عرض مشاركة واحدة
قديم 05-06-2011, 12:22 AM   #32
أبوعوض الشبامي
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية أبوعوض الشبامي

افتراضي

.

الأخوانيات في شعر خميس كندي



شعر الأخوانيات شعر تعددت اغراضه ومراميه ، وله تعريفات كثيرة ولكن نكتفي بما قاله الدكتور يوسف خليف الذي يرى ان الأخوانيات استحدثت في العصر العباسي الأول فالشعراء المجان اصحاب المدرسة اللاهية هم أول من وضع الأساس لهذا اللون من الرسائل الشعرية التي عرفت فيما بعد بالأخوانيات.

أمابطرس البستاني المؤرخ والأديب المعروف قال : ( ان الأخوانيات كانت موجودة قبل العصر العباسي الثالث، ولكنها لم تتخذ شكل الاستقلال والتميز، إلا في القرن الرابع الهجري، حيث اصبحت باباً شعريا قائما بذاته )
وهو يرى ان الأخوانيات انفرد بها النثر قبل الشعر، حين كثر النظامون وتعاطى الشعر الوزراء وكتاب الدواوين واهل الفقه والقضاة ، واصبحوا يتراسلون بالشعر كما يتراسلون بالنثر، فأستعملوه في التعزية والتهنئة والشكر والعتاب ، وغير ذلك مما يدور بين الأصحاب من مراسلات وخصومات مؤقتة.‏

أي باختصار ان شعر الأخوانيات جذوره قديمة، ولكنها راجت في العصر العباسي الأول ،وهذا اللون الطريف من الشعر يصور العلاقات الاجتماعية بين هؤلاء الشعراء وبين اصدقائهم واحبائهم ، ففيه التعزية والشكوى والصداقة والود، وفيه أيضاً المداعبات والظرف والشعر الضاحك.

لقد كان لشعر الأخوانيات عند شاعرنا خميس سالم كندي نصيبا في ديوانه المخطوط ، وإن كان هذا الشعر أتى بصورة فنية دون المتوسط لم ترق للشاعر نفسه ، فلا غرابة أن يأتي في ذلك ، فشعر الاخوانيات عموما يأتي بصورة متوسطة الجودة لأنه يعتمد على العفوية والارتجال والبساطة . إلا أن شعر الأخوانيات عند شاعرنا خميس كندي يغلب عليه روح المرح الجاد ، فهو يكتب شعره الذي يضحك ويغنى و يلامس اعماق الوجدان دون حوجز وفواصل .

من ضمن شعر الأخوانيات في ديوان شاعرنا خميس سالم كندي نختار لكم هذه القصيدة التي روى لنا شاعرنا قصة نظها قال :

(( ابيات هزلية بمناسبة مندر مع شركة علي عبدالله مرجان والمندر في ( افقوي ) بلدة تبعد عن مقديشوه ثلاثين كيلومتر تقريبا وفيها بساتين جميلة كما أن فيها الشط الذي يأتي من أثيوبيا ويخترق صوماليا وعندما وصلنا على بعد 8 كيلومتر من مقديشوه عند مركز للبوليس كي يفتش السيارات المحملة الى الخارج ( مركه وكسمايو وبراوى ) وكثير من المدن الصغيرة فهذا المركز يعد الباب الوحيد لهذه النواحي قعندما وصلنا الى هذا المركز ونحن في طريقنا الى أفقوي لم يسعنا إلا ان نقف هناك حسب القانون المفروض وقفنا واتانا احد البوليس السواحلية وعليه درجة ( كابل ) وعثر في السيارة على شراع طربال كان معنا استعدينا به من مطر وشمس وقد نحتاجه كفراش لنا فلم يسع البوليس إلا أن طبل وزمر وكأنه ظفر بأكبر عدو للحكومة وربما ظن في نفسه بأنه بحصوله على هذا الشراع يتحصل على درجة ( سيجن ) أو هكذا فهمنا من وجهه فقدّم أوّل سؤال لرئيس المندر

