عرض مشاركة واحدة
قديم 04-11-2011, 09:02 AM   #3
من السادة
مشرف سقيفة المناسبات
 
الصورة الرمزية من السادة

افتراضي في اليوم الثالث ذهب زوجي لإلقاء بعض المحاضرات

اشترينا بعض الحاجيات وعدنا للبيت لكنّنا لم نجد الثلاجة! فأحضروا ثلاجة للدعاة الزائرين، وكانت ثلاجة من بقايا الدولة العثمانية الغابرة لكنها تفي بالغرض.

كان استقبالهم رائعاً لي ولزوجي فشعرنا أننا لا نستحق بعضه، حيث حضر عدد كبير من الدعاة للسلام على زوجي، وكذلك الحال معي، وقد أظهروا من الحفاوة والتكريم ما ينم عن طيب قلوبهم وكرمهم، ولسان حالهم يقول إن كانت بيوتنا متواضعة لا تليق بمقامكم فإن قلوبنا لكم مسكن وأفئدتنا لكم بيت ومأوى فاعذرونا، وهذا جهد المقلّ الفقير المعدم فسامحونا، فجزاهم الله خير الجزاء.

قدموا لنا الأكل في البداية كعشاء وهو عبارة عن كبدة طازجة مع شيء مع الإدام، لكن المعدة التي تعودت على الوجبات السريعة وعلى (المفاطيح) الحارة وتدسيم الشوارب لم تتقبل الكبدة الباردة – ومن عادتهم أكلها باردة وهذا من الكرم عندهم- كما أن الإدام البارد لم تستسغه معدة الدعاة المترفة، فبتنا طاوين وأجرنا على الله وفي سبيل الله ما لاقينا.

في الصباح الباكر كانت عصافير أمعائنا تزقزق وتحلم بالبيض والجبن والحليب الدافئ والفول والعسل والفول السوداني والزيتون الذي اعتدنا عليه، وسال اللعاب حين طرق الباب وقالوا: الفطور جاهز.

فتحنا صحن الإفطار فإذا كبدة الأمس تأتينا مرة أخرى فكاد يغمى عليّ وقلت: يا إلهي كبدة أمس تلاحقنا، وماذا معها؟. فول مدمس بارد كأنما خرج من الثلاجة، فقلنا إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وفي سبيل الله ما أحلى المنون وأصبحنا أيضاً طاوين.

قلت لزوجي: هذا وضع لا يطاق ويظهر أن هذه الكبدة ستلاحقنا لمدة أسبوع إلى أن نأكلها. فقال: ما الحل؟. فقلت نذهب إلى أقرب (سوبر ماركت) ونشتري كل ما نحتاج. فقال: فكرة رائعة: وسألناهم: هل يوجد سوبر ماركت فقالوا: نعم. ففرحنا وقلنا نحتاج شراء بعض الحاجيات وحملنا معنا (كيس) النقود، فلما ذهبنا إلى (السوبر ماركت) الكبيرة إذا بها مغلقة. فقلنا: لماذا؟ فقالوا: إنها تفتح حسب الطلب حيث تقيم السيدة اللبنانية مالكة السوبر ماركت فوق المبنى وتخرج عن طريق نداء العميل لها بأعلى صوته كل مرة عند الحاجة، نزلت السيدة وفتحت السوبر ماركت.. ويا للهول.. صدمنا وقلنا أين السوبر ماركت وظننا أنها في الدور العلوي فقالوا: هذه التي بين يديك ولم نصدق، وقلنا هذه بسطة البائعات عندنا (فرقنا) أو بالكثير كشك في زاوية سوق... لكن الشكوى لله... لننظر ماذا عند السيدة فوجدنا ولله الحمد وبفضل من الله أكلتنا المفضلة المكرونة والأرز وشيئاً يشبه الشطة وشيئاً يشبه الجبن وأخذنا حبات من البيض لأنها تباع بالعدد وليس بالطبق ولا ندري هل هو بيض دجاج آو ديك رومي، المهم أنه يشبه بيض الدجاج، لكن كنا متأكدين أنه ليس بيض تماسيح، وأخذنا المشتريات كلها في السيارة ولم نجد عربة لحملها فحملناها بالطرق التقليدية وتمت العملية بسلام، ورجعنا إلى البيت وكانت إحدى الأخوات حفظها الله تساعدنا في أمور الطبخ فأخبرتها بطريقة طبخنا وساعدتها حتى حصلنا على طبخنا المعتاد بحمد الله واستطعنا إسكات بطوننا الجائعة، ومر اليوم الثاني بسلام.

كلام العرب دليل شرعي !!
كان سكننا في وسط المجتمع النيجيري سبباً في تعرفنا عليهم عن قرب، وحين اقتربنا منهم اكتشفنا فيهم مظاهر جميلة وعادات حميدة نفتقدها في بعض مجتمعاتنا: فمنها أن قلوبهم طاهرة بسيطة خالية من الحسد، والعجيب أنهم لا تنتشر عندهم العين (النضل) بل لا يكادون يعرفونها، وذلك لطهارة قلوبهم وبساطتهم وحب كل منهم الخير للآخر، ومنها التقديم والاحترام فيما بينهم عند التحية والسلام والخضوع والتذلل إلى درجة زادت عن الحد المشروع حيث ينحني الواحد منهم للآخر حتى يكاد يركع من باب التقدير والاحترام مع حسن خلق وتواضع وابتسامة صادقة، وقد بينا لهم أن هذا لا يجوز وأن الركوع لا يجوز إلا لله، لكن هكذا اعتادوا على تقدير الكبير واحترامه بصورة كبيرة بحيث لا يخرج الصغير عن أمره مهما كان مع حسن خلق وتواضع وخضوع، ومنها حبهم للخير وسرعة تقبلهم بصورة عجيبة وسيرد ذلك أمثلة إن شاء الله.

ومن جوانب الخير في هذا المجتمع أن المسجد يكتظ بالمصلين في صلاة الفجر أكثر من غيرها، ولأجل هذا تعودوا أن يكون هناك موعظة بعد الفجر - وليس بعد العصر كما هو عندنا- حيث يستيقظون باكراً ثم يذهبون لطلب الرزق بعد الفجر.

والمجتمع النيجيري يحب العرب بصورة منقطعة النظير ويرون أنهم أولاد الصحابة بل ويرون أن كل عربي من أهل البيت، ولذا تجدهم يقبلون منه بلا حدود بصورة عجيبة، ومن الطرائف أننا لما ذهبنا إلى إحدى القرى لإلقاء محاضرة هناك وتكلم زوجي عن بعض النصائح، قال لنا الدعاة: إن كلامكم سوف يظل نبراساً لهم عشرات السنين يذكر بعضهم بعضاً به ويقولون ألا تذكر ما قال العربي في يوم كذا!! وكأنه دليل شرعي يحتجون به، وهذا يزيد من المسؤولية على الدعاة العرب.

ومن صفاتهم حبهم للأسماء العربية، فحينما وزعنا الشهادات على الأخوات وجدنا الأسماء عربية من أسماء الصحابيات مثل خديجة وعائشة وفاطمة وسمية ونحوها، ويسمون الرجال بأسماء الأنبياء والصحابة، فقلت أين هؤلاء من بعض المسلمات اللاتي يكرهن هذه الأسماء ويتقززن منها ويبحثن عن الغريب الأجنبي أو المشابه للأجنبي وكأن اسم ابنة إحداهن علبة عطر لابد أن يكون مميزاً على غرار أرقام الجوال ولوحات السيارات المميزة!!.

في اليوم الثالث ذهب زوجي لإلقاء بعض المحاضرات والقيام بزيارات دعوية، وبالنسبة لي حضر بعض الأخوات فطلبن مني إلقاء درس عليهنّ فألقيت أحد الدروس الجاهزة التي أعدها زوجي وكنت أتوقف بعد كل مقطع وأشرحه وتقوم إحدى الأخوات بترجمته.. كانت عملية معقدة وصعبة بالنسبة لواحدة تلقي درساً لأول مرة في حياتها.. لكن العملية نجحت وأعطتني دفعاً كبيراً للأمام، وأحسست ببعد نظر زوجي وخبرته، وقد فرحت الأخوات بالدرس واحتفين به كثيراً ولله الحمد والمنة، حيث حضر أكثر من عشرين امرأة في الدرس الأول، والدرس الثاني وصل قُرابة الأربعين وهن يزددن حماساً وكتبن فيّ القصائد بالعربية - ممن يحسنّ العربية منهنّ- تعبيراً عن شكرهن وامتنانهنّ بالفائدة التي حصلن عليها.
  رد مع اقتباس