عرض مشاركة واحدة
قديم 05-29-2012, 01:50 AM   #72
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي



هيكل كان يرى الهدف من إغلاق خليج العقبة غائماً وأن القرار لم يُتخذ بطرق قانونية
القيادة المصرية صعّدت وهي لا تملك من وسائل النصر إلا التهويش والمناورة
عبدالناصر فتح على نفسه جبهتين في وقت واحد..الأولى في اليمن والثانية في سيناء
الجيش المصري كان يعاني إرهاقاً ونقصاً في الأسلحة والعتاد والجنود


وما إن دخل شهر مايو 1967 حتى استجدّت أمور لم تكن في الحسبان، إذ إن المخابرات السوفيتية قد نقلت للمصريين أن هناك حشودا إسرائيلية على الحدود السورية، ولا أريد أن أطيل لأن الأمور بعد ذلك كانت كلها معروفة، إذ أرسلت القيادة المصرية الفريق محمد فوزي إلى سوريا للاستطلاع وكان جوابه أنه لم يشاهد حشوداً هناك، ومن المفروض أن ينتهي عند هذا الحد (ويا دار ما دخلك شر)، غير أن الأمور (بفعل فاعل) تطورت وتفاعلت بشكل خطير وغير منطقي، وأصبحت (ككرة الثلج) تتدحرج وتتعقد وتكبر كل يوم.

إذ إن القيادة المصرية بطريقة غريبة وغير منطقية أغمضت عينيها، ووضعت في أذنها اليمنى عجيناً وفي اليسرى طيناً، وركبت رأسها وصعّدت الأمور، وهي لا تملك من وسائل النصر شيئاً، اللهم إلّا التهويش والمناورة، بدليل أن هيكل نفسه قال: إن كثيرا جداً من اللي شفتهم ومشاركين في الحرب كان لديهم قناعات أنه ما فيش حرب وأنها حتتحل بشكل ما سياسي، بما فيهم رأس السلطة».

وإليكم الوضع (المأساوي) الذي كانت عليه مصر قبل أن تتورط بالحرب، فهي كانت مديونة بما لا يقل عن (اثنين مليار دولار) ـ حينما كان المليار في ذلك الوقت يعني الشيء الكثير، ولم تسمع به الكثير من شعوب الأرض ـ، كما أن القوات المسلحة في ذلك الوقت كانت كما وصفها الفريق (صادق محمد صادق):

كان عندنا إهمال، وعدّ الأسباب أنه في شلل في الجيش، آه كان في شلل، وكان في شلّة شمس بدران وكان في شلّة مش عارف علي شفيق وكان شلّة صدقي محمود وإسماعيل لبيب، وكان في أسباب على مستوى القيادة أنه عدم بناء الرئاسات، عدم التنظيم، عدم الاهتمام بالواجبات، مواجهة أي محاولة إصلاح بالتجاهل التام، مش عارف، القيادة العامة السابقة كان ضعف أجهزتها بعدت عن التشكيلات العسكرية ما كانش في مناورات بالقدر الكافي، تضخم حجم القوات دون التناسب مع المهام المختلفة، سوء اختيار القادة، ضعف الضبط والربط.

كما أن هيكل نفسه لم يكن مقتنعاً بما يجري، لا من حيث التعبئة ولا إغلاق خليج العقبة ولا حكاية الحشود على سوريا، وهو يرى أن الهدف كان (غائماً) ـ على حد تعبيره، وهو يرى أن قراراً مصيرياً كهذا لابد وأن يتم بطرق دستورية وقانونية وهذا لم يكن موجوداً في الدولة المصرية، وليس قراراً يصدر فقط عن عبد الناصر أو عبد الحكيم.

