عرض مشاركة واحدة
قديم 08-15-2009, 10:35 PM   #5
عبيدسالم باحنان
حال قيادي

افتراضي

لا يوجدانسان يجهل مواضع قوته
بالقليل من التجاوز والتبسيط، يمكن تلخيص سؤال الحياة علامتي استفهام كبيرتين، الاولى : ماذا نريد من الحياة، او ما هي اهدافنا في الحياة ؟؟ والثانية : كيف نحقق ارادتنا، ونبلغ غاياتنا واهدافنا الكثيرون عاشوا وماتوا دون ان يطرحوا على انفسهم سؤال الحياة، بينما طرحته النخب الواعية مبكراً، وعمدت الى الاجابة عنه عملياً وبمفردات الفعل اللازم، ومنحت حياتها المعنى او المضمون اللائق بها، والمتوخى منها•• ذلك لأن الادراك الواعي، او الوعي الذكي لشروط الحياة واسئلتها ومستلزماتها، هو المقدمة الضرورية لكيفية عيشها والتعامل الايجابي معها، وفي هذا المعنى يقول لابرويير : "اذا لم تكن ذكياً فلن تنتفع بافكار الآخرين"، فيما يقول طومسون : اذا لم تستخدم دماغك، فلن تجد فالذكاء شرط مهم، بل حجر الزاوية في مهمة فهم النفس، ووعي الذات، ورصد المواهب والطاقات والقدرات، وقد سبق للمفكر السيكولوجي ستيفن كوفي، مؤلف كتاب "العادات السبع لاكثر الناس فعالية" ان عرّف الادراك الذاتي بانه "قدرتنا على الخروج من ذواتنا، لكي نفحص اسلوبنا في العمل، ونقف على حقيقة افكارنا ودوافعنا وخبراتنا وميولنا وعاداتنا"•• وهو الامر الذي سبقه اليه اينشتاين عندما قال : " يبدأ الانسان بالحياة، حين يعيش خارج نفسه"•
النفس او الذات البشرية، بئر في عمقها، ونهر في جريانها وسريانها، وبحر في صخبها واضطرابها وتقلبها بين مد وجزر، او بين خير وشر•• ذلك لانها مغارة المتناقضات والمتعاكسات•• فهي صيف وشتاء على سطح واحد•• ليل ونهار في مسلسل التناوب والتعاقب•• موئل ملاك وموطن شيطان في ذات الآن، وصدق الرحمن اذ قال في سورة الشمس : "ونفس وما سواها، فالهمها فجورها وتقواها، قد افلح من زكاها، وقد خاب من دساها•
وهكذا فمن الخطأ الجسيم ان يتصور المرء انه صنيعة نفسه، ووليد رغبته، وحصيلة ارادته الخاصة، نتائج جيناته الموروثة•• وان يتخيل انه حر تماماً في حياته، وانه مستقل في مواقفه وقراراته، وان مساحة الاختيار عنده أوسع من دائرة الاضطرار، وان حجم الدوافع المتوفرة لديه أكثر من كمية الروادع والموانع المفروضة عليه•
أوائل القرن الماضي توصلت البشرية الى علم النفس•• اكتشفت إن هذا العلم قادر على سر الأغوار الداخلية للنفس، ومعرفة الكثير من اسرارها وخفاياها وبواطنها، ورصد نقاط القوة وعوامل الضعف فيها، ووضع المرء مباشرة أمام حقيقته النفسية ودخيلته الذاتية•• الامر الذي قلب الكثير من الأفكار والمعتقدات والمواضعات القديمة، وشيد على انقاضها سلسلة من الخرائط والمعادلات والمستجدات، لعل ابرزها فن إدارة الذات، وربما فن صناعتها في بعض الأحيان والأوقات•
اما فن ادارة الذات الذي مازال حديث العهد، فيعني بشكل عام قدرة المرء - اولاً - على رصد وتحديد ما لديه من مواهب وخصائص وطاقات وخبرات ونقاط قوة وتميز، ثم قدرته - ثانياً - على شحذ وتحشيد وتفعيل وتوظيف هذه الطاقات والكفاءات على طريق تحقيق الأهداف المطلوبة والغايات المنشودة، ثم قدرته - ثالثاً - على بلورة وتعيين وترتيب هذه المقاصد والأهداف بدقة، وفقاً لأولويات القدرة على تحقيقها وليس الرغبة في هذا التحقيق، نظراً القدرة هي المقدمة على الرغبة في حالة التعارض بين الاثنتين•
لا احد يستطيع إدارة ذاته او قيادة نفسه بكفاءة الاقتدار، دون معرفة دقيقة لموجودات هذه الذات، ومكنونات هذه النفس بدقة، وبلا مبالغة او ادعاء•• ولا احد يستطيع شحذ وتشغيل منظومة الطاقات والقدرات والإمكانيات اذا لم تكن موجودة في الأصل، ومتوفرة في الأساس•• ولا احد يستطيع نيل المطالب الغايات المتوفره والطموحات الا اذا كانت ممكنة، وفي حدود القدرة الذاتية على بلوغها ووضعها موضع التحقيق والتطبيق، وبخلاف ذلك يمكن للجهد ان يتحول الى مقامرة غير محسوبة، او قفزة الهواء غالباً ما تؤدي الى نتائج عكسية•
  رد مع اقتباس