سقيفة الشبامي - (3)اليمن في عيون سائحة - اليوم الثاني من عدن الى المكلا

اليوم الثاني من عدن الى المكلا
* سيارات تويوتا باليمن بنسبة90% والسيارة تسمى تويوتا عوضا عن وصفهم لها بـ(سيارة!).

* يحب الاطفال ان تلتقط لهم الصور وهم في اوضاع مختاره !..

* يشربون الماء جميعا من كوب واحد ..من البلاستيك ملطخ بالدسم.. ويعدون الشاي في ابريق ضخم فضي اللون يكفي لعدد كبير من المرتشفين.

استيقضنا على اصوات المؤذنين عند الرابعة فجرا . والشبامي الذي التقيناه بمحطة الباص البارحة اختار لنا افضل مقعدين دون ان نطلب منه ذلك .. اذهلني الناس هنا باخلاقهم الحسنة جدا .. انهم يؤثرون الغريب بافضل مالديهم ..وقد اخبرنا سائق الباص ان الرجل هو من اختار لنا المكان ومضى دون ان ينتظر لكي نشكره! .
الرجال يتزاحمون في المحطة ، وتفوح بها روائح القمامة والشاي ورطوبة عدن الشديدة . انه جو يشبه مايقال عن الجحيم.. لكننا لم نبق هناك وقتا طويلا ..وزال الشعور الذي اعتراني بعد مغادرتنا المحطة .
غمر الشروق مياه المحيط الهندي ، وامتدت اشعته فوق شريط طويل من الرمال الذهبية الجرداء الا من شجيرات نادرة هنا او هناك ، والسماء موشاة بنتف السحب الخفيفة وقد تلون الافق بحمرة الشروق وزرقة السماء .. واكواخ الصيادين تنتشر دون تنسيق بين مسافة واخرى .. كانها مساكن اشخاص من كوكب اخر من وجهة نظر السائح الغريب . ذلكم هو شاطي اليمن الطبيعي الجميل الخالي من ملوثات الحضارة والذي نتوق جميعا للتنزه فيه ، لكنه بعيد جدا .
دخلنا بين مجموعة من تلك الاكواخ .. وكانت قوارب الصيادين الخشبية الزرقاء مبعثرة على الشاطي .. وتوجد هنا نقطة بوليس ، ويدي ترتجف وهي تحمل الجواز الامريكي ، لكنني قادرة على اقناع البوليس – اذا ماسالني عن هويتي – انني فلسطينية ، دون ان الجأ الى تقديم الجواز له .. ان لكنتي وعيوني السوداء وملامحي العربية جعلته مقتنعا انني عربية . وظلت عايدة صامتة لان لكنتها الفرنسية غالبة على نطقها بالاضافة الى ان عينيها خضراوان وشعرها اشقر ( مما يجعل الاخرين يظنونها سورية على الاقل ) مما جعلنا نتخذ هذا ذريعة لكي تنتسب الى سورية .. فهي تعرف بعض المفردات باللهجة السورية كونها عاشت سنوات هناك .. واسمها عربي .. وهكذا يكمل بعضنا البعض .. قدرتي على التحدث بالعربية وملامحي واسمها هي ! ثم انها تحسن المجادلة والاقناع كذلك .
الارض بدات تظهر بها المرتفعات والاشجار والمزارع كلما تقدمنا بينما يظل الرمل والساحل عن يميننا ممتدان .. كم نتمنى ان نخلع هذه الملابس ونسبح في مياه المحيط الصافية .
وصلنا الى الوادي .. الخضرة كثيرة وتزدهر اشجار النخيل والشجيرات الخضراء الروية القصيرة وقليل منها طويل متعال..وتوقفنا في بلدة صغيرة على الطريق وراينا عائلة هناك وكانت الام متحجبة تماما .. والناس يتزاحمون حولنا ، والنساء يتلفعن بالسواد وهي دلالة على بلوغنا الاطراف الاولى من حضرموت حيث تحتجب النساء .
والناس ذاهبون ايبون كل في شغله .. ومرق جمل محمل بالقش ويمتطيه رجل في منظر بديع اراه للمرة الاولى عن قرب . ولم نعد نرى البحر لكن اشعة الشمس الساطعة عن يميننا تدل عليه! وعن يسارنا الصحراء الممتدة والجبال في منظر ذكرني بصحراء نيفادا في كاليفورنيا ..
ورجل مع طفله يضحكان وهما ينظران الى وانا اكتب .. والوشاح يتطاير عني .. وادرك ان ما افعله يبدو غريبا لهم و أحس بكوني غريبة بينهم كذلك والعكس بالعكس .. والتباين ظاهر بين طريقتي في العيش وبينهم فانا اقضي الساعات الطويلة امام الكمبيوتر ثم جئتهم من بلاد تبعد 3000 ميل .. ومر الباص على امراتين محجبتين تلوحان لايقافه .. ولكنه ملئ .. وتساءلت كم من الوقت ستقضيان في انتظار باص يقلهم ..وهل هن واثقات من ايجاد وسيلة النقل في الوقت المناسب ..ولم لايفكرن باختيار الوسيلة التي تضمن لهم الراحة فلا يتعرضن للاجهاد والبهدلة.. يبدو ان تفكيري هذا بعيد عن اسلوب حياتهم وطريقتهم في العيش ..
مررنا عبر منطقة جرداء مليئة بالصخور البركانية .. وبالكاد ترى فيها نباتا .. كانها منطقة منسية حينما وهبت الطبيعة جمالها للاماكن !
كنا قد توقفنا للافطار .. وتناولنا الفاصوليا ولحم الضأن المقدد ..
ثم توقفنا بعد ذلك لتناول وجبة الغداء .. ووجدناها فرصة لالتقاط بعض الصور ، وكنت اشعر بالحرج حين هممت باخراج الكاميرا من حقيبتي .. لست ادري ماهي ردة فعل الناس حين نصورهم هنا .. لقد كان تصويرنا في صنعاء من سطح المنزل ، وهذه هي المرة الاولى التى نظهر بين الناس حاملين الكاميرا ونواجههم بالتصوير .. ولا احب ان يشعروا باننا كالمستعمرين الاغنياء المرفهين نتسلى ونتمتع بالنظر اليهم ..وكاننا نستكشفهم ونندهش من عاداتهم المثيرة كما يفعل المستكشفون القدامى من البريطانيين وهم يصورون افلامهم في الغابات وفي جزر اسيا الشرقية الجنوبية ! يستكشفون الادميين البدائيين هناك ..ولا اريد ان يظنوا اننا مغرورون ننظر لهم نظرة دونية، ومع كل هذا ادرك ان تلك هي احاسيسهم ونظرتهم نحونا .. لكن ذلك يزول كلية اذا تحدثنا معهم بلغتنا العربية .. او اذا اخبرناهم اننا فلسطينيون .. تتحول عواطفهم الى اهتمام بنا .. ونحس بنظرة الاشفاق منهم على مانعانيه .. وهذه الاهتمام لايحظى به السائح الغربي بالتاكيد .. عند زيارته لليمن . ولم يدر بخلدي انني ساكون محل اهتمام او شفقة او تعاطف من الناس هنا كونني فلسطينية، وهو امر لم يحدث لي في الولايات المتحدة حيث منزلي بل يحدث العكس .. فحينما يعلم احدهم انني من فلسطين تنتابه الخشية ويتوخى الحذر ويكون تعامله معي سلبيا عوضا عن تعاونه معي .
وقت الظهيرة ومازلنا متوقفين في هذه البلدة ، والحر الشديد يقتلني وانا متلفعة بهذه الثياب ، لا ادري كيف تتحمل النساء هذه الثياب السوداء .. في هذا الجو الخانق .. اليس الاسود يمتص مزيدا من الحرارة ؟ ..
وخلسة خلعت الوشاح من راسي وتركت شعري ينسدل في الهواء الطلق دون غطاء .. واحسست براحة مؤقتة ..
والباص يسير بنا في مجرى نهر جاف .. والجسر مهدم ..لن يعلم احد منذ متى والى متى سيظل مهدما ! واطراف الوادي عن جانبي الطريق تذكرني بايام سالفة من ايام طفولتي في عُمان المجاورة .. طريق وعر .. ثم هاهي الصحراء التي تمنيت رؤيتها برمالها اللانهائية وقد تخللتها بعض الواحات ، ونمر من خلال القرى ذات البيوت العالية بنوافذها الصغيرة التي تشبه بيوت شبام . والطريق مليئة بالقاذورات .. اكياس البلاستيك المتطايرة .. وبقايا القات المتناثر .. وعلب زيوت السيارات الصدئة .. وكلاب ضالة او جمال تهمي بلا راع .