عرض مشاركة واحدة
قديم 04-20-2012, 10:59 AM   #17
أبو صلاح
مشرف قسم تاريخ وتراث
 
الصورة الرمزية أبو صلاح

افتراضي

الوقفة الثامنة
في دوعن مع الحاكم باصرة ،والنساء يردن رؤية النصارى

النظر من أعلى العقبة (عقبة الجبل ) أعلى دوعن ومنها مباشرة إلى الوادي ،عملية صعبة ترافقها عدداً من المخاطر وتجعل من الإنسان أن يقول من المستحيل على الحيوانات بأقدامها التي تناسب السير في السهول, أن تهبط الهضبة, خصوصا إذا كانت محملة.
لكن بدو سيبان القائمين عليها يعرفون مساطب الأرض المرتفعة والعقبة وطاقة جمالهم. ويبدو أن الجمال كانت تدرك ما ينتظرها, من تعب ومشقة وهذا مايمكن رؤيته وسماعه من أصواتها الحزينة عند النزول وهي محملة 0
وبعد أن هبطت القافلة بكامل طاقمها المكونة من الجمال والسيارة الصغيرة التي كانت تحمل الكولنيل الهولندي "دانيال وصديقة الرحالة الألماني ". وقف جمهرة من الصبية ينتظرون رؤية القادمين ووقفن مجموعة من النساء في الخلف في ظل أشجار النخيل مخفيات ويدفعهن الفضول الذي عرفن به في حضرموت, لا يردن أن تفوتهن فرصة رؤية النصارى.
وفي هذه الأثناء قدمت ثلة من جنود السلطنة القعيطية ؛ أرسلهم الحاكم "عمر باصرة" ليقود الضيوف إلى قلعته.
وعندما نظر الزائر إلى طلائع المستقبلين من أهل دوعن قال : (000 كانوا يبدون كأهل اليمن الشمالي) فأوجه الشبه في السكن واضحة فقال : ( 000 وبالفعل جاء بعضهم من المرتفعات الغربية، تقع القرى والمدن قريبا من سفح الجبال بالقرب من المزارع ،والمنازل عالية جيدة البناء, تقوم في الغالب على منحدر حاد.)كانت أولى محطات توقف الوفد الزائر هي المصنعة", وهي حصن الدولة القعيطية والمقر الرسمي للوالي أو الحاكم لدوعن في ذلك الزمان المقدم عمر باصرة، رجل مسن ضرير في كامل هيبته، وكان قد تلقى تعلميه الديني في الأزهر بمصر ، بمساعدة التاجر الحضرمي محمد سعيد العمودي المقيم في مصر في تلك الأيام .
ومما تجدر الإشارة أليه تكرار أسماء القرى في حضرموت فــ "المصنعة " مثلاً ستجد أن هذا الأسم موجود في مناطق أخرى من وديان حضرموت0
المنظر جميل ويلفت النظر ، فأشجار النخيل وهي محملة بالتمر في عناقيده من أنواع مختلفة وهي : (00 قوية ورائعة تتدلى منها عناقيد ثمارها الصفراء والحمراء ويحيط بكل شجرة حائط من الطين, حتى إذا جاء السيل لا يجرف جذورها ويبقى جزء كبير من الماء داخل تلك الحواجز.) ثم يمضي بهم الطريق صعودا عبر قرية المصنعة إلى الحصن, الذي يقف فوق صخرة عالية تعلو كل المنازل الأخرى قال الزائر في وصفه له : (000 يبدو الحصن مثل قلاع العصور الوسطى العاتية عليه أبراج في أركانه, وبوابات ضخمة, واسطبلات, ومساكن للجنود, وقاعات وغرف, والبوابات المتينة منحوتة نحتا رائعا ومزينة بلوحات معدنية ورؤوس مسامير.) فتح لهم جنود الحراسة البوابة الأولى حتى دخلوا ا منها إلى بوابات أخرى قادتهم إلى حجرة يجلس بها الحاكم باصرة وعلى مشارفها يقع اسطبلا للعجول : هنا يجلس باصرة محاطا بمستشاريه والجنود وبزعماء قبائل البدو الحليفة قال : (000 نهض باصرة بمشقة متلمسا طريقه ليحيينا. قامته فارهة ولحيته طويلة بيضاء, وما زال ذهنه يقظا وصوته واضحا.) قد شربوا مزيدا ً من القهوة وأقداح الشاي الساخن المتلاحقة التي تبعت القهوة.) قال : (000 وسألنا العبد الذي يعد الشاي في الساموار إذا كنا نريد شاي سيلان أو جاوا. ) ووما تجدر الإشارة اليه أن الشاي قد حل محل القهوة في مجالس أهل حضرموت وخاصة مدن وقرى الوادي ،ولعلهم قد تميزو عن غيرهم من مناطق اليمن والجزيرة العربية بل وربما مناطق العالم الأخرى خاصة في الطريقة والكيفية التي يتم بها اعداد الشاي ومن ثم شربه 0
فالبخاري او السماور عرفها الحضارم في الداخل والخارج ،وان كانت الريادة الاولى لمدن سيئون وتريم وقد قيل أن الشاهي أول ما استخدم كمشروب في حضرموت كمنافساً للقهوة في أوائل القرن الرابع عشر الهجري عندما قام بجلبه من بلادالحجاز السيد حامد بن عبد الله الجنيد 0
ويزرع ألشاهي في شرق آسيا والهند وشرق أفريقيا وبعض الدول الأسيوية والأفريقية ذات المناخ الموسمي ،وتنسب أسماءه الشهيرة عادة إلى التاجر الذي يستورده فمنه باسلامه وشاهي مشعبي وغيره قال : (000ثم قدم لنا بعد ذلك التمر والأناناس المعلب )وأما المسكن الذي سيضعون متاعهم ويستريحون فيه قال : ( فقد خيرنا باصرة بين السكن في القلعة أو في منزل في المدينة, فاخترنا منزل المدينة, وذهبنا إلى هناك مصحوبين بموكب من الجنود وحفيد الحاكم ولفيف من ذريته.)
يتكون المنزل من خمسة طوابق وبقربه أشجار النخيل المحملة بالتمر وكان المنزل يتكون من عدد من الغرف قال : ( 000أما الأجنحة التي سكنا فيها فكانت غير مأهولة ونظيفة, أمر باصرة بفرش سجاد في الغرفة التي شاركنا فيها السيد علوي. وصحبنا موكب التابعين إلى أعلى وظلوا يراقبون وينظرون إلى الأشياء المدهشة التي كانت تخرج من حقائبنا.)
وكعادة أهل الأرياف فالغالب أنهم لايبارحون المكان ولا يعتبرون جلوسهم فوق الضيوف ثقيلاً عليهم ،فهم يتصرفون مع الغريب وكأنهم يعرفونه من زمان قديم قال :(طرح علينا أحفاد الحاكم بهندامهم الحسن العديد من الأسئلة وحكوا لنا الكثير, ويبدو عليهم الرضا وهم يتكدسون في الغرفة المكتظة الساخنة. تخلصنا من ذلك الجمع بعد مشقة. وساعدنا الأولاد في ذلك, لكن بعد ذلك لم تبد لديهم الرغبة في مبارحتنا. 000.)وبمشقة خرجوا وتنفس الضيوف الصعداء ،لكن لم يدم هذا طويلاً قال : ( بعد مضي ساعة عاد ثلاثة من الصبية وسمحنا لهم بالدخول. قالوا بلهفة إن لديهم رسالة عاجلة لنا حسب قولهم. فقالوا إن والدهم يمتلك أجمل منزل في كل وادي دوعن, ولا بد أن نراه دون تأخير. وذكروا أنهم ولدوا في أديس أبابا من أم إثيوبية. حيث كان يعمل والدهم هناك في تجارة الجلود التي جمع منها ثروة بنى بها هذا المنزل. لم يرحنا الصبية ألا بعد أن وعدناهم بالحضور في الغد.) هذه هي عادة أهل الأرياف، الفراغ الكبير الذي يعيشونه ،ودافع حب الاستطلاع والظهور، أو قل الفضول من عادات القرى المتأصلة في كل مكان من الريف الحضرمي تقريباً لكنها اليوم على الأقل قلت كثيراً باتوا ليلتهم في مدافعة البعوض متحصنين النامسويات التي يحملونها معهم قال : (000 فالمراحيض والحمامات في المنزل مكان مناسب لتوالد الحشرات. يتواجد الذباب أثناء النهار أكثر مما نحتمل.)
