لاعجب ان يذم السيد مصطفى المحضار البخل حين قال :
(( والبخل حرام ، لأن البخل آفة كالنار في القصام ، وتاليته تقليد السده ومن داخلها الخمام ، والباقي كله قد نجم وأذهبته الأيام ، والدنيا إلا فرصه واغتنام ، ومن لااغتنمها ما أسرع ما تضيعه ويبقى في هيام ، ويصفق باليمنى واليسرى ويخسر من المقام ، والبخل غدة الغدد ، وعوق الروح والجسد ، وشين وعيف ، والمتحلي به عيف ، ووصفه قبيح وبالشريف أقبح ، وافقهوا ياعيال من البخل الفال ، وشوفوا البخيل تاليته ماشي ، ويروح بلاشي ، بلا جماله ولاشكران ، ويطيروا بها الزقران ، يلقون فيين يوجعش بانكوي لش على الوجع ، وهم إلا طرحوا لها وجع فوق الوجع ، ولقوا لها غارات ، وجابوا لها الوكلاء ، وجابوا لها البلاء ، واعطوها الخلاء ، وضيعوا مالهم ، ولعاد له ولا لهم ، والبخل آفه ، إن هو ملك ضيع ملكه ، وإن هو سيد أصبح صكه ، وان هو تاجر تخربط دفتره ، وإن هو حرّاث ما بقي عليه محسره ، والدنيا وحله ، والبذر شغله ، والقتر دغله ، والكرم يغطي العيوب ، والشح يظهر ما في الغيوب، قال الشيخ باوزير:
ان الكرم وادي ان سالت مسايله= غطّى جميع اوساخ ما في العبد من عيب وذم
مما ورد في تلك المخاطبات والمكاتبات تتبين لنا علو همة هذا الرجل وسمو نفسه الكبيرة ، وتكونت لدينا رؤية اولية عن الظروف الاقتصادية المحيطة به ، وبمن حوله من ابناء دوعن خاصة ، وابناء حضرموت بوجه عام في ظل سنين الجذب ، وشحة نزول المطر ، وكما قال السيد مصطفى ذات مرة حين سأل صديق له في ادنى حضرموت ماذا تفعلون إذا لم تنزل الامطار بأرضكم ؟؟
فاجابه صديقه (( إن مطرت وإلا سنينا)) وانتم ؟؟
فقال السيد مصطفى (( أما نحن إن مطرت وإلا بكينا ))
ذلك ان وادي دوعن يعتمد اعتمادا كليا على مياه السيول في زراعة الارض وري النخيل ومتى انقطعت الامطار والسيول قل مخزون الناس من الطعام وربما شح وانتشرت المجاعة ويطلق الحضارمة على الجوع (( الزمان )) فإن شذة الجذب والقحط جعلت من المقولة الشهيرة (( دوعن شبيه الزمان أما زمانه فلااله شبيه )) مقولة كرستها الازمات والكوارث التي تعاود الوادي حينا بعد حين ومع هذه الكوارث الطبيعية الخانقة لم يخلو الوادي من الرجال الطيبين واهل الخير والصلاح فقد قال السيد علي بن حسن العطاس ( صاحب المشهد ))
أرى دوعن خير دوعن شبيه الزمان= وأما زمانه فلاله شبيه
مع أن في الغالب أهله زيان= ترى مظهر الدين مشهور فيه
لذا ارتبط اسم وادي دوعن باسماء الزيان من أهله لما عرفوا به من استقامة وتقوى وخير وصلاح وزهد وورع وكرم وسخاء خاصة حين يكون (( الزمان سببا في الزمان )) وكم من عاديات الزمان كانت سببا في كوارث الحقت من بعدها (( الزمان )) بالناس منها الطوفان الكبير الذي شهده وادي دوعن حيث جرفت السيول الارض والنخيل والناس والحقت الاضرار بالاراضي الزراعية وذهبت بالاطيان واصبحت كثير من العوائل من المعدمين وفي ايام تلك الكارثة كارثة الفيضانات المدمرة أمر السيد مصطفى المحضار بالذبح وصنع الطعام للمتضررين وكان يواسي الناس ويطيب خواطرهم ، ويقوم بدوره الديني والاجتماعي والانساني .
.