عرض مشاركة واحدة
قديم 09-17-2015, 11:53 AM   #7
أبو صلاح
مشرف قسم تاريخ وتراث
 
الصورة الرمزية أبو صلاح

افتراضي

"] الحلقة السابعة
حضرموت تاريخ من صراعات الكيانات القبلية وإنعدام الأمن و الإستقرار


السلطنة الأولى والغرفة ، والصراع على السرير وتريم تسعة شهور لا تصلى فيها الجمعة..


في حلقتنا السابقة قد مر بنا أن سلطنة أل يماني من بني ظنة هم أول من أقام سلطنة من القبائل الناقلة إلى حضرموت، وقيل أنهم كانوا عسكراً وحكاماً للدولة الرسولية اليمنية من مماليك مصر ورثوا الحكم في اليمن عن الأيوبيين ، استمر حكمهم لقرون طويلة كما مر بنا ، ومن نظائر هذه الحالة السياسية أيضا أن أل كثير عسكر السلطان سالم بن إدريس الحبوضي ورثوا الحكم في حضرموت بعد مقتله على يد الرسوليين والملفت للنظر أيضا أنّ عسكراً اتخذوهم من يافع بتوصية من أحد مناصب العلويين في عينات ثم دعماً من الأتراك ، لكنهم انقلبوا على السلطنة الكثيرية الأولى بعد فترة من الزمن وأسسوا لهم إمارات في بعض مدن حضرموت كتريم وسيئون والشحر وتريس، ووجدت السلطنة القعيطية فيما بعد دعماً لها من بريطانيا العظمى فيما وطدت تركيا أركان السلطنة الكثيرية أيضا ، و من الملفت للنظر أن هذه السلطات جميعها اتخذت عسكراً لها من خارج حضرموت وأضافت أليهم أفارقة من بلاد النوبة وجنوب السودان ... هذه بعض المقدمات التاريخية لفهم بعض أطراف الصراع القبلي في حضرموت وكيف دار من قبل والذي أستمر حتى منتصف القرن الماضي. إذ كانت السلطة كالكرة في ميدان تقذف مرة لهذا ومرة لآخر.
فبعد مقتل السلطان سالم بن إدريس الحبوظي على يد الرسوليين في ظفار بعد عودته من حضرموت وقتل معه يومئذ نحو 300 قتيل وأسر خلق كثير، وفشله وعسكره أل كثير في دخول مدينة تريم وحصار دام تسعة شهور لم تقم في مساجدها جمعة في تلك السنة ، اشتدت الفتنة على تريم وكثر القتل فيها وخلت البلاد من أهلها وعم الخراب الديار والأموال، تولى آل كثير الإدارة العسكرية الحبوضية بعد ذلك كما ذكر الأستاذ (محمد بن هاشم رحمه الله، في تاريخ الدولة الكثيرية) وأخذت سلطنة أل يماني تحتضر وتدنو من نهايتها المحتومة على يد مجموعة قبلية جديدة نشطة للوصول للحكم كما سيأتي ، ولم يعد معها إلا مدينة تريم العاصمة وقرى ومناطق متفرقة فقط موالية لهم من بني تميم، ولم يقتصر بها هذا الحال فقط من الخوف والرعب والفوضى بل كانت تعيش أيضا مجاعة عظيمة وقحط شامل شديد أصاب أهلها بمزيد من الفقر والمتاعب في الوادي في نهاية القرن الثامن الهجري كما تتحدث المراجع التاريخية الحضرمية.
وفي خضم هذا الصراع برز الطموح الكثيري لتأسيس سلطنة لهم واجتمعوا على أن تكون لهم مشاركة في الحكم وبدءوا في الاستيلاء على قرى" السرير" ويذكره البعض بلفظ "السليل " وهو داخل أيضا في ما عرف "بخلع راشد " أي السلطان راشد بن عبد الله القحطاني الذي قيل الحضرمي وقيل الكندي فيه وهو مكان النزاع الدائم على الأراضي الزراعية والنخيل ومجرى السيول في الوادي بين القبائل المختلفة من أل راشد و آل جميل وآل حسن والصبرات وبن نعمان وبن فاضل وأل بن ثعلب وبنو سعد والأسداس وباعقبة وبن دغار وهذه من القبائل ذات الأصول السكانية الحضرمية القديمة التي ينتمي أليها هذا السلطان بن راشد ،وقبائل دخلت منافسة لها بعد أن استوطنت حضرموت من بني ظنة و نهد وأل كثير ومن دللائل هذا الصراع أنه في سنة 601هـ اقتسمت نهد السرير (السليل) فأخذ بنو معروف ومرة شبام والحول (الغرفة) وتريس، واختص بنو سعد وظبيان بحبوضة وسيؤن، [ وهولاء من طرف حلف بن السلطان بن راشد القحطاني ومعهم بنو حارثة المشهور حصن الحوارث باسمهم "وحبوضة " قرية تقع شمال غرب مدينة سيئون ] وانفرد بنو ظنه ببور ومسيب