عرض مشاركة واحدة
قديم 10-26-2011, 04:37 PM   #3
اليمني
حال نشيط

افتراضي

الحمد لله مذل الجبابرة، ومحطم الأكاسرة، وقاهر الفراعنة، الجبار القوي المتعال القائل في محكم التنزيلنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةفَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)، والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد ابن عبد الله وعلى آله وصحبه الكرام الطيبين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين..أما بعد

لقد كان يوم الخميس 22 ذو القعدة 1432هـ الموافق 20 أكتوبر 2011م يومًا مشهودًا في تاريخ الليبين خصوصًا، وسائر المسلمين عمومًا حيث شاهد الملايين على شاشات التلفاز مصرع فرعون ليبيا على أيدي أبطال ليبيا الأشاوش الذين أخرجوه من جحره مرعوبًا قد أخذ الخوف منه كل مأخذ، يتلمس العفو، ويرجو الصفح، ولكن (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ).

ولا غرو أن يستحق هذا الطاغية عن جدارة لقب "فرعون العصر"؛ لحربه لدين الله جهارًا نهارًا، وإنكاره لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقتله للعلماء والموحدين والمخلصين، ولتكبره وطغيانه وتجبره، وإفساده في الأرض بشكل لم يسبق إليه، وهذا كله قبل أن تبدأ ثورة الشعب الليبي ضده في السابع عشر من فبراير 2011م، أما ما فعله بعد هذا التاريخ من جرائم وموبقات، فتلك أمور يشيب لروايتها الولدان، وتتفطر القلوب لعظمها كمدًا وحزناً وهماً، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

والحق أني لستُ في هذا المقالة في مقام أن أسرد على القارئ الكريم ما الذي فعله هذا الطاغية في حق شعبه لأكثر من أربعة عقود، فقد تكفلت ثورة الشعب الليبي المسلم بإظهار الكثير والكثير مما اقترفته يداه المجرمتان من فظائع ومجازر، ولست كذلك في باب إيراد الأدلة على كفره وخروجه من الملة، فذاك أمر غدا أوضح من الشمس في رابعة النهار، وكالبدر في ليلة التمام، ومن لم ير زندقة القذافي وردته عن دين الله فهو: إما رجل لم يطلع على أحوال القذافي، ولم يخبر أمره، أو أنه مصاب بجرثومة الإرجاء، وكلا الرجلين لا يجوز لهما الإنكار قبل أن يتعلما ما يزال به جهل أولهما، وشبهة ثانيهما.

ولكني كتبت هذه الكلمات من باب قوله تعالى(ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ الله)، فقد عجزتُ أن أجد العبارات المناسبة، والكلمات المعبرة عن مقدار فرحنا وغبطتنا، وعظيم سرورنا واستبشارنا بزوال حكم هذا المجرم الأفاك الذي أهلك الحرث والنسل، وعاث في الأرض الفساد، والله لا يحب المفسدين. ومن الطبيعي أن لا يشعر بالفرح كاملًا إلا من اكتوى بنار هذا الطاغية، وأصابه شره، ولحقه أذاه، وأما من يترحم عليه، أو يذرف عليه الدموع، أو يتعالم منتقذًا طريقة أشاوس ليبيا وأسودها في القبض عليه، فهذا وأمثاله لا يلتفت لهم، ولا يرد عليهم، لأن النائحة الثكلى ليست كالمستاجرة، وأكاد أجزم أن هولاء: أما مستفيد من الطاغية بأي شكل كان، أو أنه لا يعرف عن ليبيا ومعاناة شعبها شيئًا، ولم تطرق أذنيه صرخات المعذبين، وآهات المجروحين، وزفرات المعتقلين.

نعم..اليوم تفرح الأمهات الثكالي، وأرامل الشهداء، ويتامى الأبطال، وأسر المفقودين والمختطفين، والجرحى والمكلومين، بل ولعل الشهداء يسرون في قبورهم.

اليوم تعود البسمة إلى الشفاه الحزينة، والقلوب المكلومة، والأفئدة الممزقة.

اليوم تشرق شمس الحرية، ويتنفس الناس الصعداء، وتتكسر القيود، وتتهاوى دولة الظلم، وتتساقط دعائم الباطل.

اليوم يقام ميزان العدل لينال الظلمة وأعوانهم جزاءهم العادل، ويقتص منهم، ولترد الحقوق إلى أصحابها.

اليوم تحققت عدالة السماء، ونال الطاغية جزاءه في الدنيا، وما ينتظره من عذاب الله أشد وأبقى، وشاء الواحد الأحد أن يكون نهاية الطاغية على أيدي أبطال مصراتة..تلك المدينة الصامدة التي أصبحت تعرف بـ(ذات الرجال) بدلًا عن إسمها القديم ( ذات الرمال) بعد أن لقنت الطاغية وجنده دورس العزة والكرامة والبطولة رغم عظم الجراح والآلام التي تعرض لها أهلها جراء عدوانه الهمجي والوحشي.

اليوم رأى الناس بأم أعينهم مثالا حيًا لمصارع الظلمة، وسوء منقلبهم، وعاقبة ظلمهم، وسمعوا آيات الله وكأنها تتنزل لأول مرة(وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).

(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

اليوم نرى مكر الله يحيق بهذا الفرعون الذي وصفَ أسود ليبيا بالجرذان، فكان الجزاء من جنس العمل، فأخرجوه من انبوب تصريف المياه كالجرذ ذليلًا حقيرًا..وعندها تذكرت ما قاله حيي بن أخطب أحد زعماء بين قريظة عندما حكم فيه معاذ بن جبل رضي الله عنه بقتل مقاتلتهم: "ولكن من يُغالب الله ُيغلب".

اليوم نتتذكر أولئك الأبطال الشهداء الذين وضعوا أرواحهم على أكفهم، وهم يتصدون للباطل بصدورهم العارية، وصيحات الله أكبر، وعزيمتهم التي لا تقهر، ونحتسبهم عند الله من الشهداء، ونرجو لهم القبول والغفران.

وختاما..أمل من كل المنتقذين والمنظرين الجالسين على أريكاتهم أن يتركوا الليبين يفرحون ويحتفلون بهلاك الطاغية، فما حل بهم طيلة الأربعين سنة ماضية من هم وكرب وظلم لو صب على الجبال لأذابها..دعوهم يخرجون إلى الطرقات والأزقات، والمدن والأرياف، فهذه أول مرة منذ أربعة عقود يجد الفرح طريقًا إلى قلوبهم المنكسرة، وعيونهم الحزينة الباكية..رجاء لا تفسدوا فرحتهم.

فوزي منصور الشاوش
كاتب ليبي
  رد مع اقتباس