الأسباب والعلل في فلسفة ابن خلدون
تميز المؤرخ ابن خلدون ، عبد الرحمن بن محمد الحضرمي (ت 808 هـ) من غيره من المؤرخين، بإيراده الأسباب والعلل في حوادث التاريخ ، وتبرز هذه الخاصية في كتاب (المقدمة) وربما اختفت في تاريخه المعروف ، ويقول المستشرق (نكلسن) في كتابه (تاريخ الأدب العربي): ان ابن خلدون يرى في التاريخ دورة في التقدم والتقهقر لا نهاية لها مماثلة لمظاهر الحياة البشرية ، فالممالك تولد وتبلغ النضج وتموت خلال مدة معينة ، وكان في ذلك قد فتح الطريق أمام الباحثين للوقوف على أسباب وقوع الحوادث ، ومن ثم تبيان نتائجها ، وقد أراد تركيز المنهج العلمي لدى الباحثين ، وقد أشار الى عدة عوامل في تركيز المنهج العلمي في محاولة للوصول الى الحقائق التاريخية فيقول : يجب على المؤرخ أن يكون عالماً بقواعد السياسة ، وطبائع الموجودات ، وبهذا حاول ربط التاريخ بالفلسفة، وإبعاده عن سرد الرواية أو الخبر ويقول الأستاذ أحمد حسن الزيات في كتابه (تاريخ الأدب العربي): والراجح أن ابن خلدون أول إنسان استنبط فلسفة التاريخ ، وسماها طبيعة العمران في الخليقة ، وقد فصلها في مقدمته واستشهد على كل ما كتب بالحوادث التاريخية الصحيحة ، مما دل على سداد رأيه ، وصدق نظره ، وانفساح ذرعه في الاستنباط والتعليل ، على أن العلماء أخذوا عليه إخلاله بالقواعد التي وضعها لكتابة التاريخ ، ولم يسلم من المؤاخذات التي أخذت على المؤرخين السابقين ، وهذه الملاحظة بارزة في (تاريخ ابن خلدون) فكان عليه أن يطبق فلسفته التي أوردها في (المقدمة) على فصول تاريخه . ولكن يستفاد من المقدمة ، أنه وضع أسس النقد التاريخي ، وفلسفة التاريخ عند العرب ، وان نجد بعض النقد عند مسكويه في كتابه (تجارب الأمم) وقد أشار ابن خلدون في نقد التاريخي بقوله : (اعلم ان فن التاريخ فن عزيز المذهب ، جم الفوائد ، شريف الغاية ، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم والأنبياء في سيرهم ، والملوك في دولهم وسياستهم ، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا ، فهو محتاج الى مآخذ متعددة ومعارف متنوعة ، وحسن نظر وتثبت يفضيان بصاحبهما الى الحق ، وينكبان به عن المزلات والمغالط ، لان الأخبار التي اعتمد فيها على مجرد النقل ، ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة ، وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني ، ولا قيس الغائب منها بالشاهد ، والحاضر بالذاهب ، فربما لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم ، والحيد عن جادة الصدق وهذا الرأي رائع في بابه ، فيما لو التزم المؤرخون بمضامينه
بقلم حسن الحكيم |
الساعة الآن 12:49 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.9, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir