عرض مشاركة واحدة
قديم 12-21-2008, 10:40 PM   #2
أبوعوض الشبامي
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية أبوعوض الشبامي

افتراضي

الفصل الأول

الشعر المعاصر في جنوب الجزيرة
------------------------------------


يعتبر الشعر في حضرموت كماهو الحال في جميع البلدان الناطقة بالعربية، فنا من الفنون الرئيسية أو بالأحرى الفن السائد الذي تمارسه وتتذوقه كل الطبقات، وبهذا فانه يعتبر مظهرا من مظاهر الحياة وربما يكون أكثر المظاهر بروزا في مختلف الأنشطـة والاحتفالات الشعبية ، ونتيجـة لذلك أصبح من الممكن الحصول على معلومات كافية عن جميع مظاهر الحياة العربية تقريبا من الشعر العربي أو الشعر السائد في الحياة العربية أي الشعرالعامي حيث أن الشعـرالحديث ( الشعر الكلاسيكي ) يحتاج الى بعض الإيضاحات الضروريـة لبيـان مناسباتـه وأغراضه وأسلوب نظمه ، وبهذا يكون الشعر العامي الحضرمي بالنسبة للمختص في الدراسات اللغويـة العربية وثائق حافلة بالملاحظات المختزلـة عن مختلف مظاهر الحياة في جنوب الجزيـرة ، ويمكن توضيح ذلك من رسالة كتبها اليّ من باتايا السيد علي بن عبدالله التوي يقول فيها (1) ( الشعر الحميني هو صدى لمشاعر وأحاسيس الشعب يصدر عن الأفراد من شعرائـه، معبرين عن وجدان سواده تثيرهم لقولـه ابسط البواعث ) .
وهكذا يعبر الحضرمي عن قيمـة وتقديـر الشعر العامي ، وقد أصبح كل همي اكتشـاف العـادات والحـوادث والمعتقدات..الخ ، التي يتناولها الشعر العامي بالإشارة لتكـون مادة لـدراسـة المجتمع العربي في جنوب الجزيرة في الماضي والحاضر ، كما ان هذه المادة الموثقـة يمكن ان تكـون مرشدا وضابطا للدارس الاجتماعي الذي يبحث عن تفسير الكتابات واستنتاجاته التاريخية كما انها تمد الباحث اللغوي بمادة جديدة في الكلمات وقواعداللغة يمكن ان تساعده في دراسة الأدب العربي الكلاسيكي وقواعده ا للغوية (2) والأخذ بهذه المفاهيم العريضة من زاوية لغوية واسعـة وفسيحـة جاءت وتبلورت هذه المختارات ، ان ما تجمع من الأدب المطبـوع في جنوب الجزيرة ليس بالقدر الكبير ، ولا يمكن إغفال الإحاطـة والمعرفـة الواسعـة التي يمتلكها لاندبرج Landberg متوجة باحتكاكه ومعرفتـه المباشرة بالبلاد ، إذ ان الدراسات الحديثة في الشئون اللغوية العربيـة لم يتيسر لها الوقت والوسائل الكفيلـة بتحقيق ما أنجـزه لاندبرج في هذا المضمار ، كما لم يتوفرلها المال اللازم لطبـاعتها بشكل واسع ، والواقع أن النـصوص التي نشـرها لا ندبرج ليست بالحجم المتوقع إذا قورنت بتعليقاته وضخامة عمله المعجمي ، وقد جاءت معظم تلك النصوص من منطقـة دثينـه ، ولا يحتوي المجلد الخاص بحضرموت الا على قصائد قليلـة ، فإذا ما خطر للمرء ان يتفحص نظرياتـه فسيجد ان الحقائق التي أوردها لاتقبل الطعن .

أما المواد التي أوردها ( سنوك هير قرونجي ) فتبدو اقل دقة كما انها ليست بالقدر الكافي ، بينما تمكن ( آر روسي ) من الحصول على مختارات محدودة ولكنها تمتاز بالدقة وهي ثمينة أيضا ، وباستثناء اليهوديات أو الدراسات العربيـة اليهودية ، فان هذا هو المدىالذي وصلت إليها الدراسات حول الشعـر في جنوب الجزيرة.

اما فيما يتعلق بالمواد المطبوعة في الشرق الأقصى فأن أفضل ما يمكن أن يقوم بـه البـاحث هو الرجـوع الى القـوائم التي تصـنف الأغـاني والأشـعـار المسجـلـة في اسـطوا نـات الجرامفـون ( الحاكي ) ، والتي قامـت بطبعهـا في عدن شـركـة التاج العدني (3 ) ، حيث أن شركات الأسطوانات قد قامت بدون قصد بالطبع بتسجيل الشعر والأ لحان الشعبية ، كما قامت بطبع مجموعة لابأس بها من شعر الغزل ، ويمكن الحصـول على بعض من الأشعـار العاميـة من خلال ماكتبـه الكتّاب المحدثـون من أمثال صلاح البكري (4) ، الا ان أكثر مؤلفات الشعر الحضرمي فائدة هو كتاب ( الوقائع بما جرى بين تميم ويافع ) وهو كتاب يكاد يستحيـل الحصول عليه ناهيك عن اقتنائه(5) ، وكما سيتضح فيما بعد فإنني قمت بجمع مجموعـة القصائد من الرواة الذين اتصلت بهم وهي قصائد سيجدها القارئ في هذا الكتـاب .

ومن المحتـمل أن تكـون هناك مجموعـات أخرى من الأسطوانات التي طبعت في الهند واندنوسيا قد تعرضت للإندثار قبل رصدها وتسجيلها ويبدو أن هناك بعضا من الشعـر العامي الحضرمي في طريقـه إلي الطبع في الشرق الأقصى بالرغم من عدم إطلاعي على شئ منه إذ يقوم أخ لصديق قاضي حريضه ، وهو رجل متعدد النشاطات بطبع دواوين لبعض شعر العاميـة الحضارمـة في سنغفـوره ، ولسـت بعد هذا على معرفة بأي مؤلفات أخرى تحتوي على مواد يمنية أو حضرمية.

وفي عدن أمكننا الحصول على بعض الأعمال الجديدة المطبوعة وبالرغم من اعتقادي الأكيد بوجود نشرات كانت تصدر في عدن قبيل الحرب العالمية الثانية الا انه تنقصني المعلومات عن هذا النوع من الشعر ، وقد قام الأمير أحمد بن فضل العبدلي وهو أحد أفراد العائلة المالكة في لحج ( توفى منذ فترة ليست بعيدة كما أعتقد ) بطبع ديوان الأغاني اللحجية ( مطبعة الهلال عدن 1938م ) ، ونسخة موسعة من ( المصدر المفيد في غناء لحج الجديد ) حوالي عام 1943م وقصائد هذا الشاعر تشبه القصائد الحضرمية مع اختلاف الوضع ، وكذلك مع اختلاف طفيف في الأسلـوب ، كما هوالحال في اختلاف هذا الجزء من جنوب الجزيرة عن حضرموت(6) ، ولا أعتبر نفسي مجانبا للصواب إذا قلت ان القصائد اللحجيـة تمتاز بخيال اكثر ثراء من أغلب القصائـد المنتـشرة في حضرموت ، الا أنها مع هذا التميز تشترك مع النوع الحضرمي في الاستهلال والختام كما تستعمل نفس البحـور الشعريـة في المنطقتين ويمثل شعر احمد فضل ذلك الشعـر المحلي المطبوع بالثقافة المحليـة وبطابع المنطقة ، وهويختلف لغة عن ذلك النوع الذي ينظمه الفلاحون ، مثـل القصيدتين 33 و42 من الشواهد ( للعطاس وعسكول ) ويبدوان أحمد فضل كانت لديه فرقة موسيقية خاصة وله مقالة تدور حول تحليل العـود والرباب والتي سنتناولها فيما بعد ، وقد سجلت بعض قصائده التي نظمها للغناء.

حركة التحديث

يسود الميل بين الشباب في عدن الى نظام الشعر الفصيح ، والابتعاد عن تناول المواضيع الشعرية التقليدية ، وتجاهل الشعر المحلي ، خصوصا أولئك الشباب الذين عاشوا في أقطار عربية أخرى لتلقي العلم ولا شك ان الطلاب والمدرسين الذين شاركوا في ثورة 1948م في اليمن ، يتجهون الى نفس ألا تجاه ، ويعتبر الشاعرالمشهور علي محمد لقمان نموذجا بارزا للشعراء في عدن ، وهو صاحب ديوان أشجان الليل ( عدن 1945م ) وديوان الوتر المغمور ( عدن1944م ) ، وهو يعمل الآن في مطبعة والده ، وهذا الشاعر الشاب الذي درس في مصر متأثرا بكتابة الشعر الرقيق الشائع في منطقة الشرق الأدنى وللمفارقة بين قصائد هذه المجموعة وشعر هؤلاء الشباب ، يمكن للمرء أن يقرأ إحدى قصائد عن مطعم ( جزيرة الشاي ) في القاهرة ، مع الإشارة إلى رقصة الخد بالخد وهو يخاطب محبوبته بضمير التأنيث ، متحررا من المعاني التقليدية الشائعة ، مع أنني اعتقد أن بإمكانه أن ينظم شعرا بالأسلوب القديم ، وفي تصوري أن بعضا من قصائده جدير بالقراءة ، هذا بالرغم من أن غريبا مثلي لا يمكن أن يكون ناقـدا مميزا لهذا الشعر ، ولا تفـوتني الإشارة إلى صد يقي السـيد محمد عبده غانم صاحب ديوان الشاطئ المسحور(عدن1946م)، وهوالحائز على إحدى جوائز مسابقات إذاعة أل ( BBC ) الشعرية، بالرغم من أنه لم ينبهر بحركةالتحديث لذاتهـا، كما أنه يعتبر باحثا دارسا ولايسعني هنا أن أتناول الحركة الشعرية في عدن بأكثر مما قلت وهي حركة جديرة بالنظر .

أما عن الحركة الحديثة بين الحضرميين فلن أقول شيئا هنا أكثر مما هو ضروري للإشارة إلى ما يمكن أن يحدث من تطورات ، وآمل أن أتناول هذا الموضوع بشيء من الاستفاضة ، ولحضرموت وضع خاص ولها تقاليد في العلم أكثر عراقة من عدن التي لازال علماؤها في الماضي والحاضر من الحضرميين ، وقد بدأ ت الحركة الأدبية الحديثة في حضرموت قبل ما يقرب من خمسين عاما، وكان ذلك خارج حضرموت نفسها ، في الهند الشرقيـة وجاوه وسومطره وسنغفوره..الخ ، وقد نشر الحضارم(7) الكتب والصحف قبل أن يظهر شئ من ذلك في عدن ولم يكن في صنعاء نفسها غير الصحيفة العربية التركيـة التي تصدر عادة في كل عاصمة من عواصم الولايات التركيـة ، وشارك الشعراء الحضرميون في الحركات الحديثة في مصر وسوريا وذلك في مضمار تطويـر الأدب العربي المعاصر حتى وهم يكتبون عن مواضيع حضرميـة ، وقد نشر الشاعر صالح بن علي الحامد أشعاره في مجلة ( أبو لو ) الشعريـة بالقاهرة، ويعتبر ديوانه نسمات الربيع ( القاهرة 1936م) ذا مستوى حديث في أسلوبـه.

أمـا ديـوان أبو بكر بن شهـاب فلاشـك أنـه عـلامـة مميزة لأنشطـة الحضارمـة الشـعـريـة والأدبيـة في الـهند( 8 ) ، وهو يحـتوي في مجملـه على مدائح بالشعـر الكلاسيكي، وهو شاعر لا أشك أنه نظّم الشعـر العـامي (9) وتبـدو حضرمـوت اليوم مسرحا لنشاط أدبي عنيف، ولكن هذا النشاط لايزال مكتوبا بخط اليد لعدم وجود مطبعة في البلاد باستثناء مطبعة متداعية بالمكلا لا تتجاوز قدرتها طباعة نشرة إخبارية صغيرة شهريا.

الرجـوع الى كتاب ( تاريخ الشعـراء الحضرميين ) (11) لمعرفة الشعراء الذين كتبوا شعرا بالعامية ، إضافة إلى الشعر الكلاسيكي الفصيح ذلك الشعر الذي يشار إليه بالشعـر ( الحميني ) وصاحب الكتاب لم يورد أي شواهد من أن القصائد التي نشرها ( بامخرمه ) والمتعلقـة بالأحداث التاريخيـة التي جرت في حضرموت في فترة ( الفروسية عهد السلطان بدر أبو طويـرق الكثيري ) جديرة على وجه الخصوص بالجمع والنشر ، ولكنها ستكون مهمـة رهيبة.
وجمع عينات من الشعر العامي الحضرمي تعود إلى ماقبل أربعمائة سنـة أو خمسمائة سنة عمل لم أحاول القيام به في هذا الكتاب.

الشعر العامي في المخطوطات
تعتبر اليمن وحضرموت بلدا غنيا بالدواوين المخطوطـة في كل من الشعـر العامي والفصيح ، ولقد كان من الحكمـة عدم نشر دواوين الشعـر الكلاسيكي اليمني القديـم في أوربا، ذلك الشعـر الذي نظمـه شعـراء يمنيون في العصور الوسطى وذلك للصعـوبات التي سيواجهها الناشـرون والشارحون لتلك الدواوين وهي صعـوبات لايمكن حلها إلا بزيارة لبلاد اليمن، وقد قمت بعرض وتصنيف مجموعـة من الدواوين المخطوطـة التي شاهدتـها في حضرموت، وخصوصا تلك التي تحتوي على شعر باللهجة العامية(10) إلا ان هناك دواوين كثيرة غيرها ويمكن الرجـوع الى كتاب ( تاريخ الشعـراء الحضرميين ) (11) لمعرفة الشعراء الذين كتبوا شعرا بالعامية ، إضافة إلى الشعر الكلاسيكي الفصيح ذلك الشعر الذي يشار إليه بالشعـر ( الحميني ) وصاحب الكتاب لم يورد أي شواهد من أن القصائد التي نشرها ( بامخرمه ) والمتعلقـة بالأحداث التاريخيـة التي جرت في حضرموت في فترة ( الفروسية عهد السلطان بدر أبو طويـرق الكثيري ) جديرة على وجه الخصوص بالجمع والنشر ، ولكنها ستكون مهمـة رهيبة ، وجمع عينات من الشعر العامي الحضرمي تعود إلى ماقبل أربعمائة سنـة أو خمسمائة سنة عمل لم أحاول القيام به في هذا الكتاب.

___________________________


الهوامش
----------
(1) ناقشنا هذا المصطلح في الفصل الثاني.
(2) في القرن العشرين حان الوقت لأن نأخذ الشعر الكلاسيكي في عصور ماقبل الإسلام وصدره في البلاد العربية التي جاء منها، ثم يجري حولها النقاش . والتعليق ثم نرى ما يمكن الخروج منه من نتائج سلوك هذا المنهج مع الأخذ بالحيطة والحذر و بهذا يمكننا أن نحصل على شرح اكثر حيوية للشعر من ذلك الذي قدمه لنا أي نحوي من العصر العباسي ،إن النظريات التي جاءت نتيجة الدراسة كنظرية دي.اس مرجليون (أصول الشعر العربي)(J.R.A.S,1925 ) وما تلاهما إلى حد ما لطه حسين( في الشعر الجاهلي) وقد أنكرها الباحثون الحضارمة الذين هم على معرفة بالعرب الحاضرة والبادية ويقفون على مواقع ثابتة فبما يتعلق في شعر كنده الكلاسيكي.
( 3 ) أنظر صفحة( ص 103)
(4 ) تاريخ حضرموت السياسي (القاهرة1936م)
( 5) طبع في بومبي( عام 1315هجرية)
( 6) أنظر المقابلة التي أجريت معي في (المستمع العربي )لندن1943م العدد الخامس.
( 7 ) يبدوا أن وجود العرب الحضارمة بأندنوسيا يعود الى القرن السابع الميلادي وقد استطاعوا تغيير النظرة للإسلام من شكله الصوفي الهندي الى شكل قويم وكما ان لهم تأثيرا كبيرا في المنطقة أنظر سي. سنوك هركرنجي، وترجمة أ .دبليو. أس. أوسلوفان( (لندن 1905م وأول طبعة 4_1893م) عن الحضارمة في الجزر الهند الشرقية. ومحمد ابن أحمدزباره ( ملحق البدر الطالع القاهرة 1348 هجريه ص170) يشير فيها الى حضرمي هو علي بن عمر باعمرالذي ذهب الى الهند ثم جا وه توفى عام(1096 هجريه)وقد نقل الأمير شكيب أرسلان عن لوثروب ستودارد في كتابـه ( حاضر العالم الإسلامي ) القاهرة 1352 هجريـه الجزء الثالث صور جيده عن أولئك المهاجرين واورد أسماء العديد من المناطق التي أستقر بها الحضارمة.
(8 ) أنظر مقالتين نشرتهما تحت عنوان ( الحركة الأدبية في حضرموت ) في مجلة ( المستمع العربي) عام 1950م المجلد العاشر الأعداد 8 و9 للحصول على نبذة عن الشاعر المذكور.
(9 ) نشر ديوانه في ( بوقور ) ( بوتنزورج ) عام 1344 هجرية.
( 10) مواد من تاريخ جنوب الجزيرة العربية الجزء الثاني ( معهد الدراسات الشرقية والأفريقية(لندن 1950)المواد من رقم 28 إلى رقم30 (11) مؤلفه عبدالله بن حامد السقاف ( القاهرة حوالي 1349هجريه في خمسة أجزاء )
التوقيع :

التعديل الأخير تم بواسطة أبوعوض الشبامي ; 12-21-2008 الساعة 10:44 PM
  رد مع اقتباس