.
المسيده والقبوله ، ضيعتها الفلوس
تتراء لنا بين صفحات مكاتبات السيد مصطفى المحضار صور يتجلى فيها الإيمان بحب الوطن ، ذلك شعورا من قوة إيمانه (( حب الأوطان من قوة الإيمان )) ومن هذا الشعور الوطني المغروس في قلب عشق وادي دوعن برغم شضف العيش وقسوة الحياة فيه ، وعشق معه حضرموت كلها والتي لا تختلف حالها عن حال وادي دوعن ، وهذا العشق المحضاري نابع من شعوره بالمسؤلية الاجتماعية والانسانية تجاه الأرض والإنسان ، لهذا نلتمس في معظم مكاتباته حرصه الشديد الى الدعوة للخير والاصلاح وعمارة الأرض ، والسعي الى طلب العلم ، وكثيرا مايؤكد على أخوانه العلويين من ذوي المقامات المعروفة كالمناصب ووجهاءهم على القيام بمهتهم التشريفية في خدمة الناس وحل مشاكلهم والدعوة للإصلاح والصلاح بشتى الطرق والسبل وتأليف قلوب الناس .
في سنة 1365هـ وجه السيد السيد مصطفى المحضار مكاتبة من مكاتباته الجميلة والرائعة وكانت من وجهة نظري من أجمل مكاتباته ، وجهها لكل من السيد احمد بن حسن الحداد ، ومحمد بن علي العيدروس ، والشيخ عبالرحمن باعباد (( صاحب الغرفة ))، ويشدنا في مقدمة هذه المكاتبة قوة بيان السيد مصطفى المحضار حين تأتيه شوارد لغتنا الحضرمية طوعا منقادة له ، وتنساب بسلاسة تحت يراعه ، نطرب فيها لسحر بلاغته حين قال في مقدمة مكاتبته :
(( الحمدلله إلى الحزم وحزامها ، والعيدروس مقدامها ، والغرفة وزمامها ، والقديم قدامها ، وقابض خطامها ، وحلها ولجامها ، ومأمها وإمامها ، قبل كل إمام ، وقبل سام وحام ، وهي مسطرة الاقلام ، سلام على العيدروس في حزمه ، وباعباد رضيع أمه ، بلاده وغرفته ، إليه تنتسب وإليها نسبته ، وعززوا بالثالث ، الحبشي والحداد ، سادات أجواد ، وهبت عليهم جميع الأنواد ، علمهم ومنهلهم في ذلك الواد ، وجاد عليهم الجواد ، باالعتاد فوق المعتاد ، والمراد فوق المراد ، تعرضوا للنفحة ، وافراحهم بها فرحه ، ومنحهم بها منحه ، واعطاهم المطلوب فوق المطلوب ، وحاجة يعقوب ، ونهدي السلام العاطر ، ما أنهل ماطر ، لأهل شعب عامر ، طيبين العناصر ...))
وتستمر كلمات مقدمته تنساب وهي تجلجل برنين موسيقى يطرب لها القارئ والسامع ، وبعد هذه المقدمة اللطيفة ينتقل السيد مصطفى المحضار في مكاتبته الى شغله الشاغل ألا وهو هموم الناس في حضرموت ، ويتناول الأمور بكل شفافية ووضوح وصدق وصراحة معهودة اتسمت بها شخصية هذا السيد الجليل ، يقول في هذه المكاتبة :
(( الله يرد على حضرموت واهلها ، وبطلّها وبلها ، تمطرها السماء ، وفي قاعها يكثر الماء ، ولولا العجز وامان على جاوه وفلوسها ، تجي منها فلوس مكعدره ومعوره مصدره ، هذا ولعاد نسني ، ومن الخير نجني ، صدر من جاوه ، ولعاد حاجه للغثاوه ، والتعب والسناوه ، أما أنا رزقي بايجي من بعيد ، وخل الشقي يشقى حتى نهار البعيد ...))
بعد أن شخص لنا الحالة الاجتماعية والاقتصادية والآثار السلبية التي فطن لها السيد مصطفى المحضار مبكرا ، ونبه من مخاطرها الاجتماعية ، يقول رحمه الله :
(( وهذا الذي خبث بحضرموت ، وقطّب هممهم على القوت ، بغوه إلا من جاوه ، السيد إنبطح ، والقبيلي افتضح ، وغلبتهم الرفاهيه ، وهي عين السفاهه ، وقد كانوا أهلهم يسنون بانفسهم بلا شده ، ويلفون من التمر بهره ، ومن الطعام والبر ، شي فوق ما تتصور ، وحلوا في ارضهم ، واليوم نراهم كلهم تركوها ، ولعاد همه ولا حشمه ....))
ذلك رسم تشخيصي لحالة المجتمع الحضرمي ولجانب اجتماعي واقتصادي تتراء صوره لنا منذ أن كتب هذه المكاتبة قبل ستة وستين عاما ، ونراها تتمثل عيانا أمامنا وتتكرر فصولها حتى في عصرنا هذا يقول رحمه الله :
(( وهذه حضرموت ما تقوم محلتها إلا بالاقتصاد ، وبعمارتها في الرافع والوهاد ، وقد رأينا أن أتجر ماكان ، (( آل الكاف ، وآل كثير )) وهم أعجز ماكان ، ياريتهم قللوا في حضرموت ساقيه ، وإلا بدعوا مطيره ، ما خلاف ديار ركزوها ، وبطون ملوها ، وحريم تزوجوها ، وفلوس في هذه الأشياء أذهبوها ، وضيعتهم الفلوس المسيده والقبوله ، وقد الكاف يسير بتحصاته ، والكثيري بعصاته ، وضاعت الحداده والنجاره ، وربحها والتجاره ، واشتروا كلهم من بعضهم الأمان ، قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ......))...!!
.