عرض مشاركة واحدة
قديم 04-03-2011, 02:53 AM   #192
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

كلما حللت بالعاصمة عمان نسأل : كيف المريض الحضرمي ..؟ ! كتب : علي سالم اليزيدي


كلما حللت بالعاصمة عمان نسأل : كيف المريض الحضرمي ..؟ !

كتب : علي سالم اليزيدي

السبت , 2 أبريل 2011 م

أبدأ الكلام المكتوب بعد ما حللت بالعاصمة الأردنية عمان الوديعة الهادئة ، التي زرتها مرات ومرات ، وكل ما حللت بالعاصمة عمان يغمرني شعور وسرور رغم ما بي من مرض ! .. في الطائرة اليمنية تركب من صنعاء إلى عمان ، كل المقاعد مشغولة ، كل الرحلات على مدار الأسبوع / السنة / ، من صنعاء فقط إلى أكثر من عاصمة للعلاج ، بين كل الركاب ينحصر عدد الحضارم المسافرين للعلاج – شفى الله الجميع – يبلغ العدد ثلاثة / خمسة / سبعة / أو أكثر قليلا ،

لكن ما يثير الاهتمام هنا ، أن هذا العدد اليسير من الحضارم يدفعون ثمن تذاكر سفرهم ومصاريف العلاج من فقرهم ، حكى لي قبل عشر سنوات حضرمي من تريم يعالج ابنته أنه باع كل ذهب زوجته وتصدق عليه الأصدقاء وفاعلو الخير ويسر الله له ، بعد هذا الحديث سافرت إلى عمان مرة أخرى عام 2006م لعلاج القلب ، في الطائرة المغادرة من صنعاء إلى عمان ، حكى لي حضرمي فقير كيف باع نصف الغنم وذهب للعمل في المهرة لمدة ستة أشهر في مهنة لا يستحق ذكرها هنا ، ثم حمل زوجته وولده للعلاج ،

التفت حولي في الطائرة ، هؤلاء المسافرون البادية عليهم مظاهر النعمة من صنعاء وتعز وحجة وعمران وذمار ، وكل مسافر منهم يرافقه ثلاثة من أقربائه ، شخصيات سمينة متينة منعمة ، وهي ولا أكذب والعياذ بالله بهم أمراض ويحتاجون للعلاج أعانهم الله ، لكن الفرق بين المريض المسافر من ( تحت الصالف ) والمريض الحضرمي، هو أن الحضارم الفقراء لا تمتد أيديهم إلى ثروتهم التي تصب في سواقي صنعاء ، وهناك تمنح التذاكر والدولارات لمواجهة العلاج ، كل الركاب المسافرين من صنعاء وعمران وذمار وحجة ، تصرف لهم تذاكر سفر طوال السنة من خزينة الدولة ، كل المسافرين إلى القاهرة والأردن وهامبرج بألمانيا ، يحصلون على تذاكرهم مجانا ، إلا المريض الحضرمي ، فليس لديه إلا مد اليد وطلب العون والدعاء لله وحده ، وهو هنا ينطبق عليه قول الشاعر :


كالعير في البيداء يقتلها الظماء
والماء فوق ظهورها محمول


والفارق هنا أن النفط والثروة تحت أرجل الحضارم ، بينما يقتلهم العوز والفاقة والبؤس ، وبدلا من منحهم حق العلاج أسوة بمن يسافرون ويملأون الطائرات ما بين العواصم الخارجية وصنعاء ، ينطلق الرصاص الحي إلى أولاد الحضارم وعدن ويصبحون أعداء لصنعاء ، فهم من الحراك الجنوبي ، ويطالبون بتحرير حضرموت والجنوب والمحيط العربي وساحل أبين ورمال الصحراء ، ولهذا فإن عقوبتهم واجبة ، أما أن تمنح لهم تذاكر سفر، فهي نعمة لا بد من حرمانهم منها ! .

