليونه, وعضّ فيه الكثيرون الايدى التى احسنت اليهم. وازيحت فيه النخوه والمروءه لتدخلا مخفورتين الى مايسمى بمتحف العادات والتقاليد.
وربما ايضا, ان صاحبنا قد كتب ماكتب ليسطر ذلك الكتاب تحت تأثير صدمه نفسيه تعرض لها شخصيا. فقد يكون ذلك الكاتب احد فاعلى الخير , توهم بان الخير لايعدم جوازيه. وقد يكون مناضلا قديما ممن فاتهم (مولد) توزيع بركة النضال, فخرج من (المولد) بلا حمّص. وقد يكون احد اعوان الظلمه استدار عليه ذلك الظالم ليستميل نحوه اعوانا من طراز جديد.
لايهم الآن من يكون ذلك الكاتب القديم , ولا يهم ايضا الدافع الذى جعله يقدح ويهجو الجاحدين فى كتاب كامل مستعينا بعنوان على قدر كبير من الانفعال. الاهم ان ندرك بان قيمة الانسان ليست فى ثيابه اومظهره بل هى مخزونه فيما يملكه من مواصفات الانسانيه الحقه...!