عرض مشاركة واحدة
قديم 04-16-2008, 09:38 PM   #2
نجد الحسيني
شخصيات هامه

افتراضي



بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

سيّد الشعراء حسين أبو بكر المحضار


ربّما جاء هذا الموضوع متأخرا بعض الشيء على ميعاد حلول الذكرى الثامنة الخالدة لرحيل الشاعر القطب السيّد حسين أبو بكر المحضار، لكنّ ما يشفع لي هو أن المحضار حاضر معي في روحي وعقلي ووجداني في حياته وبعد مماته، ففي كلّ يوم يطلع شمسه فانّ للمحضار ذكرى في قلوب محبيه والناس أجمعين. حتى من قبل طلب الاخوان الأحباء فقد كنت أعدّ العدّة وأستعدّ للكتابة عن السيّد المحضار ورفيقه محمد جمعه خان وصديقه أبو بكر سالم بالفقيه فالمحضار وسيرته من مشاريعي التي تشمل أيضا شيخ الشعراء يحي عمر وأمير الشعراء القمندان وشاعر الشعراء الفضول وثائر الشعراء سبيت ومجموعة من أفذاذ الشعر الحميني التليد. وعندما بدأت بشيخ الشعراء يحي عمر لم أكمل العمل وتوقفت في نصف الطريق بعد أن رأيت أنه بالامكان تقديمه بصورة أفضل ممّا قدمته عليها، لكنّ الوقت كان أكبر عدو لي فلم أنجز وأتمّ ما بدأته وعرجت على سبيت بذكرى وفاته مستعجلا فلم أوفي الرجل حقّه كما ينبغي وبالرغم من تجهيزي بعض المعلومات عن أمير الشعراء القمندان والفضول وبقية فحول الشعر الحميني الاّ أنّي فضّلت التأني بالأمر .. وعندما جاء ذكر سيّد الشعراء حسين أبو بكر المحضار لم أتمالك نفسي وقلمي وأوراقي من الوقوف على قطرة من قطرات علم ومعرفة هذا الرجل العظيم. مهما قلت عنه أو فعلت أو كتبت فقد سبقني إلى ذلك من قال وفعل وكتب بأحسن منّي وسوف يلحق من بعدي من يقول ويفعل ويكتب عن سيّد الشعر واللحن والكلمة ويأتي بما لم تأتي به الأوائل. ليس في عملي هذا عمل مؤرخ لرجل تأريخي لكنه عمل يتحدّث للأجيال عن تأريخ رجل صنعه بنفسه من علو شأن ورفعة مقام.

عرف الجميع وتعرّف على شاعرنا الكبير الراحل السيّد حسين أبو بكر المحضار من أبيات شعره لكنّ عدد قليل منهم سمعوا او استمعوا إلى صبابته في الغناء وهذه واحدة من نادرات التسجيلات الصوتية للشاعر المحضار في جلسة خاصة ضمّت معه أيضا رفيقه وصديقه أبو أصيل، أغنية "يا مسافر على البلاد" يؤديها المحضار مع شلّة أنسه.. وأشكر بهذه المناسبة من رفع هذه الأغنية في موقع أبو أصيل ويعود رفعها إلى الأخ ابن الغنّاء مشكورا.





نسبه:

يرجع المرحوم السيّد المحضار بنسبه الى السادة الأشراف من بني هاشم فهو السيّد حسين بن أبوبكر بن حسين بن حامد بن أحمد بن محمد بن علوي بن محمد بن طالب بن علي بن جعفر بن أبوبكر بن عمر المحضار بن الشيخ أبوبكر بن سالم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد مولى الدويله بن علي بن علوي بن محمد الفقيه بن علي بن محمد بن علي بن علوي بن محمد بن علوي بن عبيد الله بن أحمد المهاجر بن عيسى النقيب بن محمد النقيب بن علي العريضي بن جعفر الصادق (رضي الله عنه) بن محمد الباقر (رضي الله عنه) بن علي زين العابدين (رضي الله عنه) بن الحسين (رضي الله عنه) بن علي (رضي الله عنه) بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم.


مولده ونشأته:

ولد شاعرنا الراحل السيّد حسين أبوبكر المحضار في مدينة الشحر عام 1350هـ الموافق 1930م. وقد نشأ في أسرة متصوفة ذات مكانة معروفة في حضرموت فهو حفيد الشاعر الشعبي المعروف " حسين بن حامد المحضار " وجده لأمه الشاعر الشعبي المعروف أيضا صالح بن أحمد خمور كما أن من جدّه لأبيه الشيخ أبو بكر بن سالم الذي اشتهر بورعه وتقواه وكان يعدّ من عباد الله الصالحين وأولياءه، نحسبه عند الله من الأولياء ولا نزكي على ربنا سبحانه وتعالى أحدا من عباده.
درس شاعرنا في مدرسة مكارم الأخلاق في الشحر، ثم في رباط الشحر حيث أتم دراسة القرآن الكريم وتفسيره والفقه والتوحيد واللغة العربية والأدب.


شعره:

هو واحد من أبرز شعراء الحمينيات المتأخرين وربما يذهب بنا القول إلى وصفه بالفارس الأخير وليس بآخر الفرسان في هذا المضمار الذي استمر السباق فيه والتسابق عليه مدة تزيد عن الثمانمائة سنة حيث اعتمد المؤرخون بداية ظهور الشعر الحميني في القرن السادس الهجري مع بروز كبار شعراء التصوّف الذين أثروا هذا المقام بفيض من أشعارهم التّي حلقت في فضاء رحب يمتدّ من الأندلس غربا حتى السند شرقا، ويسجّل بعض من المؤرخين أن بداياته ترجع إلى القرن الثاني للهجرة النبوية الشريفة على صاحبها سيّدنا محمد صلّ الله عليه وسلّم أفضل الصلاة وأزكى التسليم. شهدت بلاد اليمن ميلاد هذا الشعر حيث شكلت ساحة فسيحة له ولفرسانه الأشاوس الذين صالوا وجالوا في ميادينه وما يزالوا ولو أنّ بريقه خفّ بعض الشيء ببروز النثر المرتجل لكنه يظلّ عند الشعراء اليمنيين على وجه الخصوص ورقتهم الذكيّة وحصانهم الرابح الذي يراهنون عليه حتى اليوم. العجيب في الأمر أن أسماء الفرسان لا تقتصر فقط على العرب بل نشاهد كيف زاحم في الحلبة فرسان معدودين من غير العرب وبالأخص الترك من أمثال: سليم شعبان وابن سناء الملك وحيدر آغا وغيرهم. ومع بداية النهضة الأوروبية في الغرب لاحظت جليّا ودرست كيف أن كبار الشعراء في الأدب الفرنسي والانجليزي والألماني وحتى الروسي من أمثال هوجو ولافونتين وشكسبير وغوته ودوستويفسكي وفي ايطاليا واسبانيا أيضا قد فضلوا سلاسة وتحرّر الشعر الحميني على بلاغة وقيود الشعر الحكمي (العربي الفصيح). الشاعر الراحل المحضار في تراثه الحميني كان أقرب إلى فهم عموم الناس لكلماته وتعبيراته مهما اختلفت مشاربهم عكس بعض فحول هذا الشعر وسدنته وأساتذته الكبار أمثال بن شرف الدين ويحي عمر والقمندان الذي يصعب فهم معاني بعض الكلمات في معجم أشعارهم من عامة الجمهور.


ألحانه:

ما يزال هناك أناس في حضرموت يطلقون على الغناء الحضرمي (الدان)، ربّما كانوا على حقّ في القديم، على الأقل حتى مجيء المحضار ومع مجيئه بطل ذلك القول لأنّ المحضار بألحانه أخرج الفنّ الحضرمي من بوثقة الدان الضيقة إلى فسحة واسعة من الغناء الحقيقي. إذ أن الدان يقتصر على الأهازيج الشعبية والمواويل البدوية من داخل حضرموت مع بعض التطوير من الشرح الحضرمي في الساحل. كما أنه بالإمكان أداء الدان دون أية مؤثرات موسيقية وأحيانا يكتفى بنقر الطار أو الطبلة بصحبة الدان. وعندما ظهر المحضار تغيّر شكل الدان وتحوّل إلى أغنية عصرية حقيقية عرفت واشتهرت بالأغنية الحضرمية، انّ عبقرية المحضار وعلومه ومعرفته بالشعر والغناء اليمني خاصة والعربي عامة جعلته يركب ويتنقل ببساط الطيف القزحي من الألحان اليمانية من حضرمية ويافعية وصنعانية ولحجية وموالد وشلاّت صوفية وترنيمات دينية وأهازيج بدوية وغيرها ممّا ترددت كثيرا على مسامعه سواء في الحفلات الشعبية أو في الأعراس وفي كلّ المناسبات الشعرية والغنائية ليفصّل منها، ويخترع من قريحته فيضيفه إليها، فيسبل على النغم الحضرمي حلّة مطرزة زاهية ومرصعة بأشجى وأعذب الألحان لتعلن ميلادا متجددا وجديدا للغناء الحضرمي المعروف والمشهور.
للفنّان بالفقيه ألحانه وأيضا للفنان عبد الرب ادريس ولغيرهما أيضا ألحانهم الخاصة بهم، الاّ أنّه كما يقال فانّ ألحان المحضار غير كلّ الألحان.. ألحان نشأت من خلاصة البيئة اليمانية لترسم الأصالة العريقة وتحفظ التراث العتيق وتبقي حضارات تترى على أمّة الغناء اليمني الخالد بينما نلاحظ عند غيره من الملحنين التداخل والتقليد للأغنية المصرية المعاصرة وكذلك للأغنية الخليجية المحدثة...
ومن أعجب ما يميّز المحضار في ألحانه عدم عزفه على أية آلة موسيقية وخاصة العود، وهذا ما يدهش له، إذ أننا سمعنا ورأينا كيف كان دور العود مع الملحنين الكبار وأهميته عندهم.. هناك السنباطي والقصبجي وفريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب وغيرهم من الأفذاذ. وقد علمنا أهميّة العود في حياتهم من أجل استنباط واستخراج أعذب النغمات وأرفع المقامات.. لكنّ حال المحضار مختلف عن كلّ الحالات، فهو نسيج وحده. فقد أغناه إلهام فكره البديع عن هذه الآلة المساعدة. وكمّا تميّز المحضار في شعره كذلك كان مميّزا في ألحانه. وقلّما يجاريه أحد من أقرانه في عبقريته وموهبته إلاّ النذر اليسير جدا من الأسماء.


محمد جمعه خان:

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ليس بالقول الصائب كلّ من يدّعي بأن للفنان القدير السيّد أبو بكر سالم بالفقيه الفضل الأكبر في بروز كلمات وألحان وأغاني السيّد المحضار وأن لأبو أصيل الدور الأكبر في شهرة المحضار، ففي هذا كلّ المغالاة وما هذه الاّ ادعاءات مبالغ بها جدا بل أنّها غير صحيحة.. جميعنا يعرف بأن الثنائي الخطير المحضار/بالفقيه برز جليّا في العام 1965 وهو العام الذي توفي فيه المرحوم محمد جمعه خان بعد أن حلّق بأغاني المحضار من درر كلمات وشدو ألحان فاح عبيرها لتعطّر أجواء اليمن والجزيرة والخليج ولم أفاجأ عندما اقتنيت في سبعينيات القرن الماضي أكثر من 20 ألبوما غنائيا (كاسيت) مناولة من شركة استديو رومكو للتسجيلات تضمّ قرابة مائة أغنية للمرحوم محمد جمعه خان بما فيها القصائد الغنائية للسيّد المحضار مثالا على ذلك وليس حصرا أغاني: يا رسولي توجه بالسلامة.. على ضوء ذا الكوكب الساري.. قال بو محضار.. ليلة في الطويلة.. تمنيت والحقت تمناة قلبي.. بالغواني قلبي مولع.. ولا ذي الأوله منك.. وترى ما كان بيني وبينك.. عاد قلبي معك.. الخ... مثل تلك الأغاني التي نالت شهرة واسعة في اليمن والجزيرة والخليج من قبل أن يعرف النّاس فنّانهم المحبوب بالفقيه حيث أنها سبقت ظهور الفنّان أبو أصيل الذي كان يخطو أولى خطوات بداية مشواره الفنّي الجميل. كان السيّد المحضار فرح ومسرور جدا وسعيد غاية السعد وكانت سعادته لا توصف بوجود فنّان كبير وقدير من طراز المرحوم محمد جمعه خان على الساحة الفنيّة بتأريخه الفنّي الطويل ووريث ملوك الطرب والغناء اليمني وعلى رأسهم بن هرهرة وفيما بعد باعشن وصاحب أغنيات عظيمة في كلماتها من عنترة ويزيد الى شوقي والأخطل الصغير وألحان ذات صدى واسع من مختلف الطيف القزحي اليماني من حضرمي ويافعي وشرح وهندو-يماني و... وقد رأى السيّد المحضار في فنّان من هذا الطراز تحقيق أحلامه وأنّ ما صنعه القمندان من فنانه فضل اللحجي سوف يكرره محمد جمعه خان معه.. لكنّ الأقدار عاجلته وتوفي محمد جمعه خان كما أسلفنا في أواخر العام 1965 رحمه الله تعالى وغفر له، وحزن المحضار حزنا شديدا عليه وبكاه وندبه ورثاه برائعة من روائع الرثاء الغنائي في قصيدته يوم الخميس الصبح الذي غنّاها المرحوم الفنان محمد سالم بن شامخ.. وظلّت ذكرى الفنّان الراحل محمد جمعه خان في فكر ووجدان الشاعر الراحل المحضار باقية وحاضرة معه في كلّ زمان ومكان، ومن شدّة شوقه إلى حبيبه لم ينساه وناداه وناجاه في ذكرى يوم الوحدة العظيم في رائعته الوحدوية العصماء "اليوم أنا في حاجة لأمثالك" وكان المقصود به محمد جمعه خان، يصيبنا الحزن لحزن المحضار على فقيد الفنّ محمد جمعه خان عندما يعبّر عن حاجته لصاحبه فلا يجده ويذهب بالتصريح لحبيبه الذي لم ينساه أبدا ويطلب منه أن يشاركه شدوه بالوحدة من تحت ارماس قبره -طيب الله ثراهم جميعا- بقوله:
يا بوعلي هات غنّ للوحدة ففيها كلّ خير ** واهتف لها وأشدو ولو من تحت طيّات الكفن.
هذه وقفة من أروع وقفات الأصدقاء عندما تفرق بينهم الأقدار.
يرحمهم الله تعالى جميعا ويغفر لهم ويعفو عنهم ويتوب عليهم . آمين


أبو بكر سالم بالفقيه:

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

من سماعي وقرءآتي للبعض، خرجت وكأنّي بحضور فريقين يمارسان شدّ لعبة الحبل.. طرف يبالغ بإعجابه بالفنّان المحبوب بالفقيه على حساب الشاعر القدير المحضار وطرف آخر بالعكس من ذلك تماما. نسي الطرفان بأن لو هناك ثنائيا ناجحا وموفقا يسجّل للأغنية الحضرمية لكان وما يزال الثنائي (المحضار/بالفقيه).. وانّ ثنائية المحضار/بالفقيه أكبر وأعمق من ثنائية المحضار/محمد جمعه خان حيث أن الأخير قد سبقت شهرته وتقدّم حضوره شاعرنا الكبير المحضار وقد جاءت أغانيه المحضارية متأخرة رغم سبقه بالفقيه باداءها، بذلك يحقّ لنا اعتبار الفنان أبو بكر سالم بالفقيه سفيرا فوق العادة دون منازع للأغنية الحضرمية المحضارية.. أمّا من ذهب به القول الى مقارنة بالفقيه والمحضار شعرا يكون قد ظلم أولا وأخيرا الفنان بالفقيه كثيرا لأنّ الفنّان نفسه لم يسجّل عليه قول كهذا والمحضار في أشعاره أبلغ وأغزر وأعمق انتاجا وكلمة ونظما ولحنا.. آخرون ذهبوا الى حدّ اعتبار الفنّان بالفقيه، ظنّا منهم بأن في قولهم هذا ما يرفع من شأن بالفقيه وقدره وهو ليس بحاجة الى مثله، وقد زعموا أنّ الفنّان بالفقيه لم يبدأ مشوار حياته الفنية من المخادر والأعراس وانمّا كانت من على خشبات قاعات المسارح، وكأنهم يرون بالمخادر والاعراس نقصا بحقّ الفنّان.. وهذا قول مجافي للحقيقة تماما.. أولا، أن هذه المخادر والأفراح أخرجت للناس أساتذة الفن والطرب في عموم محافظات اليمن والجزيرة والخليج.. منها خرج علينا الشيخ علي ابو بكر باشراحيل ومحمد جمعه خان وعوض عبد الله بو مهدي المسلمي وعبد القادر بامخرمة والعنتري والماس والقعطبي وعمر محفوظ غابة ومحمد سعد عبد الله الخ... وعندما نزل الفنان بالفقيه عدن في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي بعد أن كانت بداياته في حضرموت مصاحبا لفرق الانشاد الصوفية شارك في هذه المخادر مع جملة من أساتذة الغناء أمثال المرشدي ومحمد سعد عبد الله وغيرهم... لا شيء في المخادر يعيب الفنان بالفقيه أو ينقص من قدره كما يحاول البعض تصويره لنا عن غير علم ومعرفة. أمّا الطرف الثاني ذهب بعيدا بوصفه فناننا الكبير بالفقيه بالغرور والصلف ونسيان رفيق عمره المحضار و... و... وهي صفات ليست من خلق الفنان بالفقيه ولا من طباعه.. وخير من يعبّر عن نفسه بالردّ على الطرفين هو الفنّان نفسه عندما قال:
ـ مشواري الفني مع صديقي الراحل حسين المحضار يمثل عمري الفني الحقيقي.. فهذا الانسان رحمه الله كان بمثابة الاخ الكبير المحب وبالنسبة لي المحضار لم يمت ولازال تأثيره علي كفنان باقٍ حتي النهاية.. ومهما قلت ومهما وصفت فلن اعطي المحضارالانسان العظيم والمتميز حقه.
- في القصيدة واللحن يمثل الشاعر المحضار الابداع ذاته.. واعتبره فلتة هذا الزمن ومدرسة عظيمة سينهل منها الجميع دون انقطاع، فالشاعرالكبير والفنان الحساس حسين المحضار حالة استثنائية تماماً لن تتكرر ويشكل وحده مجموعة فنون محضارية مميزة بالفكرة الشعرية التي يطرحها وكذا عذوبة وجمال اللحن.
بهذه الشهادة العظيمة من الفنان القدير أبو بكر سالم بالفقيه أوفى وأبلغ ردّ على مؤيديه ومخالفيه على حدّ سواء. ولا أبالغ بالقول أنّ الفنان بالفقيه يعتبر التؤام الروحي للشاعر المحضار. وكما أنّ الفنّان لسان الشاعر مثل الثنائي أحمد شوقي بك/محمد عبد الوهاب، القمندان/فضل اللحجي ومن بعد فيصل علوي، عبد الله الفضول/أيوب طارش، امّا يحي عمر فان قدم عصره لم يسجّل له فنانا بعينه لكن توزعت الأدوار لاحقا على عدد كبير من الفنانين. وهكذا وبذات الأنماط برز وظهر الثنائي الشهير المحضار/بالفقيه ومن قبل محمد جمعه خان.


التصوّف في حياته وشعره:

هو السيّد من نسل السادة الأفاضل الكرام ومن أشهر أجداده لأبيه السيّد القطب الصوفي الشيخ أبو بكر بن سالم، وقد ورث المحضار عن أبائه وأجداده المكارم الحميدة والإحسان، فهو الصوفي المتصوّف من أهل الصوفية المشهورين وليس من المبتدعين.. ولم يغفل في قصائده عن البوح ببعض أبياته الصوفية الشهيرة كما جاء عنه في نشيد الحج إلى مكة المكرمة في رائعته "لبيك اللهم لبيك":

لبيك رمز الحب .. لولا الحب ما عاشوا محبيك ..
ولا طلع انسان من أرضه الى مكة يلبيك ..
يارب وفر حبنا فيك واعمدنا عليك ... لبيك اللهم لبيك ..
ودعائي وجهته إليك .. لبيك اللهم لبيك ..

وفي قصيدة عصماء إلى طيبة الطيبة ومدينة رسول الله صلّ الله عليه وآله وصحبه وسلّم المنورة:

إلـى طـيـبـه ومـافي الكون بقعه مثل طيبه ** بها قلبي يطيب
إلـى الـشباك والمحراب والروضه الرحيبه ** ومسجدها الرحيب
مـنـازل أنـزل الـقـرآن فـيـهـا وروح الـقدس جبريل
يـعـود الـحـي لـي كـتـبـت لـه العوده وتيسير السبيل

و وقـفـه يـالـهـا والله مـن وقـفه مهيبه ** لدى طه المهيب
قـلـوب الـنـاس مـن خـلاّقها فيها قريبه ** وهو منها قريب
عـلـيـهـا تـاج مـن آثـار عـفـوه ومـن رحمته اكليل
يـعـود الـحـي لـي كـتـبـت لـه العوده وتيسير السبيل

هـنـا تـتـنزل الرحمات كلٍ له نصيبه ** عسى حسن النصيب
هـنـا يـرتاح عَرف المصطفى ونشم طيبه ** ويا مااحسنه طيب
هـنـا نـور الـسـمـا لـي تـنـطـفي فيه أنوار القناديل
يـعـود الـحـي لـي كـتـبـت لـه العوده وتيسير السبيل

ومـن فـي الـكـون عند الله افضل من حبيبه ** ويا نِعم الحبيب
ومن غيره يجلي الكرب في الساعه العصيبه ** وفي اليوم العصيب
إذا نـادى الـمـنـادي ويـن هـابـيـل سـافـك دم قابيل
يـعـود الـحـي لـي كـتـبـت لـه العوده وتيسير السبيل

إذا نـا عـن حـمـاه الـيـوم طولت المغيبه ** فسره لن يغيب
وحـبـي لـه وذكـره مـنه لساني رطيبه ** وغصني به رطيب
ونـوره نـور فـي الـدنـيـا ومـنـه الـكـحـل والميل
يـعـود الـحـي لـي كـتـبـت لـه العوده وتيسير السبيل

تـشـفع يا رسول الله في دفع المصيبه ** عسى المخطي يصيب
وتـتـحـرر مـن الاعداء فلسطين السليبه ** وكل موطن سليب
وتـتـلاقـى قـلـوب الـنـاس عـالـحق لا عالقال والقيل
يـعـود الـحـي لـي كـتـبـت لـه العوده وتيسير السبيل

رحم الله تعالى المحضار وجعل كلماته الطيبة في ميزان حسناته يوم القيامة. آمين


السياسة في حياته:

الشاعر الراحل حسين أبو بكر المحضار خير من وفّق بين سياسة الحكام وشعوبها وتوافق مع سياسة الحاكم وشعبه. حافظ المحضار طوال مشوار حياته على التوافق والانسجام بين الشعب والدولة حتى وإن كان وصل ذلك الانسجام شعرة معاوية السياسية التي ظلّ المحضار ممسكا بها و محافظا عليها. لم يكن المحضار ذكيّا فقط لكنه كان داهية من دهاة العرب المتأخرين. حتى في عهد الحكم الاشتراكي الشمولي في اليمن، شاهدنا كيف كان المحضار مقربا من الحكّام كما كان قريبا جدا من شعبه الذي أحبّه، وهذه صفة نادرة أن يجمع الرجل بين حبّ الراعي والرعيّة في عهد ساده النفاق وغلبت عليه المصالح. لقد حقّق المحضار من حبّ الحاكم له الوسيلة إلى مصلحة الشعب كما تحقّق له من حبّ شعبه الوسيلة إلى نصيحة الحاكم وإرشاده. كان حبّه في قلب الحاكم والمحكوم والراعي والرعية على حدّ سواء.. لم يتغيّر ذلك بتغيّر النظام بل أنه بعد الوحدة اليمنية أزداد وتطوّر ولم تقف يوما دروب ومسالك قصور الحكام عائقا بينه وبين أبناء شعبه.
لم يجرى على المحضار سجن البردوني ولا نفي الزبيري ولا هجرة يحي عمر ولا محاولة اغتيال القمندان لأنّ من هؤلاء من صفق الحكّام بألسنة حداد.
ويثبت لنا مرّة ثانية شاعرنا الكبير كيف أنه نسيج وحده وكما أنّه كان معلما للشعر فانّه أيضا معلم للسياسة.


الوطنية في حياته وشعره

تغزّل المحضار كثيرا بمحبوبته اليمن ونسج لها أجمل الأشعار وسجع بأروع الأبيات، هنا أتركه يتحدّث عن محبوبته ومعشوقته اليمن:

محبوبتي اليمن
ــــــــــــــــ
حبي لها رغم الظروف القاسية رغم المحن
حبي لها أمي سقتنا إياه في وسـط اللبن

إن عشت فيها لأجلها عانيت
وان غبت عنها أنا لها حنيت

والحاصل إن الحب شي ماله ثمن
من قال محبوبتك من؟؟ قلت اليمن
___________
أحـببتها في ثوب بالي عيف أبلاه الزمن
أحببتها والسل فيها والجرب مالي البدن

وسكنت معها تحت سقف البيت
وكل ماأنتّ أنا انيت

وصبرت حتى طاب عيشي والسكن
من قال محبوبتك من؟؟ قلت اليمن
___________
واليوم قدها لابسه الزينات والثوب الحسن
مابارميها نهب للحنشان والا للدفن

عن حسنها بعمي عيون السيت
إن شط باسكب في عيونه زيت

مهما شغف قلبه بها وألا افتتن
من قال محبوبتك من؟؟ قلت اليمن
___________
باخلص لها إخلاص عاشق في هواها مؤتمن
ماباصبر فيها على باطل ولا بعبد وثن

باحل بها من حيث ماحليت
وان عاهدتني بالعهود أوفيت

وان خان حد لابارك الله في الخين
من قال محبوبتك من؟؟ قلت اليمن

وعن المحضار شاعر الوطنية عامة والوحدة اليمنية خاصة فقد أجمع الجمع والجمعان بأن السيّد حسين أبو بكر المحضار ـ طيب الله ثراه ـ شاعر الوحدة في كلّ ذرّة من ذرّات أرض اليمن.. فقد شغف فؤاده وجوارحه حبّ الوحدة ليحمل بشائرها قبل تحقيقها وحمل عشقها وهيامها في لبّه وبين جوانحه في كلّ مكان كما فعل من قبله الأديب والمؤرخ والشاعر اليمني الكبير الراحل محمد عبد القادر بامطرف وكذلك المبشّر الأول بالوحدة الأديب والفيلسوف الكبير الراحل علي أحمد باكثير رحمهم الله جميعا وأيضا من تلاهم من شعراء اليمن في حضرموت والمهجر من أمثال بارجاش والحوثري وخميس كندي وسالم بن حميد وحسن باحارثة وأخيه حسين وجمعان بامطرف وغيرهم من الأفذاذ.

يقول السيّد المحضار رحمه الله:

ما شي كما الوحدة، وربك دوب للوحدة نصير
واللي بغى الفرقة وقع له من على السترة مرنْ
معاد نبغى التجزئة، فقنا.. صحا فينا الضمير
على خزى ذي ما معاهم في لقانا حسن ظنْ..

ومن أقواله الخالدة في الوحدة:

ياسين بسم الله سَمْ حيوا الثغور الباسمهْ
هلّ نوفـــــمبر وتم إلماّ هــب نود وبرود
مني تحية للعــــــلم وعلى الوطـن ومعالمه
من حيد صيره لا قسم من رأس شبوه لاعسير

وأيضا:

احنا مع الوحدة بكل ارواحنا هي والقلوب
وإن عاد حد ماتاب قُلّ له إحمد المولى وتوب
إلى متى الفرقة؟ بانحمِّـل انفسنا الذنوب
كل من بغى الاسلام.. ما يبغى الزمان الجاهلي

وتحققت الوحدة لينبري شاعرنا من نظم زامل فيبشّر فرحا:

من حضرموت الخير بالبشرْ جيت
ناشر على الوحدة شراعي
إللي بها فوق السماء إعتليت
وازداد بين الناس ارتفاعي

وفي القصيدة التالية يخاطب شاعرنا الحبيب الأديب الراحل علي أحمد باكثير المبشر الاول بالوحدة اليمنية منذ عقود من الزمن، والفنان الراحل محمد جمعه خان قائلاً لهما إنه يحتاج اليهما اليوم في هذا العرس الوحدوي ليألفوا ويلحنوا للوحدة.. وماست به الفرحة الى حد أن طلب من الفنان محمد جمعه خان ان يشدو بالوحدة من تحت ارماس قبره -طيب الله ثراهم جميعا- فيقول:

اليوم أنا محتاج لأمثالك ومثل الباكثير
في عهد وحدتنا التي قد وحَّدت كل اليمن
يألفوا ويلحنوا الحان للوحدة كثير
ويذكروا أمجاد حمير أوسبأ أو ذويزن
يابو علي هات غنّ للوحدة ففيها كل خير
واهتف لها واشدو ولو من تحت طيات الكفن

ويقدّم الشاعر الفارس الشجاع روحه ودمه فداء للوحدة ويقول:

يا وحدتي ياعزتي ويا مكسب رفيع الثمن
شفديك بالروح وكل ما جرى في عروق البدن

ويواجه مؤامرات الانفصال ضد الوحدة وينعتهم بالطاعون بقوله:

بالله وبالوحدة وبالقائد وبالقانون
بانطرد أهل الضر وبانقضي على الطاعون
ذي بطى فينا وفي أجسامنا ينخرْ
ها قد توحدنا وأصبح نصرنا مضمون
ولعاد بانسمع كلام الناس لي يهْدون
ذي هم بغوا البنيان لي نبنيه يتكسر

ويحمل على جمعهم بنصل شعر أمضى من الحسام اليماني إذ يقول:

مجنون منْ قال إنا بانفترق مجنون
ويش بايفك الربط ذي يربطه رب الكون
نحن خُوَهْ من قبل نجم السنبله يظهر


التوقيع :
ما خاصمني عاقل إلاّ غلبته = ولا خاصمني جاهل إلاّ غلبني

التعديل الأخير تم بواسطة نجد الحسيني ; 04-17-2008 الساعة 09:36 AM
  رد مع اقتباس