08-06-2002, 12:01 AM
|
#1
|
حال نشيط
|
السجن قد يكون خيراً أحيانا .. تائبون داخل السجون!!
للسجون وحشتها وقسوتها، يقضي فيها الإنسان الأيام والسنوات، وربما يقضي فيها زهرة شبابه جزاء خطأ اندفع إليه دون أي تقدير للعواقب الدنيوية والأخروية.
ومع هذا فإن هذه القضبان قد تمنح السجين فرصة حياته التي لا تكرر، عندما تسمح له بخلوة مع نفسه، يراجع مسيرة حياته، خاصة علاقته مع ربه ودينه، ليعدل مساره ويمضي على الصراط المستقيم.
وعي الدعاة من أسباب هداية الكثيرين
إن كثيرا من الدعاة الراشدين فهم هذه الحقيقة، فانطلق يقدم لنزلاء السجون النصيحة والموعظة الرقيقة، مستفيدا من ظروفهم، ليقربهم من الله عز وجل، يدعمه في ذلك قناعة الجهات الرسمية القائمة على السجون بأن الوازع الديني أفضل وأكثر تأثيرا من أي إجراءات عقابية.
في هذا التحقيق، ندخل السجون في عدد من دول العالم الإسلامي لنروي قصص التائبين، ولتظهر لنا آثار الدعوة إلى الله والموعظة الخالصة والتوبة والعودة إلى الله بكل روعتها المؤثرة في النفوس، وربما لا تنهي قراءة هذا التحقيق إلا وحصلت القناعة التي يحملها عدد من الدعاة المخلصين، بأن السجناء يملكون فرصة إيمانية قد لا يملكها الطلقاء البعيدون عن دينهم، ولا يحصلون على الفرصة الدعوية ليراجعوا أنفسهم، ويعودوا بها إلى الطريق الصحيح، إنها ليست دعوة إلى دخول السجن، وإنما هي دعوة للدعاة بأن لا يهملوا هذا النوع من الناس، ولا ييأسوا من دعوتهم، بل عليهم أن يعرفوا مدى الخير الذي يسدونه إليهم بدعوتهم إلى الخير.
الصورة المثلى لمعاملة الإسلام للسجناء
أما الدكتور حمدان بن راجح الشريف – الأستاذ بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ورئيس الجمعية الخيرية للخدمات الاجتماعية – فقد رسم صورة للمعاملة المثلى للسجين في الإسلام، يقول حفظه الله: تبدأ المعاملة المثلى للسجين من الناحية المعيشية، حيث يجب توفيرها بمعايير التغذية العامة المعروفة لدى خبراء التغذية، أما الأنشطة التي يمارسها السجين فهي:
1- النشاط الثقافي والذي يمارس في المكتبة العامة إضافة إلى المطبوعات اليومية ويتم التركيز على الثقافة العقدية.
2- النشاط المهني أو إعداد السجين وهذا يختلف من دولة لأخرى مع اتفاقهم على ضرورة إعداد السجين مهنيا بحيث يتهيأ له حياة جديدة بعد خروجه من السجن
هذا بالإضافة إلى الوقت المخصص للزيارة من قبل الأهل والأقارب والأصدقاء
ويلاحظ أن هذه الأمور كلها تعين السجين على التفكر في الطريق الصحيح الذي يجب عليه أن يسلكه، ويعلم من خلال ذلك أن الإسلام عندما حفظ له هذه الحقوق إنما أراد أن يكرمه، فوجب عليه التمسك بهدي الإسلام وعدم البعد عنه.
في سجون السعودية مثال متميز
نبدأ من السعودية حيث نجد هناك نموذجا جميلا متميزا لا يتكرر، وربما ينسى من يدخل السجن هناك أن من أمامه مجرمون سابقون. ففي مسجد السجن وفي الزنزانات كلها ستجد السجناء عاكفين على كتاب الله عز وجل بدأب لا ينقطع، والسر في ذلك قرار خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز الفريد من نوعه والذي يقضي بإعفاء من يحفظ القرآن كاملا عن فترة سجنه، ومن يحفظ قدرا معيناً من القرآن يعفى عن نسبة من العقوبة، وكان لهذا القرار أكبر أثر دعوي ممكن، إذ ربط السجناء بالقرآن الكريم تلاوة وحفظا على أمل أن يفرج عنهم من السجن، إلا أنهم فور أن يبدأوا بحفظه يكتشفوا أي معين إيماني جميل قد ابتعدوا عنه منذ زمن طويل، ويتعلقون بالإيمان ويعلنون توبتهم وسيرهم في طريق الهداية، وكم سمع الناس قصصا لمدمني مخدرات ومجرمين كباراً خرجوا من السجون أشخاصا آخرين تماما، يشع من وجوههم نور الهداية، ويجلسون ليحكوا للناس قصة لحظة الهداية الفاصلة، وليحكوا لزملائهم السابقين في الجريمة أي طريق جميل وجدوه محاولين إقناعهم بذلك ودعوتهم إليه.
برامج ومحاضرات داخل السجون
ليس هذا فحسب، فهناك دائما برامج ومحاضرات دعوية في السجون تشرف عليها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ويلقي هذه المحاضرات عادة دعاة وعلماء مقتدرون ومعروفون بقدرتهم على ترقيق القلوب، وهم كذلك يختارون موضوعات إيمانية وشرعية تتناسب مع حال نزلاء السجن، ويجيبون عن كل أسئلتهم ويحاولون التقرب منهم بروح دعوية طلقة، لا تعرف التجهم والعبوس، على أساس أن هؤلاء لهم قصص مع الإجرام بأ نواعه.
في مسجد السجن تقام الصلوات كلها بما في ذلك صلاة الجمعة، وفي رمضان هناك برامج خاصة للسجناء وعناية بالإفطار والسحور وصلاة التراويح.
السجن في الإسلام أداة إصلاح وتهذيب
حول هذا الموضوع يحدثنا فضيلة الشيخ أحمد بن محمد الخطابي – رئيس المحكمة المستعجلة بالمدينة المنورة – فيقول: بأن من قدر الله عليه أن يقع في بعض الانحرافات بسبب جهله أو بمخالطة الأشرار وحكم عليه بسجن، منحه خادم الحرمين الشريفين عفوا عن محكوميته إذا حفظ أجزاء معينة من القرآن الكريم، وهذه مكرمة عظيمة تجعل من السجون في السعودية أداة إصلاح وتهذيب وتعليم، وذلك بما يلقى فيها من محاضرات ودروس ونصح للمسجونين، وبذلك يخرج السجين من السجن وهو مؤمن بأنه دخل من أجل إصلاحه لا من أجل الانتقام منه، ويخرج إنسانا صالحا يؤدي حقوق الله عز وجل وحقوق عباده وبلده.
وبحكم عملي رئيسا للمحكمة المستعجلة بالمدينة المنورة وعلاقتي بقضايا السجناء أقول: إن المسؤولين يولون قضايا السجناء عناية خاصة في متابعة وإنجاز معاملاتهم وإعطائهم الأولوية من بين القضايا التي تنتهي بحكم شرعي، وبعد إدخال المحكوم عليه السجن يتابع من قبل لجنة بتأمين الغذاء والدواء وتعلميه والنصح له وجعل راتب لأسرته مدة محكوميته إذا كان رب أسرة، وهذه عناية فريدة قد لا تجدها في أي سجن في العالم.
المسؤولون في مصر وإيمانهم بالوازع الديني
ويبدو أن الوازع الديني هو المفهوم الذي يؤمن به المسؤولون في مصر، والذين بدأوا يتوسعون في تعميقه على نطاق واسع داخل السجون، وكما يقول أحد قيادات مصلحة السجون: إن هذا المفهوم جاء نتيجة خبرة ومتابعة لسنوات طويلة مضت، حيث تبين أن العقاب الذي ينزل على مسجون أيا كانت درجات شدته لا يأتي بثمار مثلما يكون التأثير الذي يظهر بتحول سلوكيات نفس المسجون إذا بدأ يعرف طريق التوبة والخوف من الله، ومن هنا – والكلام لنفس ضابط السجون- بدأنا نركز ونهتم بتعميق الوعظ والتوجيه الديني لدى السجناء.
إدارة الوعظ والإرشاد الديني في سجون مصر
ويقول أحد مساعدي وزير الداخلية في مصر إن ذلك يتم من خلال إدارة خاصة تتولى هذا العمل، يطلق عليها (إدارة الوعظ والإرشاد الديني)، ونظراً لأهميتها فهي تتبع الإشراف المباشر من مدير مصلحة السجون، ويقول نفس المسؤول: إن هذه الإدارة موجودة منذ زمن بعيد، ولكن أصبحت شيئا آخر خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث تم تطوير العمل بهذه الإدارة، وأصبحت تضم عددا كبيرا من العلماء والوعاظ، وجانب منهم يتم انتدابه من الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف للاستعانة بهم، ويتم اختيارهم من بين المشهود لهم بالعلم والاعتدال، وهؤلاء العلماء يقومون بالوعظ، ويجوبون السجن في مواعيد محددة دائما للالتقاء بنزلاء السجون، ويقومون بإلقاء الدروس في مختلف فروع الدين من العقيدة والفقه وغيرها، ويتولون الرد على أسئلة السجناء، وتشمل الرعاية التي يقوم بها العلماء والوعاظ نزلاء السجون من الرجال والنساء أيضا.
مسجد في كل سجن
في إطار هذه الرعاية الدينية هناك مسجد داخل كل سجن حتى يتم إقامة الشعائر الدينية فيه خلال الفترة التي يتم فيها فتح أبواب الزنزانات وإطلاق السجناء منها نهارا، كما يوجد مسجد جامع كبير، بكل منطقة تضم عددا من السجون، يؤدي فيه السجناء صلاة الجمعة، كما تنظم مسابقات في حفظ القرآن والأحاديث والفقه والحديث، وفي يوم معين تعلن أسماء الفائزين وتسلم إليهم الجوائز المخصصة لهم من قبل إدارة السجون، وفي شهر رمضان تقوم إدارة السجن بتخفيف القيود بعض الشيء حتى يتمكن السجناء من التعبد والتجمع معا، ومن مظاهر ذلك إطلاق فتح المساجد حتى صلاة العشاء، حتى يتمكنوا من تناول الإفطار وصلاة العشاء والتراويح جماعة كل يوم.
العقوبة بدون الوازع الديني لا تجدي
وفي منطقة طرة التي تقع جنوب القاهرة، وتضم عددا من السجون المختلفة، يقول أحد المشرفين على مجموعة هذه السجون والذي يعمل بها منذ سنوات: إن تأثير الوازع الديني على السجناء هو الأقوى، بدليل أن بعض السجناء، خاصة الذين حكم عليهم لسنوات طويلة، يقضون بقية حياتهم خلف القضبان أصيبوا بالإحباط، وضربوا بكل النظم والقوانين عرض الحائط، وتجردوا من الرحمة في تعاملهم مع الآخرين، وكانوا لا يتورعون في ارتكاب جرائم في حق زملائهم ومنها القتل، بل إن بعضهم غاص في الضياع وكفر بالكتب السماوية، وبصراحة لم تجد مع بعضهم أية عقوبة بعد أن احترفوا حياة السجون، ولكن جاءت مشيئة الله بالهداية لهم ولأول مرة عرفوا طريقهم إلى المسجد، وواظبوا على الصلاة، وفجأة وبدون أي عقاب رأيناهم يصلحون كثيرا من سلوكياتهم، بل إنني لاحظت بعضهم أثناء المرور الليلي المفاجئ على الزنازين يقضي الليل ساهرا في الصلاة وقراءة القرآن، وسمعت بعضهم يجهش بالبكاء وهو يستمع لحديث أحد العلماء وهو يحذر من مغبة السير في طريق الضلال والانحراف.
من اعترافات السجناء
في سجن الاستئناف، الذي يقع في منطقة باب الخلق بالقاهرة، التقينا بالسجين إبراهيم علي بدوي، والذي يقضي عقوبة بالحبس لمدة 10 سنوات في جريمة قتل أخذ بالثأر. يقول إبراهيم قبل قتل ضحيتي لم أكن أدرك فداحة جريمتي وبعد دخولي السجن بدأت التردد على المسجد للصلاة بتشجيع من إدارة السجن مثل زملائي، وكنت أستمع إلى الواعظ الذي يحاضر فينا، اكتشفت وقتها أن ما نفعله من عادات وتقاليد لدينا في الصعيد عندنا بجنوب مصر كلها أمور خارجة عن الدين، وأدركت أن الله يمهل ولا يهمل، وتعلمت أشياء كثيرة من ديني كنت أجهلها من قبل، وجدت نفسي مدفوعا للتوبة والالتزام بأداء الصلاة في وقتها والحرص على الانتظام في المحاضرات الدينية التي تقام كل يوم اثنين وخميس.
قضية معاكسة
أما(م.ح) فهو شاب صغير في الثانية والعشرين من عمره حاصل على دبلوم صناعة، التقيت به داخل مسجد السجن، كان يصلي ويبدو عليه التأثر الواضح، قال إنه دخل السجن لقضاء عقوبة السجن لمدة 3 سنوات بعد أن ضبطوه في قضية معاكسة تليفون، حيث دفعه الفراغ أن يقضي وقته في الإمساك بدليل التليفونات أو إعلانات الجرائد، وبعد عدة مرات، يتأكد من وجود فتيات أو سيدات في أرقام يحددها يستمر في معاكستهن في مطاردة مستمرة، واحترف هذه الهواية الهابطة التي لا تدل على أي قيم أو دين، والتي سببت مشاكل كثيرة داخل بيوت ضحاياه، ولم يدر أن إحدى السيدات التي ظل يطاردها طلب زوجها من أجهزة الأمن وضع تليفونه تحت المراقبة، فتوصلوا إليه وألقوا القبض عليه، وهو الآن يتذكر كيف تسبب في إيذاء الآخرين دون ذنب لهم، وقال إنه بعد أن عرف طريق الاستقامة فإن كل أمله أن ينال عفو الله وسماحة ضحاياه.
واضطر لإنهاء اللقاء بعد أن قام المؤذن بإقامة صلاة الظهر وبدأ جميع السجناء والذين يمكن تمييزهم بسهولة من خلال ملابسهم الزرقاء في الاستعداد للوضوء.
هلا استغل الدعاة السجون للدعوة
مما سبق يظهر للجميع حال كثير من السجناء، وكيف أنه يمكن استغلال ما فيهم من الندم على فعلهم لتوجيههم الوجهة الدينية الصحيحة، وغرس الخوف والخشية من الله التي تدفعهم إلى التوبة الصادقة والرجوع إلى الله.
إنه لمكسب عظيم يوم أن يستغل الدعاة إلى الله والمصلحون هذا الأمر ويبذلوا من أوقاتهم وجهدهم للدعوة إلى الله داخل هذه السجون التي هي بحاجة حقيقة لمثل هؤلاء.
إنها لأرض خصبة للدعوة إلى الله والتمسك بالدين الصحيح، فهل نعي جميعا حقيقة هذا الأمر، وهل نبادر ونسارع إلى استغلال مثل هذه الفرص، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب (لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم )
|
|
|
|
|