عرض مشاركة واحدة
قديم 08-18-2011, 02:41 PM   #1
أبوعوض الشبامي
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية أبوعوض الشبامي

افتراضي أوراق من الذاكرة الحضرمية : جيش البادية الحضرمي ..!!

.

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

أثناء استكمال كتابة هذه الأوراق عن جيش البادية الحضرمي ، قرأت في بعض المواقع معلومات معظمها ناقصة وبعضها خاطئة حول تأسيس جيش البادية الحضرمية منها على سبيل المثال أن ( ليون ) ليجون اسم شخص انجليزي وهو الذي أسس جيش البادية ..؟؟؟

وفي هذه السقيفة نتواصل لننبش أوراق الذاكرة الحضرمية وفي أوراق اليوم ننبش عن التاريخ العسكري لحضرموت ، ومع جيش البادية الحضرمية .

في تاريخ 29 سبتمبر 1937م كتب حاكم عدن ( رايلي ) إلى وزارة المستعمرات البريطانية خطابا قال فيه:

(( أن السياسة السابقة ذات السيطرة المباشرة التي كنا نتبعها في أوقات تزايد العنف قد حتمت الحاجة إلى وجود قوة بوليسية برية متحركة مماثلة جدا للقوة السابقة الموجودة في أقطار مشابهة لمحميتي عدن ، ومن الواضح أنه في شرق الأردن قد أدت قوات الشرطة الصغيرة العدد فائدة كبيرة ، وأن الحاجة إلى مثل هذه القوة في المحمية قد ازدادت يوما بعد يوم ، لأن السيطرة السياسية في المحمية آخذة في التزايد ، وكذلك التطور الزراعي ، وتحسين المواصـلات والاستكشافات النفطية المتوقعة ، ومن الواضح أن تشجيع مثل هذه المشاريع سوف يتيسر بدرجة كبيرة إذا كانت تحت تصرفنا قوة صغيرة يمكن الوثوق بها، متدربة على نفس الخطة العربية وبصورة مماثلة لجيش البادية في شرق الأردن ، ومستعدة دائما لواجبات الحماية ، أن هذه الحاجة قد تم تلبيتها في المناطق التي تم فيها تشكيل الحرس القبلي ، ولكن في العديد من أجزاء المحمية والتي تفتقر ولأسباب مختلفة إلى الرئيس المخول أو الزعيم الرمز، فإنه لا يمكن إنشاء الحرس القبلي في هذه المناطق . أن رجال هذه القوة يجب أن يختاروا بعناية تامة ، وأن النظام الأوربي سيكون قاسيا بالنسبة لهم. يجب أن يكونوا قادرين على الترحال كما يفعل العربي بواسطة نقل بسيطة أو بدون واسطة نقل وأن يكونوا على شكل مجموعات صغيرة، وأن يحموا أنفسهم وقادرين على إعاشة أنفسهم أثناء السير في أي منطقة ، وأن بيئة الانضباط العسكري تكون مطلوبة لكي تدمجهم في وحدة واحدة. وبعد التدريب التمهيدي يجب أن ينتظموا في دورات لتلقي دروس منعشة للذاكرة وعليهم أن يكونوا مستعدين دائما للقيام بأي عمل تطلبه الحكومة منهم ..))

إلا أنه بعد الهدنة التي عقدها المستشار البريطاني ( هارلد انجرامس ) بين القبائل الحضـرمية خرجت فكرة انشاء وتأسيس جيش البادية الحضرمي إلى حيز الوجود ، ذلك على يد المستشار انجرامس الذي يعد مؤسس وراعي هذا الجيش ومتوليه حتى أصبح من أفضل الجيوش المنظمة في جنوب الجزيرة العربية ، وقذ كتب انجرامس حول فكرة انشاء وتأسيس هذا الجيش فقال :

(( اقترحت على وزارة المستعمرات إنشاء قوة بدوية لتأمين المناطق النائية التي كان اتصالها ضعيفا جدا بالسلطنتين الكثيرية والقعيطية ، وقد وافقت وزارة المستعمرات أن تمد إجازتي في عام 1938م لكي ألبي دعوة جلوب باشا (Glubb ) في الذهاب إلى عمان للإطلاع على جيشه، ووجدت تجربته باعثة على الأمل إلى درجة كبيرة. ففكرت في إنشاء جيش البادية الحضرمي ليأتي مزيجا من أفكار جلوب باشا والعمل الكشفي )).
صورة المستشار البريطاني انجرامس


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

سافر إنجرامس إلى شرق الأردن بهدف الاطلاع عن كثب على تجربة جلوب باشا في تكوين الجيش العربي ، وجلوب ( Sir John Bagot Glubb ) المعروف في الأردن باسم جلوب باشا ( 1897 - 1986) كان جندياً بريطانيا عرف بقيادته للجيش العربي بين العامين 1939 و 1956. اثناء الحرب العالمية الثانية ، ومن قبل خدم في فرنسا ثم تم نقله الى العراق عام 1920، حيث كان العراق مستعمرة بريطانية في ذلك الوقت.
في العراق عمل على بناء علاقات مع القبائل ولعب دورا مهما في شكل العلاقات البريطانية - العربية في تلك المنطقة. وقد درس في كلية تشلتنهام ، واصبح ضابطاً في الجيش العربي عام 1930. وفي العام التالي اسس حرس البادية ، وهي قوة مكونة من البدو بشكل حصري وذلك للسيطرة على الازمة التي اصابت جنوب البلاد. وفي سنوات قليلة استطاع جلوب باشا ان يوقف الغزوات المتبادلة بين القبائل البدوية ، وبسرعة اصبحت غزوات القبائل وحروبها بينها البين جزء من التاريخ ، في عام 1939 خلف جلوب فريدريك جيرارد بييك في قيادة الجيش العربي ، وفي تلك الفترة حول الجيش الى افضل قوة تدريبا في المنطقة العربية.
بقي جلوب باشا في منصب قيادة الجيش العربي حتى 2 مارس 1956 حيث اعفاه الملك حسين من مهامه .

وإلى هذا القائد البريطاني ( جلوب باشا ) يعود الفضل على انتشار ( الشماغ الأحمر ) المرقط بالأبيض وقد أدخله على العرب حين اسس الجيش الاردني الحديث، بعد أن عانت المصانع البريطانية التي كانت تنتج هذا النوع من ازمة مالية بسبب قلة الطلب على هذه الأغطية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، فجاء جلوب باشا وعممه على الجيش الاردني، ولبسه هو أيضا ثم انتشر بين عرب الجزيرة .


صورة للضابط جلوب باشا بلباس الجيش الأردني

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة


في اكتوبر عام 1938م وصل إنجرامس الى الأردن برفقة زوجته دورين ، وفي الأردن التقى بجلـوب باشـا وقضى معه أسبوعـاً كاملاً ، ثم غادر عمـان إلى العقبة ، ومنها إلى السويس ومن السويس توجه إلى عدن . وحال وصوله الى عدن رفع انجرامس تقريرا إلى حاكم عدن في 27أكتوبر 1938م ، شرح فيه فكرة مشروع إنشاء جيش البادية الحضرمي. وفي 31ديسمبر من العام نفسه، بعث إنجرامس بمذكرة أخرى أرفق بها مقترحاً لميزانية تجريبية لعامي 1939 - 1940م و1940ـ 1941م، وقد بين أن ميزانية السنة الأولى هي لتأسيس نواة قوة مكونه من خمسين جندياً وللتوسع في المنشآت الدائمة ، وميزانية السنة الثانية سوف تخصص للتجنيد وترقيات ضباط الصف ، ولتجنيد مائة احتياطي سيدفع لهم مرتب شهر واحد في السنة الذي سيستدعون فيه للتدريب .

تكونت الميزانية من بندين : الأول بند المرتبات الشخصية ، وتتضمن مرتب الضابط الأردني من الجيش العربي الأردني الذي اختاره جلوب باشا ليكون قائدا ومدربا لجيش البادية، وهو 10جنيه شهرياً، وخمسين جندياً لكل واحد 2.5 جنيه شهرياً، فضلاً عن طبيب هندي، وكاتب سيعمل مدرساً أيضا، وعامل لاسلكي، وسائق.

أما البند الثاني فهو نفقات أخرى ويتضمن الأسلحة واثني عشر جملاً ولوري، وإنشاءات، ومعدات، وملابس رسمية. وقدر إجمالي النفقات في هذه الميزانية بـ4000 جنيه، كما أن إجمالي ميزانية السنة الثانية تقدر بـ 4000جنية أيضا. إلا انه تم زيادة النفقات في ميزانية السنة الثانية.

أرسلت وزارة المستعمرات البريطانية بعد اطلاعها على مذكرات إنجرامس بخصوص جيش البادية الحضرمي إلى حاكم عدن رايلي في 13 ديسمبر 1938م، استفسارا حول طبيعة العلاقة بين جيش البادية الحضرمي والحرس الحكومي ، وعن سبب عدم الرغبة في ربطه بالحرس الحكومي في التدريب والسيطرة. فكتب السكرتير السياسي في عدن ليك إلى إنجرامس يطلب منه الإجابة حول هذه الاستفسارات ؟؟

رد إنجرامس على هذه الاستفسارات، في رسالة بعث بها إلى السكرتير السياسي في عدن في السادس من يناير عام 1939م ثم تبعتها بمذكرة تفصيلية مطولة مكونة من تسع صفحات ، أشار فيها لى أن هناك بعض الاختلافات في الأهداف التي أُنشئ من أجلها كل منهما ، فالحرس الحكومي يستخدم فقط في المناطق التي لا يمكن استخدام الحرس القبلي فيها، ولذلك فهي بالضرورة قوة قمعية. أما جيش البادية فهو وبحسب تصوره، يشبه الجيش العربي في شرق الأردن، معد ليكون قوة سياسة فضلاً عن كونه قوة شرطة، وهو يأمل أن يكون سبباً في نشر نور العلم والخدمات الصحية في مناطق البدو وأشباه البدو، وأن هذه القوة ستكون في النهاية تابعة لحكومتي السلطنتين. ويؤكد أنه يريد أن يعطيها تلك الميزة منذ البداية بقدر ما يمكن، وأنها لن تكون قوة بريطانية مثل الحرس الحكومي .

لقد كان إنجرامس مدركا ومتفهما الى عمق طبيعة سكان حضرموت وقبائلها وسلاطينها. فهو يعتقد أن من الأفضل أن تصنف هذه القوة بأنها قوة ( قعيطية - كثيرية ) عوضا في أن تكون قوة بريطانية، مع أنها تابعة لبريطانيا أكثر من أن تكون تابعة لكلا السلطانين الكثيري أو القعيطي ، بغض النظر عن رضى السلطانين عندما يشاهدون أعلام سلطنتيهم ترفرف فوق مراكز القيادة .

قبل الشروع في تأسيس جيش البادية الحضرمية ناقش انجرامس السلطانيين القعيطي والكثيري واستطلع رأيهما وقال :

(( أن هناك أهمية تعلق على آرائهم، رغم أنهم راضين عن المشروع. ومع أن السلطان القعيطي شخص ذكي ، وهو لا يألوا جهدا في تقديم المساعدة، إلا انه ليست له دراية بأحوال البدو أو كيفية السيطرة عليهم . أما السلطان الكثيري فهو غير ذكي، ولكنه مفيد ويقبل اغلب الآراء، ما لم تمس جيبه...)).

لم تقتصر مناقشة انجرامس على النخبة الحاكمة ، بل تعداها أن ناقش الفكرة مع عدد آخر من الناس الذين لهم دراية بأحوال البادية ، ووافق كل من عرضت عليه هذه الفكرة على المشروع، منهم السيد ابوبكر بن شيخ الكاف وغيره من الشخصيات الاجتماعية البارزة في حضرموت وقد أبدت شخصية يافعية بارزة قلقها ومعارضتها لفكرة تأسيس هذا الجيش وبررت ( أن البدو لا يمكن أن يكونوا جنوداً جيدين مثل اليافعيين )). أما البدو والذين هم المفترض أن يكونوا عمود الجيش الرئيسي ولم يستطلع إنجرامس آراءهم لأنه (( يرى أنهم لا يستطيعون أن يعطوا رأياً مفيداً في هذا الموضوع )).

لعل الدوافع الرئيسية والمهمة التي كانت وراء فكرة إنشاء وتأسيس جيش البادية الحضرمي ، هي أنه بعد ارساء اتفاقيات الصلح بين القبائل تولت قوات شرطة السلطنتين حفظ الأمن والتمركز في بعض المناطق البدوية ، و كانت قوات السلطنتين غير مؤهلة للتعامل مع البدو ، خصوصا القوة اليافعيية ، فقد كان في وجود هؤلاء الجنود اليافعيين في المناطق البدوية مثار استياء وتذمر بين اوساط القبائل الحضرمية ، ولهذا فإن انجرامس رأى أنه من الأفضل إرسال البدو العاملين في هذه القوات أو العبيد ، إلا أن العبيد كما يرى إنجرامس غير مفيدين خارج حصونهم ، ولا يمكن الاستفادة منهم في الأغراض السياسية. ولهذا فليست هناك قوة عسكرية ملائمة تتعامل مع البادية ، مثل أن تكون تلك القوة من أبناء البدو لهذا كان لابد من إنشاء قوة تقوم بعمل بوليسي وسياسي. وإن هذه القوة يجب أن تكون من البدو فقط، ورفض إنجرامس تعيين أي ضابط بريطاني في هذه القوة، وعوضاً عن ذلك يمكن تعيين ضباط عرب من الجيش العربي الأردني. ويرى إنجرامس :

(( أن قوة مشكلة من البدو المحليين ، وقيادات عربية تحت رايات عربية وبتوجيه من المستشار المقيم سوف يشجع على الأرجح الالتحام بين القبائل ويجعل تأثيرهم في الحكومة المحلية أكثر واقعية ))

ومن هنا جاءت فكرة تأسيس جيش البادية الحضرمي كمشروع عسكري وسياسي وتربوي يخدم بالدرجة الأولى المصالح البريطانية التي تهتم بتثبيت الأمن في مناطق البادية ..!!


لنا تواصل مع هذه الأوراق ...!!



.

التوقيع :
  رد مع اقتباس