.
تتواصل رحلتنا مع قهوة البن في الأدب والموروث الثقافي الحضرمي ..
من خلال تتبعنا وتقصينا في اسفار كتب التراث نصل الى حقيقة أن حضرموت من أولى الأقاليم في العالم التي تعاطت شراب قهوة البن وشاع فيها استخدام مشروب قهوة البن في وقت مبكر . ( في القرن العاشر الهجري )وانتشرت قهوة البن في البدء في اوساط رجال التصوف من الصالحين الزاهدين وقد وصى رجال التصوف الناس بتعاطيها وشربها بل وصل التشجيع نحوها الى قول القصائد والأشعار فيها وشرح فوائدها وجاء في كتاب ( فيض الأسرار ) أن القهوة لما شربت له..
وذكر صاحب الكتاب من مناقب الشيخ ابوبكر بن سالم - مولى عينات - أن زائرًا قدم على الشيخ ابوبكر بن سالم متشفعا لسره في التأليف بينه وبين زوجة له مكية نافت منه هي واهلها لأنه كان من الفقراء ولازموه في الطلاق .. فلما رآه الشيخ ابوبكر سأله - اتحب المكية ؟-
قال نعم. ومتيم بها وقصدي نظركم ودعوة باصلاح أمري معها على صبري. وكان بيد الشيخ ابوبكر بن سالم فنجان قهوة كبير أخضر وعنده روشن مفتوح فقال : جبا بالقهوة : وأخرج يده ورجعت خلية بمحضر الجم الغفير .
فقال: اصلحنا شأنك ( بالشفا هي لما نويت ) وزوده الشيخ ورجع الى مكة ولما دخل على زوجته وجدها اعظم منه من الحب والشوق إليه..
ملخص هذه الواقعة او القصة أن الشيخ ابوبكر بن سالم توفى في أواخر القرن العاشر الهجري وأن القهوة كانت في زمانه شراب شائع بين الناس وانها أرتبطت بمفعول الكرامة الروحية .
وجاء في مخطوط كتاب - القهوة البنية الهجرانية - ما قاله الكاتب أنه سمع بعض الحبايب يقول : أن الحبيب أبابكر بن عبدالله العطاس يقول: أنه رأى النبي عليه الصلاة والسلام في اليقظة فقال له : يارسول الله إني أريد أن اسمع منك حديثًا ما حدثت به أحدًا قبلي فقال : ( مازال رائحة البنة في فم الانسان تستغفر له الملائكة ..... الى آخر القصة )
وقد عدد مؤلف كتاب القهوة البنية فوائد القهوة منها : تبعد النوم وقت المقام بالليل وقال: لقد روى الفقيه العالم قدوة السلف الإمام أبي الحسن الشاذلي أنه دخل عليه الخضر و هو ناعس وقال ماهذا النوم فقال غلبني فهل له من دواء؟ فقال له: أنا آتيك ببعض شجر تغرسه فإذا أثمر خذ من ثمره ووصف له صفة القهوة البنية فعمل بما قال فأعانته على السهر وابعد عنه النوم .
لقد أرتبطت القهوة عند ظهورها بأصحاب الطرق الصوفية ومجالس الأخيار من أهل العلم والتقى والصلاح وقد قال الشيخ البكري:
والزبادي أو ( الزبادية ) وعاء صغير من الخزف يصنع فيه الزبادي ( الروب ) وحين ظهرت القهوة صنع هذا الوعاء بمقياس أصغر من الخزف لشرب القهوة ولا زال الأهالي في دوعن والهجرين يستخدمونه الى يومنا هذا وخاصة في شهر رمضان .
ونشير الى حقيقة تاريخية بأن اهالي دوعن لهم تفنن في صنع القهوة ولهم السبق في تعاطي تجارة البن منذ وقت مبكر من تاريخ ظهوره وساهموا بنشره في حضرموت والحجاز ومصر عبر التجارة بهذه السلعة المهمة وتكونت لديهم خبرات في معرفة اجود أنواع البن واصنافه المختلفة..
و تجار دوعن من اهم الموردين والمصدرين المتعاملين في تجارة البن في الجزيرة العربية وقد بسطوا تجارتهم على محاصيل البن من خلال تعاطيهم الهجرة الى الحبشة واليمن وعدن والسعودية . وفتح اسواق للبن في مصر ( وكالة بازرعة بالقاهرة ) .
وكانت مدينة الهجرين بأسفل وادي دوعن من المدن التي ضمت العلماء والزهاد والصالحين وتجار البن . وفي أجواء هذه المدينة الروحاني يختلط رائحة البن بالذكر والدعوات وفي هذه الأجواء الروحانية التي عاش في اوساطها السيد علي بن حسن العطاس ردحا من الزمن جعلته ينظم قصائد واشعار في قهوة البن منها قصيدته التي يقول فيها:
وقال في قصيدة أخرى:
أستأثرت قهوة البن في حضرموت الغربية مكانة مهمة وكثير من شعراء مدحو القهوة بقصائدشعبية جميلة منها قصيدة السيد عبدالرحمن بن احمد الكاف الهجراني والذي ألف كتابا سماه ( كتاب القهوة البنية الهجرانية في ذكر تاريخ عمارة الغرفة العطاسية )
ولقد سمى الحضارم القهوة بأسماء منها ( قهوة الشّريخ ) و( القهوة البنية ) وذلك لتمييزها عن القهوة التي شاع استخدامها عند العرب ( الخمر ) المحرمة في الشرع الاسلامي .
بينما عدت قهوة البن هي القهوة الحلال وكما قال الشاعر في ذلك:
وإن عاب بعض الناس الطعم المر للقهوة وصد نفسه عن شربها ولكن هذا لم يمنع انصار القهوة وعشاقها من الادمان عليها وقال شاعرهم حين خاطب العذول والشاني الذي يعير القهوة بالمرارة قال الشاعر:
وما اكثر العواذل من الناس .. يريدون يصرفون الناس الى ما يشتهون..
والناس فيما يشتهون ويعشقون مذاهب وكل واحد يختار لنفسه ما يحلو له.. وليس ما يحلو في نظره يحلو في نظر الناس ....!!
لنا لقاء بإذن الله تعالى مع القهوة .
.