- إلى أين تقصدوا ؟؟
- فأجابه الى أفقوي..!!
- إيش قصدكم في أفقوي؟
- قصدنا مندر في البستان ..!!
- وإيش معنى هذا المندر؟؟
- عادة نعتادها بعد مدّة من الزمان نخرج الى هذا المحل..!!
- الشراع هذا من أين دخل عليكم ؟؟
- دخل علينا إشتريناه وعندنا جمله من جنسه ..!!
- لا ..لا .. هذا الشراع منهوب من خزينة الحكومة أين أوراق الشراء ؟؟
- موجودة عند مدير الشركة وهو الآن بمقديشوه ..!!
- لماذا لايصاحبكم في السيارة؟؟
- لديه سيارة خاصة جيب وهو الآن مشغول وسيلحق بنا بعد قليل..!!
- لا .. لا لا .. أنتم كذابين ..؟؟
وعندما سمع الحاضرون كلمة كذابين وهم من وجهاء البلاد واعيانها اجابوه بلسان واحد وما المقصود من هذه الأسئلة الذي كنت تمليها علينا ؟؟ فقال هذا عملي ولي الحق أن أسألكم نظرنا الى الساعة وإذا بها اربع عربي عن عشر افرنجي فهمّ احدهم ان يرشوا هذا السواحلي بخمسة شلن حسب العادة الجارية بينه وبين الناس الذين يمرون يوميا من عنده ، فمسك يده رجلا آخر وقال لا تعطيه شيئا أبدا ، إما أن يسمح لنا بالمرور وإلا نرجع الى مركز البوليس بمقديشوه . فتكلم معه بشجاعة ماالذي تقصده منا ؟؟ إما تسمح لنا أو رجع نحن مقديشوه ؟؟ فأجابه البوليس أرجعكم وأنا أطلع معكم الى ( الإيستيشن ) وهناك تعرفونا وتعرفون أنفسكم .
طلع في ( البابور ) ووصلنا الإيستيشن ، دخل السواحلي الى عند ( السيجن ) وأخبره أنه تحصل على شراع مسروق على الحكومة وأنه القى القبض على السارق وأتى إليه .
فرح ( السيجن ) بهذا الخبر وأتى إلى السيارة ألقى نظرة على الذي بالسيارة وإذا بهم عرب من أشراف الناس ومن أعيان البلاد ووجهاءها ، فقال للعسكري ( الكابل ) أين السرق ؟؟ وأين الشراع ؟؟ فأشار بأصبعه عليهم . فغضب ( السيجن ) على ( الكابل ) وقال له : أما تعرف هؤلاء ؟؟ قال له لا لا أعرفهم ..!! فقال له هؤلاء هم السرق ياسارق . فأعتذر لهم ( السيجن ) عذرا يرضيهم عن هذا العسكري المغرور ، وسمح لهم بالرجوع الى حيث شاؤا ، ورجع العسكري الى مركزه يمشي على الأقدام يندب حظه التعيس ...!!
وفي الساعة الخامسة عربي ( أي الحادية عشر صباحا ) وصلنا الى البستان في أفقوي طاب المجلس ودار الحديث كله حول هذا العسكري السواحلي المغرور ، وقال الشاعر هذه الأبيات وإن كانت لاتستحق الذكر ولا نروها هنا في المقام ، لكي يعرف القارئ ما مر على الشاعر من مشقات ..... ))


قال شاعرنا يصف تلك الرحلة وقصتهم مع العسكري السواحلي :

في افقوي مندر مع الشركة= حصلت لغبر في السكه
سواحلي نزعة الشيطان= قصه ولا قصة السودان
قالوا له الناس بانجزع= ما طاع يسمع ولا يرجع
قال ( افرتو) عجلت السّكان= قصه ولا قصة السودان
واحد وعشرين حيرهم= ولا احترمهم وحشّمهم
لا هاب شيبه ولاشبان= قصه ولا قصة السودان
في البوسطه خنفره يدري= طوّس تقايسه منتجمري
في المعركه قد هزم للمان= قصه ولا قصة السودان
خذ لك شلنقين واتقهوى= واكف الخلايق من البلوى
زادته نخوه وبت فرحان= قصه ولاقصة السودان
خلوه يطلع في البنكه= في الزابطيه قعت ضحكه
سحنه يضحك وهو غضبان= قصه ولا قصة السودان
ويش بايحصل قليل الخير= ريته رضي له بدهن السير
حاز العيافه وبت طفران= قصه ولا قصة السودان
شلوه راكب رجع يمشي= أمر الحكومه على الخشي
ما هي كما دولة الطليان= قصه ولا قصة السودان
الحاصل المسائله راحت= فوقه ودعواه قد ضاعت
داهل يعربد على الغشمان= قصه ولا قصة السودان
في الساعه اربع ونص رحنا= لاافقوي ما حد تعرضنا
والخمس جينا الى البستان=قصه ولا قصة السودان
رحله جميله خفيفة دم= الشوش فيها انجلا والهم
ما حد رجع مننا غضبان= قصه ولاقصة السودان
مندر جميعه دمقراطي= ما فيه واحد استقراطي
فيه الأوادم تقول أخوان= قصه ولا قصة السودان


من خلال قراء أبيات هذهالقصيدة الأخوانية الطريفة لا بد من استقراء دلالتين مهمتين ، اشار اليهما الشاعر وجاءت ضمن ابيات القصيدة.
الأولى : أن المندر كان في عهد الحكم البريطاني للصومال ، إذ يشير الشاعر الى ذلك حين قال :


شلوه راكب رجع يمشي= أمر الحكومة على الخشي
ماهي كما دولة الطليان= قصه ولا قصة السودان

يبدو أن دولة ( الطليان ) حين كانت الصومال مستعمرة ضمن مستعمراتها تضفى الطابع العسكري الفاشتي على نظام الحكم ، حيث يهيمن العسكر على النظام الحاكم وتفرض ميولهم الاستبداية على السكان والمقيمين .

أما الملاحظة الثانية يشير الشاعر في هذه الإخوانية الطريفة الى الوضع الديمقراطي من خلال صورة من صور تلك الرحلة ( المندر ) والتي جاءت انعكاسا لروح النظام الحاكم إذ كانت الصومال حينها مستعمرة بريطانية ، قال الشاعر :


مندر جميعه دمقراطي= ما فيه واحد استقراطي
فيه الأوادم تقول أخوان= قصه ولا قصة السودان


الديمقراطية ... والمساواة الإجتماعية بين الناس...... ، تلك أمنية من أماني شاعرنا خميس سالم كندي مابرح أن يتغنى بها في جدِّ شعره وفي هزله ، عاش يحلم بتحقيقها ونادى بها شابا يافعا ،و رجلا ناضجا ، ثم حين بلغ من العمر شيخا حلب من الدهر تجاربه حتى وافته المنية بعيدا عن ديار كانت ولازالت تخلق الحواجز بين الطبقات . وتقسم الناس الى رتب اجتماعية ، وهذا ما نلتمسه في حلقات قادمة حين نأتي على شعره السياسي ( الوطني ) ...!!


.
التوقيع :

التعديل الأخير تم بواسطة أبوعوض الشبامي ; 05-06-2011 الساعة 12:34 AM
  رد مع اقتباس