الموضوع: في الكهف
عرض مشاركة واحدة
قديم 01-07-2011, 08:58 AM   #4
سالم علي الجرو
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية سالم علي الجرو

افتراضي

ـ 3 ـ

قال صاحبي باشّاً: فكرتُ بهذا الموضوع من قبل وكنت أقول لنفسي : يبقى الحنين للأمس شاعرياً وجميلاً ومفهوماً اذا تجسَّد أغنيةً , وأما عن المثقف فكنتُ مؤمناً بأن المثقف لا يمكن أن يعيش إلا خارجاً على الريف خارجاً على المدينة ! فهو مهموم بحلم عن إنسانية رائعة تحملُ معها وهي تتقدم الدافيءَ من الماضي والبديعَ من الحاضر ... وعودةً الى كلامك أسأل وانا أشعر الآن بنوع من الشك فاذا كان الفقيه ميؤوساً منه الى هذا الحد فهل بالإمكان التعويل على سياسيينا !؟
او بتعبير آخر : انت طرحت مثالاً واحداً من مئات الأمثلة التي تبدو أسئلة ملحة ولكن اذا كان الداعية او رجل الدين عاجزاً الى هذا الحد فهل يمكن للسياسي أن يبرر عدم امتلاكه لثقافة متكاملة ؟ وكيف يمكن للفنان عندنا او للمثقف عموماً أن يغامر فيَثِقَ بالسياسيين بمنحه لهم مقاليدَ بلده وتعويلهِ عليهم .
قلتُ له : شكراً , سأحاول أن أجيب , الشرط المهم جداً هو التجربة الروحية الفكرية الحياتية المتنوعة والمتواصلة , والساسة عندنا يفكرون أساساً بالمنصب والمال لذلك تنتهي تجاربهم لحظة حصولهم على المنصب والمال !
واذا اهتموا بما يدور حولهم من أحداث عالمية فيكتفون فقط بدور الشُّراح لهذه الأحداث أيْ خبراء فقط في التحليل !
لاحظْ , اذا استثنينا السياسات الداخلية للبلدان الأخرى فانت تعرفُ دون شك أن السياسة العالمية , أيْ علاقة البلدان مع بعضها وفقَ المنظور المُشاهَد هي حسابات واستراتيجيات وأرقام وحِيَلٌ وخطوط عودةٍ الخ ... او لنقلْ المصالح أولاً ثم المباديء ولهذا فالتخطيط لا يتم إلاّ من خلال موازين علمية وفرضيات مسبقة هي في النهاية استشراف للغد القريب على الأقل , اليس كذلك ؟
عزيزي , انا أستطيع مثلاً أن أعطي أسماء عشرات البلدان التي هي أقل شأناً منالعراق جغرافياً واقتصادياً وحضارياً واستراتيجياً والتي تتمنى أمريكا احتلالهاولكنها لا تستطيع , لماذا لا تستطيع ؟
نحن الذين نعطي أمريكا وغيرَها مبرراتِ احتلال بلدنا واذا كان ضرورياً أن ننادي بخروج المحتل فالأكثر ضرورة منه هو بحثُنا عميقاً في أسباب الإحتلال وكيفية إزالتها ومنع تكرارها وعدا هذا فاذا خرج الأمريكان اليوم لظرف سياسي دولي طاريء مثلاً فإنهم لا يلبثون أن يعودوا بعد فترة لأن مغريات الإحتلال لا تزال قائمة .
علَّق صاحبي بالقول : الوعي الحريص الواقعي العملي لا يستطيع إلاّ أن يتجاوب مع التوجه العالمي الجديد بكل تفاعلاته نافعِها وضارِّها فهي خلاصةُ ما وصل له الجهد البشري بأسئلتهِ , بضعفه وقوته وكفاحهِ الطويل عِبرَ آلاف السنين .
قلت : أكيد , السؤال المهم : هل يمكن أن تتوقف حيث انت ؟ لا يمكن أن يفكر بإيقاف حركة الزمن إلاّ المغفلون , وكم فتحنا أبواب الزعامة عندنا لمغفلين منشتى الأصناف دينياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً !
فها هو المثقف الحقيقي , سَلْهُ ماذا يفعل اليوم ؟ إنه يتسلّى برؤية مئات العبقريات المفاجئة وهي تُلقي به جانباً وتتسلم الراية ببشائر وفتوحات في اللغة والخيال الفذ الدافق والتي تنتظر فقط مَن يغترف !
علَّق صاحبي العربي وهو يربِّت على كتفي : أوافقك على تقييمك لهذا الخيال وتَميُّزهِ وفرادته ! ولكن لو حكيتَ لي أكثر عن سبب وجودك ومنذ متى انت هناوكيف هي حالتك الآن ؟
أجبته بودٍّ واقتضاب عن سؤاله وأضفتُ قائلاً :
الأسباب هذه تكفي , وعليه عزيزي فانا لا أرتاب من فطنتك فانت كما أخبرتني تشتغل في حقل الترجمة الأدبية أيْ تنتمي الى الفئة الواعية , ولكن انت لم توضح لي أكثر لماذا انت هنا ؟
قال بعد تأملٍ : انا هنا بسبب أزمة مالية عائلية ونوعاً ما إجتماعية تطورت ولكن مع ذلك فالزيف لاحقنا الى هنا فقد حاربني الكثير من البدو وما ذلك إلاّ لأنهم أحسوا بتمكني من لغة هذه البلاد وشغفي بالأدب .
انا أحبُّ كثيراً , مِن بين كل البَشَر , أولئك المجرمين المحترفين الذين يصلون الى مستوى من الشجاعة والصدق والإعتراف بالذنب بحيث يجتمعون ثم يشرعون بالتقيُّؤ على أنفسهم !
التوقيع :

التعديل الأخير تم بواسطة سالم علي الجرو ; 01-07-2011 الساعة 09:08 AM
  رد مع اقتباس