10-13-2015, 11:35 PM
|
#1
|
مشرف سقيفة التراث
|
باكثير ورثاء الحبيب عبد الله بن حسين السقاف
باكثير ورثاء الحبيب عبد الله بن حسين السقاف
ــــــــــــــــــــــــــــ
لم تحظى حضرموت في قرنها الماضي بعلم منها تجاوز حدودها أو حدود الجزيرة العربية الى العالم العربي الواسع مثل ما حظيت به في شاعرها وأديبها الشهير علي أحمد باكثير , فقد سعى الرجل بما لديه من علم وفهم وأدب الى حاضرة العرب (قاهرة المعز) أو مصر أم الدنيا كما يحلى للمصريين التغزل بها ، فعلي أحمد باكثير المولود في سرابايا بأندونيسيا عام (1910م) أو (1903م) كما يرجح الدكتور محمد أبو بكر حميد في تقديمه لديوانه ، نشأ وتربى وتعلم في مدينة سيئون على أيدي علماء وأئمة وأساتذة فطاحل في علوم الدين والعربية وآدابها حتى عاد مدرساً في مدارسها واستاذاً من أساتذتها ،هذه النشأة التي نشأها باكثير في مدينة سيئون مسقط رأس أبيه كان لها الأثر البالغ في متانة مداميك موهبته الفذة التي منحها الله أياه ، لذا لا نراه يتغير أو يتبدل حينما يختلط بعالم مفتوح يختلف كل الاختلاف عن عالمه المحافظ في حضرموت ، بل نراه يتطور فكريا وأدبيا على أساس هذه المعارف وهذه النشأة الاسلامية الصالحة ، ويطوع مكتسبه المعرفي في صناعة فنونه الأدبية التي عرف بها من مسرحية ورواية ، أما نبوغه المبكر في الشعر فقد كان في حضرموت وكانت له الصولة والجولة فيه ، فعرفه العالم العربي بالقاب عدة منها (كبير شعراء حضرموت ) و (أمير شعراء حضرموت ) وديوانه المطبوع (أزهار الربى في شعر الصبا) يحتوي على حتوي على بواكير شعره وحضرمياته كلها ، ومدملها قصائد غرر , بل قل درر اتقن صياغتها شاعرنا المقتدر ، وتأتي مراثي باكثير في ديوانه المذكور من أجود أشعاره وأجمل مطولاته الشعرية البليغة ،التي تتجاوز السبعين بيتاً في أكثرها ، فلا ترى في مطولاته ضعفا ولا ركاكة ، ولكنه الشعر الحكيم المحكم ، والابداع المتين المرسل ، تنبي عن قدرته الشعرية الفائقة ، وقريحته النبيلة الرائقة ، مثال ذلك رثائه للحبيب السيد عبد الله بن حسين بن محسن السقاف المتوفي في سيئون عام (1930م) ولعل قارى القصيدة اليوم وهو يرى أوصاف ومحاسن المرثي يتوق الى معرفة سيرة هذا السيد الجليل ، ولو النزر القليل , ليروي ظماء معارفه ويمحو سواد جهله بمثل هذه القامة السامقه ، التي خلد ذكرها العلم والذكر الحسن ، ولم يذكره أبن عبيد الله في إيدام القوت الا تلميذا لابيه مع المخصوصين الذين يتلقون الدرس منه ، ونوه محقق الكتاب الشيخ محمد بن أبو بكر باذيب في تحقيقه به فقال عنه ( أبن عم المؤلف أيضاً ، ولد سنة (1288هـ) , وتوفي في (8) رجب (1349هـ) , كان عالما زعيماً, قاضياً مصلحاً حكيماً ، وعرف أولاده بآل القاضي ، )وذكره جامع ديوان باكثير في تعليقه على القصيدة بقوله (وقال يرثي حضرة السيد الجليل الفاضل عبد الله بن حسين بن محمد السقاف رحمه الله ورضي عنه والقاها في حفلة التأبين التي عقدت له فيما ألقيت من قصائد الشعراء وذلك يوم الخميس سنة 1349هـ (1930م).).
يقول باكثير في مطلع قصيدته :ـ
ياأبن الحسين ألا لبثت قليلا ... لما اعتزمت عن الديار رحيلا
ما كان ضرك لو مننت بلحظة ... تروي الصديّ وتسعد المتبولا
هذي بلادك تستمدك ساعة ... أفلا تنولها بها تنويلا
فلعلها ولعلها ولعل أن ... تشفي من التوديع منك غليلا
أو ما علمت بأن خلفك أمة ... برداك تفقد سائسا وعقيلا .
هنا يقرر الشاعر باكثير بعد مناجاة المرثي السيد (أبن الحسين) بأن برحيل هذا السيد الزعيم تفقد الامة سائسها وعقيلها ، وانه بذهاب هذا الفاضل يتصدع ركن متين من أركان المجتمع ، كان ذلك في زمنٍ فيه كثير من العلماء والفضلاء والاجلاء كانوا هم أقمار الدجى ينيرون لقومهم دياجير الظلام ويرشدونهم سواء السبيل ، ولكن بموت العالم تموت أمة ولا يحيها الا وجود عالم مثله ، فما بالك بالعالم العامل المجد , هنا نسمع باكثير أيضاً يقرر حقيقة ثانية بقوله فيه :ـ
ويح الردى أودى بمثلك عالماً ... وبمثل رأيك في الخطوب دليلا
وبمثل حلمك في النوائب معقلا ... ولدى هواجس ذي الحياة مقيلا
الى قوله :ـ
فلتبكك العلياء إن مصابها ... بك كان يانجل الحسين جليلا
من ذا يسد فراغ ما غادرته ... من سؤدد لم يلف منك بديلا
من ذا ينير ظلام ليل الخطب إن ... أرخت دجاه على البلاد سدولا
من ذا يحل المعضلات إذا انثنى ... عن دركه نظر الفقيه كليلا .
واينما يممت نظرك في أبيات هذه المطولة فلن ترى الا محامدا سطرت ومكارما للفقيد ابرزت , يقل أن يجود الزمان بمثلها , وأن يحاكي سموها المتأخرين في زماننا هذا الا من رحم ربي , ومنها هذه الأبيات التي تنضح بالحب والصدق والوفاء يقول فيها :ـ
فجعت بعالمها البلاد وأغمدت ... كف المنية سيفها المسلول
رزئت بناصرها وذائد حوضها ... وبمن يسهل صعبها تسهيلا
بزعيم سادتها سري سراتها ... من آل طه فضلوا تفضيلا
شهد الأله بأنهم لم يبرحوا ... لعلى المفاخر عزة وحجولا
رحم الله الراثي والمرثي وغفر لهما وأسكنهما فسيح جناته , فقد تركا لنا ذكرهما وتراثهما مايشفي الغليل .
|
|
|
|
|