08-11-2007, 08:00 AM
|
#101
|
شخصيات هامه
|
ـ 32 ـ
إلى مكة المكرمة
إلى مركز الخضراء كانت الخطوة الأولى لاستخراج بطاقة دخول ، وقدر العدد بالمئات في اليوم الأول وكل يوم في ازدياد . هنا وجد الغريم الذي أوعده بجواز حج يمني مقابل ألفين ريال لكل جواز ، وقبل العتاب أدخل يده في جيبه وناوله وصديقه أحمد جوازين بلون برتقالي صادرين من مأرب ، وماذا سيفعلان بهما وهما يحملان بطاقات دخول شرعية ، وهذان الجوازان يحتاجان إلى إجراءات معقدة إذ لا ينبغي ليمنيين جنوبيين أن يدخلا في مغامرة فيحملا جوازات يمنية شمالية ، وصحيح إن المال سيذلل الصعاب وكما أتى بهما من مأرب سيكمل إجراءاتهما مهما تعقدت ، غير أن الأمور التوت وتعقدت أمام العطوي ، فالبائس أراد زيارة والده الجنوبي ، المريض بالسرطان وأعيد من المنفذ الجوي مرة ومن المنفذ البري مرتين لأنه يحمل جواز شمالي ، وكاد القهر أن يغلبه لولا أن أشار الأطباء على الوالد بالسفر إلى الديار الحضرمية لتغيير الجو وفي واقع الأمر استحسنوا أن يموت في بيته وهو محاط بأفراد أسرته . لا شيء مستحيل في أوطاننا الجميلة إلا الاستقرار في بعض الديار وشيء من حقوق آدمي.
صديق صدوق هو أحمد والثالث ابن عمته الدّاعي للملكة ليزيبيث بطول العمر والبقاء بعد أن نال حقوقه في البلد أوروبي . في الطريق إلى مكة المكرمة نسيا كل شيء ، وإن ظل بعيره في الخيال دائما إلا أن الشعور بالفرحة كان هو المسيطر . لم يعد يفكر في شيء سوى أنه يريد وبإلحاح رؤية الكعبة المشرفة والطواف حولها . بدت منائر الحرم لإثني عشر راكب معظمهم من النازحين ، وعندما اقتربوا فاضت دموع صديقه أحمد وشعر بخشوع ورهبة وفرحة لمنظر الكعبة المشرفة . في هذا المكان نقل الحجر الأسود بتحكيم خاتم الأنبياء ، وهنا كان يطوف ويسعى ويصلي ـ صلى الله عليه وآله وسلم.
بعد الطواف والسعي ركبوا إلى جدة وذهب كل منهم إلى جهة حيث الأقارب ومن يعرف ، وسأل هو وقريبه عن منزل الشيخ صالح عبد الحميد بن علي جابر ، المقاتل النازح وأقاما عنده وبين أولاده معززين مكرمين .
عبرة لمن أراد
أما وأنه قد وصل جدة ، فإن السعي للحصول على تصريح بالإقامة بات أمرا ملحا ، ولا يوجد هناك شباك حكومي يصدر التصاريح بناء على قانون واضح إلا للذين قدموا بعقود أو الذين دخلوا إلى البلاد بناء على طلب للعمل من جهة هي المسئولة عن استخراج التصاريح . هؤلاء النازحين ومن هو على شاكلتهم عليه أن يسعى بواسطة صديق أو وجيه لدى ذوي النفوذ و القرار ، وهذه ليست مهمة صعبة إلا أنها تحتاج إلى بعض الوقت . سمع عن وافدين أول من طشقند وبخار وسمرقند تأهلوا وصاروا مواطنين ، قدّموا لبني جلدتهم الوافدين بعدهم خدمات جليلة ، غير أن ذلك الود والعطاء من الوافدين القدامى ممن تحسّنت أوضاعهم إلى الوافدين الجدد لم يتوفر في بني جلدته ممن قدموا إلى هذه البلاد ونالوا تقدير ولاتها وشعبها . فيما عدا الكرم المنزلي فإن العطاء والخدمة تجاه الوثيقة التي تحسن من وضع الفقير ، البائس ، المشرد لم تكن كما ينبغي في ظل ود وسخاء من لدن ولاة الأمر للجالية الحضرمية.
ظنا منه أنه محق فيما شعر به وأن احتجاجه سيصل إلى المعنيين ، شعر بالغضب ، محتجا على الأعيان من بني جلدته ، المقيمون والمجنسون في هذا المكان الطيب الآمن عندما علم بأن بعضهم مقيم في جدة منذ عهد الدولة العثمانية ، وأن منهم من نال تقدير الملك عبد العزيز آل سعود وتشرف بالتحدث إليه ، وأن بعضهم على تواصل مع ولاة أمر البلاد[ آل سعود ] ، المعروف عنهم الكرم وحسن وفادة القادمين إلى ديارهم . هؤلاء لا يتقدمون إلى السلطات مثل غيرهم في الحصول على تصاريح بالإقامة لنازحين في الشوارع هائمين ، يهربون من العسكري في الطرق وفي الحافلات خوفا من التفتيش على الهوية. لكن الجميع حصلوا على تصاريح في أوقات مختلفة وعاشوا في مأمن.
كان وابن عمته يتسكعان في المدينة ثم يعودان إلى منزل الأب العظيم الشيخ صالح ، وفي هذه الأثناء جاء كبير السماسمرة ليزور الشيخ ووجدها فرصة لكشفه وكشف جشعه فبدا على السمسري الهوان والضعف . وليقينه بأنه والبدو كانوا السبب في تكبده خسائر كبيرة ، هي في عنقه ديون للآخرين ، وقبل ذاك الضرر الذي لحق بنازحين مقهورين . قال له: سأشكوك ومن معك من المبتزين الآخرين عند الأمير ، [ وسيرى الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون ] ، غير أن الشيخ صالح طلب منه الستر والصفح وذاك يستمع صاغر ذليل ، وأيقن بأنه خوّفه وهذا أقصى ما يقوم به نازح مقهور .
الرجل الآخر الذي قابل كان المأمور الشرس ، أو ليس هو من رجال هانت عليهم رقاب الآخرين ، ومن الذين آذوه وعذبوه؟ . لأنه محسوب على سالمين فقد هرب ونفذ بجلده إلى عمان بعد قتل سالمين وشتات خليته ، ولاحقته لعنات المظلومين فاضطر إلى اللجوء إلى السعودية ، ووجده هو الآخر ضعيفا وأفرغ ما في صدره عليه دون غضب بل بالحجة ، فتودد وتذلل واستعطف خوفا من عمل ما يستطيع القيام به ، فهو من ألد أعداء السعودية وظن أنه سيقول عنه شيئا في الإدارات المهمة ، وكعادة كل مذنب ألقى باللائمة فيما حصل على غيره . أقسم بالله أنه يحترمه ويعزه ويجله ووصفه بأنه صاحب وفاء نادر . لم يلتفت إلى ما قال وتخيل ذاك السمسار الجشع وضعفه وخوفه ، فما أشبههما ، كلاهما ضعف وجبن .
انجلى همّ وبدت هموم ، وعليه الآن البحث عن عمل وتسديد الديون وإدخال البسمة والسرور على أب كريم ينتظر بر ابنه . مبالغ ليست قليلة ينبغي الحصول عليها من عمل شريف: سداد قيمة البعير وقيمة جواز حج يمني إلى الحاجة الماسة لأب كريم وبنياته لبعض من المال يستر الوقار ، وكيف يحصل على عمل وحملات التفتيش على أشدها؟ ، فالذي يقع في يدهم يرحّل فورا إلا إذا كان يحمل تصريح بالإقامة أو بطاقة من شروره كتلك التي حرم منها . عمل لدى وكيل حقائب أمريكية الصنع[ تورستور] لمدة ثمانية أشهر حصل خلالها على مبلغ خفف عنه الكثير من أعباء الديون ، وسعى في استخراج تصريح بالإقامة غير أن محسن القادم من الرياض الذي جاء يسأل عنه بدون سابق معرفة جعله يتشوق إلى الرياض وصرف النظر عن عرض العم صالح وكيل الحقائب . علم من محسن أنه يبحث عن شباب أكفاء للعمل في مجال الصرافة ، وأنه قدم لهذا الغرض ، فنظر إلى الحقائب وتصور العمل القادم فزاد تصميمه على السفر إلى العاصمة ، الرياض متمنيا تجارة رابحة تعود على والده بالفرحة والخلاص من أزماته.
------------- سالم علي الجرو ---------------
|
|
التعديل الأخير تم بواسطة سالم علي الجرو ; 08-25-2007 الساعة 07:55 AM
|
|
|