وفي صباح اليوم التالي, السادس عشر من مايو, أرسل لهم الحاكم باصرة إفطارا عربيا أصيلاً كما وصفوه قال :( كمية وافرة من التمر في سلة, علبة مليئة بالعسل بقرصها وهو العسل الشهير في هذه البلاد وأحد بضائعها التي تصدر, معه أنناس من إنتاج مصنع صيني لحفظ الفاكهة في سنغافورة, وكمية من الخبز الحضرمي في سلة, عبارة عن فطائر من الدقيق خبز لتوها وما زالت ساخنة. هذا الخبز بلا ملح وثقيل نوعا ما ولكن مذاقه طيب, أما عندما يبرد يصبح قويا مثل الجلد. وطعمه أفضل وهضمه أيسر من الخبز الذي يصنعه البدو ويخبزنه في الرماد. هذا الأخير في حجم راحة يد الرجل (أي سمكه حوالي بوصة) وهو غالبا محروق من الخارج وغير ناضج من الداخل) وصف كامل لم يفته شيئاً ،فالزائر دقيق في وصفه حتى قال (000 ولونه إما أصفر أو أحمر حسب نوع الذرة أو الدخن الذي صنع منه.)وبعد أن تناولوا الفطور ذهبوا سوياً إلى القلعة في المصنعة لمناقشة الترتيبات للرحلة القادمة : ( أما رفاقنا السيبانيون فسوف يبقون هنا مع جمالهم وحميرهم, لأننا نحتاج الآن إلى جمال معتادة على السفر عبر الوادي العريض المسطح.)
وفي القلعة كان اللقاء بالمقدم باصرة ومجموعة أخرى من الرجال حيث طرحت عليه عددا من الأسئلة وأخذت له صورا تذكارية مع مجموعة كبيرة من عائلته في الشرفة القريبة من المجلس. ثم بدأ حوار طويل,( كانت أسئلتنا التي لا تنتهي تقابل بإجابات صبورة. أخبرنا باصرة أن وادي دعون وفرعه وادي ليسر تحت سلطته. ويبلغ سكان القرى الخمسين 20 ألف نسمة.
توجد فقط مدرستان, أسس كليهما أبوبكر بن شيخ الكاف ويصرف عليهما ايضا 0
ومن الجدير ذكره أن السيد الثري ابو بكر بن شيخ الكاف من مواطني السلطنة الكثيرية حيث يخضع جزء من تريم للقعيطي (دمون وقسم ) وجزء آخر للكثيري وهو يدعم معظم المدارس وقام بصك عملة "تسمى عملة الكاف " وساعد على شق طريق بين الشحر وتريم ،ويقوم بصرف مرتبات موظفي السلطنة الكثيرية ويعود الفضل الكثير له ولبعض من المحسنين في المهجر في بناء مدارس في المكلا والشحر قال : (000 يوجد في خريبة, [ الخريبة ] وهي العاصمة القديمة لوادي دوعن, مدرسة بها بين 70 إلى 80 تلميذا, ومدرسة أخرى في قيدون بها بين عشرين إلى خمسين تلميذا،يوجد في محافظة باصرة [ يقصد الولاية التي تخضع لحكمه في اطار السلطنة القعيطية ] حوالي 200 مسجدا, بينها مساجد رائعة, أقامها في الغالب السادة الأثرياء, ومتصلة بمنازلهم. جمع أولئك الأثرياء أموالهم دائما من المهجر. كل مقاطعة في حضرموت لها بلدان معينة يهاجر إليها سكانها في مجموعات ويكونون ثرواتهم فيها. فيذهب أهل دعون إلى الحبشة ومدن ساحل البحر الأحمر وساحل أفريقيا الشرقي. ولم يذهب منهم إلى جاوا سوى مائة, بينما ذهب إليها من وادي ليسر حوالي 500 رجلا.)
وفي كل الأحوال فالمقدم "عمر باصرة " يقع تحت سلطته قرى ومناطق قبلية كقبيلة سيبان الكبيرة العدد في هذه المنطقة وقرى ووديان مختلفة من دوعن ويعاونه في إدارة حكمها بعض الشخصيات القبلية من بينهم عثمان بن محمد العمودي حاكم "ريدة الدين" (Deyyin) وزعيم قبيلتها, متحالف مع باصرة قال : ( 000 ويقال إن قبيلة العمودي هذه متوحشة وبدائية, لكن يعطى زعيمهم انطباعا متجانسا. ما كنا ندري وقتها أننا سوف نعبر منطقته في رحلة عودتنا, وإلا كنا اغتنمنا الفرصة ومنا ببعض الإجراءات مقدما. يدعى العمودي أنه يحكم 2500 بدوياً, كما أكد أن الذين يخضعون له لن ينالهم أذى من أي إنسان إلا ما يأتي من الله.)
مازلت في دوعن ولي وقفات أخرى من خلال ماكتبه المؤلف الهولندي الكولونيل" دانيال فان در ميولين والرحالة الجغرافي"لدكتور. هـ . فون فيسمان"

التعديل الأخير تم بواسطة أبو صلاح ; 04-21-2012 الساعة 11:29 AM
  رد مع اقتباس