عرض مشاركة واحدة
قديم 12-09-2010, 12:09 AM   #108
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي


للأسف الشديد لم ننجح في اليمن في بناء وطن حقيقي!

/12/08 الساعة 20:11:01 أ.د.سيف العسلي

صحيح اننا نستخدم مصطلح وطن بمناسبة او بدون مناسبة و لكن الصحيح ايضا اننا لم ننجح حتى الآن في بناء و طن حقيقي. فمن يحلل الخطابات السياسية منذ فترة غير قصيرة فسيدرك و بدون عناء المبالغة في استخدام هذا المصطلح و لكن بدون سعي حقيقي للبدء في بناء الوطن المنشود.

فالحركات المعارضة لحكم بيت حميد الدين كانت تلقب نفسها بالحركات الوطنية. و بعد الاطاحة بحكم هذه الاسرة وصفت التيارات و القوى السياسية الجديدة نفسها على انها قوى وطنية. و بالمثل فان الحركات السياسية في الشطر الجنوبي قبل و بعد الاستقلال قد لقبت نفسها بالوطنية.


ليس عيبا ان تصف هذه القوى و الحركات نفسها بانها وطنية. فالوطنية هدف نبيل و لكن العيب هو احتكارها لقب الوطنية و للوطن دون غيرها. و نتيجة لذلك فإنها لم تسع و لم تنجح في بناء وطن حقيقي. فمن الواضح ان ما كانت تهدف لبنائه هو وطن لها فقط و يستبعد القوى الاخرى. و لذلك فما حققته لم يكن في الحقيقة وطناً وإنما كان طاغوتا بكل معنى لهذه الكلمة.

لقد اثبتت هذه التجارب المتعددة ان الوطن الحقيقي لا بد و ان يشارك الجميع في بنائه او على الاقل ان يكون ملكا للجميع، سواء الذين شاركوا في بنائه او الذين لم تتح لهم الفرصة في المشاركة في ذلك. فحقوق المواطنة لا يمكن ان تتجزأ و لا يمكن ان تتفاوت. فمن يفرق في حقوق المواطنةلأي سبب من الاسباب فانه في حقيقة الامر لا يبني وطنا و انما يبني طاغوتاتتمتع فيه قلة بحقوق غير محدودة لكن بدون مسئوليات. و تتحمل الاغلبية كامل المسئوليات و لكن بدون حقوق.

الوطن الحقيقي فقط هو الذي يتيح لجميع المواطنين بغض النظر عن عرقيتهم او طوائفهم او مذاهبهم او مناطقهم السعي لتحقيق اهدافهم النبيلة. و الاهداف النبيلة هي التي تنبع من قيم المواطنين انفسهم. اما الاهداف التي يتم فرضها عليهم من اي جهة كانت فليست نبيلة على الاطلاق. ذلك انه لا يوجد اي مبرر لأي جهة ان تفرض قيمها على الآخرين و بالتالي فانه لا يحق لها ان تصف اهدافها الخاصة بها على انها نبيلة تحت اي ظرف من الظروف. فان اعطت لنفسها هذا الحق فإنه لا بد وأن تعطيه لغيرها.

يمكن فقط اقناع الآخرين بالقيم النبيلة و بالتالي الاهداف النبيلة. و على هذا الاساس فانه ينبغي على النخب ان تسعى لإقناع الآخرين بما تعتقد انه قيم نبيلة و بالتالي اهداف نبيلة. و في هذه الحالة فانه لا يحق لها ان تعتبر كل من يخالفها بانه لا يملك قيما نبيلة و بالتالي اهدافا نبيلة. ان ممارسات كهذه ما هي الا ضلال مبين. فالجميع بشر. فأي ادعاء بنبل قيمه و اهدافه فانه لا بد و ان يكون مستعدا لوضعها للاختبار على ارض الواقع. اي انه لا بد وان تكون هذه القيم و الاهداف مفيدة و مقبولة من قبل الجميع. و اي اهداف لا تتصف بهذه الصفة فهي في الحقيقة اهداف غير نبيلة لأنها ببساطة لا تخدم و لا تلقى القبول الا من فئة محدودة من فئات المجتمع. و لذلك فانه لا ينبغي القبول بالادعاءات ما لم تكن متطابقة مع الواقع. فالقوى الوطنية هي القوى التي تقبل بوطن للجميع و تسمح للجميع بالمشاركة في بنائه وتتخلى عن ممارسة الوصاية على بقية المواطنين و تبرهن على حقيقة ان الوطن هو ملك للجميع.

في هذه الحالة يمكن ان يتعاون الجميع طوعيا على تحقيق الاهداف النبيلة؛ أي المفيدة و المقبولة من الجميع و النابعة من قيم الجميع. و بخلاف ذلك فان الاهداف المفروضة لا يتم تحقيقها الا من خلال القوة و القهر؛ اي من خلال الطاغوت. في الحالة الاولى يختفي الخوف و القلق و يحل محله المبادرة و الانجاز و الثقة و الشفافية و المساءلة. و لا شك انه يترتب على ذلك تقلص عوامل الفرقة و الخصومة و تحل محلها عوامل التكافل و المناصرة. في هذه الحالة فقط تتوفر الظروف المناسبة لبناء وطن حقيقي. اما في الحالة الثانية فينتشر الخوف و القلق و اليأس و التناحر و التخاصم و التقاتل و التدمير.

في الحالة الاولى يكون الوطن ملك الجميع و بالتالي فانه يتجسد في الجميع، اي في مصالح و رغبات الجميع. اما في الحالة الثانية فان الوطن يكون ملكا لقلة و متجسدا في مصالحها و رغباتها. الوطن الحقيقي يجب ان يكون جزءا من كل مواطن لأنه يستحيل ان يختزل في البعض و ينعدم من الآخرين. و لأنه كذلك الدفاع عنه و تطويره سيكون مسئولية الجميع. لذلك فان كل المواطنين سيعملون على تطويره دون كلل او ملل لأنهم جميعا مستفيدون من ذلك حتى و ان تفاوت مقدار الاستفادة.

ان بناء وطن كهذا ليس خيالا و انما ممكنا. فالأدلة على ذلك كثيرة. فقد استطاعت امم كثيرة بناء وطن حقيقي لها. و نتيجة لذلك فان ذلك قد انعكس ايجابيا على جميع مواطنيها و بدون استثناء. و من يرغب بالتأكد من ذلك فما عليه الا ان يقارن ما يرغب من المؤشرات مثل مؤشرات، الدخل و الصحة و التعليم و التمدن و الكرامة و العزة في هذه الدول و في الدول التي لم تنجح في بناء و طن حقيقي لها. لا اشك لحظة بانه سيجد فرقا واضحا لا يقبل التأويل او الدحض.

ان مؤشرات الصحة في هذه الدول متطورة و مستويات التعليم فيها متقدمة و تنعم بمستويات قياسية فيما يخص كل مؤشرات الرفاهية و الاستقرار. و لا شك ان الوحدة الوطنية في هذه الدول حقيقة ثابتة لا تحتاج الى حماية لها من قبل فئات معينة منها، لأنها محمية من فئات المجتمع. و لذلك فانه لا يحد من افراد هذه الأوطان من يرغب في الانتقال الى مواطن اخرى مهما كانت الاغراءات. و لا شك ان ذلك بعكس ما يحدث فيما يمكن ان يطلق عليه الوطن الناقص، فانه لو سمح لجميع المواطنين فيه بالانتقال الى وطن آخر لفعلوا ذلك و بدون ادنى تردد ما عدا النخب الحاكمة او المتنفذة.

للأسف الشديد ان نقول اننا في اليمن لم ننجح في بناء وطن حقيقي و كامل. و الادلة على ذلك كثيرة. فمن ذلك ضعف الانتماء الحقيقي لليمن و تجاهل مصالحه. و من ذلك ضعف التكافل بين اليمنيين لصالح انتماءاتهم الاسرية او المناطقية. و من ضعف الثقة بين اليمنيين. و من ذلك تغلب المصالح الخاصة على المصالح العامة. و لقد ترتب على ذلك عدم التردد من قبل البعض في الانقضاض عليه لأتفه الاسباب و تقاعس الاغلبية عن الدفاع عنه. ألا ترى ان الاحزاب السياسية تقدم مصالحها على مصالح الوطن. انها لن تقبل بوطن يشاركه فيها آخرون. و في هذه الحالة و للأسف الشديد فإنها تفضل بل ان بعضها قد يسعى الى القضاء عليه، لا لشيء و انما لأنها لا تتحكم هي وحدها بمقدراته.

لقد ترتب على ذلك خلق مناخ يعمل على تدمير الوطن. و يتمثل ذلك في تبرير و تشجيع التصرفات الانانية في تلك المجالات التي تعد الأسس المكونة لأي وطن حقيقي. فالتسابق على ممتلكات الدولة و المجتمع على اشده. و الوظيفة العامة لا علاقة لها بما يجب ان تقدمه مؤسسات الدولة من خدمات عامة للمواطنين. و نتائج ذلك واضحة فيما يخص كلا من الامن و العدل و التعليم و الصحة و التخطيط العمراني و الحضري و غير ذلك من المجالات. و مع ذلك فان هذه القضايا لا تحظى بأي اهتمام لا من قبل الاحزاب السياسية و لا حتى منظمات المجتمع المدني. فالتجار يتهربون من دفع الضرائب و يتباهون علنا بذلك. و المقاولون يستهترون بالموصفات و لا رادع لهم.

و نتيجة لذلك فان الجميع يشكو و لكنه لا يدري لمن يشكو. ألا ترى ان الاحباط قد ترسب الى كل مفاصل المجتمع و الدولة. ألا ترى ان من يعاني لا يجد حتى من يسمع لمعاناته و يتعاطف معه معنويا و شعوريا. ألا ترى اننا قد فقدنا التخطيط للمستقبل وما يهمنا هو ما نحن عليه و ان اقصى ما نريد المحافظة عليه هو الوضع الراهن على الرغم من بؤسه. الا ترى انه لم يعد هناك مرجعيات متفق عليها و لا ثوابت يحافظ عليها. ألا ترى ان لا احد يهتم بمستقبل الاجيال و لا بالكوارث التي تهدد البلاد. ألا ترى انه لا يتم التفرقة بين من يستخدم القلم للنقد و بين من يستخدم البندقية لفرض رأيه على الآخرين. ألا ترى انه لا فرق بين من يمارس الخطابة في المساجد و بين من يستخدم المتفجرات لقتل الناس الأبرياء بدون تمييز؟!.

ان السعي الحقيقي لبناء وطن حقيقي للجميع في اليمن ويجب ان تكون نقطة بداية هو الحرص على حماية النفس و المال و العرض لكل اليمنين. لا شك ان أهدافاً كهذه نبيلة و تستند على قيم نبيلة. و لا يمكن ان يختلف على ذلك اثنان. و مع ذلك فانه في الوقت الحاضر فان هناك تساهلاً مع قتل النفس التي حرمها الله سواء كان ذلك من قبل الدولة او القبيلة او الحركات السياسية او التصرفات الفردية. ان هذا التساهل يجب ان ينتهي و يجب على الجميع اعتبار ان قتل اليمني جريمة كبرى و بالتالي يجب ان تتضافر جهود اليمنيين لمنعه من اي جهة كانت. يجب عدم القبول بان تكون دماء الاثوار مساوية لدماء بعض اليمنيين. فلا يمكن القبول بأي مبرر لقتل اليمنيين مهما كانت مناطقهم او فئاتهم الاجتماعية او انتماءاتهم القبلية أو ولاءاتهم السياسية أو مذاهبهم.

يجب ان نعترف بان هناك تقصيرا كبيرا في حماية الاموال الخاصة و العامة. لذلك فانه يجب ان تكون حماية الاموال المشروعة اولوية كبرى. و في مقدمة ذلك الاموال العامة التي يجب ان تحمى من نهب التجار و المقاولين و مسئولي الدولة. و في نفس القدر يجب توفير الحماية الكافية للممتلكات الخاصة و في مقدمة ذلك المنازل و الاراضي و الاستثمار و التجارة و غير ذلك. بالاضافة الى ذلك فان كرامة اليمني و عرضه يجب ان تكون مصانة و محمية. و في مقدمة ذلك تمكينه من التعرف على حقوقه الانسانية و السياسية و الثقافية و الاجتماعية.

يجب ان تكون حماية النفس و المال و العرض مقدمة على اي شيء آخر. فلا معنى لاستقرار سياسي اذا كان ذلك على حساب السماح بقتل انسان واحد، لأنه في هذه الحالة لا معنى لأي استقرار سياسي اذا لم يكن نابعاً و محكوماً بالمساوة في المواطنة. وكذلك فانه لا معنى لأي تنمية اقتصادية اذا كانت تقوم على نهب المال العام او المال الخاص. لأنه لن يسمح لاحد ان يثري على حساب الآخرين و بالتالي فان هذه التنمية لن تكون قابلة للاستمرار مهما بلغ مستوها.

ان بناء الوطن الحقيقي يبدأ عندما يتفق اليمنيون على ذلك و يتم توفيرها لهم جميعا و بدون استثناء. و لا اشك ان احدا في اليمن سيعارض ذلك. و لكن الصعوبة تكمن في تطبيقها على بعض المتنفذين. و في هذه الحالة يجب ان يعلم هؤلاء انه من مصلحتهم ذلك حتى لو بدا لهم خلاف ذلك في الاجل القصير. فما من شك ان من يعاني من الآثار الضارة لممارسة الثأر هم المتنفذون. و اذا لم يوافق بعضهم على ذلك فانه لا بد من الاخذ على ايديهم حتى يتوقفوا عن الممارسات المتناقضة مع المواطنة المتساوية.

اني اعتقد ان ذلك سيمثل البنية الاولى و الاساسية لبناء وطن حقيق، لان ذلك لمصلحة الجميع و ان ذلك سيعمل على تفاعل المواطنين اليمنيين فيما بينهم بصورة سلمية و مفيدة و سيعمل على حماية الوحدة الوطنية و سيعمل على تطوير الديمقراطية و على تحقيق التنمية الاقتصادية. و بدون ذلك فان اي جهود تسعى لبناء الوطن اليمني لن تكون سوى حرث في البحر او جري وراء السراب. فاذا كنا قد أضعنا الكثير من الوقت في ذلك فهل حان الوقت لأن نبدأ بصدق و جدية في بناء اليمن، يمن الجميع و ليس يمن أي شيء آخر.
"الوسط"
التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح
  رد مع اقتباس