عرض مشاركة واحدة
قديم 12-09-2010, 05:02 PM   #6
الشبامي
المشرف العام
 
الصورة الرمزية الشبامي

افتراضي

اقتباس : المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مسرور [ مشاهدة المشاركة ]
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
علي أحمد باكثيــــــــــر


ولد علي أحمد باكثير في سورابايو باندنوسيا سنة 1910 لأبوين حضرميين ولما دخل سن التعليم أعاده أهله إلى حضرموت لكي يتعلم تعلما عربيا كأترابه من أبناء المهاجرين الحضارمة الذين توارثوا التعليم وكان أبهى قيمهم الإجتماعية في الموطن والمهجر ، ولما أنهى تعليمه الإبتدائي تشبث بالوطن الأم فواصل فيه تثقفه وتعليمه وأحس بواجبه التغييري في صميم تربة موطنه الذي كان يعج يومذاك بالجدل الديني والسياسي وبرهنت على ذلك مسرحيته التي نظمها في مطلع الثلاثينات من القرن الماضي بعنوان ( همام في بلاد الأحقاف ) وقد جاء في مقدمتها :

كلنا يعلم أن في حضرموت بدعا في الدين يجب أن تنكر وتزال ما في ذلك من شك وأن فيها جهلا يجب أن ينار بمصباح العلم ما في ذلك مرية وأن فيها جمودا يجب أن يدك صرحه ، وأن فيها إمتيازات أدبية وحقوقية للأشراف ولغيرهم أيضا يجب أن تبطل ، وأن فيها عادات سيئة يجب أن تصلح ، وأن فيها فوضى وقطعا للسبيل وسفكا للدماء من طبقة القبائل يجب أن يفكر في إصلاحها والضرب على أيدي المفسدين ... هذه أمور تراها العين وتسمعها الأذن وتلمسها اليد يجب على الشعب الحضرمي أن يتعاون على اصلاحها .. ..... إذا فباكثير كان مفطورا على الإصلاح ، وكان يحمل في داخله نزعة ثورية تؤهله لركوب موجات التغيير وتأييد القوى الثورية التحررية للتحرر من النزعة الإستعلائية للسادة وكهنوتهم الديني ومن سطوة القبائل أيضا وقد افتخر باكثير بالأهل في عموم حضرموت بلا عشائرية ولا قبلية فقال :

ولو ثقفت يوما حضرميا = لجاءك آية في النابغينا

لم تقف نزعة باكثير عند حضرميته وآمن بإمتداده اليمني وتأثر به كثيرا وصاغ على اثر ثورة اليمن الدستورية عام 1948 التي قامت على مقتل الإمام يحيى وسقطت بسببه بعد عشرين يوما قصيدته أمة تبعث التي نقتبس منها التالي :

ملك يموت وأمة تحيا = بشرى تكاد تكذب النعيا
ما كان أبعد أن نصدقها = سبحان من أردى ومن أحيا
اليوم تبعث أمة أنف= تبني ليعرب قبة عليا
موؤدة ثوت الثرى زمنا =سبحان مخرجها إلى الدنيا
شعب نضا الأكفان عنه وقد = بليت فأهداها إلى يحيى


أنتقد باكثير أيضا حكم الإمام يحيى ولم يغفل صونه لاستقلال موطنه فقال فيه ضمن مرثياته :

غفر الإله لعاهل بطل = صان الحمى حرا ولم يعيا
ما ضره لو قد أضاف إلى = حسناته التعمير والإحيا



من فرط حب باكثير لموطنه الأصلي حضرموت قرر الإنزراع فيه مقاوما دعوات أهله المهاجرين فتزوج بسيؤون وبعد أربع سنوات خطف الموت زوجته وأحس في الرحيل تبديدا لمرارة فقدها فسافر إلى الحجاز وتلقى هناك بعض الدروس وفي منتصف الثلاثينات هاجر إلى القاهرة والتحق بجامعة فؤآد وتخرّج من دراسته في عام 1938 .

لقد أشار باكثير إلى إبتهاجه بالإنقلاب الدستوري في صنعاء عام 1948 في ما كتبه مرحبا بــــ الفضيل الورتلاني (1) عند وصوله لمصر بعد ثورتها ( وهو المنظّر السياسي لذلك الإنقلاب ) ، غير أن باكثير خلع عليه مفاهميه القومية التي يرفضها الورتلاني وجماعته كنقيض للدعوة الإسلامية ولوحدة الأمة تحت راية الله وربما كان باكثير على علم بهوية الورتلاني فخاطبه ثائرا قوميا بقوله :

أفضيل هذي مصر تحتفل =بلقاك فأنعم أيها البطل
أنظر تجد مصرا محررة =مذ تم فيها الحادث الجلل
بعثت اليك لكي تراك وقد =نلت المنى وتحقق الأمل
وأنجاب عنها البغي وانفسحت = للمكرمات أمامها السبل
غادرتها والظلم مكتهل =وقدمتها والعدل مقتبل


من ضمن ماقاله الدكتور عبد العزيز المقالح في تحليله لنزعة باكثير الحضرمية كأولوية تليها النزعة العروبية القومية التي لم يغفل فيها اهتماماته باليمن الكبير من منظور قومي تعليقا على تقديم باكثير لمسرحيته همام في بلاد الأحقاف المشار إليها بأعلاه : أن باكثير قد يكون أخطأ التعبير أو أن التعبير هو الذي خانه عندما تحدث عن حضرموت وكأنها شعب مستقل أو شعب له كيانه المنفصل عن بقية اليمن ، وقد يكون مفهوم الشعب يومئذ لا يعني سوى المنطقة الصغيرة من الوطن الكبير وأن الوصف لا يخص حضرموت وحدها وإنما ينطبق على اليمن بكل أجزائه ، حيث ظلت تلك هي صورته ( يقصد اليمن بشكل عام ) بدع ومتاجرات باسم الدين ، وجهل لا مثيل له وامتيازات أدبية لبعض المواطنين على حساب البعض الآخر ، قبائل منفلتة وقطع للطريق وسفك للدماء وتمرد وفوضى متفق عليهامن قبل السلطتين الشاطرتين لليمن ، سلطة الإمامة الجاهلة المستبدّة وسلطة الإحتلال الدخيل البغيض .


يؤكد المقالح في جانب آخر أن باكثير كان ينظر إلى حكم الإمامة في اليمن باشمئزاز وقد تضاعف إشمئزازه بعد أن انتقل من سيؤون إلى عدن وحاول أن يقوم بزيارة لصنعاء المدينة التاريخية التي ألهبت خيال الشعراء لكنه فوجىء ( وهو اليمني ) بأنه قد يكون من السهل عليه أن يذهب إلى القمر ويزور معالم المريخ من أن يزور العاصمة التاريخية لبلاده فكل من يخرج من يمن الإمام مشبوه وكل من يدخل إليها مشبوه ، وفي عدن رأى باكثير نماذج بائسة من المؤمنين الذين يتحكم فيهم أمير المؤمنين يحيى بن حميد الدين ويؤكد المقالح أن باكثير قد حاول التسلل أثناء إقامته بمنطقة الطائف في الحجاز إلى شمال البلاد دون جدوى ويذكر أن باكثير قد حدثه في إحدى اللقاءت المطولة معه عن صلته بالثوار اليمنيين وعن نشيد تحيا اليمن الذي كتبه في منتصف الأربعينات وفيه يقول :


هذي شعوب الأرض قد صحت = ونحن في نوم عميق
غايات سيرها قد توضحت = ولم يلح لنا الطريق
إلى م نحيا كالرقيق = نرسف في القيد الوثيق
إلى م نحيا كالرقيق =إن لم نحطمه فمن ؟
تحيا اليمن = تحيا اليمن


لقد قال باكثير انه كتب هذه الأنشودة وعينه على شمال اليمن حيث الأبواب مغلقة والشعب محاصر أو سجين وأن صلته بالأحرار اليمنيين قد ظلت وثيقة وقبل التعاون مع الشهيد محمد محمود الزبيري بعد إنتقاله من باكستان ورفض التعاون مع قادة رابطة أبناء الجنوب العربي وكان يرى أن الحل يأتي من الشمال من تحرير صنعاء العاصمة التاريخية وقد صدقت نبوأته وخابت كثير من النبوآت التي رأت البداية ستكون من الجنوب نظرا لتطور أساليب الحياة وقيام بعض المدارس .

لقد كان باكثير منذ مطلع الثلاثينات يرى أن اليمن لن تكون على مستوى أرقى وقوة أعظم إلا إذا تخلصت من حكم الإمام وقضت على حكم الجمود والإنغلاق .


عاد باكثير إلى اليمن الجنوبي بعد أن حقق استقلاله في 1967 وذلك لاحساسه بأن بلاده هي مكانه الطبيعي إلا أنه وصلها في عنف الصراع السياسي بين جناحي الجبهة القومية ، فأثنى عائدا إلى مصر وفي تلك الأثناء داهمه المرض الذي مات على اثره في أواخر عام 1969

هنا يمكنني القول أن باكثير كان تواقا للوحدة اليمنية ومؤمنا بها من منظوره القومي الصرف وما حدث من صراع بين أجنحة الجبهة القومية والموت الذي عاجلة فوّت علينا رؤية المسعى أو المنحى الذي سيسلكه مع من يتوافق معهم فكريا للإسهام في تحقيق الوحدة اليمنية ... لذلك فقد كان لقومية باكثير وعدم رضاءه عن النهج الإشتراكي الذي نحت بإتجاهه الجمهورية اليمنية الجنوبية الوليدة أثره الكبير في إعادة إختياره لقاهرة المعز من جديد موطنا بديلا عن مسقط راسه في اندنوسيا ومسقط راس أبائه وأجداده في جنوب اليمن .


رحم الله باكثير

تحياتي .




(1) الفضل الورتلاني : ثائر جزائري ( اخوان مسلمين ) شارك في انقلاب 1948 ضد الإمام يحيى




المراجع :

(1) الثقافة والثورة في اليمن / عبدالله البردوني
(2) علي أحمد باكثير رائد التحديث في الشعر العربي المعاصر
للدكتور عبدالعزيز المقالح

موضوع ذهب ، لم ينتبه اليه احد (( وانا اولهم )) منذ سنوات ، لله درك اخي مسرور !!
شكرا أخت عفاف على رفع هذا الموضوع الهام والمفيد !!
نتمنى ان تمتلئ صفحات سقيفتنا العامره بهكذا مواضيع ولو تم رفعها من قاع الزير !!
التوقيع :
  رد مع اقتباس