عرض مشاركة واحدة
قديم 03-06-2010, 12:13 AM   #50
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي


حضرموت" ماذا يجري في تريم وشبام عام 2010م

--------------------------------------------------------------------------------
ماذا يجري في تريم وشبام عام 2010م


2010/3/5 المكلا اليوم / كتب: الدكتورة سلمى سمر الدملوجي


ترجمة: محمد سالم قطن

تريم، هي عاصمة الثقافة الإسلامية, وفي هذا العام 2010م سوف يتم الاحتفال بنيل هذه المدينة تلك المكانة الرفيعة, الشيء الذي لم يلقى الوضوح التام يتلخص حول الشكل والمحتوى الذي يمكن أن تبثه تريم وتنشره بشأن الثقافة الإسلامية, فطوال العقود الأربعة الماضية, شهدت مدينة تريم تهالك عمارتها المتفردة.

فمنذ تسعينات القرن الماضي تداعت المساجد القديمة، وجرى ويجري تشييد مساجد جديدة أو بديلة وفق تصاميم أعيد اختراعها أو مستنسخة ومنقولة، تم بناؤها في رداءة, لايوجد أي زائر من الخارج أو مختص في العمارة يصل إلى تريم، يمكن أن يمتدح الحالة التي بلغتها والظرف الصعب الذي تعيشه تلك العمارات المبنية من "المدر" الطيني، والتي تشّكل جوهر الكبرياء الثقافي لتريم.
وفي الحقيقة، فأنّ الذي يحدث للفن المعماري وللقصور التاريخية لمدينة تريم؛ قصور وعمارات آل الكاف، أمرٌ في غاية الإحراج.

فالإرث الثقافي الحضري لهذه المدينة يتجلى شاكراً لهذا العمران الرشيق المهذب الذي أشادته نخبة تريم من السادة ومن طبقة التجار, فقد استثمر أولئك الرجال والعائلات في مجال غرس الذوق الرفيع والفن التراثي الثقافي وأساليب الرفاهية الحديثة منذ البواكير الأولى للقرن العشرين, وهم لم يقوموا بذلك من أجل الحصول على عائد مادي أو لأجل جني الأرباح التجارية, ولكن من أجل أن تصبح مدينتهم عاصمةً مميزة وأن تصبح مساجدها ومباني مصالحها العامة تراثاً ثقافياً مهذبا.

وفي الفترة الممتدة من 1967م وحتى 1990م، قام النظام الاشتراكي الحاكم آنذاك، بتأميم المساكن والمباني والمنشآت, ولهذا جرى إشغال واحتلال هذه المباني والقصور، مع إهمال وتجاهل ترميمها, ومع حلول عام 1990م، تمّ استرجاع تلك المباني المصادرة وإعادتها إلى ملاكها, لكن الوقت كان متأخراً لتدارك مسألة العناية بها, عددٌ قليل من هؤلاء الملاك كانوا مهتمين بالمطالبة بممتلكاتهم، وبتوفير المصادر اللازمة لترميم وإعادة إصلاح وتأهيل هذه الممتلكات بالتعاون مع بقية أفراد عائلاتهم.

وكانت النتيجة، أنّ "قصر القبة" الذي كان يوماً ما، يضم حوض سباحة بديع وبناية سكنية رائعة، بقيَ في حالة مزرية, بينما "منزل شيخ عبد الرحمن الكاف" احتاجَ إلى عملية إسناد طارئة إنقاذا له من انهيارٍ وشيك, وكثير من المباني الأخرى تعاني ظروفاً مماثلة إن لم نقل أسوأ.

الحكومة أو الإدارة المحلية لم تمتلك أبداً، أية خطة أو ميزانية للحفاظ على الموروث الثقافي, وعلى الرغم من الأهمية العالمية التي تحظى بها شبام ووادي حضرموت عموماً ضمن التراث الثقافي المعماري العالمي, إلا أن السنوات مرت منذ عام 1985م وحتى عام 1995م في إعداد وكتابة التقارير وفي اجتماعات الموظفين الرسميين في صنعاء وحضرموت وفي اتصالات مع أعضاء عائلة آل الكاف في لندن وصنعاء وبلدان الخليج, وكلها جاءت بمحصلة عقيمة وانتهت - للأسف ـ إلى لا شيء.

كما أنني شخصياً قمت بتأسيس مركز للعمارة اليمنية من أجل تريم، إلا أنه تعرض للاختطاف ماديا ومعنوياً, فأولاً: الأرضية التي قمت بتأمينها لصالح هذا المشروع بمنطقة عيديد في تريم، خلال عامي 1992-1993م، أخذتها جامعة الأحقاف, كما أن هناك منظمة محلية وهي الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية، اعتقدت بأن المركز هو مشروعها، ولهذا كافحت بتقديم قضية بشأن الأرضية وحصلت على تعويض بأرضية أخرى في "الحوطة", ولم تتم استشارتي أبداً في هذا, وتوالى الآخرون من بعيد وعلى نطاقٍ عريض, وأخيراً، عندما زار "جونتر جراس" مدينة تريم قدموا إليه هذا المشروع على طبق من فضة, بعد أن تعهد بدفع عشرين ألف أو ثلاثين ألف دولار أو يورو، لقد قرأت هذا في جريدة الحياة عام 2004م, لقد شعرت بالصدمة تجاه تلك المتوالية من الأحداث، لعلّ الأقل شاناً منها هو حقيقة أنني لم استشر حولها أبداً.

وتشكل مجلس أمناء، لـ"مركز جونتر جراس لعمارة الطوب الطيني"، وفي ذات الوقت جاء ورحل الكثيرون؛ وتدخل كل من البرنامج الألماني للتعاون الخارجي والصندوق الاجتماعي للتنمية، لكن لم يتم أي شيء, ولم تسفر عمليات التدخل عن تحقيق أي تقدم, ولم يتم دفع المبلغ الذي ساهم به جونتر جراس, إلا بعد سنوات من منح جائزة "أغا خان" للعمارة لمدينة شبام.

الوضع الحالي عام 2010م

بمناسبة حدث "مدينة الثقافة الإسلامية" فأنّ المبالغ التي جرى توزيعها من "صندوق الاعمار" لتصرف على تجميل وزخرفة مباني تريم من أجل إظهارها بالمظهر اللائق للزوار, وهذا الصندوق جرى ائتمانه أصلاً، على الإنفاق على أعمال الأشغال الطارئة وأعمال إعادة بناء المنازل والمباني في قرى وادي حضرموت التي تضررت وهدمت منازلها من جراء فيضانات وسيول أكتوبر 2008م, ولم تعاني قصور ومباني تريم من الفيضانات مباشرة, حيث لم تسجل أو تلاحظ أية أضرار في تريم, فمنطقة "ثبي" المجاورة هي التي أصيبت بالضرر الخطير, فلقد قمت بزيارة تريم في نوفمبر 2008م في أعقاب تلك الأمطار والسيول, وعدتُ إليها في فبراير وكذلك مارس 2009م.

فقد تعرضت المباني المهجورة إلى إهمال متواصل مازال مستمراً, ويرجع ذلك، إلى حدٍ كبير، إلى انعدام القدرة على تحمل المسئولية عند السلطات وعند الملاك "كثير منهم هم خارج البلاد", على حدٍ سواء, وفي واقع الأمر، فأنّ تدميرها التدريجي قد وقع لذات هذا السبب, فالورثة - لكل حالة من هذه الحالات ـ غالباً ما يكونون من عائلات متعددة وفي تعارض وتنازع فيما بينهم, أو قد يكونون غائبين ومتناسين مسألة الاستثمار في الحفاظ على ما ورثوه من ممتلكات, ولو لمجرد استعادة وتمتين وشائج الارتباط بين عائلاتهم وتراث تريم.

لم يجري بناء مجسم صغير أو صورة مطابقة تمثل السدة الجنوبية لتريم "التي هدمها الاشتراكيون في بداية عهدهم، تماماً كما فعلوا بالسدة التاريخية لمدينة المكلا", ليتم وضعها خارج البوابة الأصلية كتذكار, كان بإمكانهم استعادة تخيلها وصفا ورسماً من خلال التسجيل الوصفي الذي وضعه "فان دير مولن" و"فريا ستارك" في ثلاثينات القرن العشرين, وكان يمكن أن يضطلعوا بذلك بنفس المبالغ المصروفة.

أنه من المدهش حقاً، أنه بعد حوالي خمسين عاما من التجاهل والإهمال المركبان، نراهم يقومون بتجاهل الجدران الداخلية للمباني وتركها على حالتها المهترئة، بينما هم يقومون بترديد الجدران الخارجية بالطين وصبغها بالنورة لكي تظهر وكأنها جديدة متجددة, هذا عمل لا يمت بصلة لعمليات الترميم وإعادة الإصلاح المعماريين, هذه هي عملية إفساد وتزييف تدل على عدم الفهم والإدراك لمعنى ومفهوم التراث, كما أنها تعد بمثابة مضاهاة سطحية لا ينبغي السماح بها, وهذا هو السبب في أن تبقى تريم على هذا الحال السيئ إلى اليوم.

إضافةً لذلك، فمن الجدير بالإشارة إليه في هذا الجانب، أنّ التراث الثقافي الإسلامي في المدن يتجلى أساساً في الأجزاء والمواضع الداخلية للمباني ويحذر فيه من تمييز الجانب الخارجي بأي مظهر مميز, وبنظرة سريعة للبساطة والخلو من الديكورات في الأجزاء الخارجية من الصروح والقصور، ومباني المدارس والمساجد في "فاس" بالمغرب المدينة الإسلامية التي تحمل ذات الإرث العالي الذي تحمله مدينة تريم القديمة, يمكن أن تتمثل لدينا موضوعية هذه الإشارة, فالعمارة الإسلامية ليست عمارة واجهات ومظاهر خارجية وإنما هي عمارة الأماكن والمواضع الداخلية.

وماذا عن شبام ؟

كان يتوجب أن تصبح شبام في وضع وشكل جيد جداً، خاصةً بعد أن اضطلع البرنامج الألماني للتعاون الخارجي بالمهمة وظفر بجائزة أغا خان للعمارة في عام 2007م لصالح مشروع التنمية الحضرية, وقد جاء وفد مفوض كبير للمطالبة بالجائزة إلى "كوالا لامبور": وزارة الثقافة، الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية، الرئيس السابق والرئيس الحالي لدائرة الآثار والمخطوطات، والبرنامج الألماني للتعاون الخارجي، وأعضاء الصندوق الاجتماعي للتنمية, كل هؤلاء جاءوا بكامل طاقتهم للحصول على نصيب ما من الرصيد.

وفي حقيقة الأمر، فأن المشاريع والأعمال بهذه المدينة ترنحت بعد الحصول على الجائزة, فقد انتقل الفريق الرئيسي للبرنامج الألماني للتعاون الخارجي إلى مدينة "زبيد", ومع تدهور الأوضاع الأمنية نتيجة لمقتل السواح الكوريين هناك في العام الماضي، غادر المدينة آخر الرجال الألمان في الفريق كما جرى التصديق على مشروع البنية التحتية للمدينة المتمثل بمشروع الصرف الصحي, وهو مشروع معاق طوال 30 عاماً خلت, وقد استخدم كورقة رابحة ووسيلة ترويج وشهرة بين أهالي المدينة كما افتتحت له مواقع اختبارات فيما بين البرنامج الألماني للتعاون الخارجي والصندوق الاجتماعي للتنمية في عام 2007م, وفي زيارتنا الأخيرة - قبل أسبوعين - لم نجد دليلاً واحداً يدل على تنفيذ أي مشروع أو حتى البدء فيه, وعندما سألنا عن فريق الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية، قيل لنا أن هذا الفريق قد غير موقعه إلى تريم للعمل في صندوق الاعمار.

المسئولون الرسميون هناك أرونا بعض الشقوق التي ظهرت في أساسات البوابة الجنوبية للمدينة, الأمر الذي يهدد بحدوث انزلاقات مستقبلاً, كما أنّ مبنى سوق مدينة شبام الذي جرى هدمه لم يعيدوا بنائه, وقد كان هذا السوق فيما مضى، هو السوق التقليدي لمدينة شبام التاريخية, أما الآن فلم يعد هذا المبنى غير المكتمل مهيأ كما هو مقرر ليصبح المركز الإداري, باعتباره المركز الإداري الوفير - مثلما أوضح وقرر المستشار السابق للبرنامج الألماني للتعاون الخارجي - ولم يتم القيام بعملية تبليط الشوارع, وهكذا بدت لنا المدينة خالية وبائسة.

فقد اختفى عن الأنظار من يسمون أنفسهم "منظمة البنائين"، كما اختفت كذلك وأهملت نداءات المسئولين المحليين المتكررة طلبا للمساعدة في إيصال قضيتهم إلى رجال الحكومة وأعضاء البرلمان والوكالات الدولية, هل بهذه الطريقة يتم الاحتفال بالموروث الثقافي لوادي حضرموت؟.

باستثناء مسجد المحضار والمقبرة, فأنّ الفن المعماري لتريم قد صار في عداد المفقودين, وعلى أية حال، فأن شبام تستحق بعض الاهتمام والعناية المؤهلة قبل أن تنزلق هي الأخرى إلى وضع يستحيل إصلاحه.

نشير هنا، إلى المعالجة الاحترافية المرموقة لعملية الترميم الرائعة التي اضطلع بها الفريق العالمي المتخصص خلال السنوات الماضية في الجامع الكبير بصنعاء, والتي نعتقد بأهمية الاحتذاء بها في هذا المجال.


أستاذة العمارة بالكلية الملكية للآداب والفنون - لندن- بريطانيا.
التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح