عرض مشاركة واحدة
قديم 08-17-2007, 05:48 AM   #105
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـ 37 ـ

تعرف إلى ورّاق يمني الأصل من عبس ثواب ، ومن خلاله تعرف إلى بعض من روّاد مكتبته ، وكذلك الذين يأتون إلى سوق الخردة حيث يفترش الوراق الأرض لبيع الكتب عصرا ، علم أن وراء هذا الرجل معارف فاتخذه صديقا ، وكان الورّاق بالفعل ـ كما وصفته بعض الصحف [صياد الكتب النادرة والمخطوطات]، لكنها في معظمها كتب الدين المتفق عليها والمختلف حولها ، ولأول مرّة عاين جدال ومراء غلب عليه التحجر والتعصب ولغة التخشب حول الاجتهادات الفقهية ، وعرف الكثير عن فرق الإسلام الأكثر من سبعين . كان محظوظا ، فالكتاب الذي لا يرغبه القراء ولا يلتفتون إليه لا تزيد قيمته عن ريال ككتاب: ( إنسانية الإنسان ـ رينيه دوبو ) وكتاب: ( لعبة الأمم لمايلر كوبلاند ) وكتب القصص والروايات الأجنبية ومذكرات رجال الاستخبارات الغربيين ، فاقتنى منها عددا هي الآن في تعداد الكتب النادرة . عدا كتب الدين والشعر القديم والموسوعات اللغوية فإن ثمن الكتاب رخيص جدا ، هذا في سوق الخردة أو في مكتبة الوراق لأنها تأتي عن طريق سوق الخردة ، المسمى: ( حراج بن قاسم ) ، يقع في جنوب الرياض ، وإليه يفد القراء والباحثون في الشأن الإسلامي والأدبي ، أما الأكاديمي أو من له قراءات متنوعة فيذهب إلى المكتبات الكبرى العامرة بكافة أنواع المطبوعات: تاريخ ، جغرافيا ، إقتصاد ، إجتماع ، أدب ، طب وعلوم.
الوراق الصديق من الذين واجهوا صعوبات جمّة في ديار الشرق ، عمل حمّالا ، وعلى ظهره العريض نقل أكياس الإسمنت وهو ضاحكا . صبور ، هادىء , لا يهتم بالتفاصيل ، ساخرا متى ما أراد، ساذجا متى ما اختار تبعا للموقف والحالة ، فهو يعرف أنه غريب الديار ولا يستطيع مزاولة مهنة بيع الكتب إن هو تعامل بالنّدية ، مرن ، لا يسخر ولا يغضب من بعض الزبائن الذين يعيدون إليه الكتب بحجة أن اللون لم يتناسب مع ديكور الغرفة والمكتبة ولا يغضب من بعضهم وهم يشيرون بالجزمة إلى كتاب على الأرض ، سائلين عن قيمته . عاش غريبا ، لا تتعدى قراراته عتبة داره الصغير على أولاده المؤدبين . صوته خافت جدا وفي الوقت الملائم يكون مجلجلا ، شاعر عبر عن مخزون النفس ودوّن كل ما جاش بخاطره في قالب شعري أخاذ غير أنه حرق قصائده السليمة ، القوية ، العذبة خوفا من تفسير مقص الرقيب . قال في نجد ما لم يقله وليدها ، ولكنه شاخ بعد ستين سنة من العمل في ديارها وغادر بذكريات لا تسر الصديق ، إذ لم يجد وسيطا ليحقق رغبته في التجنس ، فشاخ وعاش وحيدا.
غادر مهموما بعد أن توزع أولاده في أرض الله ابتغاء المعيشة.
تعتبر الجنسية السعودية ـ ولا تزال ـ في عيون طالبيها صك إنقاذ وخلاص من معيشة ضنكا ومن حال اللاإستقرار ، وهي كذلك فلقد حمت الدولة السعودية رعاياها في الأسواق من سطوة الوافدين واهتمت برفاهيتهم وجعلتهم في منزلة يحسدون عليها وذو حظ عظيم كل من يحصل عليها، يليه في الحظ الذين يكفلهم المجنس من الأهل والأقارب ولو كانت أمه وأباه المعنيان في وقت مضى بأخذ خطاب من الكفيل يؤكد عدم ممانعته من التنقل في المدن السعودية مع اعترافه بأنهما ربّياه عندما كان صغيرا .
فلما رأى صديقه كلاس واطلع على ما آل إليه عرف أن الجنسية سهلة على من له علاقات وإن وفد للتّو ، صعبة المنال على غيره وإن بلغت مدة إقامته في البلاد نصف قرن ، تيقن أنه سيظل غريبا مع الذين يعتز بهم من الذرية في ديار نجد ما لم تقترب بلاده من الحال النجدي فيتساوى الجميع في الاستقرار والعدالة النسبية .

--------------- سالم علي الجرو -------------
التوقيع :

التعديل الأخير تم بواسطة سالم علي الجرو ; 08-25-2007 الساعة 07:59 AM
  رد مع اقتباس