[أبوعوض الشبامي]

من أهم الملاحظات التي استنتجتها من زيارتي للقبرين في منطقة ( تعز ) قبر الشيخ الصوفي عبدالهادي السودي (( توفى سنة 932هـ )) ، وقبر الحبر اليهودي سالم الشبزي ( شالوم شابزي ) توفى سنة 1686م هي :

* ان حياة الشيخ السودي والحبر الشبزي اكتنفهما الغموض في تلك الحقب التاريخية المنفصلة والتي عاشاها في اليمن في ( تعز ).

* ترك الشيخ السودي مئات القصائد الصوفية والموشحات الغنائية في ديوانه (( بلبل الأفراح وراحة الأرواح )) .

* في المقابل ترك الحبر اليهودي سالم الشبزي مئات القصائد من بعده قيل انها تعدت 1500 قصيدة وموشح غنائي .

* رويت عن الشيخ عبدالهادي السودي مئات المناقب والكرامات فجمعها الشيخ عبدالرحمن بن عبدالقادر السودي في كتاب سماه (( مواهب الفضل الوجودي ومراتب انوار الشهودي في مناقب شيخنا عبدالهادي السودي ))


* أيضا رويت عن الحبر اليهودي الشبزي المناقب التي لا تخلو من الخرافات والاساطير ، ومعظمها ارتبطت به بعد موته ،حيث يحرص الزائرون من اليهود ومن بعض المسلمين على اصطحاب أطفالهم المرضى والمصابون بالهزال الذين يتأخر نمو أطفالهم إلى مايسمى بساقية الشبزي وهي ساقية تجري فيها المياه ،حيث يتم سقيهم من هذا الماء والطواف بهم على قبر الشبزي طلبا للإستشفاء والعافية .

* اهتم الشيخ السودي بصنع القهوة من اوراق نبات القات وربط أهمية تعاطيها الدائم في خلواته وخلوات مريديه وتبدو حالة الإدمان على هذه القهوة من خلال استقراء شعره ، وقراءة مناقبه وسيرته الخاصة ، وكان يسمي شراب قهوة القات ( شراب أسرار المعارف والتفريد ) . قال الشيخ عبدالهادي السودي

القات يجلب للأرواح أفراحا=ويورث القلب تنويرا وإصلاحا
ويشرح الصدر من هم ومن نكد =حتى يعود نديم الهم مرتاحا
لأجل ذلك حثّ الأولياء على= دوام مأكله نصا وإيضاحا
وهو المعين على الأعمال أجمعها= هو المعيد لليل الهم إصباحا

* ايضا للحبر سالم الشبزي قصائد ساحرة منها اشادة لقهوة القات ، وحين انتشرت قهوة البن كشراب شعبي في اليمن والجزيرة العربية ، نظم الشاعر الشبزي قصيدة مناظرة بين قهوة البن والقات ، ويوجد الأصل العربي لهذه القصيدة ( في حروف عبرية ) في كتاب ( كافيه Kafih ) صفحة 224 وما بعدها وتقول ترجمة قصيدة سالم الشبزي ( مع مراعاة أن الأصل مكتوبا بالعبري ومترجما الى العربي ) .

- سألني كل من القات والقهوة أن افصح أيهما افضل للاستمتاع؟؟

قال القات : أنا المختار والنفيس ، مكان اقامتي جبل زابور المدعم الحصين ، وهناك تصدح الطيور المغردة.

قالت القهوة : أنا لاستمتاع الغالبية ، يستهل القوم بي صباحهم والعشية ، ويقدرني كل الناس ذوي الذوق السليم .

القات : شهرتي فائقة ، أعظّم في كل مجلس ، يتناولني كل القوم الحكماء والنبلاء.

القهوة : يعيرني الانتباه كل كريم شريف ، سيشهد لي التجار من سوريا الى روما ، أنهم يستعملوني ، ومن الصين الى الهند هم يحضرونني.

القات : يرتل المنشدون بين حدود تعز وحتى إب ، أنا عظمة المجالس أنا القوة الأمجد.

وهكذا تسمرت القصيدة على هذا المنوال بين القهوة والقات ، وأخير قول الشاعر سالم الشبزي في فصل الحكم في هذه المناظرة بين القهوة والقات :

الشاعر : أجبت كلاكما عندي كريم لكما كل لهفتي تقبلا مني شكري وتقديري فأنا أحب كلاكما.

وأكثر من ذلك يفوق كليكما ( العنب ) فالنبيذ يجعل الناس المتجهين الى المجلس منتشون كما يرعى كل قلب جريح دعونا نكون معا في سعادة وحظ طيب.

انتهت جلستنا والشئ الوحيد الذي استطيع قوله أنتم آلهة السلام أمدوني بالسلام وأعفو عن خادمكم المطيع وابعدوا عني الكرب والمشكلات .


وبإنتهاء مجلس حكم الحبر اليهودي سالم الشبزي ، في الفصل بين ( القهوة والقات ) تكون نهاية موضوعنا (( بين القبرين )) ، مع ملاحظة الاخذ بعين الاعتبار لدلالات الموضوع .

.