[سالم علي الجرو]

[overline]مهنة الوراقة

الوراقة مهنة عني بها الأقدمون لنشر المخطوطات ، فكانوا ينسخون ويصحّحون ويبيعونها كتباً .
ازدهرت الوراقة في العصر العبّاسي ( 132 ـ 656هجرية ) نظرا لازدهار حركة التأليف واتساع رقعة الخلافة .
من التعريفات المتقدمة للوراقة ما أورده السّمعاني سنة 625هجرية ، في كتابه: [ الأنساب ] ، وعرّفها بأنّها: [ اسم لمن يكتب المصاحف والكتب ، وهناك من أطلق على الورّاقين إسم: { المصحفيين } ] .
ويعرّف أبو حامد محمد العربي القاسمي الوراقة بأنها: [ ... والنّساخة حرفة وهي: الوراقة ، وكلّ من جعل النسخ حرفة يحترفها أو شغلا ينشغل به لنفسه فهو نسّاخ وورّاق أيضاً ] . وكتب فوزي شبيطة صاحب كتاب: [ الوراقة والورّاقون ] ، أن واجبات الورّاق تتلخص في أن ينتخب الورق وينسخ الكتب تحت إشرافه ، ويصحح الأخطاء ثمّ يجلّد الكتاب... ثمّ يبيعه ] .

برزت حوانيت الورّاقين في بغداد وفي كثير من الأمصار ، وقد بلغ عدد حوانيت الورّاقين في بغداد مائة حانوت في القرن الثالث الهجري ، كما انتشرت الحوانيت في القاهرة ودمشق .
لم يكن الوراقون ناشرون فقط ، بل كانت حوانيتهم تقوم مقام المدارس والمكتبات ودور النشر في عالم اليوم ، وكانت ملتقى العلماء والأدباء ومقرّا للمناظرات . ومما يذكر عن الجاحظ أنه كان يبيت في حوانيت الوراقين يقرأ ما فيها من مخطوطات .
وصف بعض العلماء والمؤرخين الوراقين بأنهم أصحاب فضل إلا أن العائد المادّي كان لا يسدّ الرّمق ، ذلك أن بعض الورّاقين وصف الوراقة بأنّها مهنة مذمومة ، كأبي حاتم وكان ورّاقاً بنيسابور لخمسين سنة . بعد خمسين سنة من العمل المتواصل في الوراقة يقول أبو حاتم:
إنّ الوراقة حرفة مذمومة = محرومة عيشي بها زمنُ
إن عشت عشت وليس لي أكلٌ = وإن متّ متّ وليس لي كفنُ
أمّا الشّاعر الأندلسي أبو محمد عبدالله البكري ، فقد وصفها بأنكد حرفة:
أمّا الوراقة فهي أنكد حرفة = أوراقها وثمارها الحرمانُ
شبّهت صاحبها بصاحب إبرة = تكسو العراة وجسمها عريانُ
وقد اشتهر من بغداد [ الكاغد ] بحبّه وتعلّقه بالكتاب ، فهو دائم صفر اليدين معدما ، فكلّما جمع قيمة كتاب ذهب إلى المؤلفين أو إلى الحوانيت لنفق ما في جيبه ويعود بكتاب قريب إلى قلبه .

المرجع: مسودّة: [ ورّاق في الظّلّ ] سالم علي[/overline]