عرض مشاركة واحدة
قديم 03-02-2012, 10:47 PM   #1
باشراحيل
مشرف قسم الأدب والفن ورئيس لجنة المسابقة الشعر يه

افتراضي " يسلم بن علي " شاعر الغربة والوطن

" يسلم بن علي " شاعر الغربة والوطن


رياض عوض باشراحيل


الشاعر الكبير يسلم بن علي .. أحد الشعراء الغنائيين الأعلام ليس في وطنه اليمني فحسب ولكن في الوطن العربي ، فرض حضوره الإبداعي وصوته الشعري القوي في ساحة الفن الغنائي في الجزيرة العربية بقصائده المليئة بعواطف الإنسان ومشاعره ومواقفه من الحياة والتي يتضوع منها عبق الأرض وأسى الغربة وأشجانها ودموعها . وعلى ضوء ذلك سطع نجمه في سماء القصيدة الغنائية وشكل خلال وجوده بالمملكة العربية السعودية مع الفنان السعودي الراحل طلال مداح ثنائيا غنائيا ناجحا ملأ الأسماع والأبصار والقلوب ، وقد غنى له العديد من أغنياته منها " في سلم الطائرة ، يقول يسلم ، معاد لي نفس ، سمع صوتي ، ياعسكري فك الإشارة " وغيرها .

كما غنى له العديد من روائعه كبار المطربين في الساحة الغنائية اليمنية والعربية ومنهم الفنان الكبير أبوبكر سالم بلفقيه في أغنيات " الى هنا وانتهينا ، وأنا مالي إذا قالوا رفع رأسه ، سرقت النوم من داخل عيوني ، منك ياعسل دوعن " وغيرها . كذلك غنى له الفنان الراحل فيصل علوي واحمد يوسف الزبيدي وعلي الصقير وهود العيدروس وعلي العمودي وعلي العطاس وعبود الخواجة وسعد جمعة وناصر السعد ونايف عوض وغيرهم كثير ، وأصبح أحد فرسان الأغنية في المنطقة العربية يشار إليه بالبنان والحب والإعجاب .

دموع المهاجر


ديوان " دموع المهاجر " للشاعر الكبير يسلم بن علي صدر مؤخرا عن دار جامعة عدن للطباعة والنشر . وقد أهتم بتكريم الشاعر وطباعة ديوانه وكتب تقديمه الأستاذ الدكتور عبدالعزيز صالح بن حبتور رئيس جامعة عدن فله منا ومن محبي الشاعر وعشاقه عظيم الثناء والتقدير ، وصاغ دراسة شعرية لهذا الديوان بعنوان "التمهيد للديوان" كاتب هذه السطور ، وقد طرح الديوان في المكتبات فسجل شاعرنا بديوانه هذا الملتصق بحياة الناس حضورا طاغيا وألقا طالما انتظرته ساحتنا الثقافية والفنية منذ زمن . ويحفل الديوان بالعديد من القيم الإنسانية الرفيعة ، إلا أن القيمة الأكبر التي يتشبث بها الشاعر وشعره هي الارتباط الوثيق بالوطن. وفي الغربة تختبر معادن الرجال ، وتتكشف حقيقة مواقفهم ، فمنهم من يذوب في الغربة ويندمج وينسى وطنه وأهله ومنهم من يتعامل مع الوطن بوصفه ثابتاً مقدساً لا يخضع لأي شكل من أشكال المساومة أو المراوغة أو الذوبان ويظل حاملا وطنه في وجدانه وقلبه يشيد بصروحه ويتغنى به ويتلذذ بذكره مثلما يتلذذ العاشق بذكر معشوقته وهكذا كان شاعرنا يسلم بن علي الذي قال في توطئته للديوان :


على خدّ المهاجـر سالت الدمـعـه *** و حُـبَّــه للـوطــن من قــوة الإيمان
ومن فارق ضنـيـنه يـنـقـلب طبـعـه *** حـياتـه تـنـتـهـي في عـالم النســيان
تـذكرت الحـبايـب لـيـلة الجمـعـه *** وكرهت السـفر لـيـت السـفر ماكان
و ليلي طال والدمـعـه ورا الدمعـه *** حياتـه في تـعب من فارق الخـلان
متى باشـوفـهـم مـشـتـاق لـلرجـعـه *** متى باشوف صيره أو جبل شمسان

أطل شاعرنا على الدنيا من « عَمَاقين » بمحافظة شَبْـوَة .. وهي قرية صغيرة ذات طبيعة ساحرة معظم بيوتها ومساجدها من الطين وتقع بين مدينتي الروضه وجردان ، وهي على مقربة من شعب « رهوان » الذي تصله مياه الأمطار من رؤوس الجبال فيروي الأرض ويسقي الزرع والحيوان والإنسان .. في هذه البيئة الخصبة نشأ يسلم بن علي وترعرع ، لذلك فلا بدع في أن يعتبر شاعرنا قريته "عماقين " جنة الدنيا وواحتها الخصبة وفي ذلك قال شاعرنا :

قال يـسـلم بـن علي قـسّـمت قـلبي عالمحبــيــــن *** يـاعــدن مابـا حـلالك جـنــــة الدنيـــــا عماقــيـــــن


وقد هام شاعرنا يسلم بن علي عشقاً بعماقين واستبدّ به حُبَّ بلاده ومسقط رأسه موطن الحب والأحلام فأخذ يترنم صادحاً :

لو خيرونا في المداين أو عطونا قصر عالي *** بخــتـــار خيـمــة في عماقيــن
لو نا على بارد من الشنـه و نظره في عيالي *** مابـا الـتجــــــارة و الملايــيـــن
هم علموني للمحبة و ادخلوني بحر مالي *** ذقت العنب لي في البساتين


وتعد هذه التجربة الشعرية دعوة للالتصاق بالأرض والأهل ، ودرساً من دروس حُبّ الوطن يغذي به شاعرنا هذا الجيل والأجيال المتعاقبة .

الغربة والحب والعشق في وجدانه


وعندما آن أوان مغادرة الشاعر لوطنه الى موطن غربته بالمملكة العربية السعودية ، توقف شاعرنا في سلّم الطائرة وهو يلوّح بتحية الوداع للأهل فأنشد في لوعة وأسى حزينا آسيا باكيا :

في سـلم الطـائــــــرة بكـيـت غـصباً بـكـيت *** على محـبــيـن قلبـي عنـــــدما ودعـــونــي
و شـفـت محـبــــوب قلبي بين نخله وبـيت *** يـنـاظر الطـائـرة يـــبـغـى يـحـرِّك شجـوني


وظلت نيران الغربة تشتعل في وجدانه ودموعها تسيل من أجفانه وهو يشعر بسجن الغربة وآلامها وجراحها فأخذ يخاطب العصفور الطليق الحر قائلا :

انـت ياعـصـفـــور سـبـّــاق الريـــــــاح *** ويــن مـاتـبـغـى تحـصل لك طـريـــــــق
بس أنا المـسكيـن مـاعنـدي جـنــاح *** ليــتـــني مـثــــلـك في الدنـيــا طـليــق
آه أنا مـن كـثـر مـابـي مـن جــــــراح *** ذا الهـوى يـحـرق على قـلـبي حـريـق


ويقول ايضا :

سـمـعـت قــمـــــــــــــــري تــــرنــم *** في آخـر الـلـيـــــــــــــــــــــــل نــاح
يـنـــــــــــــوح من فــوق غـصـنـــــه *** ونــا حـيــــــاتــي جــــــــــــــــــــراح


وحول تجربة الحب والعشق عند شاعرنا "يسلم بن علي" مع الإشارة بالانتباه للقيم الجمالية في شعره اسمعه يقول :

سـقــــوك المُـرّ ياقـلبـي و قـالـوا لـك عـسـل حـــالـي *** و هــــذي آخــرتــــها لي تــحــبــــــــه يـنـقـلب لـك ضـار
تـصـدقـهـم و هــم مـاشــــي لـهــم أول ولا تـــــــــــالي *** تــفـكـر حـبـهــم جــنّـــــه و تـــــالي يـــنــقـلب لـك نـــار


وقوله :

أنــا درست المحبـة لي في المحبـة رصيـد *** من حب لازم يضحي و إن مات موته شهيـد

وقوله :

