عرض مشاركة واحدة
قديم 12-29-2008, 05:52 PM   #26
أبوعوض الشبامي
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية أبوعوض الشبامي

افتراضي

.
الفصل الرابع

التسجيلات التجارية لأغاني جنوب الجزيرة العربية

شهدت جنوب الجزيرة العربية أول تسجيلات تجارية للموسيقى مع الأشعار العامية والفصحى التي لحنت بالألحان التراثية ، أو الألحان الشعبية الشائعة كاليمنية وخاصة الصنعانية والحضرمية ، ومع بعض من تلك الألحان التي توصف بأنها شحرية أو لحجية أو عدنية أودوعنية أو يافعية (1) وكان ذلك التسجيل أبان الحرب العالمية الثانية.

وأول مجموعة من الاسطوانات ظهرت في سوق عدن كانت تحت اسم ( بارلو فون ) Parlo Phone وكانت علامتها التجارية(& ) وقد صنعت في ألمانيا ولكني لم أتمكن من مشاهدة أي منها.

وأعقبت هذه المجموعة، اسطوانات ( أوديون Odeon ) التي كانت واسعة الانتشار في سوق عدن 1938م ، وتبعتها اسطوانات ( جعفر فون ) التي تم تسجيلها في عدن وطبعت اسطواناتها في بريطانيا ، وأعقبتها في السنوات الأخيرة من الحرب ( اسطوانات التاج العدني ) التي امتلك منها مجموعتين ، وقد تم الإعلان عن هذه الاسطوانات في البحرين ومن المحتمل أن تكون طبعت في العراق ، وتشمل كل من اسطوانات ( أوديون والتاج العدني ) على أغان حضرمية.

وقد قامت شركة أوديـون بالتسجـيل في إندونيسيا أيضا وخصوصا مع أوركسترا سورابايا الحضرمية ،وقد استمعت إلى العديد من هذه التسجيلات وأشهـر الذين سـجلـوا لشـركـة ( أوديـون ) في اندونيسـيـا اسمه (محمد البار) وينتمي إلى ( السادة العلويين ) من سكان ( القرين بدوعن ) ، وتصاحبه اوركسترا عربية تسمى ( فرقة أوركسترا الشباب العرب في سورابايا وجاو ا).
وتوصف تلك الموسيقى البهيجة التي تعزفها تلك الفرقة وتلك الأوركسترا بأنها موسيقى حضرمية محرفة ، أي أنها ممزوجة بالتأثير الأوربي الجاوي ، وهي تتميز عن الموسيقى الحضرمية التي استمعت إليها في حضرموت وتحمل نفس المواصفات المرتبطة بالفرق العربية السورية المتواجدة في أمريكا ، والتي تقوم بنفس الدور الذي تقوم به هذه الفرق في الفلكلور السوري(2) .

ولا أشك أن اليافعيين العائدين من حيدر آباد احضروا معهم عددا من الاسطوانات الهندية كما شاهدت في العديد من المناسبات اسطوانات اندونيسية في حضرموت ، وهي تختلف كلية عن تلك التي يغنيها الحضارمة العائدون من إندونيسيا ، وخصوصا أغاني شعراء مثل يحي عمر، ومنذ سنوات يستمع الحضارمة الآن إلى الموسيقى التي تقدمها الإذاعات العربية ، ولهذه الاسطوانات ووسائل نقل الأغاني والموسيقى أهمية كبيرة للباحث وهي عامل هام من عوامل تطور الثقافة في حضرموت (3).

_________________
الهوامش

( 1) كتلوج اسطوانات التاج العدني - إصدار الصافي وإخوانه (عدن غير مؤرخ إلا ب 1939م ) وتوجد لديهم قصيدتان دوعنيتان جيدتان ضمن المجموعة رقم ( 39 و 41).
(2) عناوين أخرى لاحظتها ( يقول الهاشمي شعب الخضيره..الخ ) (3) كتلوجات أخرى:
( أ ) الكتلوج العمومي الجامع لكافة اسطوانات اوديون عدن مطبعة الهلال 1938م إصدار الصافي وإخوانه.
( ب ) هلال العيد مطبعة النجاح بغداد 1938 طبع لحساب شركة البحرين.
( ج ) طبعة مبكرة من تسجيلات عدن كانت قد طبعت مع نهاية عام 1937م وبداية 1938 م




الفصل الخـامس
أدب المقـامـة

تعتبر المقامة الحضرمية خليطا من اللهجة المحلية والفصحى ، ولا تخلو من أخطاء نحوية كنت أقوم بتصحيحها أحيانا إذا لم يؤثر ذلك في النص(1) ، والثابت أن أسلوب ( المقامة الأدبية ) قد شاع واستعمل منذ زمن طويل باللهجة المحلية في جنوب الجزيرة ، ولدينا عينة جيدة لهذا النوع من الأدب في كتاب ( أقراط الذهب في المفاخرة بين الروضة وبير العزب ) لعبدالله بن علي الوزير(2) ، وتوجد نسخة جميلة من هذا الكتاب في المكتبة ( معهد الدراسات الشرقية والأفريقية ) ، وتضم مكتبة ( جون رايلا ندز ) مقامة من تلك المقامات كتبها أحد الحضارمة في الهند(3) ، ويبدو أن يهود اليمن قد مارسوا هذا الشكل الأدبي (4).

وأكثر المقامات الخمس التي أوردناها في الشواهد من هذا الكتاب لم يكتبها رجال متعلمون ، بل كتبها مشائخ وقبائل وهي تحتوي على إشارت تحمل طابع التقاليد والعادات المحلية بحيث يتعذر على القارئ العادي تفهمها إذ لم تشرح من قبل أحد المواطنين الحضارمة ، ويعالج المتعلمون أيضا كتابة ( المقامة ) إلا أنهم يبتعدون عن المواضيع المألوفة ذات الطابع المحلي .

واهم ما في المقامة هو هيكلها العام الذي تبني عليه ، إذ يقدم كاتب المقامة نفسه كشاهد على عراك يدور بين مجموعة من الحضور أو كمجادل متعصب لرأي أو قبيلة معينة ، أو أن أصدقاءه طلبوا منه أن يكتب للتسلية أو تقديم المعلومات عن موضوع ما ، وتعتبر مقامة المناظرة القبلية قريبة إلى الحياة والسلوك العام .

والمقامات من هذا النوع مقبولة ومفهومة للأشخاص الأميين الذين عندما تقرأ لهم يقابلونها بضحكات الاستحسان ، ويمكن للمرء الذي يريد أن يتعرف على الحياة في جنوب الجزيرة أن يتعلم الشيء الكثير عن المقامات إذ يكتشف كيف تبدأ المنازعات وكيف يتم حلها وإنهاؤها وهو شيء ثابت كغيره من الأشياء في حياة أهل الجنوب والحياة العربية عموما ، فالعلاقات الاجتماعية تمتاز بالصرامة والنمطية والثبات ،كما أن الفعل السياسي يقود إلى سلسلة من الأفعال المتوقعة والمتعارف عليها(5) ، ويبدو أن المواضيع الذي تتناولها المقامة مواضيع تقليدية مثلها مثل الأغراض التي يتناولها الشعر، إذ هناك بعض الحالات التي نكتشف فيها نسخا مختلفة لنفس المقامة ، أو حول ذات الموضوع لعدد من الكتاب كما هو الحال بالنسبة للنص الخامس من الشواهد فقد أخبرني الأستاذ محمد بن هاشم بأن لديه نسخة أخرى تدور حول الخصام والحوار الدائر بين الشاي والقهوة ، ومن المؤسف أن كثيرا من المقامات المكتوبة باللهجة العامية قد تعرضت للضياع خلال مئات السنين وقد حدثني الشيخ عبدالله الناخبي أنه أطلع على مقامة باللهجة وكانت غاية في الطرافة ، والإمتاع تدور حول مرور الصومال بالمكلا أثناء رحلاتهم لجمع اللبان ، وتصف عملية جمع اللبان بطريقة مثيرة و ساخرة متهكمة ، ولقد مات كاتب المقامة نفسها ولم يتمكن الناخبي من الحصول على نسخة منها مما يثير الحسرة والندم ، فقد يمكن الحصول على معلومات قيمة حول هذا الموضوع ، وقد كتب المقامة الثانية أحد السادة وهم غالبا ما يكونون ملاكا لمساحات واسعة من أراضي النخيل ، والمقامة تندد بالظلم والمنكر والاستبداد الذي يمارسه القبائل بدعوى حماية النخيل وحراستها،(*) مقابل ضريبة تفرض على محصول التمر هي في الواقع وسيلة للتشهير والدعاية المضادة كتبت بذكاء للتأليب وكسب تأييد الأوساط المتعلمة في الساحة والمقامة شأنها شأن الشعر وسيلة من وسائل التعبير في الشئون السياسية والاجتماعية ، وتنتمي الخطبة إلى هذا النوع من النثر وتصاغ على شكل موعظة أوخطاب يتناسب مع من يوجه إليهم وأحتفظ بواحدة من تلك الخطب لخطيب مجهول من تريم وهي خطبة تتناول( الجنس ) ولكن صراحتها وحسن مقصدها وسخريتها يتغلب على طابعها ( الشهواني )، وهي تكشف عن المعتقدات الغريبة المتعلقة بالجنس والشائعة في البيئة الحضرمية ، وقد احتوت هذه الخطبة على استشهادات من القرآن ويبدو أن الحضرمي لا يرى أي حرج في مواجهة الناس بخطبة قد لا تلقى استحسانهم ولم يكن في نيتنا نشر هذه الخطبة الأخيرة باعتبار أن هذا الكتاب ينشر للقراءة العامة ، وقد يستنتج قارئ المقامات الواردة في هذا الكتاب أن كاتبيها قد تأثروا على الأقل بمقامات بديع الزمان إلا أني أميل إلى الاعتقاد بأن المقامة الحضرمية المعاصرة تميل إلى أصول قديمة تعود إلى ما قبل الإسلام فصاحب كتاب ( الحبوب ) وكاتب المقامة( رقم 5) بالرغم من ثقافة الأخير فأن كاتبها على شيء من الإطلاع على الأدب العربي القديم وقد لا يكون إطلاعه واسعا إلا أننا نستطيع أن نلتمس هذه الأصول في الأسلوب القديم( المفاخرة) وهو شكل أدبي لا يحتاج التدليل على قـدمه .

