عرض مشاركة واحدة
قديم 04-20-2011, 09:43 AM   #3
أبوعوض الشبامي
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية أبوعوض الشبامي

افتراضي

.



لم يستقر شاعرنا خميس سالم كندي منذ أن وطأة قدميه البر الأفريقي في مكان واحد ، ولم يهنأ له بال ، فقد كان في كل لحظة وحين يذكر وطنه وأهله واصدقاءه ، ولم يجد سلوة تسليه وهو يتنقل وسط طبيعة تلك المدن الخلابة ( هرر - ديرد وة ا - جقجه ..الخ ) ، مدن تقع في الشرق الحبشي ، و كان يتنقل بينها للعمل مع وكالة بازرعة ( شراء الجلود والبن والسمسم ..الخ ) ويتم تحميله في السيارات إلى زيلع ومن ثم ينقل السنابيق التابعة لوكلة بازرعة إلى عدن ، كانت إقامة شاعرنا كندي الرسمية في مدينة ( هرر ) التي تبعد 360 كم جنوب غرب بربرا،وهي تقع في واحة جبلية خضراء ، وكانت هرر عاصمة لإمارة اسلامية قبل أن تضمها الحبشة إليها ، وقد ذكر المستشرق البريطاني ( ريتشارد بيرتون ) أحوال المدينة في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي ، وهو الأوروبي الوحيد الذي تمكن من زيارتها والعودة منها سالما ، ذكر في كتابه الذي حرره عنها والذي أسماه بـ ( اكتشاف هرر أو الخطوات الأولى في شرق أفريقيا ) ذكر فيه أنه عاش فيها عشرة أيام من يناير 1855م كانت أخطر ما تكون ، وأنه لو لم يتنكر وينتحل اسم الشيخ عبد الله لما عاد بسلام ولكان مصيره نفس مصير عدد من الأوروبيين قبله والذين لم ير لهم أثر ، وذلك لأن أهل هرر كانوا يعتقدون – من شدة بغضهم للكفار – أن أرضهم ستظل محمية ومزدهرة طالما لم يطأها كافر، ودراسة بيرتون لهرر هي التي مهدت للحملات الاستعمارية ، فقد أحاطت دراسته وصفا بموقع ( هرر ) وطرقها وسكانها وأهميتها ، ولاحظ كثرة مساجدها ومكانتها العلمية وتطبيق الشريعة فيها وجوانب أخرى دقيقة كل الدقة )) .


مدينة هرر


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة



فمع ذلك لم يشفع لهذه المدينة الجميلة ( هرر ) موقعها الرائع وطبيعتها الساحرة وأهلها المسلمين الطيبين ، لم يشفع ذلك لهم من وجهة نظر الشاعر خميس سالم كندي ، والذي برزت عنصريته ( العرقية ) في تفاضل العرب على العجم ، وهي عقدة عربية قديمة تتسرب مع الأجيال تشتعل جذوتها حينا وتنطفئ حينا آخر ، لهذا نرى كيف وصف شاعرنا كندي أهل الحبشة بأنهم ( أمم غبران ، مثل الشياطين شيمتهم ، عيونهم كلهم حولا ، أوادم كما الثيران ، ...)) يدعي الشاعر خميس كندي أنه يحارب التمييز العنصري ، ولكنه في هذه القصيدة وقع تحت تأثير قسوة الغربة والحنين الى الوطن، وربما أن (( للقات الهرري )) مفعولا قويا أنسى كندي مبادئه وشعارته .

وهذه القصيدة هي الثانية التي قالها في الحبشة ، قالها بمناسبة وصول ( يسلم باعطوة ) المندوب المتنقل لوكالة بازرعة بين الحبشة وعدن وصل باعطوة الى ( هرر ) وسافر الى جقجقة بمعيته خميس كندي ، وفي ( جقجقة ) كتب هذه الابيات وارسلها مع ( عطوان ) الذي حمل الى كندي كثيرا من اخبار الوطن ، مما زاد عنده لوعة الحنين والشوق للوطن وأهله .
نظم شاعرنا هذه القصيدة وكلف ( عطوان ) بحملها وتسلميها الى علي بن صلاح القعيطي ، والقصيدة ( غنائية ) ويبدو لي أن كندي تغنى بها في وحشة غربته لعله يسلوا بها .

وما يهمنا في هذه القصيدة معرفة الحالة النفسية ووقع أثر الغربة على شاعرنا خميس كندي ، وكيف عبر عن حنينيه وشوقه الى وطنه ومرابع طفولته فتذكر ( بلاد الأحقاف ، التمدن والسلا ، ومرتع الغزلان ، وجلسات شاهي البكرة ، ..الخ ) يصف حاله في أرض الحبش ، قال في استهلال قصيدته :

يارب سالك بحق اسمك= تنظر بعين الرضا عبدك
ما مد كفه إلى غيرك= اعطف علي ياعظيم الشان
ضاقت على الناس بالمرّه=واليوم في غاية الزومره
في الأمر ذا مالهم قدره= دركاه دركاه يارحمان
والفي صلاة على الهادي=المصطفى خير لجوادي
عداد ما ترنم الحادي=تغشى محمد ولد عدنان

بعد الاستهلال التقليدي الذي عادة ما يميز بنية القصيدة العامية في حضرموت ينتقل الشاعر الى وصف معاناته عبر حوار مع ( هاجس شعره ) قال شاعرنا:

االبارحه هاجسي شوق= بحره في الشعر يتدفق
على فراق الوطن علّق= وأمسى يغطرف بصوت الدان
فقلت ياهاجسي مالك=إيش الذي حرك أشجانك
فقال ما سِمعت آذانك=لخبار لي جابها عطوان
حيوك يلي نشرت أخبار= يلي تحنكت من لسفار
عدّت على راسك الأخطار= في بحري قمري وفي سيلان
لسفار ما هي على بالي= أقدار ياخوي وآجالي
خطرت على قلبي السالي=واصبحت هايم من الأوطان

كانت من الاسباب الرئيسة لهجرة الحضارم الى شرق افريقيا أساب اقتصادية والبحث عن مصادر جديدة للرزق ، ايضا هناك جانب عقدي ثمثل في مساهمة الحضارمة في نشر العقيدة الاسلامية بين تلك الشعوب ، والتزاوج الحضاري بين حضارة الاسلام والحضارة المحلية في اطار العقيدة الاسلامية ، ولم يكن للقادمين الأوائل من ابناء حضرموت في تلك البلدان أي اطماع في ثروات البلاد وخيراتها ، ولم تقف خلفهم دول استعمارية تدعمهم ولم يكن ينظرون الى السكان المحليين نظرة استعلاء وتكبر ، بل عدوا أنفسهم جزءا من تلك المجتمعات المسلمة الجديدة ساهموا في انشائه بصرف النظر عن الانتماء العرقي بل انهم ساعدوا السكان المحليين على التحرر من سيطرة الاستعمار فنشأت بينهم وبين ابناء تلك الشعوب الافريقية علاقة حميمة وصلت الى حد التزاوج والاندماج .
إلا أن هجرة شاعرنا خميس كندي الى الحبشة ليست من باب الإقتداء بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين امرهم الرسول بالهجرة الى الحبشة بعد أن أشتد عليهم أذى قريش ، بل كانت ضربة من ضربات الزمن القته في ( هرر ) حين سمع أن في الحبشة ( حركة ) تجارية لهذا أراد أن يجرب حظه ويغنم بمغنم ( تركه ) وربما كان يمني نفسه أن يجمع ثروة كثروة عبيد صالح بن عبدات ويعود الى الغرفة ( سلطانا ) ...!!
قال كندي:
قالوا لنا في الحبش حركه= كل من طلع جاب له تركه
دخلت في هذه الشبكه= حصلت فيها أمم غبران
أقوام ما نعرف الغتهم= مثل الشياطين شيمتهم
من شاف ياخوي صورتهم= تقول حاشا على الرحمن
يخلق أوادم كما ذولا= عيونهم كلهم حولا
سبحان في خلقة المولى= يخلق أوادم كما الثيران
توكل من القات والسمسم = إلى أذن الظهر قالوا قم
هت لك عقاره وبيت زم= تمسي ممرقن كما السكران

يعبر شاعرنا كندي عن مدى درجات الطفش والهم الذي بلغ عنده اعلى حدود مستوياته ، ويحمل اليابانيين مسؤلية ماآلت عليه الأوضاع في حضرموت لقد كان في احتلال اليابان لجزر الأرخبيل الاندونيسي ومحاصرة اسطولها البحري لبحار الشرق أثر كبير على اقتصاديات الحضارمة واوضعهم الاجتماعية في حضرموت ، إذ أن معظم الأسر الحضرمية كانت على تواصل مع ابناءها المهاجرين ، فكانت تتلقى الأموال من المهجر لتلبية متطلبات الحياة .
مافي الحبش خير يايسلم= ما منها إلا الطفش والهم
شف بن كند جالها محتم=أصل المصيبه من اليابان
هو لي قطع مسلك الأمه= ما سك علينا طرق برمه
واصبحت انشد على جمه= فارقت الاهل والخلان

يتذكر شاعرنا كندي بلاده ويتغنى بها في غربته ووحدته ويعدد مآثرها التي تزيده افتتانا وعشقا بها فيقول:

بلادنا ما كماها قط= لحقاف ياخوي تنفرط
فيها السلا والتمدن حط= مذهبه في مرتع الغزلان
مثل السوانق يخايلهن=يتمايلن كغصون البان
لنته على شاهي البكره= من مشعبي ناصع الخمره
لا فار باتنشق الخمره= يكفيك منه ربع فنجان
بلادنا مانسيناها= في كل دقيقه بغيناها
ما هي بخيره هجرناها= بلادنا خيرة البلدان

وينتقل شاعرنا كندي الى صياغة محتوى الرسالة التي وجهها الى علي بن صلاح القعيطي ( الحليف السري) لإبن عبدات والحاكم في منطقة القطن ، حول شاعرنا كندي مرسوله الى علي بن صلاح ( معدن الجود والاحسان ) طمعا في هبة منه وعطية جزيلة يقول:

وبعد يا المعتني بوصيك= بعطيك خطي وباعنيك
البار بك باتكون إفتيك= من دردوه باتسير الآن
إحمل رسالتي وتوكل=امورخه نص ربيع أول
واعبر بها قطره هبرأول= لابربره شل معك ابان
نوّل بسنبوق بازرعه=لي بايوديك بالسرعه
الى عدن بلغ الرقعه=في البوصطه حط لها عنوان
ثمان وانته في البندر=بجوار يعقوب تتمخطر
والصبح نوّل في الموتر= يومين لاساعد الرحمن
وانته بحوطة ابو محسن= اعطه رسالتي وإستامن
وإن قالك جبتها من من= قله تفقد في العنوان
هاذي رساله من الكاتب=حوّل عليكم وهو غايب
ما باترد بن كند خايب=يامعدن الجود والاحسان
وان قالك كيف هو قله= في اثيوبيا منتشب دع له
غشوه لي سافروا قبله= يوم الطمع يقتل الانسان

ويختتم شاعرنا قصيدته أسوة بجميع شعراءنا الشعبيين يقول :

والفي صلاتي على الهادي= المصطفى خير لجوادي
عداد ما ترنم الحادي= تغشى محمد ولد عدنان

تسجيل القصيدة بصوت الشاعر خميس كندي






.





.
التوقيع :
  رد مع اقتباس