الموضوع: التوسل
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-10-2006, 11:35 AM   #14
حسن البار
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية حسن البار

افتراضي

اقتباس : المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اليمني
اخي حسن لوتحدد نقاط اعتراضك على الموضوع

لم اعترض على اي شي ايها الاخ الكريم وانما . وضعت بالمقابل كلام لابن تيمية وابن القيم في الموضوع والقارئ هو الذي سيحدد الطرح الصواب من خلافه . وللفائدة هذه ايضا بعض ادلة العلماء على جواز ومشروعية التوسل

صح صدور التوسل من النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الامة وخلفها ..

أما صدوره من النبى صلى الله عليه وسلم فقد صح في أحاديث كثيرة :

منها أنه صلى الله عليه وسلم كان من دعائه (( اللهم انى أسألك بحق السائلين عليك )) ، وهذا توسل لا شك فيه وصح في أحاديث كثيرة أنه كان يأمر أصحابه أن يدعوا به ،، منها ما رواه ابن ماجه بسند صحيح عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من خرج من بيته إلى الصلاة فقال اللهم انى أسألك بحق السائلين عليك وأسألك بحق ممشاى هذا اليك فانى لم أخرج أشرا ولا بطرا ولارياء ولا سمعة خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك فأسالك أن تعيذنى من النار وأن تغفرلى ذنوبى فانه لا يغفر الذنوب الا أنت أقبل الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك )) فانظر قوله بحق السائلين عليك فان فيه التوسل بكل عبد مؤمن.
ولم يزل السلف من التابعين ومن بعدهم يستعملون هذا الدعاء عند خروجهم إلى الصلاة ولم ينكر عليهم أحد في الدعاء به ومما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من التوسل أنه كان يقول في بعض أدعيته (( بحق نبيك والانبياء الذين من قبلى )) ، قال العلامة ابن حجر في الجوهر المنظم : رواه الطبرانى بسند جيد ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (( اغفر لامى فاطمة بنت أسد ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والانبياء الذين من قبلى )) وهذا اللفظ قطعة من حديث طويل رواه الطبرانى في الكبير والاوسط وابن حبان والحاكم وصححوه عن أنس بن مالك رضى الله عنه ..

ومن الاحاديث الصحيحة التى جاء التصريح فيها بالتوسل ، ماوراه الترمذى والنسائى والبيهقى والطبرانى باسناده صحيح عن عثمان بن حنيف وهو صحابى مشهور رضى الله عنه ، ان رجلا ضريرا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : ادع الله أن يعافينى ، فقال ان شئت دعوت وان شئت صبرت وهو خير . قال فادعه فامره أن يتوضأ فيحسن وضوء ويدعو بهذا الدعاء (( اللهم أنى أسالك وأتوجه اليك بنبيك محمد نبى الرحمة يا محمد انى أتوجه بك إلى ربى في حاجتى لتقضى اللهم شفعه في )) ، فعاد وقد أبصر .
وفى روايه قال ابن حنيف فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأن لم يكن به ضرقط.

ففى هذا الحديث التوسل والنداء أيضا وخرج هذا الحديث أيضا البخارى في تاريخه وابن ماجه والحاكم في المستدرك باسناد صحيح وذكره الجلال السيوطى في الجامع الكبير والصغير .
وليس لمنكر التوسل أن يقول ان هذا انما كان في حياة النبى صلى الله عليه وسلم لان قوله ذلك غير مقبول لان هذا الدعاء استعمله الصحابة رضى الله عنهم والتابعون أيضا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم لقضاء حوائجهم ، فقد روى الطبرانى والبيهقى أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضى الله عنه في زمن خلافته في حاجة فكان لا يلتفت اليه ولا ينظر اليه فيه حاجته فشكى ذلك لثعمان بن حنيف الراوى للحديث المذكور فقال له : ( ائت الميضاة فتوضا ثم ائت المسجد فصل ثم قل اللهم انى أسألك وأتوجه اليك بنينا محمد بنبينا محمد نبى الرحمة يا محمد انى أتوجه بكل إلى ربك لتقضى حاجتى وتذكر حاجتك ) ،،، فانطلق الرجل فصنع ذلك ثم أتى باب عثمان بن عفان رضى الله عنه فجاء البواب فأخذ بيده فأدخله على عثمان رضى الله عنه فأجلسه معه ، وقال له اذكر حاجتك فذكر حاجته فقضاها ثم قال له ما كان لك من حاجة فاذكرها ثم خرج من عنده فلقى ابن حنيف فقال له جزاك الله خيرا ما كان ينظر لحاجتى حتى كلمته لى فقال ابن حنيف والله ما كلمته ، ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه ضرير فشكى اليه ذهاب بصره إلى آخر الحديث المتقدم ، فهذا توسل ونداء بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ..

وروى البيهقى وابن ابى شيبة باسناد صحيح ان الناس أصابهم قحط في خلافة عمر رضى الله عنه فجاء بلال بن الحرث رضى الله عنه وكان من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى قبر النبى صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله (( استسق لامتك فانهم هلكوا )) ، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وأخبره انهم يسقون وليس الاستدلال بالرؤيا للنبى صلى الله عليه وسلم ، فان رؤياه وان كانت حقا لا تثبت بها الاحكام لا مكان اشتباه الكلام على الرائى لالشك في الرؤيا وانما الاستدلال بفعل الصحابى وهو بلال بن الحرث رضى الله عنه . فاتيانه لقبر النبى صلى الله عليه وسلم ونداؤه له وطلبه منه ان يستسقى لامته دليل على ان ذلك جائز وهو من باب التوسل والتشفع والاستغاثة به صلى الله عليه وسلم ،، وذلك من أعظم القربات ...
وقد توسل به صلى الله عليه وسلم أبوه آدم عليه السلام قبل وجود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حين اكل من الشجرة التى نهاه الله عنها وحديث توسل آدم عليه السلام بالنبى صلى الله عليه وسلم رواه البيهقى باسناد صحيح في كتابه المسمى دلائل النبوة الذى قال فيه الحافظ الذهبى : "عليك به فاته كله هدى ونور" ، فرواه عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب اسألك بحق محمدا لا ما غفرت لى )) فقال الله تعالى : (( يا آدم كيف عرفت محمدا ولم أخلقه )) ، قال يا رب انك لما خلقتنى رفعت رأسى فرأيت على قوائم العرش مكتوبا "لا اله الا الله محمد رسول الله" فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك الا أحب الخلق اليك ،، فقال الله تعالى : صدقت يا آدم انه لاحب الخلق إلى واذ سألتنى بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ماخلقتك .. رواه الحاكم وصححه والطبرانى وزاد فيه وهو آخر الانبياء من ذريتك .. .. ..

والى هذا التوسل أشار الامام مالك رضى الله عنه للخليفة المنصور وذلك انه لما حج المنصور وزار قبر النبى صلى الله عليه وسلم سأل الامام مالكا رضى الله عنه وهو بالمسجد النبوى فقال لمالك : يا أبا عبدالله أستقبل القبلة وأدعوأم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدعو ،، فقال له الامام مالك : ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله تعالى ، بل استقبل واستشفع به فيشفعه الله فيك ،، قال الله تعالى (( ولو أنهم اذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفرلهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما )) ذكره القاضى عياض في الشفاء وساقه باسناد صحيح وذكره الامام السبكى في شفاء السقام والسيد السمهودى في خلاصة الوفاء والعلامة القسطلانى في المواهب اللدنية والعلامة ابن حجر في الجوهر المنظم وذكره كثير من أرباب المناسك في آداب الزيارة ،، قال العلامة ابن حجر في الجوهر المنظم رواية ذلك عن مالك جاءت بالسند الصحيح الذى لا مطعن فيه وقال العلامة الزرقانى في شرح المواهب ورواها ابن فهد باسناد جيد ورواها القاضى عياض في الشفاء باسناد صحيح رجاله ثقات ليس في اسنادها وضاع ولا كذاب ، ومراده بذلك الرد على من لم يصدق رواية ذلك عن الامام مالك ونسب له كراهية استقبال القبر فنسبة الكراهة إلى الامام مالك مردودة ...

وقال بعض المفسرين في قوله تعالى " فتلقى آدم من ربه كلمات" ، ان من جملة تلك الكلمات توسل آدم بالنبى صلى الله عليه وسلم حين قال يا رب أسألك بحرمة محمد الا ما غفرت لى ..

واستسقى عمر بن الخطاب رضى الله عنه في زمن خلافته بالعباس بن عبدالمطلب رضى الله عنه عم النبى صلى الله عليه وسلم لما اشتد القحط عام الرمادة فسقوا وذلك مذكور في صحيح البخارى من رواية أنس بن مالك رضى الله عنه ،، وذلك من التوسل وفى المواهب اللدنية للعلامة القسطلانى ان عمر رضى الله عنه لما استسقى بالعباس رضى الله عنه قال : يا أيها الناس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد للوالد فاقتدوا به في عمه العباس واتخذوه وسيلة إلى الله تعالى ففيه التصريح بالتوسل وبهذا يبطل قول من منع التوسل مطلقا سواء كان التوسل بالاحياء أو بالاموات ..
وانما استسقى عمر رضى الله عنه بالعباس رضى الله عنه ولم يستسق بالنبى صلى الله عليه وسلم ليبين للناس جواز الاستسقاء بغير النبى صلى الله عليه وسلم وان ذلك لاحرج فيه ، وأما الاستسقاء بالنبى صلى الله عليه وسلم فكان معلوما عندهم فلربما أن بعض الناس يتوهم أنه لايجوز الاستسقاء بغير النبى صلى الله عليه وسلم فبين لهم عمر باستسقائه بالعباس الجواز ، ولو استسقى بالنبى صلى الله عليه وسلم لربما يفهم منه بعض الناس أنه لايجوز الاستسقاء بغيره صلى الله عليه وسلم . وليس لقائل أن يقول انما استسقى بالعباس لانه حى والنبى صلى الله عليه وسلم قد مات وأن الاستسقاء بغير الحى لا يجوز لانا نقول ان هذا الوهم باطل ومردود بادلة كثيرة ، منها توسل الصحابة رضى الله عنهم بالنبى صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كما تقدم في القصة التى رواها عثمان بن حنيف وكما في توسل آدم بالنبى صلى الله عليه وسلم قبل وجوده ..

فتلخص من هذا انه يصح التوسل به صلى الله عليه وسلم قبل وجوده وفي حياته وبعد وفاته ، وانه يصح أيضا التوسل بغيره من الاخيار كما فعله عمر حين استسقى بالعباس رضى الله عنهما وذلك من أنواع التوسل كما تقدم وانما خص عمر العباس رضى الله عنهما من بين سائر الصحابة رضى الله عنهم لاظهار شرف أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولبيان انه يجوز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل فان عليا رضى الله عنه كان موجودا وهو أفضل من العباس رضى الله عنه ..

والحاصل ان مذهب أهل السنة والجماعة صحة التوسل وجوازه بالنبى صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته وكذا بغيره من الانبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين وكذا بالاولياء والصالحين كما دلت عليه الاحاديث السابقة لانا معاشر أهل السنة لانعتقد تاثيرا ولاخلقا ولاايجاد اولا اعداما ولانفعا وضرا الا الله وحده لاشريك له ولانعتقد تاثيرا ولا نفعا ولا ضرا للنبى صلى الله عليه وسلم ولا لغيره من الاحياء والاموات ..

وأما الذين يفرقون بين الاحياء والاموات فانهم بذلك الفرق يتوهم منهم انهم يعتقدون التأثير للاحياء دون الاموات ،، ونحن نقول الله خالق كل شئ "والله خلقكم وما تعملون" ،، فهؤلاء المجوزون التوسل بالاحياء دون الاموات هم المعتقدون تاثير غير الله وهم الذين دخل الشرك في توحيدهم لكونهم اعتقدوا تاثير الاحياء دون الاموات فكيف يدعون انهم محافطون على التوحيد وينسبون غيرهم إلى الاشراك سبحانك هذا بهتان عظيم..