سألت في قلب عمان : من أين حصلت على التذاكر أيها الصنعاني ؟ ، فأجاب : من مجلس الشورى ! ، حسنا ، وأنتم أيها القادمون من صنعاء إلى المستشفى الإسلامي من ساعدكم بتذاكر السفر ؟ ، إنه مجلس الرئاسة ! ، بل من المالية ، وهؤلاء كيف قدموا إلى عمان ؟ ، رد علي صاحب الرقبة السمينة والنظارات الغالية الثمن والبدلة الزرقاء الفاخرة :

نحن أقرباء الشيخ فلان ! .. ألا تعرفه ؟
هززت رأسي .. أبدا والله
وأضاف : لقد ذهب إلى المسئولين وجاب لنا حق السفر


وسألت نفسي : من أين وفرت أنا مصاريف العلاج والتذاكر ؟ .. ليس من مجلس الشورى حتما ، ولا من مجلس النواب ولا الوزراء ، ولا من وزير الإعلام المشغول بحبسنا وتوقيف صحف الجنوب ومطاردة حقوقنا ! .. ولم أحصل أنا ولا طل حضرمي سافرإلى القاهرة أو الأردن أو غيرهما من العاصمة صنعاء ، لا على تذاكر ولا دولارات ولا شيء سوى البؤس والسخط علينا ، بينما يستمتع ( هم ) بكل شيء ، حتى لو سقطت الدولة وتناثرت اليمن وانقسمت الأفكار ، فالمريض المسافر من صنعاء غي حضرموت وما بينهما تلك المسافة التي تشتعل الآن وتأكل بنارها الأطراف والتذاكر والدولارات ، وهي نفس المسافة التي ظلت منذ ما بعد حرب 1994م تجسد الانتقاص الكامل للجنوب والجنوبيين وما بها من قسوة وتفرقة تلمسه بوضوح من سحنة الركاب الصاعدون من ربا صنعاء ولون تذاكرهم السمينة الممنوحة بسخاء المتسلط الذي يملك كل شيء ، وليس التذاكر الركيكة وما بها من فقر الحضرمي .. أعاننا الله وأعاد إلينا مالنا ومكانتنا وصحتنا قولوا آمين .. !

في عمان تشعر بتلك الطمانئنة التي كانت تنتشر في عدن ، ويقولون هنا ( بريزة ) على ربع الدينار ، وهي كلمة تركية ، وفي صنعاء يقولون ( زلط ) وهي تركية أيضا من بقايا الاحتلال التركي هنا وهنا ، ويقول البعض للقرش ( شلن ) وهي عملة حضرموت وعدن بعد الروبية وقبل الدينار الجنوبي أبو شراع أمام المعلا في بحر العرب .

وهناك أردنيون تزوجوا في المكلا وحضرموت وقدموا إلينا في ثلاثينيات القرن الماضي مع تأسيس جيش البادية ومنهم ( حسن مؤمن ) ، ونحيي هنا ابنته الحضرمية الناشطة والأستاذة المعروفة ، وهناك عائلة من آل ( القايز ) عاشت في ديس المكلا وتربوا مع آل العكبري رياض الشخصية السياسية المكلاوية المعروفة وإخوانه ، وكذا ضباط تظهر صورهم ويعرفهم أهل المكلا ظلت بصماتهم في حضرموت ، إنهم رجال أردنيون كانوا حضارم ثم حملوا حضرموت معهم إلى الأردن حيث جسدوا وحدة الإخاء النقية ، تحية لهذه الذكرى وهؤلاء الرجال والمحبة التي تدوم .

وعندما نذهب إلى الأردن، نجد هناك ما يشبهنا من بقايا عدن والمكلا في الملامح والشوارع ، النظام والقانون ، وامتداد وإن لم نلحظه جسد الأخوة التي لا تميز وهو ما يشعرنا بتعاسة ما هو بنا ..
التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح