عرض مشاركة واحدة
قديم 04-27-2009, 02:02 PM   #2
الواثق بالله
شاعر السقيفه

افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل : { وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبل المجرمين } [ الأنعام : 55 ] والقائل : { يا أيها الذين آمنـوا إن كـثـيراً من الأحـبار والرهبــان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصـدون عن سبـيـل الله } [ التوبة : 34 ]
والصلاة والسلام على رسول الله القائل : " إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين " رواه أبو داود في سننه ، وهو حديث صحيح والقائل : " دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها " فقال حذيفة وهو رواي هذا الحديث : من هم يا رسول الله ، صفهم لنا ؟ قال : " قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا " رواه مسلم .
وبعد : فهذه رسالة مختصرة فيها بيان شيء من عقائد الصوفية في حضرموت أخذناها من كتبهم ومصادرهم.
وفي هذه المقدمة أذكر لك أخي القارئ بعض الأمثلة على ما عند الصوفية من عقائد وأفكار.
المثال الأول : جاء في كتاب تذكير الناس بكلام أحمد بن حسن العطاس الذي جمعه : أبو بكر العطاس بن عبد الله بن علوي الحبشي سنة 1393هـ ، ما نصه : وحكى سيدي رضي الله عنه ( ) عن الحبيب عبد الله بن عمر بن يحي أنه لما وصل إلى مليبار دخل على الحبيب علوي بن سهل ، فرأى في بيته تصاوير طيور وديكة وغيرها .
فقال : يا مولانا إن حدكم صلى الله عليه وسلم يقول : " يكلف الله صاحب التصاوير يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح "
فقال له الحبيب علوي : عاد شيء غير هذا ؟ ( )
فقال : لا
قال : فنفخ الحبيب علوي تلك التصاوير ، فإذا الديكة تصرخ والطيور تغرد.
فسلم له الحبيب عبد الله بن عمر له حاله. اهـ. [ تذكير الناس بكلام أحمد العطاس ص 155 ]
سبحان الله العظيم !! ذكرتني هذه القصة بالنمرود الذي حاج نبي الله إبراهيم عليه السلام وادعى أنه يحي ويميت { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القـوم الظالمين أو كالذي مـر على قـرية وهي خـاوية على عـروشها قال أنّى يحي هـذه الله بـعـد
موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعياً واعلم أن الله عزيز حكيم } [ البقرة 258 – 260 ]

تأمل معي أخي القارئ هذه القصة ، عندما دخل الرجل على الولي المزعوم ورأى عنده المنكر معلقاً في بيته ، فأنكر عليه وذكره بالحديث : " من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ " ولاحظ قوله : " وليس بنافخ " .
وقد ورد أحاديث كثيرة في ذم التصاوير مثل حديث " أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون " وحـديـث " لعن الله المصورين " وفي الحديث القدسي " ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ، فليخلقوا حبة ، فليخلقوا ذرة ، فليخلقوا شعيرة " أو كما قال.
وذات مرة دخل النبي صلى الله عليه وسلم على حجرة عائشة فرأى عندها تصاوير في نمرقة ، فوقف على الباب ولم يدخل ، قالت عائشة : فرأيت الغضب والكراهية في وجهه ، فقلت : أتوب إلى الله يا رسول الله ماذا أذنبت ؟ قال : " ما بال هذه النمرقة ؟ " قلت وسادة أتيت بها لك لتوسدها وترقد عليها ، فقال يا عائشة : " إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة ، يقال لهم أحيوا ما خلقتم " ثم قال : " إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلباً أو صورة " قالت عائشة : فمزقت التصاوير. [ رواه البخاري ]
فكان الواجب على هذا الحبيب لما نُصح وذُكر بالحديث أن يستجيب لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ويزيل هذه الصور إن كان من الصالحين { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون } [ الأنفال : 24]
ولكنه رد بسوء أدب على حديث النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : عاد شيء غير هذا ؟
هل هذه من أخلاق الصحابة ؟
هل هذا من أخلاق المؤمنين ؟
إنهم لا يتأدبون مع أحاديث نبيهم.
ثم بعد ذلك نفخ في تلك التصاوير ، فإذا الديكة تصرخ الطيور تغرد.
فأقول أولاً : ألا لعنة الله على الكاذبين.
ولاشك عندي أن هذه القصة مكذوبة ، لأن القوم معروفون بالكذب ولا يتورعون ، وإن صحت هذه القصة فهذا الولي المزعوم ساحر ، وسحر عين الناصح وخيل له أن الديكة تصرخ والطيور تغرد.
ولا يغرنك أقوال أتباعهم إن هذا من باب كرامات الصالحين.
وكيف يكون صالحاً وهو الآن عاص مخالف للرسول صلى الله عليه وسلم وتعليقه للتصاوير.
فإذا كان عاصياً ومخالفاً لأمر محمد صلى الله عليه وسلم ، ومرتكباً لنهي شرعي كيف يكرمه الله بإحياء الموتى !!!
لاشك أن هذه القصة من أقوال الكاذبين أو من أفعال الساحرين.
ثم قال في نهاية القصة : " فسلم الحبيب عبد الله له حاله "


هذا الذي يريدونه ، هم فساق وأصحاب معاصِ ويتظاهرون بالولاية ، ويريدون من الناس ألا ينكروا عليهم وأن يسلموا لهم الأحوال الشيطانية ، ويتذرعون بأن أفعالهم من باب كرامات الصالحين.
والمعروف من سيرتهم أن الصلاح في واد وهم في واد ، والصلاح ليس مجرد دعوى يدعيها الإنسان ، يدعي أنه من الصالحين وأعماله وسيرته تخالف ذلك.
ثم أن الكرامات ليست كالسحر بيد الساحر كلما أراد إظهاره أظهره ، وإنما هي شيء من عند الله يكرم بها أولياء لا قصد لهم فيه ، ولا تحدي ولا قدرة ولا علم.

المثال الثاني : في كتاب الجواهـر في مناقـب الشيخ أبي بكر( ) تاج الأكابـر ، طبعة دار الفكر الحديث بالقاهـرة ص 28 الذي جمعه عبد الله بن أحمد الهدار سنة 1391هـ ، وهو الحفيد الرابع للمترجم له .

تكلم المؤلف المذكور عن صاحب الترجمة الشيخ أبي بكر بن سالم وذكر اسمه وتاريخ ميلاده ، وذكـر مشايخه ، ثم ذكـر ثـنـاء العلماء المعاصرين له ثم ذكـر فصلاَ بعنوان : ثناء العلماء عليه قبل ميلاده كـشـفـاً
حيث يقول تحت هذا العنوان

ثناء العلماء عليه قبل ميلاده كشفاً
إن ممن أثنى عليه قبل وجوده السيد الولي المكاشف العارف بالله أحمد بن علوي المجذوب بن عبد الرحمن السقاف القاطن بمريمة والمقبور بتريم ، وقد كان يأتي حافة عينات قبل عمارتها بالجهة الغربية وهي أشجار سلم شائكة وأحجار كثيرة ظاهرة ومطمورة ويقف فيها ويقول يولد لنا مولود ، ويكون كبير القدر ويسكنها ويعين
مساجدها ومحل صلاته كما في فيض الأسرار. وفي الزهر الباسم في ربا الجنات لمؤلفه العلامة المحقق الشيخ عبد الله بن أبي بكر قدري باشعيب ، قال فيه : إن السيد أحمد بن علوي المذكور يقول : هذا مسجده ويصلي فيه ويسكن هذا المكان ويشير إلى مواضع منه وهذه بيوته ومساكنه ، فبنى المسجد والبيوت في المواضع المشار إليها ، وفي مجموعة السيد العلامة الكبير الإمام علي بن محمد الحبشي جاء ملخصاً قال : أن مقدمة تربة المصف بقسم الإمام العارف بالله صاحب الكشف الجلي الخارق الحبيب محمد بن أحمد جمل الليل يشيـر إلى عينات ، وصاحب الترجمة قائلاً سيكون هاهنا ويشير إلى عينات أولادنا ومزارات وقباب وهذا كله قبل ميلاد المترجم له رضي الله عنهم أجمعين.
وقال شيخ الحقيقة وإمام الطريقة سلطان كل الأولياء في وقته الحبيب أبو بكـر بن عبد الله العيدروس صاحب عدن:
بدر السعادة قد قرب طلوعه وسوف يظهر
إذا بدا كل الشـهب تطيـعــــه ولو تـأخـــــــر
غصن زكا أصله مع فروعه وزهره أثمـــر
وأراد به صاحب الترجمة ، وقال بعضهم غيره من جهة الكشف الرباني . وقال الشيخ أبو بكر تحدثاً بالنعمة وتأييداً لكشف هؤلاء الأئمة قصيدة له نفع الله به إقراراً واعترافاً:
قد نـار في الكونيـن نـور بدري وقد ذكر فضلي قبيـل ذكري
[ الجواهر في مناقب الشيخ أبي بكر بن سالم تاج الأكابر ص 27 ]

الله أكبر يا عباد الله ، أبو بكر بن سالم المولود سنة 919 هـ بتريم أثنى عليه العلماء قبل ولادته ، وما هي أعمال أبي بكر بن سالم الخالدة ؟ هل جاهد الروم والفرس وكسر شوكتهم ؟ هل أقام الخلافة الإسلامية ؟ هل انشق له البحر كما انشق لموسى عليه الصلاة والسلام وبني إسرائيل ؟
وهل حصل هذا الكلام لمن هو أفضل منه من أمثال الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله وغيره من أئمة الهدى أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية وصلاح الدين الأيوبي ؟
ثم هؤلاء الذين أثنوا عليه قبل ولادته ، هل أوحي إليهم من السماء بهذا ؟
الجواب : لا وألف لا ، لأن الوحي انقطع بموت الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهو خاتم الأنبياء والرسل فلا نبي بعده.
إذاً كيف علموا بهذا ؟
هل هم يعلمون الغيب ؟
قال تعالى : { قـل لا يعلم مـن في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون } [ النمل : 65 ] وقال عز وجل :{ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ، ويعلم ما في البر والبحر ، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } [ الأنعام : 59 ] وقال سبحانه : { قـل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك ، أن أتبع ما يوحى إلى ، قـل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون } [ الأنعام : 50 ] وقال سبحانه : { قـل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شـاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء } [ الأعراف : 18 ]
وروى الإمام البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم : " مفاتيح الغيب خمسة لا يعلمها إلا الله ، لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ، ولا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله "

تأمل قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : " ولا يعلم ما في غد إلا الله " ، وإذا كان رسول البشرية الصادق الأمين يقول لا يعلم ما في غـد إلا الله فكيف يدعي عبد الله الهدار أن هناك من أثنى على أبي بكر بن سالم قبل ولادته وقبل خروجه من بطن أمه. ( )

والله الذي لا إله إلا هو لولا أن هذا الدجل مكتوب أمام عيني لما صدقت أن عاقلاً يتفوه به فضلاً عن أن يكتبه في كتاب ويوزعه على الناس.
قال أبو حيان الأندلسي صاحب التـفـسيـر المحيط عند تـفـسيـر قوله تعالى : { وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هـو } : حصر أنه لا يعلم تلك المفاتح ولا يطلع عليها غيره تعالى ، ولقد يظهر من هؤلاء المنتسبة إلى الصوف أشياء من ادعاء المغيبات والاطلاع على علم عواقب أتباعهم وأنهم في الجنـة مقطوع لهم ولأتباعهم بها ، ويخبرون بذلك على رؤوس المنابر ، ولا ينكر ذلك أحد ، هذا مع خلوهم عن العلوم ، ويوهمون أنهم يعلمون الغيب ، وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها : " ومن زعم أن محمداً يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية ، والله تعالى يقول : { قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله } ".
وقد كثرت هذه الدعاوى والخرافات في ديـار مصر وقام بها ناس صبيان العقول يسمون بالشيوخ ، عجزوا عن مدارك العقول والنقل وأعياهم طلاب العلم:

فارتموا يدعـون أمـراً عظيـماً لـم يكـن للخـليـــل ولا للكليـــم
بينـما المرء منهم في انسـفـال أبصر اللوح وما به من رقــوم
فجنـى العلـم منـه غضاً طريـاً ودرى ما يكــون قـبل الهـجـوم
إن عـقـلي لـفي عـقـال إذا مـــــا أنـا صدقت بافـتــراء عظيــم اهـ
[تفسير البحر المحيط 4 / 534 ]
المثال الثالث : ذكر صاحب المشرع الروي( ) [ 2/21] أن الشيخ عبد الله باعباد سأل علوي بن الفقيه المقدم عما ظهر له من المكاشفات بعد موت والده فقال : " ظهر لي ثلاث : أحيي وأميت بإذن الله ، وأقول للشيء كن فيكون ، وأعرف ما سيكون " فقال عبد الله باعباد : نرجو فيك أكثر من هذا " ( )
يا للهول يا أمة الإسلام !! اسمعـوا ماذا يقول علوي بن الفقيه يحي ؟!! يحي ويميت بإذن الله ، ويقول للشيء كن فيكون ويعرف ما سيكون !!!
أما الأولى : فيكون نمروداً آخر ( ) وما أكثر النماريد في حضرموت ، ويلحق بالنمرود الأول الذي نفخ في الديكة والطيور ، وقد تقدم الكلام عليه.

وأما الثانية : فهذا قد نازع رب العالمين في خصائصه ، قال تعالى : { أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكـون فسبحان من بيده ملكـوت كل شيء وإليه ترجعون} [ يس : 81 – 83 ]
فلا شك ولا ريب أن هذا قول ساقط وبطلانه واضح ، بل هو فضيحة كبيرة للقوم تبين ضلالهم ، فلا يحتاج إلى رد ولا مناقشة ، ولكن حكم قائل هذا الكلام أنه يستـتـاب فإن تاب وإلا قتـل.
وأما الثالثة : وهي قوله ( ويعرف ما سيكون ) فهذه تقدم الكلام عليها عند الكلام على زعمهم أن العلماء اثنوا على أبي بكر بن سالم قبل ولادته.
وبعد أخي القارئ هذه الأمثلة الثلاثة تكفيك لبيان ضلال القوم وأنهم على طريقة خلاف طريقة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
وللتوسع في معرفة ما عند القوم اقرأ هذه الرسالة المختصرة التي تكشف القوم على حقيقتهم وتبين حيلهم الشيطانية وأساليبهم الماكرة ، والله الهادي إلى سواء السبيل.

كتـبــه
علـي بـابـكــــر

الرياض - ت : 055291959
فاكس : 4140434
ص ب 4612
الرمز البريدي 1141



M
مرت بحضرموت فترات تشتد فيها حاجة الناس ، حيث أن الناس يعتمدون على الأمطار – بعد الله عـز وجل – اعتماداً كلياً ولا يوجد أنهار كثيرة ، ويجدون صعوبة في استخراج المياه من الأرض.
وكان الناس يكـدح الواحد منهم من بعد صلاة الفجـر حتى غروب الشمس لكي يؤمّن قوت يومه له ولأولاده ، وفي مثل هذا الحال نجد أن الصوفية يسلكون طرقاً لكي يؤمنوا لأنفسهم رزقاً حسناً ، واستمع إلى هذه القصة التي ذكرها صاحب كتاب الجواهر في مناقب أبي بكر بن سالم:
" جاءت عجوز إلى صاحب الترجمة ( أي الشيخ أبي بكر بن سالم ) بشيء يسير من الطعام نحو حفنتين أو ثلاث ، ولم يكن من الطعام الجيد كالبر ، بل من الكتب ، فتلقاها تحت بيته أحد المتصلين به ، فأخبرته بما معها مسرورة به ، فانتهرها وقال لها : تأتي له القوافل من الجمال الموقرة بالطعام ، أو ما هذه القطة ، فسمع صاحب الترجمة ، فخرج إليها واستقبلها ببشاشة وكرم أخلاق وترحيب وشكرها على ما تحمله من الطعام ، واستلمه في كمّـه مسرورا فخوراً ودعا لها ، وسارت العجوز من عنده مجبـورة الخاطر" اهـ [ الجواهر في مناقب الشيخ أب بكر بن سالم تاج الأكابر - ص 67 ]
ومثل هذه الحكايات كثيرة في كتبهم ، ومنها أن فلاناً أهدى للشيخ قطيعاً من الغنم ونحو هذه الحكايات.
ما المقصود منها ؟
المقصود تعويد العامة والنساء والأعراب على دفع القرابين لهم ، إما على المشائخ الأحياء أو الأموات ، ويوجد لجان متخصصة من السدنة لاستلام هذه القرابين عن الشيخ والشيخ يتقبلها.
فالمسألة إذا مادية بحتة وأكل أموال الناس بالباطل. ( )

فصل
نبدأ الكلام عن صوفية مدينة عينات.
معلوم أن مدينة تريم هي المدينة المقدسة الأولى عند صوفية حضرموت وهي تعتبر عندهم رابع الحرمين الشريفين ، والسياحة الدينية نشيطة في تريم ، وصوفية تريم يجدون دخلاً جيداً بسبب كثرة الزار ونشاط السياحة الدينية ، فأراد صوفية عينات أن ينشطوا السياحة الدينية في بلدتهم فعملوا مقبرة كبيرة بها سبع قباب ، قبة للشيخ أبي بكر بن سالم الذي لقبوه بتاج الأكابر ، وبقية الـقـبـب لأولاده.

ومن المعلوم أن الناس لا يزورون بلدة ويكررون الزيارة له إلا إذا كانت هذه البلدة مقدسة ، ومن يزورها يكون له ثواب . فمثلاً مكـة شرفها الله ، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها أحب البقاع إلى الله ، وفيها بيت الله ، والصلاة فيها بمائة ألف صلاة ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم : " أن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما " لأجل هذا صار الناس يزورونها ويترددون عليها.
وكذلك المدينة النبوية ، الصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة ، وكذلك فيها مسجد قباء ، وصلاة ركعتين فيه ورد أن فيها فضلاً.
وكذلك المسجد الأقصى مسرى الرسول النبي صلى الله عليه وسلم ، الصلاة فيه بخمسمائة صلاة.
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه المساجد الثلاثة هي التي يجوز شد الرحال إليها ، أما غيرها فلا.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد ، المسجد الحرام ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى "
وكما أن زائر المسجد النبوي بعد صلاته ركعتين يقصد القبر النبوي للسلام عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، أراد صوفية عينات أن الناس يقصدون مسجد أبي بكر بن سالم وقبره فألفوا كتاباً بعنوان:

الجـواهــر
في
مناقب الشيخ أبي بكر بن سالم تاج الأكابر
ولاحظ أن المؤلف هـو حفيد للشيخ أبي بكر بن سالم ، لأن الأحفاد هم أولى الناس بالقرابين والصدقات التي تقرب للشيخ ، فماذا قالوا في هذا الكتاب ؟
قال صاحب الجواهـر [ ص 206 ] : وعن بعض آل علوي الناسكين ، قال : " رأيت كأني قصدت مكـة المشرفة للحج ، فلما دخلت الحرم الشريف لم أجد البيت الشريف زاده الله شرفاً في محله ، فنمت لذلك ، فرأيت رجلاً من آل باعلوي رضي الله عنهم ، فسألته ؟ فقال : سـر معي وأنا أدلك عليه ، فسرت خلفه حتى دخلنا عينات ، وإذا خيمة عظيمة عند بيوت الشيخ أبي بكر نفع الله به وأسمع صوته داخلها ، فقال هذا البيت المعظم تحول إلى هنا ، ثم انتبهت " اهـ
تأمل هذه القصة ، عن بعض الناسكين من آل باعلوي ( يعني مجهول ) ، قال ( رأيت كأني قصدت مكـة ) يعني أنها رؤية منامية ، فهل هو صادق في رؤياه أو كاذب ؟
لابد أن نتأكد ، لأن هناك من يكذب في الرؤيا ويدعي أنه رأى وهو لم يـرَ ، لذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من تحلم بحلم لم يـره كُـلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل " [ رواه البخاري ] ، قال النووي رحمه الله : ( تحلم ) أي قال أنه حلم في نومه ورأى كذا وكذا وهو كاذب . اهـ [ رياض الصالحين – كتاب الأمور المنهي عنها – باب تحريم الكذب ] ، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أفرى الفري أن يُـريَ الرجل عينيه ما لم تريا " [ رواه البخاري ] .
قال النووي رحمه الله : معناه يقول رأيت فيما لم يره . [ المصدر السابق ]

فهذا الرجل رأى أنه قصد مكـة فلم يجد البيت الشريف في مكانه ( فنام لذلك ) وهو في المنام ، ورأى أنه نام في المنام ، ثم في النومة الثانية رأى رجلاً من آل باعلوي فسأله ؟ فقال سـر معي وأخذه من مكة وذهب به إلى عينات ، قال : ( حتى دخلنا عينات وإذا بخيمة عظيمة عند بيوت الشيخ أبي بكر نفع الله له وأسمع صوته داخلها ، فقال : هذا البيت المعظم تحول إلى هنا ) .
إذا المقصود من هذه الحكاية تعظيم عينات وتقديسها في قلوب العامة حتى يحرصوا على زيارتها والتردد إليها ، وهو ما يسمى اليوم تنشيط السياحة الدينية ، التي هي سبب من أسباب زيادة الدخل.

قال صاحب الجواهـر [ص 108 ] : ويحدثنا باشعيب قدري نقلاً عن خـط السـيد محمد بن عبد الله فدعق بن عبد الرحمن بن حسين بن سالم بن عبد الله ما مثاله سمعت سيدنا وبركتنا الشيخ الحامد وسمعت السيد العارف بالله عبد الرحمن بن حـسيـن يقولان : إن سيدنا وشيخنا فخـر الدين القـطب الرباني والغوث وبحـر العلوم والمعارف الشيخ أبا بكـر بن سالم نفعنا الله به يقول : " إن مسـجـدي هذا من الجـنة " اهـ.

المقصود من هذا الكلام تقديس البقاع العيناتية وجـذب الزوار ، فأسندوا إلى الشيخ أبي بكر أنه قال : " إن مسجدي هذا من الجـنة " ، والعجيب أن أكرم الخلق على الله وخاتم الأنبياء والمرسبين ، والذي مسجده أفضل المساجد بعد المسجد الحرام لم يقل إن مسجدي كله من الجنة ، بل قال : " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة " [ رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن زيد المازني ] ، وكان بيته عليه الصلاة والسلام لاصقاً بجدار المسجد من الجهة الغربية ، فهو جزء محدد بين بيته وبين منبره ، وليس المسجد كله.
فأين عقولكم يا صوفية عينات ؟ هل تريدون أن تجعلوا مسجدكم أفضل من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟؟
ويذكرني فعلهم هذا بأفعال الشركات والتجار الذين يبالغون في مدح سلعهم ومنتجاتهم ويكذبون في أوصافها حتى يبيعوا أكثـر ويربحوا أكثـر.
وصدق الله حيث يقول : { يا أيها الذين آمنوا إن كثيـراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله } [ التوبة : 34 ]
قال صاحب الجواهـر [ ص 225 ] : " ومنها كرامته الشهيرة لابنه الجامع للعِـلمين سيدنا الإمام الحسين ، وذلك أنه شاوره في بناء مسجد وطلب منه أن يختار له المحل ليبني فيه ، وقال له : اخرج وما تجد فيه نوراً ممتداً من الأرض للسماء فابـن فيه.
فخرج ووجد نوراً في الأرض بالغاً عنان السماء في نخـر( ) عينات في الجهة القبلية ، فبناه وسمي من ذلك الحين مسجد النور ، وهو مسجد الجبانة يصلى فيه على أموات آل عينات من ذكر وأنثى ، قال الإمام الكاشف الحبيب علي بن سالم الأدعج رضي الله عنه ، إنه مسجد القوم وكثيراً ما يجتمع فيه أهل البرزخ ، وقد اجتمع بهم في اليقظـة ( ) وأمامهم رسول الله والشيخ أبو بكر بن سالم في عدة وقايع جرت له ، كما يحدثنا بها موضحاً في كتابه فيـض الله العلي المخطوط ، وقد قام بترميمه وإصلاح المندثر منه الحبيـب الإمام العارف بالله المكاشف شيخنا أحمد بن محسن الهدار". اهـ
ولا يغرنك أخي القارئ هذا الكلام ، والمقصود منه هو تقديس البقاع العيناتية لجذب أكبر عدد من الزوار ، وبهذا تنشط السياحة الدينية.
وعقد صاحب الجواهر فصلاً بعنوان:
كثيب ( ) الشيخ أبي بكـر بعينات
وقال فيه : اسم الكثيب عرف من عهد صاحب الترجمة ، أطلق عليه الاسم ونوَّه به الشعراء ... وقد أشاد به الشعراء وهو ترياق مجرب ودواء ناجع للأمراض المستحكمة المعدية وجرب وشوهـد ، وتجربته أكبر برهان:
إذا استطال الشيء قام بنفسه وصفات ضـوء الشمس تذهب باطلاً
تضرب له أكباد الإبل في وقاية الأمراض رزقنا الله حسن الاعتقاد والظن الجميل والنيـة الصادقة . ( )

قال الشيخ عمر بن علي بن إسماعيل باقشير:
تـرابـها طـب الجـــراح منـها المسـك فـاح
من شمّ هاتيـك الـريــاح غـنــم واسـتــراح
مرّغ بها الخـد يا صاح إن رُمـت النجـاح
وزر قـبـبـهـا بـتـرتيـب يـا مولى الكـثـيب
وقد فاضت الأمـة إليه والموامي والطوامي من كل مصاب بعلة الجُذام ، وحُبست تلك العلة حبساً عاجلاً. وهذا واضح من الصبح لذي عينين ، لا يكابـر فيه مكابـر ، وشهد له الأوائل والأواخر. وهو سهم صائب في دفع الأعداء ، وقضية الإمام الحسين شهيرة فقد ضرب الكثيب بعصاه ، وثارت ريح بإذن الله ، وذرّتها في عين إمام صنعاء المسمى سيل الميل ، حين برز العسكر إلى حضرموت وبلغ الحسين ذلك ، وتعذر خروج ما بعينه من الرمل فعدل عن الرحلة. ذكر هذا الإمام الحبيب أحمد بن الحسن العطاس.
وفي تثبيت الفؤاد عن الحبيب عبد الله بن علوي الحداد ، قال تلميذه : اشتكى أهل شبام من السلطان عيسى بن عمر الكثيري ، فقال لهم : ما معنا له إلا كثيب عينات الأحمر ، وبعد أيام قلائل ورد عينات وبات عند المنصب في ذلك الوقت الحبيب علي بن أحمد ، وحين تناول العشاء غص غصة ، أي شرق ومات في الحين ، ونعوذ بالله من الجنايات.
وإلى الآن وهذا الكثيب يُقصد من كل صوب وحدب ، معروف يحتوي على دقيق الرمل ، يوضع منه على العلة للاستشفاء " اهـ.

أخي القارئ ، كل هذا الكلام عن الكثيب وهذه الأبيات وهذه الحكايات ، المقصود منها تشويق قلوب العامة وجذبهم لزيارة عينات ، كي تنشط السياحة الدينية في هذه المدينة الصغيرة وتتحسن الحركة التجارية ويرتفع دخل أهلها ، وبخاصة السدنة ، سدنة البيت المعظم ، أعني فخر الوجود أبي بكر بن سالم.
وأنت تعلم أخي القارئ كم تنفق الحكومات على الدعايات والإعلانات التجارية لتنشط السياحة الدينية والسياحة الترفيهية ، فمثلاً مصر تستفيد كثيراً من الذين يزورون آثار الفراعنة والأهرامات وغيرها.

ومن الآثار التي اخترعها القوم لجذب الناس إلى زيارة عينات ، هو أول مسجد عرفته عينات ، ذكر صاحب الجواهر فصلاً [ ص 26 ] بعنوان :



أول مسجد عرفته عينات

" إن أقدم مسجد عرفته عينات الجديدة مسجد جـد الشيخ أبي بكر بن سالم ، ومن عمود نسبه الإمام الأكبر الأظهر الأشهر سيدنا محمد بن علي مولى الدويلة .
وهو أول مسجد أسـس فيها على التقوى ، وما بناه إلا لكثـرة ترداده وتعريجه إليه ، وهناك أخواله آل بالليث وللدعوة إلى الله ونفع العباد، والمسجد فوق سوق عينات ، ووسعه الشيخ الموفق عوض بن أحمد باحنان ، ولم يزل معموراً ، ولم تهدم قبلته الأصلية ، وقد اشتعلت ناراً لما هموا بهدمها ، وتعرف اليوم باستجابة الدعاء ، والتبرك والصلاة فيها " اهـ
الله أكبـر لم تهدم قبلته الأصلية أي الجدار الأمامي الذي في المسجد ، واشتعل الجدار ناراً لما هموا بهدمه.
وهنا سؤال ، هل مسجدكم هذا وجداره الأمامي أفضل من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجداره الأمامي ؟
المسجد النبوي هُدم جداره الأمامي وأزيل ووسِّع ، ولم يعترض الجدار ولم يشتعل ناراً ولم ينفجر في وجوه العمال.
ولكن كما ذكرت إنما هي قصص وأكاذيب يختلقونها لجذب أكبر عدد من الزوار إلى مدينتهم المقدسة.
ثم قال : ( وتعرف اليوم باستجابة الدعاء ) ، تعالوا أيها الزوار وشاهدوا هذه الأماكن المقدسة والآثار العجيبة على ذلك التي تحترق في وجه من أراد إزالتها ، وزيادة على ذلك دعاؤكم مستجاب ، فتعالوا واغتنموا الثواب ، وشرفونا تجدون ما يسركم.


فصل

ما تقدم من النقول من كتاب الجواهر هي قصص التقديس البقعة العيناتية، وهناك قصص وأخبار وحكايات فيها تقديس وتشويق لصاحب البقعة العيناتية فخر الوجود الشيخ أبي بكر بن سالم ، وهذا أبلغ في جذب الزوار.
من هذه الحكايات ما ذكر في المقدمة أن العلماء أثـنـوا على الشيخ أبي بكر بن سالم قبل ولادته.
ومنها ما قاله صاحب الجواهر [ ص 31 ] :
وفي مجموعة العلامة الكبيـر المحقق الحبيب الشيخ علي بن محمد الحبشي ، جمع السيد الفاضل محمد بن عمر مولى خيـلة ( ) قال : إن الشيخ أبا بكر وأخاه عقيلاً تكـلمـا في بطن أمهما الشريفة طلحة بنت عقيل بن أحمد ابن أبي السكران ، فقال الشيخ لأخيه ما معناه : إن أردت الخـروج قبلي فاخـرج والظهور في المستقبل سيكون لي ، وإلا فاخـرج قبلك ولك ذلك ، فاختار أخـوه الخـروج وارتضى به ، وكان الظهور لصاحب التـرجـمة نفع الله بهم. اهـ
المعروف عند المسلمين أن المسيح عيسى ابن مريم أحد أولي العزم من الرسل كانت آيته أنه تكلم وهو في المهد بعد خروجه من بطن أمه، قال تعالى :{ فأتـت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئـت شيئاً فرياً يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغياً فأشارت إليه قالوا كيـف نكلم من كان في المهد صبيـاً قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً وبـراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً } [ مريم 27 – 31 ]
فالمسيح عليه السلام لم يتكلم إلا بعد ظهوره إلى الدنيا وبعد خروجه من بطن أمه ، وهؤلاء بلغوا بمشائخهم مرتبة أعلى من مراتب الرسل وزعموا أن شيخهم تكلم مع أخيه وخيّـره – قبل خروجهما إلى الدنيا – وقال له : إن شـئت أن تخرج قبلي فاخرج ولي الظهور في المستقبل ، وإلا فأخرج أنا قبلك ولك الظهور ، فكان أخوه مغفلاً ومستعجلاً ، وطلب الخروج قبل أخيه ففاته الظهور.
فأقول كل هذه الحكايات والخيالات ما هي إلا مجرد دعايات للتسويق ، لجذب أكبر عدد من الزوار ، لتنشيط السياحة الدينية ، فالله المستعان على ما يصفون.


ومنها ما قاله صاحب الجواهر [ ص 34 ] :
وكان هذا الإمام في أيام طفولته وعهد دراسته وقبل شهرته العلمية والعالمية مقيماً في قرية اللسـك ، ويصلي في مسجد الشيخ الإمام أحمد بن محمد باعيسى المقبور بتريم ، وفي كفالة أبيه ، وقضيته مع إمام المسجد آية من آيات الله الباهرة ، وفراسة بنور الله والكشف الغيبي والجلي ، نرويها بنصها وفصها حرفياً من مجموعة كلام
الإمام المكاشف الحبيب علي بن عبد الرحمن المشهور ، قال نفع الله به :
" إن الشيخ أبا بكر بن سالم كان في صغره جالساً بمكانه بالرقية عند مسجد باعيسى ، وكان في ذلك المسجد معلم ومعه طرف من العلم أو الفقـه ( ) ، وغالب صلاة الشيخ أبي بكر بن سالم في ذلك المسجد ، فتقدم ذات يوم من الأيام فصلى بالناس ، فشق الأمر على المعلم ، وكان من تلامذة الشيخ شهاب الدين ، فسار إلى تريم ، إلى عند شيخه المذكور، وسأله عن صفة من صفات الإمامة ، فقال الشيخ شهاب الدين يقدم في الصلاة الأفقـه ثم الأقرأ إلى آخر ما ذكروه ، فرجع المعلم ، فلما دخل وقت الصلاة وتقدم الشيخ أبو بكر ، فقال له المعلم : لست أحق بالصلاة ، بل الأحق بالصلاة الأفقـه ، فقال الشيخ أبو بكر : من الذي قال لك بذلك ؟ فقال : الشيخ شهاب الدين ، فغضب الشيخ أبو بكر فقال : شف أمك في النار خله يندرها ( ) ، فبهت المعلم وتحير وسار إلى تريم إلى عند الشيخ شهاب الدين وأخبره بما جرى بينه وبين الشيخ أبي بكـر بن سالم وقوله : شـف أمك في النار ، فقال له : أنت ما قلت لي إنه الشيخ أبو بكر بن سالم وإلا باقولك خله ( ) يصلي بكم ، وهل قال لك الشيخ أبو بكر : شف أمك في النار خله يندرها ؟ قال له : نعم. فأطرق شهاب الدين ساعة ، ثم قال : شفها خرجت من النار، ففرح المعلم وقال أعظم فائدة خروج والدتي من النار ، فرجع إلى القرية وإلى مسجده ، فكاشفه الشيخ أبو بكر في ذلك الوقت ، وقال : شفته خرّجها من النار، وكان الشيخ أبو بكر في ذلك الوقت لا يسمى بالشيخ أبا بكر ، بل أبا بكر فقط ، أو كما قال " اهـ
يا أخواني أنا لست أدري كيف يؤلفون هذه القصص ويخترعونها ، والظاهر والله أعلم أن الشياطين توحي بها إليهم ، قال تعالى : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } [ الأنعام : 121 ]
انظر إلى حكاية : وليد صغير يجترئ المعلم ويتقدم للصلاة بالناس في حضرة المعلم ، ثم يذهب المعلم ويسـتفتي الشيخ شهاب الدين ، ثم يعود ويغضب الوليد على المعلم ويقول له : شف أمك في النار خله يندرها ، ومتى كان الأطفال يتعرفون على أهل النار؟ وما هو الذنب الذي ارتكبته أمه حتى تكون من أهل النار ؟ فيرجع المعلم إلى شهاب الدين في تريم فيخبره بكلام الوليد فيصدقه شهاب الدين ويخرجها من النار.

هذه ليست نار رب العالمين ، هذه تشبه نار الدجال ، لأنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الدجال معه جنة ومعه نار فمن أطاعه أدخله جنته ومن عصاه أدخله النار ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن جنة الدجال نار، وناره جنة . فهذه النار التي أخرج منها دجال تريم ( ) أم المعلم ، هذه ناره إما نار رب العالمين ، فقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { أفمن حق عليه كلمة العذاب أفـأنت تنقـذ من في النار } [ الزمر : 19 ] ، ولكن كما ذكرت لك أخي القارئ كل هذه القصص لتقديس صاحب البقعة العيناتية وتشويق الناس لزيارة عينات.
ومنها ما قاله صاحب الجواهـر [ ص 76 ] :
" كان رضي الله عنه مضيافاً كريماً اتفق أهل عصره على أنه أنداهم وأوسعهم بـراً ، قد فتح بابه بمصراعيه للإكرام وإطعام الطعام بذبح الجمل والجملين لزائريه ، ويتصدق في اليوم والليلة بألف قرص " اهـ
انظر أخي القارئ يتصدق في اليوم والليلة بألف قرص ، وهذا الكلام متى ؟ قبل خمسمائة سنة تقريباً ، وفي قرية صغيرة مثل عينات ، قد يكون سلطانها لا يتجاوزون خمسمائة شخص ، ومن أين لأبي بكر بن سالم قيمة ألف قرص كل يوم وليلة وأنتم تقولون أنه رجل زاهد عابد ترك الدنيا وتفرغ للعبادة ، وأين هذا المخبز الذي سيخبز كل يوم وليلة ألف قرص ، والغالب أنه لا يوجد خبازون في قرية مثل عينات وإنما كل أسرة يعجنون ويخبزون في بيتهم.
ولكن المراد من هذا الكلام تحـبيب صاحب البقعة العيناتية للناس حتى يزوروا قبره وأطلاله.
ومنها ما قاله صاحب الجواهـر [ ص 131 ] :
روى جماعة أنه لما زار ضريح نبي الله هـود في سنة إحدى وتسعين في القرن العاشر اجتمع معه خلق لا يحصون ولا يعدون من جميع النواحي والأقطار ( ) كل ذلك رغبة في الحضور معه والنظـر إليه ( ) فلما ركع على حصاة المحضار وطلع إلى بئـر التسليم ازدحم عليه الخلق وأكبـوا على قدميه يقبلونها ويتمسحون بها ، وكلما دحق دحقة شلوها ( ) إلى أن عظم اللغط وكادوا يقتتلون على ذلك ، فلما رأى ذلك منهم بكى بكاء شديداً وجعل يتلـو { إن هو إلا عبد أنعمنا عليه } وجعل يكررها " اهـ
الله أكبر !! ازدحم الخلق على أبي بكر بن سالم وأكبوا على قدميه يقبلونها ويتمسحون بها ، وكلما خطا خطوة حملوها ...... الخ
رسـول الله أشـرف الخلـق ، سـيد ولـد آدم عنـدما حج وقبّـل الحجـر الأسـود لم يكـب الخلـق على قدميـه يقبلونها ويتمسحـون بها.
فالقوم معروفون بالكذب ، ومرادهم من هذه الأخبار تقديـس صاحب البقعة العيناتية في قلوب الناس وتشويقهم لزيارة عينات ، وإذا ارتسمت هذه القصة في أذهانهم سيكبون ويتمرغون على ضريح أبي بكر بن سالم ويتمسحون به ، وسيتصدقون بالغالي والرخيص لهذا الولي المعظم ، والمستفيد الأول والأخير من هذه الصدقات هم السدنة المروجون لهذه القصص.
ومنها ما قال صاحب الجواهـر [ ص 202 ] :
قال – أي أبو بكـر بن سالم : إن من زارنا ( ) ، أو سمع بذكرنا في مجلس ، أو نظرنا أو نظر ناظرنا فأنا ضمينـه غداً بالجنـة ، وأن يتخلص من ذنوبه كالمولود من بطن أمه ، ولو كانت ذنوبه تملأ السموات والأرض ، فلا عاد يبقى من ذنوبه مثقال ذرة ، يدل لذلك حديث جدي رسول الله وقوفك بين يدي ولي الله كحلب شاة أو كشيح بيضة إلى آخره ( ) ، ثم قال رضي الله عنه : وإن من زارنا ينال ذلك من الصالحين الطالبيـن. وقلت في ذلك شعراً :
فيا زائري أبشـر بسولك والمنى وترقى مراقي العـز في كل حضرة
بـزورتــنا تعـلو على كل فـائــق وتحظى بجـنـات المعـارف ونفحـة
ومما يؤيد صحة هذه الرواية ما نقله السيـد العارف بالله أحمد بن زين الحبشي في شرح العينية عن شيخه العارف بالله عبد الله بن علوي الحداد عن ترجمة السيد الولي العارف بالله الإمام عبد الرحمن بن أحمد بن عيديد علوي قال : أدركت سيدنا الشيخ أبا بكـر بن سالم صاحب عينات وكان يقول لمن حضره : انظروا إليّ فإني قد نظرت الشيخ أبا بكر بن سالم ، وناظري وناظر ناظره في الجنـة ، وكذلك نقل السيد العارف بالله محمد بن زين بن سميط عن السيد المذكور بلفظه والشيخ أبو بكـر يقول ناظري وناظر ناظري في الجنـة ، قال الشيخ عبد الله قدري باشعيب : رأيت السيد العلامة محمد بن عنقاء اليمني نفع الله به ، قال ذلك وزاد عليه فقال في مدح الشيخ نفع الله به آمين والمسلمين أجمعين شعراً :
وشفعه الرحمن في أهل عصره شفـاعة مسـموع مطاع مفـضل
وفـيـمــن رآه أو رأى من رآه أو رأى من رآه فهـو أفضل مؤمل
وقـد قالــه لـي فـي منـام رأيـتــه حبــاني فيـه كل خـيــر مسهــل " اهـ
انظروا يا عباد الله إلى هذا الكلام ، وكيف وصل بهم الحرص على الدنيا والطمع في المال إلى أن يقولوا مثل هذا الكلام ، وإذا كان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم لم يقل هذا الكلام ، أن من رآه في الجنة بل ومن رأى من رآه في الجنة ، وكيف يكون كل من رآه صلى الله عليه وسلم في الجنة وقد رآه أبـو جهل وأبـو لهب ، ورأس المنافقيـن عبد الله بن أبي وغيرهم ، فهل يكون هؤلاء في الجنة ؟!!!
ثم أن هذا الشـاعر الغوي يـزعم أن الرحمن شفعه في أهل عصره ، وما أدراهم أن الرحمن شفعه في أهـل عصره ؟ هل نزل عليهم الوحي بذلك ؟ ولكن صدق القائل صلى الله عليه وسلم : " إذا لم تستح فاصنع ما شئت " ، ولكن كما ذكرت لك ، المسألة مسألة دعاية وإعلان وترويج وترغيب لزيارة صاحب البقعة العيناتيه.

ومنها ما قاله صاحب الجواهر [ ص 227 ] :
كراماته التي كاشف بها بعض المتصلين
وظهر لهم منه كشفاً
فمنها ما في الزهر الباسم عن الشريف عمر بن محمد بن علي باهارون علوي قال عن الثقات ( ) : " كانت امرأة بالقبلة تسمع بكـراماته فقالت وهي في جربة لها : أود أن انظر الشيخ أبا بكـر بن سالم ، فما تمت كلامها إلا وهي به يقول لها : أنت تريدين تنظرين الشيخ ، أنا أبو بكـر بن سالم فغاب عنها ، ثم أنها خرجت لزيارته ( ) ، فما وصلت إليه قالت : هو ذلك الرجل جاءني في جربتي ، فقال لها : أنا ذلك ، وكان بين بلدها وعينات مسيرة نصف شهـر، ولم يدخل الشيخ تلك الجهة " اهـ
لماذا تمنت هذه المرأة أن تنظر للشيخ أبي بكر بن سالم ؟
هل تريد أن تخطبه لنفسها ، وما تم كلامها إلا والشيخ عندها ، قطع مسيرة نصف شهـر قبل أن تـتـم كلامها ( ألا لعنة الله على الكاذبين ).
وهل يجوز لأبي بكـر بن سالم أن ينظر إليها وهي امرأة أجنبية ؟
الجواب لا يجوز ، قال تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبيـر بما يصنعون } [ النور : 30 ].


ومنها ما قال صاحب الجواهـر [ ص 326 ] :
" ومن كراماته المتعلقة بزوجاته أن بعض زوجاته أظنها من آل أحمد القبيلة المعروفة ، وكان له منها طفل ، فحصل منه ليلة من التلويث ما يحصل للصبيان ولم يكن عندهم سراج ، فسألته أن يأتي منابر لتبصر بها ما تصنع ، وكررت عليه ، فأخرج لها إصبعه وأضاء لها ضوء السراج حتى فرغت عن الغرض " اهـ.

وهذه القصة كغيرها ، المراد منها تقديس صاحب البقعة العيناتية أبي بكـر بن سالم لجـذب الزوار إلى ضريحه ومرقده بعينات. قال الشوكاني رحمـه الله : وقد يجعـل الشيطان طائفة من إخوانه من بني آدم يقفون على ذلك القبـر ، ويخادعون من يأتي إليه من الزائرين ، يهولون عليهم الأمر ، ويصنعون أموراً من أنفسهم ، وينسبونها إلى الميت على وجهٍ لا يفطن له من كان من المغفلين ، وقد يصنعون أكاذيب مشتملة على أشياء يسمونها كرامات ، لذلك الميت ويبثـونها في الناس ، ويكون ذكرها في مجالسهم وعند اجتماعهم بالناس فتشيع وتستفيض ، ويتلقاها من يحسن الظن بالأموات ، ويقبل عقله ما يروى عنهم من الأكاذيب ، فيرويها كما سمعها ، ويتحدث بها في مجالسه ، فيقع إليها في بلية عظيمة من الاعتقاد الشركي ، وينذرون على ذلك الميت بكرائم أموالهم ، ويحبسون على قبره من أملاكهم ما هو أحبها إلى قلوبهم ، لاعتقادهم أنهم ينالون بجاه ذلك الميت خيراً عظيماً وأجـراً كبيراً ، ويعتقدون أن ذلك قربة عظيمة ، وطاعة نافعة ، وحسنة متقبلة ، فيحصل بذلك مقصود أولئك الذين جعلهم الشيطان من إخوانه من بني آدم على ذلك القبـر.
فإنهم إنما فعلوا تلك الأفاعيل وهولوا بتلك التهاويل ، وكذبوا تلك الأكاذيب ، لينالوا من الحطام من أموال الطغام الأغتام ( ) .
وبهذه الذريعة الملعونة ، والوسيلة الإبليسية ، تكاثرت الأوقاف على القبور ، وبلغت مبلغـاً عظيماً ، حتى بلغت غلات ما يوقف على المشهورين منهم ما لو اجتمعت أوقافه لبلغ ما يقتات أهل قرية كبيرة من قرى المسلمين ، ولو بيعت تلك الحبائس الباطلة لأغنى الله بها طائفة عظيمة من الفقـراء ، وكلها من النذر في معصية " اهـ [ شرح الصدور بتحريم رفع القبور ص 16 – 18 ].
  رد مع اقتباس