و انا مـالـي إذا قالــــوا رفــــع راســـــه *** بـكـيــفــــــه يـــرفــعــــــــه والاّ يـــوطـــيـــــــه
أنـا قـلبـي قــنـــــع قـلبـي قــنــــــــــــــع *** مـالي غـــرض فــيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه


وقوله :

سـرقت النــوم من داخـل عـيـوني *** و خـليـت السـهــــر فـيـها مؤبـــــــد
أقاسي الشـوق ماتـغمـض جـفـوني *** و نـار الحـب في قـلبي تـوقـــــــد


أو الحكمة الشعرية في قوله :

ضحـكـتـك يـازيــــن لي فـيـها عتـــاب *** عـلمـوك أهـل النمـيـمــة و النـفـــاق
قـصـدهـم يـرمون قـلبي في العــذاب *** مـايــعـق الحــب غـيــــر إنســان عـاق


وقوله :

شــروط الحـب صـعـبـــــــــه نــــــار أولـــهـا و تــاليــــهـا *** و من كـذّب يـجــرب قـبـل يـــوقــع في لهـيـب النــــــار
ولو يـسـكب دمــوعــــه دم مـايــقـــــــــــدر يـطـفــيــــهـا *** ولو سـالت دمـــوع العـيـــــن زادت نــــار فــوق النـــــار
و من بـيــــده حـفـر حـفـره مـصيـــره أن يـقـــع فيـهــا *** و أنا جـربـت حــظي في الـهــــوى قد صار لي مـاصار


وجميل ان تمتزج الحكمة بالمثل الشعبي الذي غذى به شاعرنا شعره فزاده جمال على جمال في قوله :

مـبناك خـارب ياصـديــقـي مـن الساس *** ماهـو قوي مـثـل البـيــوت الدويــله
خلاص يـانـاصر قـد الفاس في الـراس *** حـيَّـــرتـنـي و لعـاد باليــــــد حـيـــــلـه


وقوله :

من لـعب بالنـــار لازم يـحــتــــــرق *** يـاضـنـيــنـي مـاعـلى الدنـيــــا أمـــان
و ان سـألت النـاس قالوا تسـتـحق *** كل مـن هـــوّن مـحــبــيــنـه يُـــهــــان


وحول تأبينه لصديقه الشاعر الكبير حسين أبوبكر المحضار ألقى شاعرنا قصيدته التأبينية في حفل تأبين الراحل المحضار في جدة والذي أقيم بمنزل أخيه العالم الأزهري السيد حامد بن أبي بكر المحضار .. ومما جاء فيها :

سـعـــــاد تـحــزن و صنـــــعاء واليــمن كله *** و كل من يـعـرفـــــــك يـالسـيــــد الـمحــــضار
يــارب تـغـفــر ذنـــــوب الهـاشــــــمي كـله *** يـاغــــــافـر الذنـب جـنــــبــنــــــا لهـيـب النــار
يـامركب الـشـعـــر بـالتـفـريــــق والجـــمـله *** يـامــــدرســـــــــه مـسـتــقـــله تـجمع الشـــــعار
بـكـت عـيــــــــوني و قـلبـي صابــتــــه عله *** و إن جـيـت لـلبــيـت بـكاني جــــــدار الدار
من فـارقــــه صاحبـــــه يـا وحــلة الوحــله *** عـليـــــك يـاحـسـيـن نومي من عيـوني طـار


شاعرنا على السرير الأبيض بالمكلا


وللظروف الصحية التي يمر بها شاعرنا "يسلم بن علي" اليوم فقد نصحه الأطباء بالتوجه من قريته "عماقين" بشبوة إلى المكلا لتلقي العلاج بمستشفى ابن سيناء بفوة ، وكنت متواصلا معه هاتفيا منذ مغادرته قريته إلى وصوله المكلا للاطمئنان على صحته وهو لا يزال على السرير الأبيض بالمستشفى .. وقد أكدت الفحوصات الطبية احتياجه إلى قسطرة بالقلب أو عملية قلب مفتوح ..

نسأل الله تعالى ونبتهل إليه أن يمن على شاعرنا يسلم بن علي بالشفاء العاجل وأن يمتعه بالصحة والعافية وطول العمر .
التوقيع :
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
  رد مع اقتباس