عرض مشاركة واحدة
قديم 10-15-2003, 06:32 AM   #12
أبو أسامة
حال نشيط


الدولة :  أرض الحرمين
هواياتي :  القراءة والاطلاع
أبو أسامة is on a distinguished road
أبو أسامة غير متواجد حالياً
افتراضي مواقف من أدب العلماء:

مواقف من أدب العلماء:

أقول بادئ ذي بدء أن الإمام أحمد رحمه الله ليس هو وحده إمام أهل السنة والجماعة ، ولم يقل أحد بذلك ، فإمامة المسلمين العلمية غير محصورة فيه دون غيره من الأئمة الأعلام فالعلماء من الأئمة والمصلحين في أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا يحصهم العدد ، وإنما لقب الإمام أحمد بهذا اللقب لموقفه المشهود في حادثة خلق القرآن وما نال المسلمين من أذى في تلك الفتنة العارمة .

وأرى لزامًا عليَّنا وقد امتلأتُ قلوب القارئين بهذه الشحناء وتلك الضغائن، أرى لزامًا أن نذكر بعض عادة علمائنا السابقين وأدبهم في الاختلاف، كي نخفف من وقع هذه الضغائن على النفوس، وحتى نفهم إلى أيِّ مدىً نخر السوس في كيان الأمَّة وجسدها الضعيف .

أمثلة من أدب العلماء مع بعضهم بعضًا :

1- هذا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، مع جلالته وقرابته للمصطفى صلى الله عليه وسلم، يأخذ بركاب زيد بن ثابت رضي الله عنه، ويقول: "هكذا أُمِرْنا أن نفعل بعلمائنا"، فيقبَّل زيد يد ابن عباس، ويقول: "هكذا أُمِرنا أن نفعل بآل بيت نبينا".

2- روي عن الإمام أبى حنيفة أنَّه قال: "ما مددت رجلي نحو دار أستاذي حمَّاد إجلالاً له، وكان بين داري وداره سبع سكك، وما صليت صلاةً منذ مات حمَّاد إلا استغفرت له مع والديَّ، وإنِّي لأستغفر لمن تعلَّمت منه أو علَّمني علمًا".

3- وقال الإمام أبو يوسف تلميذ الإمام أبي حنيفة وصاحبه: "إنِّي لأدعو لأبي حنيفة قبل أبَوَيَّ".

4- كان الإمام مالك يقول: "الليث بن سعد أفقه أهل الأرض، لولا أنَّ أصحابه ضيَّعوه" أي ضيَّعوا فقهه.

5- ورد عن الإمام الشافعي قوله: "كنت أتصفح الورقة بين يدي مالك برفق، لئلا يسمع وقعها"!!.

6- قال الربيع تلميذ الإمام الشافعي: "والله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر"!!.

7- قال الإمام أحمد بن حنبل: "ما بتُّ منذ ثلاثين سنةً إلا وأنا أدعو للشافعي وأستغفر له".

8- قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: أي رجلٍ كان الشافعي؟ فإنِّي سمعتك تكثر من الدعاء له، فقال: "يا بني، كان الشافعي كالشمس للدنيا، والعافية للناس، فانظر هل لهذين من خَلَف، أو عنهما من عِوَض؟".

9- قال الإمام يحيى بن معين: "والله ما تحت أديم السماء أفقه من أحمد بن حنبل، ليس له في شرقٍ ولا غربٍ مثل".

10- قال الإمام الشافعي: "ما خلَّفت ببغداد أفقه ولا أورع ولا أعلم من أحمد".

11- من ألطف ما يُروى ما ورد من أنَّ مجموعةً من أصحاب الإمام الشافعيِّ قالوا له: نراك تكثر التزاور مع الإمام أحمد، فقال:
قالوا يزورك أحمد وتزوره ……. قلتُ الفضـائلُ لا تفارق مَنزِلَهْ .
إنْ زارني فبفضلِهِ أو زرته فلفضلِهِ ……. فالفضلُ في الحالَينِ لَهْ .

12- ممَّا ورد في فضل العلماء قول الإمام أبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوزاني شيخ الحنابلة: "إنَّ التعظيم للمشايخ حقٌّ ودين، إذا فرَّط فيه مفرِّطٌّ استُوفي منه".

13- ورد عن الإمام ابن عساكر قوله: "لحوم العلماء مسمومة، وعادة الطعن بهم معلومة، ومن أطلق لسانه على العلماء بالثلبْ، بلاه الله قبل موته بموت القلبْ".

14- هذا التنافس بينهم -إن صحَّ التعبير- لم يكن يمنعهم من الاستفادة من علم بعضهم بعضًا، فقد كان الإمام الشافعي -كما ورد عنه- إذا أراد أن يتأكَّد من صحَّة حديثٍ ورد إليه يسأل "أبا عبد الله" كما كان يحبُّ أن ينادي الإمام أحمد به، فكلٌّ مُقرٌّ بفضل الآخر، ويرجع له في ما تفرَّد به من علم.

وغير ذلك من الأمثلة كثير، وأنصح بقراءة كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية: "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" فهو كتابٌ قيِّمٌ نفيسٌ.
أخيرًا وقد أطلت عليكم إنَّ مبدأنا - باختصار- يكمن في نقطتين:

1- احترام جميع العلماء وتقديرهم، لما لهم من فضل، ولما ورد من ضرورة احترامهم وتقديرهم، وخوفًا من حرب الله تعالى الذي قال في الحديث القدسيّ: (من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب) رواه البخاري، ومَن منَّا يحتمل هذه الحرب ؟؟!!

2- لا يوجد بشرٌ معصومٌ من الخطأ إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال الإمام مالك: "كلٌّ يؤخَذ من كلامه ويردُّ إلا صاحب هذا القبر" وعنى به الرسول صلى الله عليه وسلم.

هذا ما عندي بعيدًا عن التناقضات والشهب والأحجار.. والله تعالى أعلم.
التوقيع :
أعلل النفس بالآمال أرقبها === ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
  رد مع اقتباس