فالتوسل والتشفع والاستغاثة كلها بمعنى واحد وليس لها في قلوب المؤمنين معنى الا التبرك بذكر أحباء الله تعالى لما ثبت ان الله يرحم العباد بسببهم سواء كانوا أحياء أو أمواتا فالمؤثر والموجد حقيقة هو الله تعالى وذكر هؤلاء الاخيار سبب عادى في ذلك التأثير وذلك مثل الكسب العادى فانه لا تاثير له ، فان قال قائل ان شبهة هؤلاء المانعين للتوسل انهم رأوا بعض العامة ياتون بالفاظ توهم انهم يعتقدون التاثير لغير الله تعالى ويطلبون من الصالحين أحياء وأمواتا أشياء جرت العادة بانها لا تطلب الا من الله تعالى ، ويقولون للولى افعل لى كذا وكذا وانهم ربما يعتقدون الولاية في اشخاص لم يتصفوا بها بل اتصفوا بالتخليط وعدم الاستقامة وينسبون لهم كرامات وخوارق عادات وأحوالا ومقامات وليسوا باهل لها ، ولم يوجد فيهم شئ منها فاراد هؤلاء المانعون للتوسل أن يمنعوا العامة من تلك التوسعات دفعا للايهام وسدا للذريعة ، وان كانوا يعملون ان العامة لايعتقدون تاثيرا ولا نفعا ولاضر لغير الله تعالى ولا يقصدون بالتوسل الا التبرك ولو أسندوا للاولياء شيأ لا يعتقدون فيهم تأثيرا فنقول لهم اذا كان الامر كذلك وقصدتم سد الذريعة فما الحامل لكم على تكفير الامة عالمهم وجاهلهم خاصهم وعامهم وما الحامل لكم على منع التوسل مطلقا بل كان ينبغى لكم أن تمنعوا العامة من الالفاظ الموهمة لتاثير غير الله تعالى وتأمروهم بسلوك الادب في التوسل مع ان تلك الالفاظ الموهمة يمكن حملها على المجاز من غير احتياج إلى التكفير للمسلمين وذلك المجاز عقلى شائع معروف عند أهل العلم ومستعمل على ألسنة جميع المسلمين ، ووارد في الكتاب والسنة وعليه يحمل قول القائل: (( هذا الطعام أشبعنى ، وهذا الماء أروانى ، وهذا الدواء شفانى ، وهذا الطبيب نفعنى )) ،، فكل ذلك عند أهل السنة محمول على المجاز العقلى فان الطعام لا يشبع حقيقة والمشبع حقيقة هو الله تعالى والطعام سبب عادى فاسناد الشبع له مجاز عقلى والطعام سبب عادى لاتاثير له وهكذا بقية الامثلة ...

فالمسلم الموحد متى صدر منه اسناد لغير من هو له يجب حمله على المجاز العقلى والاسلام والتوحيد قرينة على ذلك المجاز كما نص على ذلك علماء المعانى في كتبهم وأجمعوا عليه ..

قال العلامة ابن حجر في الجوهر المنظم : "ولا فرق في التوسل بين أن يكون بلفظ التوسل أو التشفع أو الاستغاثة أو التوجه " ،، لان التوجه من الجاه وهو علو المنزلة وقد يتوسل بذى الجاه إلى من هو أعلى منه جاها ، والاستغاثة معناها طلب الغوث والمستغيث يطلب من المستغاث به ان يحصل له الغوث من غيره وان كان أعلى منه ، فالتوجه والاستغاثة به صلى الله عليه وسلم وبغيره ليس لهما معنى في قلوب المسلمين الاطلب الغوث حقيقة من الله تعالى ومجازا بالتسبب العادى من غيره ، ولا يقصد أحد من المسلمين غير ذلك المعنى .. فمن لم ينشرح لذلك صدره فليبك على نفسه نسال الله العافية ..

فالمستغاث به في الحقيقة هو الله تعالى ، وأما النبى صلى الله عليه وسلم فهو واسطة بينه وبين المستغيث فهو سبحانه وتعالى مستغاث به حقيقة ، والغوث منه بالخلق والايجاد ،، والنبى صلى الله عليه وسلم مستغاث به مجازا ، والغوث منه بالكسب ولتسبب العادى باعتبار توجهه وتشفعه عند الله لعلو منزلته وقدره فهو على حد قوله تعالى (( وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى )) ، أى وما رميت خلقا وايجاد اذ رميت تسببا وكسبا ولن الله رمى خلقا وايجادا ،، وكذا قوله تعالى (( فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم )) ، وقوله صلى الله عليه وسلم (( ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم )) ، وكثيرا ما تجئ السنة لبيان الحقيقة ، ويجئ القرآن الكريم باضافة الفعل لمكتسبه ، ويسند اليه مجازا كقوله تعالى (( ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون )) وقوله صلى الله عليه وسلم (( لن يدخل أحدكم الجنة بعمله )) فالآية بيان المسبب العادى ، والحديث لبيان سبب فعل الفاعل الحقيقى وهو فضل الله تعالى ..

ولوتتبعت كلام الائمة وسلف الامة وخلفها لوجدت شيئا كثيرا من ذلك ،، بل في الاحاديث الصحيحة كثير من ذلك ومنه ما في صحيح البخارى في مبحث الحشر ووقوف الناس للحساب يوم القيامة بينماهم كذلك استغاثوا بآدم ، ثم بموسى ، ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم فتامل تعبيره صلى الله عليه وسلم بقوله استغاثوا بآدم فان الاستغاثة به مجازية والمستغاث به حقيقة هو الله تعالى .

فهو صلى الله عليه وسلم له الجاه الوسيع والقدر المنيع عند سيده ومولاه المنعم عليه بما حباه وأولاه وأما تخيل المانعين المحرومين من بركاته ان منع التوسل والزيارة من المحافظة على التوحيد وان التوسل والزيارة مما يؤدى إلى الشرك ، فهو تخيل فاسد باطل فالتوسل والزيارة اذا فعل كل منهما مع المحافظة على آداب الشريعة الغراء لا يؤدى إلى محذور البتة والقائل يمنع ذلك سدا للذريعة متقول على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وكان هؤلاء المانعين للتوسل والزيارة يعتقدون أنه لايجوز تعظيم النبى صلى الله عليه وسلم فحيثما صدر من أحد تعظيم له صلى الله عليه وسلم حكموا على فاعله بالكفر والاشراك وليس الامر كما يقولون فان الله تعالى عظم النبى صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم باعلى أنواع التعظيم فيجب علينا ان نعظم من عظمه الله تعالى وأمر بتعظيمه نعم يجب علينا أن لا نصفه بشئ من صفات الربوبية ورحم الله الابوصيرى حيث قال
دع ما ادعته النصارى في نبيهم * واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم

واذا وجد في كلام المؤمنين اسناد شئ لغير الله تعالى يجب حمله على المجاز العقلى ولا سبيل إلى تكفير أحد من المؤمنين اذ المجاز العقلى مستعمل في الكتاب والسنة ، فمن ذلك قوله تعالى (( واذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا )) فاسناد الزيادة إلى الآيات مجاز عقلي ، وهي سبب عادى للزيادة والذى يزيد في الايمان حقيقة هو الله تعالى وحده لا شريك له ،، وقوله تعالى (( يوما يجعل الولدان شيبا )) فاسناد الجعل إلى اليوم مجاز عقلى لان اليوم محل لجعلهم شيبا فالجعل المذكور واقع في اليوم والجاعل حقيقة هو الله تعالى وحده .

واما كلام العرب ففيه من المجاز العقلى مالا يحصى كقولهم (( نبت الربيع البقل )) ، فجعلوا الربيع وهو المطر منبتا والمنبت حقيقة هو الله تعالى ، فاسناد الانبات إلى الربيع مجاز عقلى ، فاذا قال العامى من المسلمين نفعنى النبى صلى الله عليه وسلم أو أغاثنى أو نحو ذلك فانما يريد الاسناد المجازى والقرينة على ذلك أنه مسلم موحد لا يعتقد التاثير إلا لله ، فجعلهم ذلك وامثاله من الشرك جهل محض وتلبيس على عوام الموحدين وقد اتفق العلماء على انه اذا صدر مثل هذا الاسناد من موحد فانه يحمل على المجاز والتوحيد يكفى قرينة لذلك لان الاعتقاد الصحيح هو اعتقاد أهل السنة والجماعة واعتقادهم ان الخالق للعباد وأفعالهم هو الله تعالى لاتاثير لاحد سواه لا لحى ولا لميت فهذا الاعتقاد هو التوحيد المحض بخلاف من اعتقد غير هذا فانه يقع في الاشراك ..

قال العلامة المراغى وفتح الكوة عند الجدب سنة أهل المدينة يفتحون كوة في أسفل قبة الحجرة المطهرة وان كان السقف حائلا بين القبر الشريف والسماء ،، قال السيد السمهودى بعد كلام المراغى وسنتهم اليوم فتح الباب المواجه للواجه الشريف ويجتمعون هناك ، وليس القصد إلا التوسل بالنبى صلى الله عليه وسلم والاستشفاع به إلى ربه لرفعة قدره عند الله وقال أيضا في خلاصة الوفاء ان التوسل والتشفع به صلى الله عليه وسلم وبجاهه وبركته من سنن المرسلين وسيرة السلف الصالحين اه ... وذكر كثير من علماء المذاهب الاربعة في كتب المناسك عند ذكرهم زيارة النبى صلى الله عليه وسلم انه يسن للزئر ان يستقبل القبر الشريف ويتوسل به إلى الله تعالى في غفران ذنوبه وقضاء حاجاته ويستشفع به صلى الله عليه وسلم .. قالوا من أحسن ما يقول ما جاء عن العتبى وهو مروي أيضا عن سفيان بن عيينة وكل منهما من مشايخ الامام الشافعى ، قال العتبى كنت جالسا عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابى فقال : السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول وفى رواية يا خير الرسل ان الله أنزل عليك كتابا صادقا قال فيه (( ولو أنهم اذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما )) وقد جئتك مستغفرا من ذنبى مستشفعا بك إلى ربى وفي رواية وانى جئتك مستغفرا ربك عزوجل من ذنوبى ثم بكى وأنشأ يقول
يا خير من دفنت بالقاع اعظمه * فطاب من طيبهن القاع والاكم
نفسى الفداء لقبر أنت ساكنه * فيه العفاف وفيه الجود والكرم
قال العتبى : ثم استغفر الاعرابى وانصرف ، فغلبتنى عيناى فرأيت النبى صلى الله عليه وسلم في النوم فقال يا عتبى الحق الاعرابى فبشره ان الله غفر له . فخرجت خلفه فلم أجده وليس محل الاستدلال الرؤيا فانها لا تثبت بها الاحكام لاحتمال حصول الاشتباه على الرائى كما تقدم ذلك ، وانما محل الاستدلال كون العلماء استحسنوا الاتيان بما تقدم ذكره . وذكروا في مناسكهم استحباب الاتيان به للزائر وقال العلامة ابن حجر في الجوهر المنظم وروى بعض الحفاظ عن أبى سعيد السمعانى أنه روى عن على بن أبى طالب رضي الله عنه وكرم وجهه : انهم بعد دفنه صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام جاءهم اعرابى فرمى بنفسه على القبر الشريف على صاحبه أفضل الصلاة والسلام وحتى ترابه على رأسه ، وقال يا رسول الله : قلت فسمعنا قولك ووعيت عن الله ما وعينا عنك ، وكان فيما أنزل الله عليك قوله تعالى (( ولو أنهم اذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما )) ، وقد ظلمت نفسى وجئتك مستغفرا إلى ربى فنودى من القبر الشريف : انه قد غفر لك ..

وجاء مثل ذلك عن علي رضي الله عنه من طريق أخرى وفى الجوهر المنظم أيضا ان اعرابيا وقف على القبر الشريف وقال : ( اللهم ان هذا حبيبك وأنا عبدك ، والشيطان عدوك ، فان غفرت لى سر حبيبك وفاز عبدك ، وغضب عدوك ، وان لم تغفرلى غضب حبيبك ، ورضى عدوك ، وهلك عبدك ، وأنت يا رب أكرم من ان تغضب حبيبك ، وترضى عدوك ، وتهلك عبدك ، اللهم ان العرب اذا مات فيهم سيد أعتقوا على قبره وان هذا سيد العالمين فاعتقنى على قبره يا أرحم الراحمين ) .. فقال له بعض الحاضرين يا أخا العرب ان الله قد غفر لك بحسن هذا السؤال ...

اننا نعتقد اعتقادا جازما ان الاستعانة والاستغاثة والطلب والنداء لله سبحانه وتعالى ، فمن استعان بمخلوق او استغاث به او سأله سواء أكان حيا او ميتا معتقدا انه ينفع او يضر بنفسه دون الله فقد أشرك ..
لكن الله أجاز للخلق ان يستعين بعضهم ببعض وان يستغيث ببعضهم ببعض ، والاحاديث على هذا كثيرة جدا كلها تدل على اغاثة الملهوف واعانة المحتاج وتفريج الكربات . والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم من يستغاث به الى الله سبحانه وتعالى في كشف الكربات وقضاء الحاجات . فأي شدة اكبر من شدة يوم القيامة فان الناس يستغيثون الى الله بخيرة خلقه .
فان قائل قائل : ان الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم انما تصح في حياته ، اما بعد موته فهو كفر وربما تسامح فقال ( غير مشروع ) أو ( لا يجوز ) .
فنقول : ان الاستغاثة والتوسل ان كان المصحح لطلبها هو الحياة فالانبياء أحياء في قبورهم وغيرهم من عباد الله المرضيين . ولو لم يكن من دليل على صحة التوسل به بعد وفاته الا قياسه على التوسل به في حياته لكفى فانه حي في الدارين دائم العناية بامته ، متصرف باذن الله في شؤونها خبير باحوالها تعرض عليه صلوات المصليين عليه من أمته ويبلغه سلامهم على كثرتهم ..
أما دعوى أن الميت لا يقدر على شئ فهي باطلة لثبوت حياة الارواح وبقائها بعد مفارقة الاجسام وقد نادى النبي صلى الله عليه وسلم قتلى المشركين يوم بدر :
(( يا عمرو بن هشام وياعتبة بن ربيعه الى آخر كلامه عليه الصلات والسلام )) فقيل له : ( ما ذلك ) فقال : (( ما أنتم باسمع لما اقول منهم )) .ومن ذلك تسليمه على القبور بقوله (( السلام عليكم يا اهل الديار )) وعذاب القبر ونعيمه ، واثبات المجئ والذهاب للارواح ..
ولنقتصر هنا على هذا السؤال :
أيعتقدون ان الشهداء أحياء عند ربهم كما نطق بذلك القرآن أم ؟؟ فأن لم يعتقدوا فلا كلام لنا معهم لانهم كذبوا القرآن حيث يقول ( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله اموات بل احياء ولكن لا تشعرون ) , ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون ) .
وان اعتقدوا ذلك فنقول لهم : ان الانبياء وكثيرا من صالحي المسلمين الذين ليسوا بشهداء كأكابر الصحابة أفضل من الشهداء بلا شك ولا مرية فاذا ثبتت الحياة للشهداء فثبوتها لمن هو أفضل منهم أولى ، لى ان حياة الانبياء مصرح بها في الاحاديث الصحيحة .
فاذن نقول حيث ثبتت حياة الارواح بالادلة القطعية فلا يسعنا الا اثبات خصائصها فان ثبوت الملزوم يوجب ثبوت اللازم كما ان نفي اللازم يوجب نفي الملزوم كما هو معروف .
واي مانع عقلا من الاستعانة الى الله بها والاستمداد منها كما يستعين الرجل بالملائكة في قضاء حوائجه او كما يستعين الرجل بالرجل ( وانت بالروح لا بالجسم انسان ) .
واما دعوى : ( ان الناس يطلبون من الانبياء والصالحين الميتين ما لا يقدر عليه الا الله وذلك الطلب شرك ) .
والجواب : ان هذا سوء فهم لما عليه المسلمون فان الناس انما يطلبون منهم ان يتسببوا عند ربهم في قضاء ما طلبوه من الله عز وجل بان يخلقه سبحانه بسبب تشفعهم ودعائهم وتوجههم كما صح ذلك في الضرير وغيره ممن جاء طالبا مستغيثا متوسلا به الى الله وقد أجابهم الى طلبهم وحقق مرادهم باذن الله ولم يقل عليه الصلاة والسلام لواحد منهم : اشركت ، وهكذا كلما طلب منه أحد من خوارق العادات كشفاء الداء العضال بلا دواء وانزال المطر من السماء حين الحاجة اليه ولا سحاب ، ونبع الماء من الاصابع ، وتكثير الطعام وغير ذلك مما لا يدخل تحت قدرة البشر عادة وكان يجيب اليه ولا يقول عليه الصلاة والسلام لهم : انكم اشركتم فجددوا اسلامكم فانكم طلبتم مني ما لا يقدر عليه الا الله .
أفيكون هؤلاء أعلم بالتوحيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه ، هذا ما لايتصوره جاهل فضلا عن عالم .
وحكى القرآن الكريم قول نبي الله سليمان ( ياأيها الملأ ايكم يأتيني بعرشها قبل ان ياتوني مسلمين ) فهو يطلب منهم الاتيان بالعرش العظيم من اليمن الى الشام ، وهذا مما لا يقدر عليه الا الله وليس داخلا تحت مقدور الانس ولا الجن عادة ، وقد طلبه سليمان من اهل مجلسه وقال ذلك الصديق له : أنا افعل ذلك ، أفكفر نبي الله سليمان بذلك الطلب وأشرك ولي الله بهذا الجواب حاشاهما من ذلك .. وانما اسناد الفعل في الكلامين على طريقة المجاز العقلي وهو سائغ بل شائع ..
فالقائل يا نبي الله اشفني أو اقض ديني فانما يريد اشفع لي في الشفاء وادع لي بقضاء ديني وتوجه الى الله في شأني .
وهذا هو الذي نعتقده فيمن قال ذلك وندين الله على هذا فالاسناد في كلام الناس من المجاز العقلي الذي لا خطر فيه على من نطق به ، كقوله سبحانه وتعالى (( سبحان الذي خلق الازواج كلها مما تنبت الارض )) وقوله عليه الصلاة والسلام ( ان مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم ) .
موقف محمد بن عبدالوهاب من الالفاظ التي زعم بها البعض انها شرك وضلال ...
استمع الى قوله ضمن رسالته الى عبدالله بن سحيم :
اذا تبين هذا فالمسائل التي شنع بها منها : ما هو من البهتان الظاهر وهي قوله :
اني مبطل كتب المذاهب ، وقوله : اني اقول : ان الناس من ستمائة سنه ليسو على شئ وقوله : اني ادعي الاجتهاد وقوله : اني اقول : ان اختلاف العلماء نقمة ، وقوله : اني اكفر من توسل بالصالحين ، وقوله : اني اكفر البوصيري لقوله : يا أكرم الخلق ، وقوله : اني اقول لو اقدر على هدم حجرة الرسول لهدمتها ، ولو اقدر على الكعبة لاخذت ميزابها وجعلت لها ميزابا من خشب ، قوله : اني انكر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله اني انكر زيارة قبر الوالدين وغيرهم ، وقوله اني اكفر من يحلف بغير الله ،، فجوابي فيها ان اقول ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) ، ولكن قبله من بهت محمدا صلى الله عليه وسلم انه يسب عيسى بن مريم ويسب الصالحين ، ( تشابهت قلوبهم ) .
كذا في الرسالة الحادية عشرة من رسائل الشيخ ضمن مجموعة مؤلفاته القسم الخامس ص 61 .. وقد نشرتها جامعة محمد بن سعود الاسلامية ..
الخلاصة :
أنه لا يكفر المستغيث الا اذا اعتقد الخلق والايجاد لغير الله تعالى ، والتفرقة بين الاحياء والاموات لا معنى لها ، فانه ان اعتقد الايجاد لغير الله كفر ، وان اعتقد التسبب والاكتساب لم يكفر .
وانت تعلم ان غاية ما يعتقده الناس في الاموات هو انهم متسببون ومكتسبون كالأحياء لا انهم خالقون موجدون كالإله اذ لا يعقل ان يعتقد فيهم الناس أكثر من الاحياء وهم لا يعتقدون في الاحياء الا الكسب والتسبب / ويثبتها للميت على سبيل التأثير الذاتي والايجاد الحقيقي فانه لا شك ان هذا مما لا يعقل .
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : (( ان اعمالكم تعرض علي اقاربكم من الاموات فان كان خيرا استبشروا به وان كان غير ذلك قالوا : اللهم لا تمتهم حتى تهديهم الى ما هديتنا )) اخرجه أحمد وله طرق يشد بعضها بعضا ، انظر الفتح الرباني ج7 ص89 وشرح الصدور للسيوطي .
وجاء عن ابن المبارك بسنده الى ابي ايوب قال : تعرض اعمال الاحياء على الموتى ، فاذا رأوا حسنا فرحوا واستبشروا ، وان رأوا سوءا قالو : اللهم راجع بهم ( انظر كتاب الروح لابن القيم ) ..
التوقيع :
الناس في الدنيا معادن
  رد مع اقتباس