وهو يشكك بمعلومة السوفيت عن الحشود ويتصور أنها (مؤامرة)، فمصر فور أن تعلم بذلك سوف تسارع باتخاذ إجراءات تبدو استفزازية لإسرائيل، ويقول بالحرف الواحد:
الاتحاد السوفياتي قدّر أن نتيجتها هي إسرائيل سوف تفوز والعرب سوف يخسرون وأنه خسارتهم سيكون أمامهم أحد خيارين، إما أن يلجأوا أي يقبلوا شروط إسرائيل وهذا تصوروه صعباً وإما أن يرتموا في أحضان السوفيات.


ويمضي هيكل متسائلاً: هل عبد الناصر متنبهاً للفخ أم أنه انزلق ووقع فيه؟!، غير أنه حتى لو انزلق إليه فهذا لا يعفيه من المسؤولية، وكان لابد لعبد الناصر أن يبقى سنة 67 في (الصبر التاريخي)، فأوضاع القوات المصرية لم تكن مهيأة.

وفي كل علوم الحرب وحتى في علوم السياسة، أنه لا ينبغي لأحد أن يفتح في وقت واحد جبهتين، فهناك جبهة مفتوحة في اليمن، فكيف نفتح جبهة ثانية في سيناء.

لقد نزلت على الجيش المصري مسؤولية اليمن، ووجد الجيش المصري نفسه طرفاً في معركة لم يتهيأ لها، ولم يتمكن من تطوير الأساليب الملائمة لخوض عملياتها. وربما كان ذلك صعباً عليه، فتلك مهمة أثبتت التجارب أنها صعبة على أكبر الجيوش وأقواها.

وكانت تجربة قاسية. ولم تقتصر قسوتها على مجرد توزيع قوته على مسرحين للعمليات تفصل ما بين أحدهما والآخر مسافة تزيد على ألفي كيلومتر، وإنما الأقسى من توزيع القوات على مسرحين أن المسرح الساخن في البداية، وهو اليمن، قد أعطى للقوات المسلحة دروساً خاطئة تضرها أكثر مما تفيدها في العمل على المسرح الآخر الذي كان ساكناً ثم اشتعل بالنار فجأة.

إن الجيش المصري كان يعاني إرهاقاً ونقصاً في الأسلحة والعتاد بل ونقصاً في الجنود أيضاً، إذ كانت ثلاث فرق كاملة من أحسن فرق الجيش المصري تقاتل في اليمن ـ وهي كما قيل تمثل خمسين في المائة من الجيش ـ فإذا أضفنا إلى ذلك تخفيض ميزانية الدفاع عام (66ـ1967) لأدركنا حالة الجيش السيئة.

ويؤكد هيكل أن الجيش المصري في اليمن لم يكن مهيئاً لهذا النوع من الحرب ولا قياداته كذلك مهيأة، إنه نوع غريب من الحروب، في بيئة مختلفة ليست صحراوية بل جبلية قاسية.
ويمضي قائلاً عندما سأله عبد الناصر عن أحوال القوات في اليمن بعد أن عاد من هناك وقال:


إن القتال أثّر كثير قوي على القوات حرام القوات بهذا الشكل لأن المسائل كبرت في اليمن أكثر مما كان متوقعاً وسياسة شرق السويس الحاكم العام في عدن موضوع دخلنا في موضع كبير قوي لكن هذا نوع من الحرب لا القوات مستعدة له ولا القيادة العامة في ذلك الوقت وفيها عبد الحكيم عامر مستعد له، وأنا بأعتقد أن هذه الحرب أثّرت بشكل أو آخر على منطق مدرسة الحرب حتى اللي موجودة في.. لكن في هذه بأتكلم مع جمال عبد الناصر وفي موضوع عبد الحكيم عامر فبيقول لي أسبابه عنده أسباب حقيقية يعني أيضاً جنب الأسباب العاطفية، بيقول لي أولاً الظروف ما إدتوش فرصة.

بعد 56 وقبل 67


أسرى عرب في يد الإسرائيليين بعد النكسة

كانت خطب عبد الناصر تشير لنا أنه ازداد خبرة وحنكة، خصوصاً عندما يقول في أحدها بالحرف الواحد: لا ينبغي أن نخدع الأمة العربية، ولا أن نضحك على أنفسنا ونجعل شعوبنا تبكي وأعداءنا يضحكون.

ولكن هل فعل ذلك لاحقاً، هل فعل العكس وجعل شعوبنا تضحك وأعداءنا يبكون؟!، أم أن كلام الليل يمحوه النهار، وكلام الخطب والمنابر و(الميكرفونات) يمحوه الواقع المر؟!
وقد كرر ذلك في موقف آخر عندما قال:

إن أي مغامر يستطيع أن يثير حرباً ولكن العاقل هو اللي يستطيع أن يتجنبها قدر ما يستطيع لأنه في لحظات تصل أحوال الأمم وضرورات أمنها أنها تقبل المخاطرة في السلاح وتكون مستعدة له، على شرط أن تكون مستعدة له.

وحضر للمؤتمر الفلسطيني ووقف خطيباً يهاجم المزايدين قائلاً:

«بيقولوا شيلوا البوليس الدولي البوليس الدولي بيمنع مصر عن إسرائيل، طيب نشيل البوليس الدولي وبعدين حنعمل ايه؟ ايه خطتنا؟ مش لازم نعمل أولاً خطة؟ هل مثلاً إذا حصل عدوان على سوريا بأهجم أنا على إسرائيل؟ إذاً إسرائيل تستطيع أنها تحدد لي الوقت اللي أنا أهجم فيه، ليه؟ لأنها بتروح تعمل لي عدوان على سوريا بتضرب جرارا أو جرارين وأنا ثاني يوم أهجم على إسرائيل» هل هذا منطق؟!

غير أن هيكل بعد ذلك يتساءل عن الورطة الكبيرة التي وقع فيها عبد الناصر وأوقع معه الأمة بكاملها:

كيف حدث أن جرى هذا الانزلاق لرجل يعرف مشاكل الحرب ودرس عنها وخبرها وكون فيها رأياً وصارح أناساً برأيه لدرجة أنه قدر يقف في يوم من الأيام لوفد فلسطيني سنة 1961 جاء له بعد السويس وبيكلموه على تحرير فلسطين والقدس تنتظرك يا جمال، وقف وكان عنده الشجاعة يقول ليست لدي خطة لتحرير فلسطين ومن يقول لكم في هذه الظروف أن لديه خطة لتحرير فلسطين يخدعكم وأنا لا أريد أن أخدعكم. وهذا كلام رجل يعرف شيئاً عن الحرب يقدر مخاطر الحرب؟!

ويصف حال التعبئة في الجيش المصري قائلاً:

إحنا ما عندناش نظام احتياطي، قائم على التعبئة العامة، التعبئة العامة في إسرائيل على سبيل المثال تجري تدريبات التعبئة سنوياً على كل الناس اللي ما يزالوا في سن الجندية وحتى فوق سن الجندية، لكن إحنا مرات بنستدعي دفعات من الاحتياطي ولكن لا تشترك في مناورات لا تشترك في عمليات لا تشترك في عمليات تعليمية، لما تدعي قوات الاحتياط في وقت أزمة وفي وقت حرب وشيكة هنا في مشكلة لأن القوات الذاهبة إلى ميدان القتال ذاهبة لم تدرب لم تأخذ حقها من التدريب الكافي.

تصوروا بالله عليكم أي جنون هذا الذي يرمي بجيش هذه حاله في أتون حرب يترتب عليها مصير أمة ومصير أجيال؟!
ولكن ذلك مع الأسف حصل، ومن أكل الحصرم أكله ومضى، ولكن الأبناء مازالوا يضرسون.




جمال وحكيم..علاقة مثيرة للجدل


محمد حسنين هيكل



في الحلقة المقبلة
التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح