عرض مشاركة واحدة
قديم 03-17-2010, 01:11 PM   #111
سرحةالجامع
حال نشيط

افتراضي

الصوفية والتصوف دعوة إلى التصحيح

سؤال:
جماعة من الذين لم يتفقهوا دينياً أو يتثقفوا ثقافةً كافيةً قط، قاموا: 1ـ يحرمون تقليد الأئمة، 2ـ يسبون الأولياء، 3ـ يرون زائر الأضرحة مشركاً حلال الدم والمال والنساء، 4ـ يحكمون ببطلان الصلاة في المساجد الملحقة بقبور الصالحين، ولا تسل كيف يطلقون ألسنتهم بالشتم القبيح واللعن والطعن في كل من يخالف قولهم ذاك ومثله كثير.


الجواب:
1ـ إن الذي يُقلِّد إماماً لا يقلِّده لذاته ولا لشخصه، ولكن لتمحُّضِ مذهبه في الأخذ من صحيح الكتاب والسنة، وموافقة ذاك لحال المقلد، ولأنه لم يبلغ مبلغه في العلم بأصول الدين وشروط الاجتهاد من التقوى والاحتياط والإحاطة بخصائص اللغة، ووجوه التفسير، ومراتب الحديث، والسابق واللاحق، والناسخ والمنسوخ، ولا لديه الوقت والكفاية العلمية للمقارنة والترجيح، والاستنباط والاستقصاء إلى آخر هذه الأوليات التي يتعين أن يتصف بها المستغني عن التقليد ليستقي من النبع الذي استقى منه الأئمة.


وعندما تتوفر هذه الشروط وملحقاتها في شخص ما، جاز له ألَّا يقلد غيره، أما أن يدعي ذلك من هبَّ ودبَّ فذلك فساد في الدين، وضلال وقح مبين، والأُمَّة كلها مجمعة سلفاً وخلفاً على أنه ليس كل واحد أهلاً للاجتهاد ، لا يخالف عن ذلك عاقل عادل .


وقد أمرنا الله بالتقليد عند العجز عن الاجتهاد ، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء:7]. وقال : {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] وقال: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان:15] وقال : {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}{الأنعام: 90] إلى آخر هذه الآيات في هذا المعنى، فإنما هو تقليد في الخير لمن هم أعلم به، فكيف يحرم التقليد في الخير والمسارعة إليه ممن لم يقدر على غير ذلك .


ولا عجب أن تتعدد مسالك الحق والخير، وكلها مقبول، وعليه فقد أجاز النبي ˆ عمل المجتهدين ولم يخطئ أحدهما، كواقعة الصلاة في قريظة، وقد اقتدى بعض الصحابة ببعض فيما أمضوه من الأقضية، مع المعروف من تعدد أقوالهم في المسألة الواحدة، وكثيراً ما كان يأخذ عمر بفتوى علي ويقول : ( قضية ولا لها إلا أبا الحسن ) .


وهذا الإمام أبو يوسف صاحب أبي حنيفة ، وقاضي القضاة ، وصاحب الجمعة وإمام الخلافة لم يستنكف أن يقلد مالكاً ، يوم علم أنه ( أبو يوسف ) توضأ من بئر كان فيها عصفور ميت ، وكان قد صلى الجمعة وانصرف الناس ، وهذا الماء في رأيه نجس ، قال : إذن نأخذ بقول إخواننا الحجازيين ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً ) وأمضى الصلاة على هذا المذهب ، وهو كما قدمنا صاحب مذهب آخر .


ومشهور أن الشافعي صلى عند قبر أبي حنيفة الصبح فلم يقنت فيه مقلداً صاحب القبر عليهما معاً رضوان الله، ومثل ذلك كثير من أئمة الهدى ، أفيكون هؤلاء الأميون الحمقى أفقه في دين الله من الله ورسوله ومن الصحابة ومن بعدهم ، فيمنعون التقليد على من لم تتوفر فيه شروط الاجتهاد علماً بأن أكثر الأمة أميون الآن .


إنهم في هذا القول نفسه يقلدون غيرهم ممن قال به من سلفهم المتهور ، فلماذا أجازوا تقليد سلفهم وحرموا تقليد من أجمعت الأمة على تقليدهم ؟ اللهم إنها فتنتك ، تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء .


2ـ أما سب الأولياء ، فإثم بالغ ، وخطيئة قبيحة ، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } [الأحزاب:58]، وقد حرم الإسلام سب المسلم أياً كان شأنه ! فقال رسول الله ˆ: «كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله»، وقال ˆ: «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء»، ومع هذا فسب الأولياء داخل في عموم حكم الغيبة ، وهي غيبة خبيثة؛ لأنها في ميت لا يستطيع الدفاع عن نفسه ، وأوقح ما يكون الاستئساد عندما يكون على ميت أفضى إلى ربه، ومن مأثورات سلفنا الصالح قولهم: (الغيبة طعام كلاب البشر)، وهذا حكم عام في المسلمين صالحهم وطالحهم، فكيف بمن عُرِفوا بخدمة الله، والدعوة إليه، وصلح الخلق عليه، ومن أصبح ذكرهم ركناً أصيلاً في حضارة الإسلام، وشرف الدعوة المحمدية؟ لا شك أن فاعل ذلك مفتون مأفون إن أحسنا به الظن، وإلَّا فهو دسيسة وعميل لأعداء هذا الدين ، وفي الحديث القدسي الثابت: «من عادى لي ولياً فقد آذنته أو آذنني بالحرب» .


3ـ أما زيارة أضرحة الأولياء فقربة مسنونة مثاب فاعلها، وأقل مراتبها ( عند الجدال ): أنها قبور مسلمين ، ونحن قد أذن لنا في زيارتها ، وأصبحت هذه الزيارة سنة نبوية من قول النبي ˆ وعمله وإقراره ما دامت خالية من المحظور الشرعي، فإذا ما خالطها المحظور لم تكن الزيارة لذاتها ممنوعة ، وإنما يكون الممنوع ما لابسها ، فيحكم عليه بحكمه من حلال أو حرام ، ونقل حكم الحلال والحرام إلى حكم الشرك والتوحيد ، والكفر والإيمان ، جهل بالعلم والدين ، وفتنة مجنونة لا تتأتى من العلماء ولا المخلصين ، هل فتنة أخطر من أن يستحل المسلم دم أخيه المسلم وماله ونساءه من أجل أنه قام بسنة فأخطأ في أدائها ؟! إن من يستحل دم أخيه المسلم بغير حق كفر !!


4ـ أما الصلاة في المساجد ذات الأضرحة ، فصحيحة مقبولة ، فإنه لا يبطل مسجدية المسجد أن يكون به ضريح لمسلم ، ولا يكون مصلياً إلى الضريح من حالت بينه وبين الضريح سترة كجدار المسجد أو نحوه ، حتى اعتبر بعض العلماء النحاس المحيط بتركيبة الضريح سترة من دونه ، لأنها لا تسمى قبراً ، إذ القبر ما قبر الميت فيه ، والذي فوقه إنما هو علامة عليه ، وإنما كان المنع من الصلاة إلى القبور أو عليها لمن كان يعبدها ، ويربط إيمانه بألوهيتها ، ومعاذ الله أن يوجد في مسلمي المشارق والمغارب من يعبد قبراً أو يصلي لمقبور ، والحكم يدور مع علته، وقد انتفت العلة، فانتفى المعلول؛ والتعلق بحرفية القول دون تحري الأسباب والمسببات والظروف والبواعث ؛ تطبيق فاسد لا يعرفه علم الدين .


وقد أدرك ذلك وما هو منه أعلم الناس بدين الله من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان ، فدفن النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة وكانت ملحقة بالمسجد، ثم أدخلت فيه، ولا يقال : إنها خصوصية له صلى الله عليه وسلم فقد دفن معه صاحباه ، أبو بكر وعمر ، ومعاذ الله أن يقال إن الصحابة وتابعيهم قد جهلوا الحكم فأخطؤوا ثلاث مرات، إنما هم قد فهموا الشريعة أصولاً ومقاصداً وأسباباً ، فطبقوها على سماحتها الأولى ويسرها الأصيل ، ولا تنس أن عمر إنما دفن في حجرة الرسول بوصية منه رضي الله عنه ، وما زالت الصلاة في مسجد رسول الله بألف صلاة فيما سواه ، ولم يبطل مسجديته ما أدخل فيه من بيوت أمهات المؤمنين ، وغيرهن مع قبره الشريف ، وفي الحديث الثابت أنه مسجده صلى الله عليه وسلم ولو مد إلى صنعاء .


وتأسيساً على ما قدمنا جازت الصلاة في الكعبة المشرفة ، وفيها داخل الحجر وتحت الميزاب قبر إسماعيل وهاجر ، يصلي الناس إليهما وعليهما بلا حرج ، بل يتحرون الصلاة في هذه الأمكنة مبالغة في طلب الثواب والبركة منذ عهد النبي وصحابته، فالعبرة كل العبرة بخلوص نية المصلي وتوجهه إلى الله دون سواه، ونستغفر الله ونتوب إليه .


الشيخ عبدالهادي الخرسة
التوقيع :
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة