عرض مشاركة واحدة
قديم 11-06-2008, 06:26 AM   #1
باشراحيل
مشرف قسم الأدب والفن ورئيس لجنة المسابقة الشعر يه

افتراضي المحضار..مخاطبا الحكومة ومدافعا عن حقوق المتضررين من الأمطار والسيول:الناس تبغي مساكن

المحضار.. مخاطبا الحكومة ومدافعا عن حقوق المتضررين من الأمطار والسيول:

"الناس تبغي مساكن صدق محكومة.. شلوا خيمكم..! "

«الأيام» رياض عوض باشراحيل:

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ما أشبه الليلة بالبارحة.. ما حدث منذ أيام وبالتحديد يوم 24 أكتوبر 2008 من كارثة إنسانية في محافظتي حضرموت والمهرة جراء هطول الأمطار الشديدة والفيضانات والسيول الجارفة، كان قد حدث مثله في الماضي القريب قبل نحو (20) عاما.

كارثة اليوم أدت إلى خسائر كبيرة في الأرواح، وخسائر في الممتلكات العامة والخاصة، وتهدم مئات المنازل، وتصدع مئات أخرى، بحيث أصبحت تلك المنازل غير آهلة للسكن، وأضحى أهلها من نساء وأطفال وشباب وشيوخ مشردين دون مأوى.

الشاعر الكبير المحضار- عليه رحمة الله- برؤيته المستنيرة عالج هذا الموضوع وعبر عن نكبة الماضي في شعره أصدق تعبير، فبقيت قصائده في تلك النكبة شاهدا تاريخيا حيا لكل كارثة مماثلة لها تحل بالوطن في الحاضر أو المستقبل.. لذا نجد أنفسنا اليوم نردد ما ترنم به المحضار من قصائد وأغنيات في مواساة المتضررين، والحزن على ما آلت إليه أحوالهم، وعرض قضيتهم، والدفاع عن حقوقهم أمام السلطة حتى تحققت أهم مطالبهم- كما سنرى- بيد أن حزن الشاعر في ظلال الأزمة كان حزنا إيجابيا لايدفع إلى الاستسلام، ولا إلى الخور والتحسر والبكاء على الماضي، ولكن الحزن الذي يذكي المشاعر الروحية والأمل في النفوس في اللحظات القاتمة، ويشعل شمعة في الظلام الدامس، ويفجر الطاقات الجبارة والبأس الشديد للعمل على تجاوز آثار الأزمة.

في 19 مارس 1989 كانت كارثة الأمطار بالأمس في حضرموت وبقية محافظات الشطر الجنوبي- آنذاك- ولكنها في الشحر ومدن حضرموت كانت أشد، بفعل ظروف اليوم نفسه وأسباب منخفض جوي وأمطار وفيضانات وسيول جارفة أحدثت أضرارا جسيمة.. فخرج المحضار- عليه رحمه الله- حينها عن صمته ونطق بمأساة المنكوبين الغارقين في بحور من الهم والأحزان والجراح، وعبر عن معاناتهم فأشعل شمعة في قلوب هؤلاء ليتبدد ظلام اليأس.. إنها شمعة الأمل والتفاؤل الذي يستمد وقوده من منابع الإيمان والعقيدة في الوجدان، فأذكى العزيمة في الأرواح والهمة في النفوس، والحث على العمل الجماعي والتعاون ومساندة بعضنا البعض لتجاوز آثار هذه المحنة، وذلك من خلال غنائيته (كل ما جابه الله زين.. للقدر بافتح قلبي على بابين).

وللحقيقة لقد انبثقت رؤية المحضار لعلاج الأزمة وتأسست على جانبين:

الجانب الأول: يستند إلى دور المواطن المنكوب في قبول المصاب الجلل والإذاعان لقضاء الله وقدره لينعم بالسكينة النفسية التي تعينه على معالجة أزمته ببصيرة، وتفجير طاقاته والتعامل بروح المؤمن القوي مع الواقع الجديد، كما يستند أيضا إلى دور الجماهير في ضم الصفوف ووضع اليد على اليد لإغاثة إخوانهم ومساعدتهم في التخلص من الأزمة.

الجانب الثاني: يعتمد على دور الحكومة وواجباتها لحماية المنكوبين ومساندتهم وتقديم يد العون والمساعدة العاجلة لهم، وإعطاء كل منهم حصته الحقيقية من المعونات الدولية والمساعدات التي استلمتها الحكومة من الداخل والخارج، والأمر الأهم هو التحرك العاجل للدولة لبناء مساكن للمتضررين والمنكوبين.

دور المواطن المتضرر ودور الشعب

فالاتجاه الأول تجسده قصيدة (كل ما جابه الله زين.. للقدر بافتح قلبي على بابين).. وفي هذه القصيدة الغنائية التي كساها المحضار بلحن شجي يقطر أسى، ويعبر عن مضمون القصيدة، يحث الشاعر الأسر المنكوبة على قبول المصاب والاحتساب وفتح القلوب لأحكام القدر، وهذا الاحتساب والتمسك بحبل المولى جل شأنه يعد موقفا فطريا إيمانيا لايصدر إلا عن المؤمن الذي يستشعر القوة الذاتية في نفسه من صلته بالقوي تعالى، فيتسامى في نظرته إلى الخطوب وتعامله مع الأزمات وتتملكه القدرة على تجاوزها، كما يحث الشاعر على شحذ الهمم واستنهاض الطاقات والصبر والتعب والسهر، فجاءت قصيدته تسيل أسى وتعبق بالعلاج الروحي والإيماني الذي يشفي الأرواح والقلوب والأجساد.. قال المحضار:

سال من رحمة الله كل وادي=ياسعاد الزبينه يا بلادي
اصبري واسهري لاتغمضي العين=كل ما جابه الله زين
للقدر بافتح قلبي على بأبين=كل ما جابه الله زين

ويقرأ المحضار المستقبل الغائم لمدينته سعاد، وتكشف له عبقريته ما وراء الحجب، فيحذر أبناء مدينته من مخاطر السيول القادمة قائلا:

شل نفسك رفع يا بن عبادي=سدة الخور والحوطة تنادي
جالك السيل من مطراق حنين=كل ما جابه الله زين

ويجمع الشاعر المدن الحضرمية الرئيسة المكلا وتريم وسيئون في كلمة سواء، طالبا منها النأي عن التحسر والحزن والتخلي عن عض أصابع الندم، والتحلي بالصبر والسكينة وقبول المصاب:

يا المكلا احفظي عهدك وحادي=يا تريم اجعلي خاطرك هادي
لاتقولين يا سيئون يا هوين=كل ما جابه الله زين

أما مدينة شبام التاريخية بكل ثقلها التراثي الأصيل، ومبانيها الطينية الشامخة، وثروتها التاريخية العريقة آثر أن يقول لها:

يا شبام اصبري عادك تمادي=لاتحرقين بالونّة فؤادي
عادنا عالمدى باوفي الدين=كل ما جابه الله زين

وبعد أن واسى الشاعر أهله في حضرموت يستكمل المحضار مسيرة العلاج الإيماني للكارثة في أرجاء وطنه (الشطر الجنوبي آنذاك)، فيخاطب محافظات عدن ولحج وأبين وشبوة والمهرة قائلا:

يا عدن يا تبن يا أبين تهادي=يا أهل شبوة الشراقي والنجادي
يا محبين في الغيظة وحصوين=كل ما جابه الله زين

ولأن هذه المأساة لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث لليمن، وحيث أن سيل وادي عدم قد التقى بسيل وادي العين رغم تباعد مجرى سير كل واد عن الآخر فكان بالفعل أمرا غير مسبوق وشيئا غير عادي:

إيش باقول ذا شيء غير عادي=عادها ما بدا وقعت كما ذي
سيل وادي عدم في وادي العين=كل ما جابه الله زين

أما التلاحم وضم الأيادي ووحدة الصف، فهو ديدن الشاعر وهدف رئيس يحث عليه المحضار في كل الأزمات كأحد أسباب القوة والبأس والمقاومة لمواجهة المآسي والأزمات والنكبات:

«كلنا بانضم مرة الأيادي

كلنا بانضم مرة الأيادي=في القرى والمداين والبوادي
بانقوي العزيمة بيننا البين=كل ما جابه الله زين
للقدر بافتح قلبي على بابين=كل ما جابه الله زين

والملاحظ هنا أن المحضار في هذه القصيدة طاف بكل محافظات الجمهورية الست- آنذاك- مواسيا ومخففا عنهم شدة النازلة، وداعيا في ختام القصيدة إلى التماسك بين فئات الشعب كافة، وضم الأيادي وتقوية العزيمة وتوحيد الجهود لأنها السبيل الأمثل لتجاوز الأزمات.وبهذا يكون الشاعر قد أضاف إلى التراث الغنائي الحضرمي واليمني لحنا يتغني به الناس تطهيرا لمأساتهم ومواساة لنفوسهم المكلومة، عكس صورة الحياة والعصر وجسد أزماته ونكباته، ستظل الناس تتذكره وتردد أنغامه كلما أعاد التاريخ نفسه وبرزت ظروف مماثلة لهذا الظرف في أي زمن قادم كما حدث اليوم.

دور الحكومة وواجبات السلطة تجاه المتضررين من الشعب

لقد ظل المحضار لأسابيع يراقب أداء الحكومة وعطاء اللجان التي شكلتها للإغاثة وحل قضايا المتضررين وتخفيف معاناتهم، إلا أن الحكومة وتلك اللجان لم تقدم حلولا عملية عاجلة للأزمة ببناء مساكن لهؤلاء المتضررين الذين انهارت منازلهم انهيارا كليا، ولم تقدم المساعدة بمنح مواد بناء لأولئك الذين تضرروا ضررا جزئيا بحيث أضحت منازلهم غير صالحة للسكن.. تلك اللامبالاة وعدم الإحساس بآلام الناس ومعاناتهم، وتركهم في المدارس يتوسدون الطاولات والكراسي والجدران الإسمنتية، ويتجرعون مرارة المأساة لفترة طويلة من الزمن، هزت كيان الشاعر الكبير وأثارت حفيظته فصرخ باسم المتضررين، وهو ليس منهم، صرخ باسمهم وكأنه الضحية، صرخ في وجه السلطة بإحساس من ضاق ذرعا بالوعود الكاذبة بتوفير المساكن للمتضررين والتسويف بحل أزمات أسرهم المنكوبة، صرخ مخاطبا القيادة السياسية، بل القائد الذي يوجه الحكومة قائلا:

قل للحكومة كفاية طالت النومة=مرت أسابيع واحنا مساهنين الخير
الكارثة خلت الأنفاس مكتومة=لله نشكي وبس ما نشتكي للغير
وين المعونات راحت كلها رومه=وإلا يضحكون أهل الخير عاأهل الخير
نحن السكن بس لي نطلبه ونرومه=ماحد بغى منكم شيء زاد وإلا مير
خلوا الخشب والسمت كومة ورا كومة=وخلوا الطوب واجد والحديد اسبير
حلولكم كلها لي جات معقومة=لا ما سرح هادي البقار أو بلخير
حداد وش بايصلح هو ومقسومه=وعوض عبولان ما يقدر يريش طير
الناس تبغي مساكن صدق محكومة=شلوا خيمكم عطوها المعينة ومرير
نانحمد الله داري غلب منظومه=لكن راثي لثابت صاحبي وهبير
وكم وكم مثلهم آلاف مرقومة=لا مالهم شيء وسع حذفوا بهم بخضير
الصوب لا قد كبر ما يجيبه البومه=يبغي برفسور متخصص وماجستير
ماحد يلقي حكومة داخل حكومة=معاد شي وقت للبلصة ودهن السير

والقصيدة لاتحتاج إلى شرح وتفصيل أو توضيح وتعليق، فهي أبلغ من أي تعليق!.

السكن.. أولا وأخيرا

بيد أننا نود أن نقرر هنا إنصافا للحقيقة أن تسويف السلطة وعدم مبادرتها في اتخاذ خطوات سريعة لحل قضايا المتضررين كان تقرير واقعة وشهادة صدق للتاريخ، أما ملامح الفساد التي أشار إليها المحضار بقوله: «وين المعونات راحت كلها رومه» وقوله: «معاد شي وقت للبلصة ودهن السير»، فإنها كانت بادية للعيان، ولكنها بسيطة ومحدودة تظهر في المجتمع، ولكن على استحياء.. والمحضار يحاربها وهي في المهد، إذ إنها لم تشكل ظاهرة فساد كما يحصل اليوم، ففي ذلك الوقت كان الفساد بدائيا وبسيطا لأن الدولة كانت تبطش بالفاسد إذا ما برز للعيان، وهذه ميزة طيبة تعد من محاسن النظام السابق، إذ إن المسئولين- آنذاك- بسبب المراقبة والمحاسبة لم يعرفوا لذة المال السهل والجاه والسلطان، ولم يتباهوا بسرقة المال العام في ظل غياب المحاسبة كما يحدث اليوم.

ولعل هذه المطالب الشعبية التي تبناها المحضار، وهو صوت الشعب والمدافع عن حق البسطاء والضعفاء والكادحين في المجتمع، قد لاقت فيما بعد آذانا صاغية، حيث قامت الدولة بعد ذلك بتوزيع بعض مواد البناء للمواطنين الذين أصابتهم أضرار جزئية، وقامت ببناء مساكن وشقق للمتضررين بلغت (140) شقة في حي سكني بالشحر يعرف الآن بحي (140 شقة)، وكذلك بناء (196) شقة في المكلا وغيرها، وللإنصاف فإن هذا الإنجاز يعد أيضا من السمات الإيجابية للنظام السابق.

والآن وقد أصبحت بلادنا عرينا لأهل الإحسان، تتقبل المساعدات من كل حدب وصوب، فإننا نرفع لواء مطالب المحضار القديمة المتجددة، ومطالب المنكوبين والمتضررين من كارثة اليوم للأخ رئيس الجمهورية بإبعاد نيران النكبة عن أهلنا سريعا، وعدم تركهم طويلا يحترقون بها، وذلك بتوفير مطلب السكن في أقرب وقت ممكن (السكن أولا وأخيرا).. إنهم لايريدون الفلل ولا البيوت الفارهة ولا خير النعم، ولكنهم يريدون كنان الرأس لهم ولأطفالهم ونسائهم وشيوخهم لا غير.. إنهم يريدون عزتهم وصيانة كرامتهم وإبعاد الذل والمهانة عنهم.. إنهم لايريدون أن يطول مقامهم في المدارس أو في الخيام، ولا بأس من البقاء بها للأمد القصير وكإجراء مؤقت قصير الأجل، أما السكن طويلا بها يدعهم يرددون بمعاناة ومرارة وألم ما قاله المحضار منذ زمن: «شلوا خيمكم عطوها المعينة ومرير».

رحم الله المحضار رحمة واسعة..

وأعان المتضررين وخفف عنهم وأخذ بأيديهم لتجاوز هذه المحنة!.

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
التوقيع :
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

التعديل الأخير تم بواسطة باشراحيل ; 11-06-2008 الساعة 06:28 AM
  رد مع اقتباس