من كتاب
الدروس الرمضانية
للأمة المحمدية
فضائل وأحكام
-------------------------------------------------------------
16- العشر الأواخر
يتأكد في العشر الأواخر من رمضان زيادة في الجد والإجتهاد فيما قبله من أيام الشهر والإكثار من النوافل وإغتنام الأوقات وإرتقاب ليلة القدر، فعن عائشة رضي الله عنها قالت ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إذا دخل العشر الأواخر شدًّ مئزره ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله ) رواه البخاري ومسلم . وفي رواية الترمذي (( كان يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها )) .
ليلة القدر
قال الله تعالى << إنّا أنزلناهُ في ليلةِ القدر / وما أدراكَ ماليلةُالقدر / ليلةُ القدرِ خيرٌمِنْ ألفِ شهر / تتَنَزَّلُ الملائكةُ والروحُ فيها بإذن ربِّهِم مِنْ كُلِّ أمرٍ/ سلامٌ هيَ حتىَّ مَطْلَع ِ الفَجْرِ>> سورة القدر .
سميت بذلك لعظم قدرها أي ذات القدر العظيم لنزول القرآن فيها ووصفها بأنها خير من ألف شهر ، ولما يحصل لمحييها بالعبادة من القدر الجسيم ، أو لأنها ليلة تقديرالأموروالأحكام وهي أفضل ليالي السنة .
ففي الموطا عن مالك قال : سمعت من أثق به من أهل العلم ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه رأى أعمار الناس قبله أو ماشاء الله من ذلك فكأنه تقاصر أعماراُ مته أن لا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم في طول العُمر ، فأعطاه الله ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر ) .
وفي قوله تعالى << ليلة القدر خير من ألف شهر >> قال عطاء عن إبن عباس رضي الله عنهما( ذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلّم رجل من بني إسرائيل حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر ، فتعجب عليه الصلاة والسلام من ذلك ، فتمنى أن يكون ذلك لاُمته ، فقال : يارب اُمتي أقصر الاُمم أعماراً ، وأقلهم أعمالاً فأعطاه الله ليلة القدر ، فقال <<ليلة القدر خير من ألف شهر >> أي التي حمل فيها الإسرائيلي السلاح في سبيل الله لك ولاُمتك الى يوم القيامة ) معالم التنزيل للبغوي (4/512) .
وفي قوله تعالى << تتَنَزَّلُ الملائكةُ والروحُ فيها بإذن ربِّهِم مِنْ كُلِّ أمرٍ>> وهم سكان سدرة المنتهى أوغيرهم ، والروح هو جبريل ، وروي ( إذا كانت ليلة القدرنزلت الملائكة الى الأرض يبلِّغون السلام من الله الى عباده فلا يدعون بيتاً فيه مؤمن ولامؤمنة إلاّ دخلوه ، وقالوا : يامؤمن . أيامؤمنة السلام يقرئك السلام) .
فضلها :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم (( من قام ليلة القدر غُفِرَ له ماتقدم من ذنبه )) رواه البخاري ومسلم . وأفضل مراتب القيام أن يشغل الليلة كلها بأنواع الطاعة والعبادة ، ثم أدنى منها أن يشغل معظم الليلة بالعبادة ، وأدناها أن يصلى المغرب والعشاء والفجر في جماعة .
وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم (( إنّ هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حُرِمَ الخير كله ، ولا يحرم خيرها إلاّ محروم )) رواه ابن ماجة وإسناده حسن .
وقتها :
هي ليلة مبهمة على أكثر الناس حتى يجتهدوا في الشهر كله بأصناف القربات وطلب ليلة القدر في كل الليالي . قال الإمام النووي ( وإعلم أن ليلة القدر موجودة ، فإنها تُرى ويتحققها من شاء الله تعالى من بني آدم كل سنة في رمضان ، كما تظاهرت عليه الأحاديث وإخبار الصالحين بها ، ورؤيتهم لها أكثر من أن تُحصر ) ليلة القدر لولي الدين العراقي ص81 .
فعن ابن عمر رضي الله عنهما : أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أُرُوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم (( أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر)) متفق عليه .
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال ( تحرّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخرمن رمضان ) رواه البخاري .
وعن إبن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ( هي في العشر: أي الأواخر ، هي في تسع يمضين أو سبع يبقين ) رواه البخاري.
وكان بلال رضي الله عنه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ( ليلة القدر ليلة أربع وعشرين ) رواه الإمام أحمد والطبراني.
وكان عبدالله بن أنيس رضي الله عنه يقول : قلت يارسول الله أخبرني عن ليلة القدر ، فقال ( لولا أن تترك الناس الصلاة الى تلك اليلة لأخبرتك ، ولكن ابتغها في ثلاث وعشرين من الشهر ) رواه الطبراني.
وذهب إبن عباس رضي الله عنهما الى أنها ليلة السابع والعشرين وتبعه فيه اُبي بن كعب رضي الله عنه فقد رُويَ عن زر بن حبيش أنه قال (( سمعت اُبي بن كعب يقول : والله الذي لا إله إلاّ هو إنها في رمضان يحلف ولا يستثني ، ووالله إني لأعلم أي ليلة هي التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم بقيامها ، وهي ليلة سبع وعشرين ، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لاشعاع لها )) رواه مسلم وأحمد وأبوداود والترمذي ، هذا وميل الإمام الشافعي أنها ليلة إحدى وعشرين ، ورجحت طائفة منهم الإمام أحمد وإسحاق وجماعة من الصحابة أنها ليلة سبع وعشرين . وقيل أنها ليلة السابع عشر وهل ليلة بدر .
علاماتها :
أنها ليلة معتدلة لا حارة ولا باردة فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ( ليلة القدر ليلة طلقة لاحارة ولا باردة ، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة) رواه ابن خزيمة والبزار ، وطلوع الشمس في صبيحتها ليس لها شعاع كما ذكر أبو المنذر فيما حفظه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم عندما سئل عن علامتها قال ( تطلع الشمس كأنها طاس ليس لها شعاع ) معالم التنزيل5/287
ما يطلب فيها من الدعاء:-
عن عائشة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله إذا وافيت ليلة القدر فَبمَ أدعو؟ قال ( قولي اللهم إنك عفوٌ تُحبُّ العفوَ فاعف عني ) رواه الترمذي والنسائي وأحمد وابن ماجه وغيرهم .
------------------------------------------------
جمع
الشيخ محمد بن عبدالله بن علي الحضرمي
مع تحياتي
ابن الفخر