عرض مشاركة واحدة
قديم 02-24-2010, 10:04 PM   #15
سرحةالجامع
حال نشيط

افتراضي

أيها الأخوة الأعزاء :
__________

إن المحافل التي تقام كل عام في ذكرى الميلاد النبوي لا تزيد مولانا رسول الله مجدا ,

إنما المؤمنون هم الذين يزدادون بها شرفا وسعادة ,

أما مجده صلى الله عليه وآله وسلم فقد كتبه الله في الأزل قبل أن يعرفه أهل الأرض ,

بل قبل أن يخلق الله البشر , فقد سُئِل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

" يا رسول الله متى كنت نبيا ؟ قال : وآدم منجدل في طينته " 0 أي قبل أن تحل الروح في آدم أبي البشر 0

وأننا بهذه المحافل السنوية نجدد بيعتنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإيمان بالله واليوم الآخر

وبكل ما آمن به رسولنا العظيم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه 0

وقد قال تعالى منوها بشرف البيعة والمبايعين في سورة الفتح :

( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه

ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ) 0

ويقول العارفون أن هذه الآية هي أمدح آية في القرآن الكريم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

حيث صارت يده الشريفة ممثلة لربه جل وعلا فمن بايعه فقد بايع الله 0


ولا يقولن أحدكم أن البيعة التي تشير اليها الآية كانت يدا بيد وهي بيعة الرضوان ولا سبيل

إلى بيعتنا يدا بيد لإنتقاله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى , فإن الصحابي الجليل

جندب بن ضمرة رضي الله عنه , قد حملوه بنوه على سريره مريضا يريد الهجرة إلى المدينة ليلحق

برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , فلما بلغ التنعيم على بضع كيلو مترات من مكة أشرف على الموت ,

فصفق بيمينه على شماله وقال :

اللهم هذه لك وهذه لرسولك , أبايعك على ما بايعه عليك رسولك صلى الله عليه وآله وسلم ,

ثم مات فنزل في شأنه قوله تعالى في سورة النساء :

( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا

إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما ) 0

وفي تجديد بيعتنا في كل عام تجديد لإيماننا وتقوية لعقيدتنا , فإننا بالبيعة نربط على قلوبنا

لنكون من المؤمنين , والإيمان في قلوبنا هو رأس مالنا فإن أبقينا عليه حرصنا على التجارة التي لن تبور ,

وقد كان أصحاب رسول الله يجلسون فيحمدون الله على ما هداهم للإيمان ,

وكان الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة يقول لبعض الصحابة قوموا بنا نؤمن ساعة ,

أي نقوي إيماننا بالتذاكر والتعاون على التقوى , فإن فقدنا الإيمان لا قدر الله ,

فقدنا مالا يعوض بأي عوض من متاع الدنيا الذي يفنى ولا يبقى ,

وكنا في الآخرة من الخاسرين , ونعوذ بالله من ذلك الخسران المبين 0

وما أرق ما يقوله فيلسوف المسلمين السيد / محمد إقبال رحمه الله فيما ترجمه عنه الشيخ / الصاوي شعلان :

كل شعب يروم عز حماه
فبنور التوحيد لا بسواه

ليس يحمي أوطانه غير حر
سيفه لا إله إلا الله

وبقول بعض صوفية الفرس فيا ترجمه الشيخ الصاوي أيضا :

إذا الورود دخلت من طيب نفحتها
فلا تزاحم بها في الأرض بستانا

إذا الوجوه خلت من نور سجدتها
لم تستحق غداة الموت أكفانا

إذا القلوب خلت من ذكر خالقها
فهي الصخور التي تحتل أبدانا

إذا خلا المرء من فهم ومعرفة
ظلمت نفسك لو تدعوه إنسانا


ثم إننا في هذه المحافل نتذكر حقوق صاحب الذكرى علينا , وهي حقوق لله تعالى ,

فقد قال جل جلاله :

( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) 0

كما جعله أسوتنا في سلوكنا إلى الله تعالى :

( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) 0

فنحن مطالبون بأن نتمسك بأقواله وأفعاله وأحواله , وفي تعرضنا للأقوال والأفعال والأحوال ننفخ في

أرواحنا من نفحاته , ونوثق عرى بنوتنا الروحية التي تشرفنا بها ,

ونعلم ناشئنا مما علمنا الله من ذلك , فنؤدي بذلك لأنفسنا حقها , كما نؤدي حق الخلف على السلف 0

ولا يجوز ان تقتصر المحافل على مظاهر الأفراح من رفع الأعلام وإضاءة الأنوار والتغني بالتواشيح ,

فذلك قشور ذاهبة بذهاب أيام الفرح المعدودات ,

ولكن تزكية القلوب والأرواح بأنوار الإيمان والتقوى هي اللب الأهم ,

وتلك التغذية هي الغذاء الذي يبقى أثره العلمي والعملي في المجتمع الإسلامي :

( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ) 0

ولقد كان من عادة شيخنا الغوث الجليل سيدي الحاج / محمد أبي خليل رضي الله عنه

أن يسير في شوارع الزقازيق بموكب صوفي يهللون ويكبرون ويصلون على سيدنا رسول الله صلى

الله عليه وآله وسلم , فيوقظ أهل الغفلة من غفلتهم , ويزيد أهل الشوق شوقا , وأهل الهمة همة ,

وقد حدث ان تخلف مرة عن الخروج بنفسه في الموكب ,

فرأى مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا يعاتبه ويقول له لماذا لم تخرج في موكبنا !!

فحرص ألا يتخلف بعد ذلك عن الموكب حتى بعد أن كبرت سنه وازدادت شيخوخته 0

وكان بعد مسيرة الموكب يعود بالمريدين إلى سرادق كبير يقيم فيه ندواته الدينية أياما ,

ويذكّر الناس فيها من أمور الدين ما علموا ويعلّمهم ما جهلوا 0

أيها الأخوة الأتقياء :
_________


من حق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علينا كذلك أن نؤدي له أجره الذي فرضه علينا بقوله

تعالى في سورة الشورى :

( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور ) 0

واقتراف الحسنة هو مودة آل البيت عليهم الرضا والرضوان وتلك المودة هي سبيل مغفرة الله ورضوانه 0

وقد عّرف العلماء المودة فقالوا هي دوام المحبة , فعلينا إذن أن نحب على الدوام

سادتنا وسيداتنا آل البيت تأدية لحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,

وقد روى الترمذي يسنده عن الإمام علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيد

حسن وحسين فقال : " من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة " 0

وكذلك روى الترمذي بسنده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :

" أحبوا الله لما يغذوكم من نعمة وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي " 0

ويقول سيدي الشيخ الأكبر محيى الدين بن عربي مشيرا إلى الآية الكريمة السابقة :

أرى حب أهل البيت عندي فريضة
على رغم أهل البعد يورثني القربا

فما أختار خير الخلق منا جزاءه
على هديه إلا المودة في القربى

ومما نقلناه عن سيدي الشيخ / علي عقل طيب الله ثراه والتي كان ينطق بها

إلهاما لوقته دون إعمال فكر وذلك من عطاء الله سبحانه لأوليائه وأصفيائه :

ومهما أُلام على حبهم
فلست الفتى خائف اللائمة

فروحي على بابهم ترتمي
ونفسي بأعتابهم خادمة

إذا مس نفسي فتور المعاصي
بذكرهمو أصبحت هائمة

فيا عاذري ثم يا عاذلي
سواء رضاك أو اللائمة

فقل ما تشاء وكن ما تشاء
فإني أحب بني فاطمة

ومن روائعه التي نقلناها عنه أيضا :

لقد غرسوني من زهور رياضهم
فطابت حياتي من مكارمهم زهرا

إذا قيل لي تهواهموا قلت ملكهم
ووقف يمين لا يباع ولا يشرى

إذا (عشيت )عيني فطي جوانحي *** ( كان ضريرا )
عيون تريني سر أنوارهم جهرا

فإذا كان ذنبي أن قلبي يحبهم
فإن ذنوبي لن تسلم بها حصرا

على بابهم أسمو سمو أولي النهى
فإن هم رضوا نفسي فقد عظمت قدرا

ولا تنسوا أيها الكرام أن السادة آل البيت هم أكثر الأمة تضحية في سبيل الله ,

فقد حموا عقيدتنا بأرواحهم , والبيت المحمدي هو أعظم البيوت إستشهادا في الجهاد ,

كما أنه اعظم البيوت إمامة في الدين , فكم فقّه أهله الأمة في الدين على مر العصور ,

وكم هدوا إلى الرشد , وكم عصموا من الفتن , وكم تحملوا في الحفاظ على حقوق المسلمين الشدائد

وقاسوا الأهوال , وتوضيح الواضحات من المشاكل كما يقولون ,

فلنعرف لهم فضلهم ولنؤدي حق الله ورسوله في مودتهم والتأسي بهم في الإستمساك بالحق

والدعوة إلى الله , والغيرة على حقوق الأمة , رضي الله عن الأولين منهم والأخرين 0

وقد عرف لهم الصحابة حقهم فأجلوهم وحافظوا على مودتهم ,

وقد روى بن عساكر في التاريخ الكبير أن ابن عباس أخذ يوما بركاب الحسن والحسين فعوتب في ذلك ,

وقيل له أنت أسن منهما فقال : إن هذين ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفليس من سعادتي أن آخذ بركابهما 0

كما روى ابن عساكر أيضا أن الإمام الحسين كان في جنازة فجلس في الطريق يستريح ,

فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن نعليه بطرف ثوبه 00 فقال : يا أبا هريرة وأنت تفعل هذا ؟

فقال له : دعني فو الله لو يعلم الناس منك ما أعلم لحملوك على الرقاب ,

وغير ذلك كثير لا يتسع المقال لسرده وإنما يعرف الفضل من الناس ذووه 0

ايها الأعزاء :
______

نبينا صلى الله عليه وآله وسلم هو حظنا من الأنبياء وما أعظمه من حظ ,

ولهذا شرّفنا الله ببركته على سائر الأمم إذ يقول تعالى في سورة آل عمران :

( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) 0

فانظروا كيف علّل هذه الخيرية حيث كانت الأمة آمرة بالمعروف وناهية عن المنكر ومؤمنة بالله تعالى 0

وقد أخذت الأمة علمها وعملها عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ,

فله صلى الله عليه وآله وسلم ثواب ذلك الهدى ,

لذلك قالوا إنه صلى الله عليه وآله وسلم يعود عليه ثواب نصف أهل الجنة أو ثلثهم , وذلك هو الفضل الكبير 0

قارنوا بين الآية الكريمة السابقة وبين وصف الله لبني اسرائيل حيث يقول تعالى في سورة المائدة :

( لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون *

كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ) 0

فأي فضل علينا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وفي الائتمار بالمعروف والإنتهاء عن المنكر 0
التوقيع :
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
  رد مع اقتباس