ومريمه.) وتكررت أحداث كثيرة في اقتسام السرير من قبل نهد وقبائل أخرى وفيه دلالة واضحة لعدم الإستقرار الذي عاشته المنطقة هذه من وادي حضرموت وأن كل قبيلة ترى في نفسها القوة تستولي عليه فترة من الزمان حتى تأتي قوة قبلية أخرى وتنتزعه منها ويستمر الصراع على هذا النحو ،فعرف من هذا أهمية المنطقة من الناحية الزراعية والإستراتجية ،وكذا أهميتها في طرق التجارة والقوافل وخطوط إمداد الجيوش المتقدمة نحو تريم في شرق الوادي وأنها من أهم مراكز الاستيطان البشري في وسط وادي حضرموت ودخل معهم في هذا الصراع أل كثير كطرف جديد ارسى له تحالفات جديدة أطلق عليها "بالشنافرة "...
و أما الأعمال التي يقوم بها قبائل المنطقة ضد بعضهم البعض أو ضد سكان المنطقة محايدين كانوا أو خارج نطاق هذا الصراع القبلي فقد اشتهر الإستيلاء على الأراضي الزراعية بما فيها النخيل والحبوب والقرى بما فيها من السكان ، وتبسط قبيلة يدها بقوة السلاح على أخرى وتصبح بعد ذلك تحت نفوذها ولو بصورة مؤقتة حتى ينتزع منها ذلك من قبيلة أخرى وهكذا تستمر الأحوال المتردية في حضرموت، وقد يشكل حرق النخيل وقطع ثماره تارة، والحبوب عند قرب الحصاد أو سلب المارة أمتعتهم تارة أخرى وغير ذلك من ثأر بينهم وقتل للفلاحين في قراهم مما أشتهر كثيراً ومارسته القوى القبلية المتصارعة دون وازعا أو رقيب، فتكثر الهجرات الداخلية والخارجية من مكان إلى أخر وهو موضحاً في كتب التاريخ الحضرمية ،[ أنظر تاريخ شنبل والشامل في تاريخ حضرموت ، وتاريخ الدولة الكثيرية وتاريخ حضرموت لأبن حميد الكندي ] وأمّا مواطن السكنى الرئيسة حوالي السرير فهي من امتداد قرى الغرف وأنف خطم « المحترقة اليوم » ومريمة ثم في كل من سيئون ومدودة وتريس و (الحول )الغرفة وخلع راشد – حوطة احمد بن زين حاليا - وذي أصبح وشبام وقد يمتد القتال والصراع القبلي جنوباً إلى أن يصل إلى قرى وادي بن علي وما قبلها وشمالاً إلى والوديان الأخرى ،و(السرير أو السليل) من الناحية الجغرافية لموقعه هو تلك المنطقة الواقعة على مجرى الوادي الرئيسي الممتدة من شمال غرب مدينة شبام وحتى منطقة الغرف شرقاً وتقع عليه مجموعة قرى قديمة يعود تاريخا لما قبل الإسلام من أهمها ذي أصبح وبور ) - [الخط السريع حاليا عبر طريق مطار سيئون وعلى جانبيه ].
فتوجه علي بن عمر الكثيري إلى الشيخ الكبير" محمد بن عمر باعباد " الذي ابتنى له صومعة أو داراً لأول مرة وحفر بئراً سماها " غرفية "ومسجدا ًبالسفح الجنوبي من الحول ليسكنها وسماها "الغرفة" والتسمية أتت من قوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ( العنكبوت /58)و كما في قوله تعالى ( لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)الزمر و الغرف مفردها غرفة والغُرَف هي : المنازل الرفيعة في الجنة ، { مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ } أي : منازل أرفع منها .[ انظر أقوال المفسرين ] والرجل من كبار المتصوفة اتخذ له في هذا المكان مسكناً ، وكان بالحول بعض من ينتمي لقبائل كندية وكان ذلك الحدث سنة 701هـ ، وغلب أسم الغرفة فيما بعد على أسم الحول لمكانة صاحبها الشيخ باعباد الروحية وأصبحت فيما بعد كعاصمة للسلطنة الكثيرية والتفت حولها حصوناً كثيرة ومواقع لجماعات تنتمي للسلطنة،وأما حصن السلطنة قال بن عبيد الله السقاف أنه ابتنى في عهد عبدالله بن علي بن عمر الكثيري المتوفى سنة 894، ابن مؤسس السلطنة- الذي سيأتي ذكره – ( فابتنى حصن الغرفة على القارة، التي بها حصون آل عبود بن عمر الآن، فعظمت الرزية على المشايخ بضغطه عليهم..) انظر كتابه "حضرموت بلادها وسكانها ص217" .
ومما تجدر الإشارة أليه أن آل باعباد أختلف في نسبهم على أقوال منها أنهم من قريش من بني أمية إذ قيل أن جدهم قدم من الحجاز واستوطن الشحر واستقر المقام بأحدهم في منطقة "الحول" بعد أن ولد في شبام لأهميتها على أحد جانبي السرير المتنازع عليه باستمرار بين مختلف قبائل حضرموت كما ذكر( شنبل في تاريخه والحداد علوي بن طاهر في الشامل )
وربما للتمهيد الدعوي بين الناس للسلطنة الكثيرية الجديدة للعلاقات الوطيدة بين رجال التصوف وزعماء القبائل في ذلك الوقت من تاريخ حضرموت، وبنا أي أل باعباد لأنفسهم جاهاً ضخماً منافساً لجاه العلويين في تلك الفترة في حضرموت [ استمر في الغرفة حتى في العصر الحديث حيث انقسم الموالون بين حب صوفية أل باعباد أو السادة أل الحبشي كما حدث في الخلاف بين بن عبدات والسلطنة الكثيرية كما سيأتي]،فلعب الشيخ محمد ومن بعده أبنه عبد الله المشهور (بالقديم ) الذي ولد في مدينة شبام لعبا دوراً في الدعاية والتمهيد بين العامة للتحضيرلقيام السلطنة الكثيرية الأولى ،علاوة على ما يقوم به العلويون من الجهة الأخرى من حسن الدعاية وتمهيد السبيل في مدينة تريم بعد أن ضعفت سلطة أل يماني فيها.[ أنظر محمد بن هاشم تاريخ الدولة الكثيرية ] ومما هو جدير بالذكر كما ذكره الأستاذ محمد عبد القادر بامطرف : أن ثلاث عائلات قرشية من المشايخ هم (آل باوزير وال العمودي وأل باعباد) كلها قدمت من خارج حضرموت من الحجاز والعراق قد لعبت دوراً سياسياً خطيراً في صراع الكيانات القبلية الأخرى على الحكم في حضرموت منذ القرن التاسع الهجري تقريباً وما بعده بل وحكم( العمودي) في دوعن قبل أن تؤول المنطقة للسلطات اليافعية القعيطية.ثم أن الجميع نافسوا أل باعلوي في الجاه الروحي للتصوف في حضرموت ويعدون من مناصب حضرموت أيضا.
فكان استهلال القرن الثامن الهجري وفي الثمانينيات منه أي (حوالي 1380 م) وُلد علي بن عمر بن جعفر الكثيري في قرية بور التي كان يحكمها أل بانجار من كندة، واتصل بالشيخ علي عمر باعباد في الحول سنة 814 هـ ، وهو أول من حول رابطة أل كثير من قبيلة إلى دولة، و نودى به سلطانًا من آل كثير على أجزاء من حضرموت مع تعدد السلطات في ذلك الوقت . وقد تُوفي علي بن عمر الكثيري سنة 825 هـ والصراعات محتدمة وحضرموت تتنازعها عدد كبير من السلطات القبلية المحلية .
وجاء من بعده (السلطان محمد بن عبد الله بن علي بن عمر الذي خلف أباه ؛ وفي أيامه اضطربت حضرموت عليه كلها فثار آل يماني وآل أحمد والصبرات وآل ثعلب وصاحب مريمة ومعهم بعض آل كثير كل هؤلاء خرجوا عليه فحصروا الحصن الذي بنته السلطنة الكثيرية بالغرفة وأتلفوا المزروعات وأقاموا تحت الحصن شهرين وفيه يماني بن عبد الله بن علي أخو السلطان محمد محصوراً. وبنا آل بني جميل (جفل) في ذلك العهد بمساعدة الثوار وأتلفوا في شبام نخيلاً كثيراً ومزارع ثم استولوا على حصن الغرفة وأخربوه وقطعوا في موشح كمية وافرة من ثمر النخيل ونجا يماني بنفسه ثم وقع الصلح بين الجميع إلى شهرين وذلك سنة 845هـ ولم تنته مدة الصلح إلا والسلطان مستعد لحصر تريم فحصرها وأخرج منها أولاد دويس بن راصع ثم حصر جفل وأخرج منها آل جميل وهدأت الأحوال بعض الهدوء نحو عشر سنوات.[ أنظر تاريخ الدولة الكثيرية محمد بن هاشم ]
حديثي القادم بأذن الله تعالى عن دور السلطان بدر بن عبد الله الكثيري رحمه الله في معمعة هذه الصراعات ونجاحة لفترة ما وتمرد الشنافر مع أبنه وبعض أهله عليه وموته في سجنه ثم فشل مشروعه في توحيد حضرموت...
ونود أن ننبه أن العبرة من التاريخ في أن عافية حضرموت هو في تلاحم النسيج الاجتماعي المختلف التكوينات والمكونات، وتقوى الإنسان وتطوره يفضي إلى وحدة وتنمية حضرموت.... والله الموفق ..

التعديل الأخير تم بواسطة أبو صلاح ; 09-17-2015 الساعة 02:48 PM
  رد مع اقتباس