عرض مشاركة واحدة
قديم 11-21-2006, 07:27 AM   #1
أميرة الوادي
شاعرة السقيفه

افتراضي رأيي حول لغة المعارك النقدية بين لطفي وباذيب !

كنت قد نقلت موضوعاً عن ( المعارك النقدية بين الشاعر الناقد لطفي جعفر أمان والناقد عبدالله باذيب). وقادني استفسار وردني من أخي ( محمد باذيب ) وهو أحد من طالعوا المقال الآنف الذكر ، قادني إلى البحث المعمـّق حول هذه المعارك النقدية ، وما إذا كان كاتب المقال المذكور قد انحاز إلى لطفي دوناً عن باذيب. وهاكم نتيجة البحث :

نشر الشاعر لطفي جعفر أمان مقالات نقدية عن الشعر الأصيل والتجربة الشعرية في (صحيفة الذكرى – العدد 120_)، تعرّض فيها إلى مفهوم الشعر كما يراه ، فعرض نماذج لأشعار بعض المتقدمين ومنهم : أحمد شوقي ، بالنقد، زاعماً أنها لا تحتوي على تجربة ، وأورد أشعاراً لشعراء مغمورين ، منهم الغرباني ، قائلاً إن فيها تجربة.
وقد أثارت هذه المقالة ردود أفعال غاضبة من جمهور الأدب والنقد ، برزت في مقالة بإمضاء (ع.ل.) عنوانها:"عيب هذه المقارنات"، نشرت في صحيفة (النهضة)، التي كان باذيب المحرر الأدبي فيها. وقد حدّ باذيب من هذه المقالات التي شابها غير قليل من التجريح مؤكداً أن على لغة النقد أن تتسم بالعنف، "ولكن في نطاق النقد المنزه عن السباب والمهاترات السوقية الممجوجة..! " ( النهضة_ السنة الثانية _ العدد 76 _ 17 مايو 1951م).
على أنه عاد بعد أسبوعين ليتناول مقالة لطفي بالنقد، فنشر في ( النهضة – السنة الثانية – العدد 79 – 7 يونيو 1951م) مقالة بعنوان: (إن للأديب كرامة). قال فيها: " إنني أكتب هذه الكلمة التمهيدية _ ولا أسميها نقداً_ لكي لا يقال :" إنه ليس في عدن إنسان واحد يثور لكرامة الأدب ويدفع عن " الفكر المقدس" و " القلم المقدس" الهجمات الجارحة والنزوات المنحرفة الضالة".
وقد جاء أسلوب باذيب في هذه المقالة هادئاً عموماً وخالياً من التجريح إلا ما كان من إشارته إلى " مقالات الزملاء الآخرين الذين يستغلون صمت الأصدقاء المطلعين على الأسرار .. فينتهكون حرمة الأدب في كل فرصة سانحة ، ويطنون كالذباب متنقلين من صحيفة إلى أختها" فلعلّ في ذلك إشارة إلى شخص بعينه. فضلاً عن أن المقال حمل إشارة شخصية إلى لطفي بذكره أنه " يتصور نفسه مدرساً يقف أمام تلاميذه في الفصل! وربما كان ذلك بحكم المهنة". وسنجد أثراً لهذا التعبير في عنوان إحدى مقالات لطفي بعد قليل..

وفي الأسبوع التالي نشر باذيب مقالاً بعنوان ( في الغربال ..التجربة الشعرية كيف نفهمها) تناول فيه بلغة رصينة وأسلوب حاد وإن كان خالياً من الإسفاف رأيه في مقالات لطفي ، مؤكداً على الود والصداقة التي تربطهما. واقتبس من أقوال النقاد الإنكليز ما يؤيد وجهات نظره في أسلوب علمي خالص. ( ينظر النهضة _ السنة الثانية _ العدد82 _ 28 يونيو 1951م).

فردّ عليه لطفي جعفر أمان عبر صفحات ( فتاة الجزيرة _ السنة الثانية عشرة _ العدد 579 _ 11شوال 1370هـ/15 يوليو1951م) بمقال عنوانه ( أمام السبورة .. كيف تفهم التجربة الشعرية يا عبدالله باذيب) يفور غضباً واستياء ، فبعد أن افتتحه بالتعبير عن دهشته الشديدة إزاء إقدام باذيب على نقده ، بعد الزمالة التي ربطتهما، وبعد أن كتب مقالة في تقريض ديوان لطفي (بقايا نغم).. على أنه كشف عن السر وراء تغير موقف باذيب _ من وجهة نظره_ ألا وهو " الوظيفة وتيارات المبادئ والمطامح وشعوذة الصحف" وانطلق بكل قسوة يذكر معلومات شخصية عن باذيب قائلاً :

" لا تغضب! أنا أفهمك كل الفهم. وأستطيع أن أؤكد للقراء_ إذا تماديت في غرورك _ كيف تغمس قلمك في مداد بغيض حتى إلى نفسك في سبيل مئتي روبية شهرياً من الجرجرة(يعني عبدالرحمن جرجرة رئيس تحرير صحيفة النهضة) الذي صرفك بهذا عن إتمام دراستك الثانوية ، وعن تكوين ذاتك كمواطن نافع ... دع هذا كله حتى تتمادى أنت، وتعال الآن أمام السبورة لأعلمك كيف يجب أن تفهم التجربة الشعرية يا عبدالله باذيب".

ثم تناول بأسلوب علمي مدعّم بالحجج من أقوال النقاد الإنكليز مفهوم التجربة الشعرية..وختم مقالته بذكر مزيد من المعلومات الشخصية عن باذيب ، فقال:" انشأ يا فتى ، واعلم أن الغرور وأنت في الثامنة عشرة من عمرك المديد ( كان باذيب حينها في العشرين !) لن يفسح لك المجال للسير والاستواء. اعلم أن قلمك الأجير كان قبل عام يكتب مواضيع الإنشاء و(الكمبوزيشن ) في الصف الثالث ثانوي" ( يؤكد باذيب أنه كان في الصف السادس الثانوي).

عند هذه النقطة اختلط الحابل بالنابل ، فاختفت الروح العلمية ليحل محلها الابتذال ، والمهاترات ، والخوض في الشؤون الخاصة من كل من الطرفين ، وهي أمور لن أخوض في تفصيلاتها، فحسبي أنني أثبتّ وجهة نظر أخي (محمد باذيب) من أن كاتب المقال الأصلي حمـّل باذيب الجزء الأكبر من المسؤولية في نشوب المعركة النقدية وانحدارها إلى أسفل دركات الإسفاف.. إذ ويتضح مما قدمت من نماذج أن لطفي كان أول من أوغل في تحويل المعركة من ساحة النقد إلى ساحة القتال بالقبضات العارية!

وقد يقول قائل إنه ما كان لباذيب أن يتعرض لنقد لطفي ، أو أنه كان عندما تعرض لنقده ينطلق من خلفية سياسية، وبتحريض من عبدالرحمن جرجرة الذي كانت الخصومة السياسية قد نشأت بينه وبين محمد على لقمان رئيس تحرير صحيفة (فتاة الجزيرة) التي كانت تحتضن لطفي جعفر أمان وغيره من الشعراء الشباب.. فيكفي للرد على هذه المزاعم أنه لو كان في الأمر خصومة شخصية أو مذهبية ، فإنها لم تظهر من خلال أسلوب باذيب في النقد، ولكنها تجلت من خلال المستوى الذي نزل إليه لطفي للحط من قدر باذيب، وكان الأولى به وهو الأديب الأكبر سناً أن يربأ بقلمه عن الخوض في هذه الأمور ويكتفي بالسجال العلمي ، وهو قادر عبره وحده أن ينتصر؛ فقد كان الأعلى تعليماً بين الطرفين ، والأكبر سناً ، والشاعر الخبير بخفايا النفوس، والمتذوق الجيد للشعر.
التوقيع :
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
  رد مع اقتباس