عرض مشاركة واحدة
قديم 05-25-2013, 05:54 PM   #24
سلمان الخالدي
حال جديد

افتراضي هل ضعف تنظيم ‘القاعدة’ أم ازداد قوة بعد الانسحاب من أبين؟

هل ضعف تنظيم ‘القاعدة’ أم ازداد قوة بعد الانسحاب من أبين؟

عبد الرزاق الجمل
May 23, 2013
جاءت سيطرة تنظيم ‘القاعدة’ على محافظة أبين وعلى أجزاء من محافظة شبوة خلال عامي 2011 و2012 مناقضة لتقديرات خصومه لقوته، وكذا لتقديرات المتابعين والمهتمين، ومن أجل هذا ذهب البعض إلى أن ‘القاعدة’ لم تسيطر على محافظة أبين وإنما استلمتها من النظام السابق. والادعاء هذا يتناقض هو الآخر مع الصعوبات التي واجهتها الحكومة البديلة في إخراج التنظيم من محافظتي أبين وشبوة، رغم الدعم الإقليمي والدولي غير المسبوق، بل والمشاركة الفعلية في حرب أبين من قبل المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية وعمان. والتقديرات السابقة والادعاءات اللاحقة تتناقض مع القول إن تنظيم ‘القاعدة’ مخترق من قبل أجهزة استخبارات محلية أو دولية، وإلا لما صعب عليهم معرفة التقدم والتراجع على مستوى القوة، بعيدا عن المعايير الظاهرة المتعلقة بقوة وضعف نشاط التنظيم على الأرض، لأن هذه لا يجوز أن تكون معايير حينما يتعلق الأمر بـ’القاعدة’.
إن خصوم تنظيم ‘القاعدة’، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، لا يعرفون إلى أي مدى تأثر التنظيم في اليمن بكل ما تم خلال الثلاثة الأعوام الماضية، والعجز الاستخباراتي في هذا الجانب يضطرهم إلى البحث عن مؤشرات من خلال التحقيقات والتقارير الصحافية، وهو عمل استخباراتي بصيغة أخرى. ويبدو أن ما عجزت عن معرفته الاستخبارات لن يُعرف من خلال الإعلام، فأكثر مصادر المعلومات والتحليلات في هذا الجانب، لا تعرف أكثر مما يُنشر، وتحلل بشكل خاطئ، ويستحيل الوصول إلى الحقيقة من خلال البناء على ذلك، بل يزداد الغموض أكثر، والاستمرار في شكل معين من حرب لا يُعرف ما إذا كانت نتائجها سلبية أو إيجابية، من المغامرة بمكان، ويبدو أن هذا هو ما كانت تفعله أمريكا منذ أكثر من عشر سنوات.
إن أدق ما يمكن أن تقيس عليه الولايات المتحدة الأمريكية ما يجري في اليمن، هو ما جرى في أفغانستان مع حركة طالبان قبل عشرة أعوام، ففقدان ‘القاعدة’ سيطرتها على الأرض لا يعني أنها فقدت قوتها أو جزءا منها، بل إن السيطرة تضعفها، لأنها تضطرها للانفتاح على حياة الناس، وهذا الانفتاح يخلق ثغرات أمنية عدة قد تكلفها الكثير. ويؤكد أبو عبد الرحمن العولقي، وهو قيادي كبير في التنظيم، أن تنظيم ‘القاعدة’ خسر عددا من قادته الميدانيين، خلال سيطرته على محافظة أبين وأجزاء من محافظة شبوة، لأن خروجه إلى العلن سهَّل عمل الجواسيس كثيرا، حسب قوله. وخلال الثلاثة الأعوام الماضية ألقى تنظيم ‘القاعدة’ القبض على عدد من الجواسيس زُرعوا في أوساط مقاتليه من قبل المخابرات اليمنية والسعودية والأمريكية، وتسببوا في مقتل عدد من قادته الميدانيين. وبكل تأكيد لن يكون بمقدور أولئك الجواسيس الوصول إلى التنظيم، فضلا عن أن يحققوا نجاحات، في غير وضع الظهور والسيطرة.
إن خسارة تنظيم ‘القاعدة’ لمناطق في محافظات أبين وشبوة والبيضاء، قد يعني له غير ما يعني لخصومه تماما، والمهم بالنسبة له هو أنه يبني على ما يعلم، بينما يبني خصومه على ما يجهلون أو على ما يعرفونه بشكل خاطئ.
ويقول القيادي في تنظيم ‘القاعدة’، وأمير محافظة أبين، جلال بلعيدي المرقشي، المعروف باسم حمزة الزنجباري، إن وضع السيطرة مكلف اقتصاديا وعسكريا، وإن ما كانوا يصرفونه شهريا في مناطق سيطرتهم يتجاوز 400 مليون ريال يمني، بالإضافة إلى صعوبة الجمع بين إدارة مناطق السيطرة وإدارة حرب منها ضد الخصوم. وفي ظل هذا الاستهلاك الاقتصادي والعسكري المصاحب لوضع السيطرة، لا يمكن اعتبار فقدان مناطق السيطرة دليل ضعف، فحتى لو لم ينسحب التنظيم تحت ضغط عسكري كان سينسحب تحت ضغط اقتصادي.
من الطبيعي أن يحد طيران أمريكا بدون طيار وبطيار بشكل نسبي من تحركات تنظيم ‘القاعدة’، ومن الطبيعي أن يعني الحد من الحركة الحد من النشاط، لكنه لا يحد من إقبال الناس عليه، بل يجعلهم يقبلون بلا حدود، يقول القيادي في تنظيم ‘القاعدة’، الشيخ مأمون عبد الحميد حاتم، إن عمل الطائرات الأمريكية من دون طيار أكسبهم مزيدا من التعاطف، وعزز فكرتهم في أوساط الناس. ويضيف في تعليقه على التوقف المفاجئ للغارات خلال الأشهر الماضية: ‘الأمريكان أدركوا حجم السخط الذي يواجههم من الشعب، بسبب هذه الجريمة السافرة المتكررة في البلاد، التي أدت إلى تعاطف الكثير من أبناء الأمة مع المجاهدين، وهذا له اعتباره عند الأمريكان’.
والمؤكد هو أن من ينضمون إلى تنظيم ‘القاعدة’ بسبب الغارات الأمريكية أكثر ممن تقتلهم تلك الغارات، ولا شيء غير الحد من التجاوب مع التنظيم يمكن أن يُعتبر نجاحا، وغارات الطيران الأمريكي، التي تضاعفت في الأعوام الأخيرة، تضاعف التجاوب مع التنظيم ولا تحد منه، لأنه في حرب مفتوحة مع العالم أجمع، منذ أن قال بوش ‘من لم يكن معنا فهو ضدنا’، ونجاح أمريكا في خلق واقع يمني تتسابق فيه كل القوى على كسب ودها من بوابة الحرب على الإرهاب، لا يقلقه كثيرا.
لقد استغلت الولايات المتحدة الأمريكية حاجة كل الأطراف في الداخل اليمني إليها لتقضي بهم حاجتها في الحرب على الإرهاب بعيدا عن البلد وما يحتاج، ورغم أن التجاوب معها كان غير محدود إلا أنه تجاوب يقرأه الناس في غير إطار العمالة لا التعاون، وحينما يكون تنظيم ‘القاعدة’ طرفا في حرب طرفها الآخر أمريكا وعملاؤها فسيحظى بتجاوب لا محدود.
إن نجاح أمريكا في تجنيد كل قوى الداخل لصالح هذه الحرب لا يعني أنها ستكسبها، فقد جنَّدت قبل ذلك العالم أجمع لكن النتائج جاءت مخيبة لآمالها، كما أن تجنيد الكل لصالح حربها في اليمن يعني أنها وضعت هذه الحرب في سياق غير وطني تماما، وبهذا تكون قد مهَّدت الطريق أمام العمل الدعائي لتنظيم ‘القاعدة’ ومنحت ما يقوله التنظيم تذكرة عبور إلى عقول وقلوب الناس.
يبدو أن تنظيم ‘القاعدة’ سُرَّ كثيرا بتسليم محافظة أبين للجان الشعبية، وإن أدى ذلك إلى تقلص وجوده فيها، لأن هذا سيمنح الناس فرصة المقارنة بين ما كان أيام سيطرته، وما هو كائن في ظل سيطرة اللجان، وبهذا يكون التنظيم قد كسب المحافظة كحاضن من خلال الطريقة التي أدارها بها ومن خلال الطريقة التي تديرها بها اللجان اليوم. إن تجنيد مقاتلين قبليين هو أكبر خطأ ارتكب في ملف الحرب على الإرهاب، أما تسليم المحافظة لهم فكارثة من شأنها أن تعقد هذا الملف بشكل غير مسبوق على الحكومة اليمنية وعلى الولايات المتحدة الأمريكية، فما اعتبروه عامل إضعاف لتنظيم ‘القاعدة’ كان عامل قوة.
فالسلفية الجهادية تنظيم ‘القاعدة’ تختلف مع بقية ألوان الطيف السلفي، في قضية الحاكمية، وحين تُفصِّـل أمريكا حاكما على مقاس مصالحها فإنها تضع لهذا الخلاف حدا، ولهذا السبب، ولأسباب أخرى من بينها غض الطرف عن الحوثيين مقابل شن حرب شرسة على تنظيم ‘القاعدة’، التحق كثير من السلفيين بالتنظيم في الآونة الأخيرة، خصوصا الذين يؤمنون بأن الحرب القادمة ستكون طائفية بامتياز.
ويذهب القيادي في تنظيم ‘القاعدة’، مأمون عبد الحميد حاتم، إلى أن ‘جميع المكونات الموجودة على الساحة اليمنية، التي تتصارع فيما بينها ستذوب وتتبلور حول قطبين رئيسين، هما السنة والشيعة، وسيكون الصراع بين السنة بقيادة ‘القاعدة’ والشيعة بقيادة الحوثيين، ثم تكون الملحمة والموقف الفاصل بين الحق والباطل’. والسلفية شريحة كبيرة ولها حضورها الفاعل في المجتمع اليمني، وتقاربها مع ‘القاعدة’ سيُغيِّر شكل الحرب على الإرهاب كثيرا.
ومن خلال كل ما تقدم يبدو أن الأمور تتهيأ لتنظيم ‘القاعدة’ بشكل قد يفوق قدرته على استيعابها، وأن قوته تكمن في اعتقاد خصومه بأنه ضعف، أو في عدم قدرتهم على تحديد نتائج حربهم عليه.

‘ باحث في شؤون تنظيم ‘القاعدة’ في اليمن
  رد مع اقتباس