عرض مشاركة واحدة
قديم 05-13-2008, 05:59 PM   #5
عبدالقادر صالح فدعق
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية عبدالقادر صالح فدعق

افتراضي 96 * 96 = بلاد مطلقة من بعيد

96 * 96 = بلاد مطلقة من بعيد


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

اعتدلت في جلستها ووجهت سبابتها نحوي متخذة هيئة شخص ينوي إطلاق حكم قاس بحق محدثه. لم تنطق بالحكم، وبقيت سبابتها على حالها في وضعية استعداد.
لم أفهم قصدها، فأومأتْ أنْ محَّص هنا، قبل أن تفصح عن نواياها: أعصاب! كانت إصبعها ترتعش بوتيرة سريعة، وكانت تلك إحدى المضاعفات الظاهرة على جسد الناجية الوحيدة من حادثة غرق رهيبة في خليج عدن.
اتخذت وضعها الاعتيادي خلال لقائي بها في منزل فاطمة (عضو لجنة الجمعية). تمددت على جنبها الأيسر وواصلت سرد روايتها، إذ أن السبابة مجرد تكثيف لحالتها البدنية والنفسية. وفي التفاصيل تعاني «بلاد» من آلام في العمود الفقري تلزمها تجنب الجلوس لفترة طويلة، كما تأتيها نوبات إغماء من فترة لأخرى.
في 1996 كانت ابنة الـ33 قد عزمت أمرها على مغادرة مقديشو. في بوصاصو دفعت 200 ألف شلن (=40 $) قيمة تذكرة مغادرة إلى عدن على «سنبوق» يتسع لـ40 مغامراً بالكاد. المرأة المطلقة من بعيد (من زمان)، حد تعبيرها، العازمة على تخطي عتبة خليج عدن في طريقها إلى حياة جديدة، تاركة وراءها «أنقاض بلاد» وأكوام من الخيبات الشخصية، انتزعت لها موضعاً لقدميها في السنبوق الذي أمسى لحظة انطلاقه يحمل 96 راكباً وراكبة، لا يملكون ترف فرض شروطهم على مهرِّب متحلَّل من أية التزامات تجاه الإتحاد العالمي للنقل البحري.
انطلق السنبوق من بوصاصو باتجاه الساحل اليمني. وبعد 24 ساعة هبّت العاصفة بغتة.
«خبطت فينا وانقلب السنبوق وإذا بالراكبين محشورين تحته، الحي منهم والميت»، قالت «بلاد». حسنٌ يمكن إعادة ضبط عبارتها على النحو الآتي: حشر تحت السنبوق 95 ميتاً وأفلتت هي (بوسعكم الآن أن تتمتموا: يا لها من محظوظة!) لأن حظها أن طرف السنبوق خبطها والأرجح أن الضربة طوحت بها بعيداً ولم تكن بين أولئك الذين انحشروا تحته.
لا تتذكر الكثير من رحلتها، وهي تعجز عن استدعاء اصواتاً او وجوهاً، فقد أغمي عليها فور وقوع الواقعة، وبعد 12 ساعة وجدها صيادون في طرف جزيرة، وتم نقلها إلى «أحور». هناك عرفت أن الـ95 الآخرين فقدوا.
وحيدة، تتخبط في «البساتين»، التي نجت... تستجدي وتتنقل من بيت إلى بيت.
بلاد الـ «مطلقة من بعيد» نجت... وبلادها تغرق في أتون حرب مجنونة.

يتبع ...

.
التوقيع :
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
  رد مع اقتباس