أما السجع أو سجع ( الخطبة ) فتنتمي إلى فترة قديمة تعود إلى ما قبل الإسلام، وما هذه النماذج إلا محاكاة له وفي استطاعة المرء أيضا أن يدلل على ذلك بخطب السجع التي كان يلقيها (مدعو النبوة) المعاصرون للرسول محمد صلى الله عليه وسلم .

والسجع فن من فنون الأدب(7) وهناك قصة وردت في كتاب ( الأمالي للقالي ) (8) ، لشيوخ من علماء قضاعة وبالتحديد من ثلاثة فروع من القبائل المنتمية إلى قضاعة الذين كانوا يسكنون ما بين الشحر وحضرموت ( ولا أشك أنها الأرض الممتدة من الساحل إلى الوادي ) الذين حكوا عن مولاة من العبيد تدعى ( زبراع )( Zabra) وهي أيضا امـه ( وهي كلمة لازالت تستعمل إلى الآن لتعني المملوكة الزنجية ) وكانت كاهنة تتكلم بالسجع ويجاوبونها بذلك.

ولا يمكننا أن نستسيغ عقليا عدم وجود أشكال فنية في المدن الكبرى التي تأسست قبل الإسلام وهي ذات حضارات عريقة متقدمة حتى لو تعرضت هذه الأشكال الفنية للنسيان والزوال.

وقد أشرت في حديث سابق أن كثيرا من الأنواع الشعرية قد زالت خصوصا ذلك الشعر الذي يخص الطبقات الدنيا التي يشار إلى المنتمي إليها باسم ( ناقص ) وهو اسم شائع في جنوب الجزيرة ويعني الإنسان الذي لا ينتمي إلى منبت كريم أو عمل شريف،ولا يوجد من ذلك النوع من الشعر ألا أبيات مبعثرة هنا وهناك ، ولا اشك أن وثائق النشاط القبلي وصكوك البيع والتمليك..الخ..والتي لا تزال موجودة بين الأميين من القبائل قد كان لها شكل فني من أشكال النثر وبديباجة مسجوعة أو منظومة (9) وهذا الأمر لا يبعد كثيرا عن شكل المقامة رغم إني أعتقد أن المقامة شكل فني أزدهر في المدن حيث يمكن كتابتها.

ولمعالجة موضوع ( شكل المقامة) الذي وصلت إليه في القرن الرابع الهجري يمكن الرجوع إلى ما تناوله بإسهاب الدكتور زكي مبارك ومن المؤكد أن مقامات ( بديع الزمان ) التي كتبها بعد عام 382 هجرية تكشف عن كاتب يمارس شكلا فنيا بلغ مستوى رفيعا في أسلوبه وأسسه وتقاليده الفنية مما يدل على أن هذا الفن يستند على أصول وأعمال فنية مماثلة سابقة كما يرى ( زكي مبارك )(10) أجل أن المقامة في العصر الوسيط من الممكن أن تكون مزيجا من العديد من الموضوعات والفنون الأدبية كمقطوعات ألقاب القرى والبلدان أو شعر الأسفار والرحلات والحكايات الشعبية(11) التي تتخذ لها شخصية أو بطلا شعبيا مثل ( جحا ) في العصور المتأخرة وشعر المفاخرة..الخ كل هذه الفنون نمت وازدهرت وبلغت مستوى عالي من الإجادة والإتقان في البيئة الثقافية والأدبية الزاهرة لمدينة بغداد.

ولهذا نستنتج بصورة مؤقتة أن المقامة في جنوب الجزيرة تستند في حبكتها وشكلها على أسس تمتد إلى عصر سابق لبديع الزمان وكان مسرح هذا التطور هو شبه الجزيرة العربية ، وهذا بالرغم من اقتناعنا من أن مبدع هذا الشكل الفني في النثر العربي قد ترك بصماته دون شك على المقامة الحضرمية إلى حد ما ، ولم يعد شكل المقامة في الوقت الحاضر شكلا مقبولا إذ يبدو أن المقامة قد بدأت في الانسحاب تاركة مكانها التيارات الأدبية الحديثة كما هو الحال في البلاد الأخرى، ولا أظن أن السادة سيمارسون هذا اللون من الفن بعد أن انصرفت أنظار الأوساط المتعلمة متجهة إلى الخارج .

______________________________
الهوامش
(1) أعتقد ان مثل هذا المشروع هو ما سيفعله أي حضرمي وقد يذهب ابعد من ذلك فيعيد كتابة الأبيات غير الصحيحة نحويا.
(2) أنظر ما كتبهFlouit عن النصف الأول من القرن الثاني عشر في حضرموت، وكذلك ما كتبه بروكلمان في كتابه الأدب العربي العام G A L الصفحات من 281 إلى 399 الخ. وقد كتب ذلك عام 1123هـ 1711م . انظر أيضا ما كتبه ( الشوكاني ) في كتابه (البدر الطالع القاهرة1348 ج1ص 390).
(3) أنظر ما أوردA.Mingana في مدونة المخطوطات العربية cat of Arabic mainuscripts the john rylands library وقد كتب المقامة أبو بكر بن محسن الباعودي العلوي الحضرمي عام 1735م تقريبا ويبدو أن هناك لبسا في نسبه وقد يكون الصحيح هو باعبودي وتسمى كل مقامة على اسم احد المدن الهندية. وهو تأثر واضح ببديع الزمان وهي تختلف نوعا من مقامتنا المحلية.
(4) انظر ما كتبه واي آ كلاوسننر Y.A. KLAUSNER
Saluatcn R0mae in yemente B ook Of Maqamqs Kirjath Sephen Oet 1945 xx11 NO 2 P172
(5)انظر مقالتي ( قضيتان من القضايا القانونية القبلية ) في المجلة الملكية للدراسات الآسيوية (لندن 1951م) .
(6) لاشك أن زوال الأدب الحضرمي لفترة ما قبل الإسلام يعود إلى طبيعة المواد التي كتب عليها فهي مواد قابلة للتلف إلا أن العثور على نسخ قديمة من القرآن بالخط الكوفي في( حوراء ) أنظر مواضيع في تاريخ جنوب الجزيرة العربية يشير إلى إمكانية العثور هناك على مواد مكتوبة قبل الإسلام.
(*) الشراحة (المترجم ..
(7) فيما يتعلق بهذا الأمر وجدت من الصعب الاعتقاد بأن الذين يستطيعون الكتابة كانوا أندر مما هو عليه اليوم في بلاد العرب لوجود كثير من الكتابات المحفورة في الطرق الهامة
(8) أنظر كتاب (الأمالي ) للقالي(القاهرة 1926م ) الجزء الأول ص129
(9) يفاجأ المرء كثيرا بما يجده من عبارات وثائقية ورسمية ( واكليشات ) فنية وسجع بين وقت وآخر في الوثائق القبلية.
(10)أنظر كتاب( النثر الفني في القرن الرابع لزكي مبارك القاهرة1934 م) خصوصا الكتابات الرائدة لبديع الزمان، وقد تجنبت الإشارة إلى مكانة القرآن في الأدب العربي حيث كتب الكثير حول هذا الموضوع ، إلا انه يمكن الرجوع إلى ما أورده زكي مبارك في كتابه المذكور.
(11) أنظر ص9 من كتاب الهمداني ومنظومته الرحلات ص 235.
التوقيع :

التعديل الأخير تم بواسطة أبوعوض الشبامي ; 12-29-2008 الساعة 07:07 PM
  رد مع اقتباس