عرض مشاركة واحدة
قديم 07-06-2012, 02:17 AM   #2
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي



قادة تاريخيون في القرن العشرين "عبد الفتاح اسماعيل"

كريم مروة
‏ *عبد الفتاح اسماعيل 1939 – 1986

بدأ عبدالفتاح اسماعيل حياته السياسية في وقت مبكر. وواجهته منذ البداية مشاكل مع رفاقه في الجبهة القومية تمكن من تجاوزها . لكن حياته انتهت بمأساة في مستوى الكارثة قادته إليها خلافات حادة مستعصية على الحل بين رفاق الدرب والكفاح. كان منذ شبابه الباكر مهووساً بالثقافة وبالمعرفة. وكان بين رفاقه في الجبهة القومية أكثرهم يسارية وأكثرهم ثقافة. والجبهة القومية هي التنظيم السياسي الذي شارك عبدالفتاح في تأسيسه مع رفاقه من أعضاء الفرع الجنوبي اليمني لحركة القوميين العرب. كان عبدالفتاح اسماعيل، في مرحلة التحولات التي شهدتها حركة القوميين العرب في مطالع ستينيات القرن، في مقدمة الذين أعلنوا انتماءهم إلى الماركسية على طريقته.

‏وكان لكل من سبقوه وسبقوا رفاقه في حركة القوميين العرب إلى الماركسية طرائقهم سواء من الشيوعيين والاشتراكيين على اختلاف مدارسهم، ومن أحزاب حركة التحرر الوطني العربية والعالمية المتعددة اتجاهاتها وبرامجها السياسية والمتعددة أشكال نضالها. واستناداً إلى قراءاته الواسعة في الأدبيات الماركسية قديمها وحديثها، وإلى ثقافته الواسعة في ميادين المعرفة، رأى عبدالفتاح منذ وقت مبكر، لا سيما في المرحلة التي أعقبت انتصار ثورة أكتوبر في اليمن الجنوبي في عام ١٩٦٧ ‏، ضرورة لم تكن متوفرة شروطها في ذلك الحين لتبني الاشتراكية العلمية في دستور الجبهة القومية وفي دستور الدولة الجديدة.

فاعترض عليه رفاقه الذين كانوا الأكثر إسهاماً في الثورة والأقوى في مؤسسات الدولة، وأبعدوه إلى القاهرة ليقيم فيها منفياً. وهناك في القاهرة في عام ١٩٦٩ ‏تعرفت إليه وابتدأت رحلة الصداقة بيننا حتى آخر أيام حياته. كانت تلك الفترة بداية الصعود المتواصل في مسيرة عبدالفتاح الحزبية والفكرية والسياسية، الصعود الذي ترافق على الدوام بالمتاعب التي قادته في نهاية المطاف إلى حتفه في عام ٩٨٦ ‏م بعد عودته من منفاه في موسكو.

لكن عبدالفتاح اسماعيل ظل في مسيرة حياته المتعرجة نموذجاً راقياً للمثقف الحديث، حاملاً طموحات أشبه بالأحلام في اتجاه المستحيل في بلد كانت لا تزال العلاقات القبلية سائدة في وعي الجمهور وفي وعي النخب الثقافية والسياسية، ومن ضمنها تلك التي كانت قد اختارت الاشتراكية العلمية فكراً لها ونمط تطور للدولة اليمنية الحديثة. ولد عبدالفتاح اسماعيل في عام ٩٣٩ ‏ا في مدينة عدن في جنوب اليمن لأبوين من فلاحي اليمن الشمالي.

أتم دراسته الابتدائية والمتوسطة في المدرسة الأهلية في التواهي. التحق بعد ذلك بمركز التدريب المهني التابع لشركة النفط البريطانية. وظل يعمل في الشركة من عام ٩٥٧ ‏ا حتى عام ا ٩٦ ‏ا . مارس العمل السياسي والثقافي في تلك الفترة المبكرة من حياته.

وقاده نشاطه السياسي والثقافي بلا عمال الشركة إلى الاعتقال من قبل السلطات البريطانية وإلى الطرد من العمل. شارك في عام ١٩٥٩ ‏في تأسيس أول تنظيم لحركة القوميين العرب في اليمن الجنوبي. بعد خروجه من شركة النفط البريطانية في عام ا ٩٦ ‏ا توجه نحو التدريس في إحدى المدارس الحكومية. شارك في عام 1962م بتأسيس الجبهة القومية، التنظيم السياسي الذي أعلن في ذلك العام حركة مقاومة لتحرير اليمن الجنوبي من الاحتلال البريطاني ومن حكم السلاطين. واتخذت المقاومة أشكالاً متعددة بدأت بالمظاهرات الشعبية وانتهت بالكفاح المسلح. وكان لمدينة عدن دور بارز وأساسي في تلك الحركة.

‏تفرغ عبدالفتاح للعمل الفدائي وللعمل السياسي باسم التنظيم الجديد. وعندما طاردته السلطات البريطانية انتقل إلى العمل السري. انتخب عضواً في اللجنة التنفيذية في الجبهة القومية في مؤتمرها الذي عقد في عام ‏1965.وتم التجديد له في المؤتمرين الثاني والثالث. بعد الانتصار الذي حققته الثورة في الثلاثين من شهر تشرين الثاني من عام 1٩٦٧ ‏م وحصول اليمن الجنوبي على استقلاله اختير عبدالفتاح لحقيبة وزير الثقافة والإرشاد وشؤون الوحدة اليمنية من موقعه كعضو في اللجنة التنفيذية للجبهة القومية.

وكانت له مساهمات كبيرة في أعمال المؤتمر الرابع للجبهة الذي عقد في عام انتصار الثورة. وكان همه في النقاشات حول وثائق الجبهة التركيز على الطابع التقدمي للدولة الجديدة، باسم الأفكار الماركسية التي كان قد بدأ يتشبع بها مع بعض رفاقه في قيادة التنظيم. والمعروف أن قحطان الشعبي، أحد أركان الجبهة القومية، قد تولى رئاسة الدولة الجديدة بعد الاستقلال وتولى في الآن ذاته مهام رئاسة الحكومة. وظل في منصبه حتى شهر نيسان من عام ٩٦٨ ‏ا .

وفي ذلك العام أوكلت رئاسة الحكومة إلى فيصل الشعبي الركن الآخر في الجبهة القومية. وظل الاثنان يمارسان دورهما في موقعيهما حتى كام ١٩٦٩ ‏. وكان قد نشب خلاف بين الإتجاه القومي المحافظ والإتجاه الاشتراكي. وأدى ذلك الخلاف إلى خروج عبدالفتاح من موقعه في التنظيم والذهاب إلى منفاه الطوعي في القاهرة. لكنه لم يبق فيها سوى بضعة أشهر. عاد بعدها ‏ليمارس مع رفاقه من أصحاب الإتجاه الاشتراكي في تدعيم الإتجاه التقدمي للتنظيم وللدولة في أن.

وكان الصراع قد انفجر في ذلك الحين بين الإتجاهين المشار إليهما داخل الجبهة وداخل مؤسسات الدولة. وكان ذلك الصراع يدور على وجه الخصوص بين فيصل الشعبي وابن عمه قحطان الشعبي ورفاقهما، وبين عبدالفتاح اسماعيل ومعه سالم ربيع علي (سالمين) وعلي عنتر ومقبل وعلي ناصر محمد وعدد من قادة التيار اليساري الاشتراكي الإتجاه. انتهى الصراع بإخراج قحطان الشعبي من رئاسة الدولة وإخراج فيصل الشعبي من رئاسة الحكومة واعتقاله وقتله.

وتشكل مجلس رئاسة من خم4سة أعضاء هم: سالم ربيع علي الذي اختير لرئاسة المجلس، ومحمد سالم العولقي ومحمد علي هيثم وعبدالفتاح اسماعيل وعلي عنتر. وأسندت الأمانة العامة لحزب الجبهة القومية إلى عبدالفتاح اسماعيل. وأسندت رئاسة الحكومة إلى محمد علي هيثم. واستمر الوضع على ذلك النحو إلى عام 1971 .

إذ أعفي محمد علي هيثم من رئاسة الحكومة وأسندت إلى علي ناصر محمد. وكانت قد أسندت إلى عبدالفتاح اسماعيل رئاسة مجلس الشعب في عام ١٩٧٠ ‏. وفي عام 1978 تخلى سالم ربيع علي عن رئاسة الدولة التي أسندت إلى عبدالفتاح اسماعيل الذي ظل يمارس دوره رئيسا للدولة حتى عام 1980 . انتخب عبدالفتاح في عام ‏1965 بعد انتصار الإتجاه اليساري أمينا عاما لتنظيم الجبهة القومية، وانتخب في عام 1970 رئيسا لمجلس الشعب.

وظل يجدد له في المنصبين حتى عام 1975 في المؤتمر الخامس للتنظيم. كان عبدالفتاح منذ البداية حريصاً على التعاون الوثيق مع القوى الرهنية الأخرى التي شاركت في انتصار الثورة. وكان أقرب تلك القوى إليه اتحاد الشعب الديمقراطي برئاسة المناضل الاشتراكي الكبير عبدالله باذيب. كما كانت تربطه علاقة وثيقة بأنيس يحيى، أمين عام حزب الطليعة. وعمل بجد ونشاط لتحقيق الوحدة بين المكونات الثلاثة للحركة الوطنية. وتحقق حلمه في عام 1975بتأسيس الحزب الاشتراكي اليمني. ولعب دوراً ‏مهماً في صياغة الوثائق الأساسية الفكرية والسياسية والتنظيمية للحزب الجديد.

وانتخب أمينا عاماً للحزب في مؤتمره التأسيسي. لكن طموحاته للعب دور أكبر من إمكاناته وخارج طاقاته قادته إلى الانغماس المفرط في العمل الفكري وفي الأدب. وصار صديق المثقفين اليمنيين والعرب الذين كان يعطيهم من وقته الكثير. وفي تلك الفترة التي كان الصراع يتفاقم داخل الحزب الاشتراكي نحي عبد الفتاح من رئاسة الدولة ( ٩٨٠ ‏ا) وعزل من مسؤولياته الحزبية والسياسية، وفرض عليه الذهاب إلى منفاه الثاني موسكو. وظل في موسكو حتى عام ١٩٨٥ ‏. عاد بعد ذلك ليخوض مع عدد من رفاقه في الاتحاد الاشتراكي معركة الفصل التي قادته إلى حتفه في صورة غامضة لم يجو جلاؤها، في أعقاب المجزرة التي وقعت في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي في عام ٩٨٦ ‏ا في ظل رئاسة علي ناصر محمد للدولة وللحكومة وللحزب. وهي الحادثة المأساوية التي قادت ذلك البلد والتجربة الرائدة فيه إلى التفكك وإلى الكوارث التي لم تنته فصولاً.

‏لعبدالفتاح اسماعيل كتب عديدة بينها دواوين شعر. وقد أجرى معه صديقه الشاعر أدونيس في عام ١٩٨٠ ‏حوارا شاملا حول مجمل القضايا التي كانت تشغل المثقفين اليمنيين والعرب. وكانت تشغل كلا من عبدالفتاح وأدونيس. وأنقل للقارئ بعض فقرات من هذا الحوار المهم، فقرات تعبر عن الفكر النير الذى تميز به عبد الفتاح. يقول عبدالفتاح جوابأ عن سؤال وجهه إليه أدونيس حول صعوبات التحول الاشتراكي في اليمن الجنوبي: "فعلا لا تزال بقايا القديم قائمة، كما قلت. وهذا يعني أننا بالفكر الاشتراكي العلمي- ولا أقول التطبيق الاشتراكي في هذه الظروف، ظروف مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية نعمل على تحويل المجتمع تحويلاً ثورياً على طريق الاشتراكية. إن تغيير القديم كلياً، تغيير الماضي بما في ذلك علاقات الإنتاج الأبوية الموروثة من القديم أمر يتطلب نضالا كبيرا. لماذا؟ لأننا نريد خلق الإنسان اليمني الجديد المتحرر من جميع القيود، لا من قيد واحد فقط جميع القيود بما في ذلك الروابط العشائرية والقبلية التي هي نوع من النظام الأبوي".

‏ من كتاب: (قادة تاريخيون كبار في ثورات القرن العشرين).


في الجمعة 29 يونيو-حزيران 2012 11:54:41 م

تجد هذا المقال في الاشتراكي نت
التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح
  رد مع اقتباس