عرض مشاركة واحدة
قديم 04-01-2012, 05:01 PM   #16
أبو صلاح
مشرف قسم تاريخ وتراث
 
الصورة الرمزية أبو صلاح

افتراضي

كور سيبان والبدو يدهنون بالسمن والنيلة على اجسامهم!


لأكثر من 400 كيلومتر تمتد الهضبة الجنوبية في إقليم حضرموت الواسع من الغرب حتى الشرق ،على شكل قوس التوائي أعلاه في الغرب (كور سيبان )التي يصل ارتفاعها إلى 1230 مترا فوق مستوى سطح البحر وأدنها في الشرق نحو 615 متراً وتنحدر نحو الشمال باتجاه وادي حضرموت وهو طريق سير رحلة ( الكولونيل" دانيال فان در ميولين والرحالة الجغرافي"لدكتور. هـ . فون فيسمان) ورفقتهما من البدو والجمال والجنود من عبيد الدولة القعيطية والحضر يمثلهم السيد علوي العطاس المرافق للرحلة في مايو عام 1931م 0
وكنت قد تحدثت في الحلقة السابقة من هذا الموضوع الذي جعلته حصرياً على سقيفة التراث والتاريخ بسقيفتنا العامرة (سقيفة الشبامي ) عن توقف الرحلة في وادي (حمم ) الذي لايبعد عن الساحل سوى 50 كيلو متراً ،ونقلت لكم عن بعض المظاهر الطبيعية وأنشطة السكان في الوادي السالف الذكر وطرفاً من مجريات وصف الرحلة عبر الطريق الغربي المؤدي نحو وادي دوعن أحد أهم فروع وروافد وادي حضرموت الكبير مهد الحضارات الإنسانية و العربية القديمة ،ومهبط لبعض الرسل والأنبياء و بعض آيات الله الكونية والشرعية كما تحدث بذلك القرآن الكريم والتوراة والإنجيل ،وهاجر منه خيرة أهل حضرموت من الصحابة والتابعين 0 ومما تجدر الإشارة أليه أن أولى محطات التوقف للرحلة بعد استئناف السفر كانت قرية " الحسى" التي ينتمي أليها قائد الرحلة سائق السيارة المعروف "بالموتور "وكان ذلك مدعاة للتعطيل ومضيعة للوقت في ذلك اليوم, فلم يكن البعض على استعداد لمغادرة الحسى تحت أي ظرف.
لهذا قال الباحث نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة نسي البدو الآن كل مشاحناتهم وأخذوا يشعون بالرضى واللين. ونهض أهالي الحسى لقطع العلف للحيوانات, وجاء كل السكان لمشاهدة معسكرنا, بعد ذلك أخذ (موتور) كل رفاقه ليتناولوا الطعام في القرية. وكان قد جاءنا قبل ذلك بفوطة مليئة بالنبق. تسمى شجرة النبق السدر أو الدوم, ولها أهمية جوهرية في هذه الأجزاء من حضرموت000 )
وعلاوة على قيمته الغذائية التي يستخدمها أهل القرى والأرياف فإن كثير من البدو قديماً كانوا يعيشون على النبق واللبن من حيوانات الرعي في أوقات الندرة
ولا يبدو عليهم الهزال من هذا الغذاء كما رآهم الرحالة الدكتور. هـ . فون فيسمان0
ولأشجار النبق "الدوم "فوائد كثيرة في حضرموت من ذلك استخدام أوراقها "اللين " للغسل (غسة ) وتنظيف الشعر وتطهير الميت فهي ملينة ومنظفة للأوساخ بعد طحن أوراقها الجافة " وأما أخشابها تبنى بها أسقف المنازل ويصنع منها النوافذ والأبواب ،وأدوات ووسائل الحرث 0
وأما الزهور فهي مصدر رئيسي وهام لرعي النحل وقد اشتهرت دوعن بعسلها الذي مصدره رحيق زهور النبق أو العلب وقد لاحظت أن الباحث لم يلتفت لهذا على أهميته0
وتابع الكولونيل وصف منطقة أو قرية الحسي الشاهقة الارتفاع قال (تقع الحسى على ارتفاع 4500 قدم فوق سطح البحر, والليالي هنا باردة. وبينما نحن هناك فحصنا أكداس النباتات التي جمعناها من قبل وضغطناها. ولخيبة أملنا الكبرى وجدنا أغلبها قد تعفن بالفطريات000)
وفي كور سيبان المكان الذي يصفه الجغرافيون ومنهم الرحالة الجغرافي الألماني الدكتور. هـ . فون فيسمان0
ب أنه أعلى قمة جبلية مرتفعة في حضرموت وقد رغب الرحالة الألماني في تسلق القمة نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة وبالطبع كان فون فيسمان يريد تسلقه. ووضعنا الترتيب بحيث يتحرك في فجر اليوم التالي مصحوبا بجندي وبأحد البدو ليكون دليله, بينما أقوم أنا مع الجندي الآخر بالأشراف على استعدادات المعسكر للرحيل وحث القافلة على التقدم السريع, ثم نلتقي مرة أخرى عند توقفنا بعد الظهيرة.)
ونتيجة للارتفاع الشديد عن مستوى سطح البحر تجد أن درجات الحرارة تنخفض كثيراً في هذه المنطقة حتى أنه لأتزيد في أعلاها عن 20 درجة مئوية في شهر مايو الحار ،ويمكن استغلال واستثمار هذه المنطقة بشكل جيد والاستفادة من صخورها الجيرية والتي تعد خاماً لصناعات مختلفة منها الأسمنت 0
وتابع الكولونيل وصف طريقه بعد اسيقاضهم من النوم في اليوم التالي قال: (كان الليل في الحسى شديد البرودة, حتى غدا النوم في الفجر مستحيلاً, فليس من السهل الاستيقاظ مبكراً. سرنا في صباح هذا اليوم الثاني عشر من مايو من السادسة والنصف حتى الحادية عشرة، وأنساب طريقنا فوق الأرض العالية المستوية, ومما يثير الانتباه هضاب الصخور الجيرية المسطحة, التي يخترقها الوادي عموديا ومن ثم تبدأ الوديان الجانبية.)
لقد لاحظ الباحث الهولندي و الرحالة الجغرافي الألماني البيئة التضاريسية والمناخية للمنطقة ومظهر الشقوق العرضية والطولية التي يتميز بها الجزء الجنوبي الغربي من هضبة حضرموت الجنوبية وانحداراتها الشديدة الوعورة ووضع لذلك تفسيراً مقنعاً وفق نظريات المناخ وأقتنع بنظرية "كيتاني" (Caetani) في تفسير أسباب الجفاف ورأى أن السبب يعود إلى تعرض المنطقة لأمطار غزيرة في أزمنة متقدمة عرضت الهضبة الجنوبية الغربية لتأثير التعرية المائية الكبيرة المنسابة نحو البحر على نحو ما رآه من مظاهر تضاريسية وتركيبات صخرية جيرية قال نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة إن كثرة الأمطار في هذه الهضبة الجرداء, حيث تتسرب كل المياه في الحال, ربما سببت فيضانات عاتية اندفعت بقوة أولية خلال الوديان إلى البحر. بهذه الطريقة تكونت وديان شديدة الانحدار فوق الهضبة.)
وفي كل الأحوال فان كور سيبان أعلى جبل في حضرموت حيث يشاهد الإنسان منظرا بديعاً فوق "وادي حويرة" , الذي أحدث تجويفا عميقاً في الجانب البعيد من كور سيبان يقع حوالي 3000 قدم.
ينمو على إحدى القمم الشاهقة من كور سيبان نبات لعله شجر التين, وبه عناقيد كبيرة من زهور محمرة رأى ذلك الزائر والباحث الهولندي عام 1931م 0
وأستمر السير نحو الداخل مخترقاً الهضاب التي تنتشر في (الجول الجنوبي ) وبرودة الجو تزيد بعد أن غربت الشمس قال نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةوما إن غربت الشمس حتى بدأنا نرتجف في ملابسنا الخفيفة, فأسرعنا بارتداء ملابس دافئة قدر المستطاع. أما رفاقنا البدو فليس لهم أي ملابس دافئة ولا حتى بطانيات يتغطون بها أثناء نومهم. فكانوا يجلسون في الصقيع والأجزاء العليا من أجسامهم عارية, ويبدو أن ذلك لا يؤذيهم. على الرغم من أنهم يوقدون نارا يتحلقون حولها إلى وقت متأخر من الليل, يحكون أقاصيصهم أو ينشدون "دانا دانا" بتطريب. وكان وقع أصواتهم النكراء منفرا000 )
كان الليل بارداً في قرية "القمرة" التي باتوا بها تلك الليلة .
وفي الصباح واصلوا الرحلة فالطريق ينبسط في بيسر فوق الهضبة المنحدرة, وقد مروا بعد ساعات من سيرهم بقريتين بها عدد من الأهالي كانوا في انتظارهم يطلبون منهم شيئاً من الأدوية ويعتقدون أنها مع الأغراب القادمون من الخارج قال : (وقضينا فترة الراحة ما بعد الظهيرة في مربعة. توافد علينا هنا بعض سكان القرية يطلبون أدوية. فكنت أجثو عند صندوق الأدوية في الشمس المحرقة أحلول أن أعالج المرضى, فأقوم بتنظيف العيون المغطاة بأوساخ الالتهاب بالقطن والبوريك ثم بقطرات من الدواء, أما المصابون بالحمى فأعطيهم أسبرين مع كوب من الشاي الحار والليمون لعلاج الصداع والحمى. ونظفنا الجروح المتقيحة وربطناها بالضمادات. كما أعطينا بعضهم زيت الخروع والكينياء.)
ورغم اضطرارهم لتعرض الغرباء في الطريق لطلب معالجتهم من بعض الأمراض ،غير أن مظهرهم يوحي بصحتهم والعافية التي يتمتعون بها تلك الأيام قبل انتشار القات بينهم هذه الأيام قال نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة ويعطى السكان انطباعاً بالصحة والعافية, وعلى الرغم من أنهم لا يغسلون أجسامهم إلا نادراً, ويمسحونها بالسمن والنيلة, لكن المدهش أن الأمراض الجلدية قليلة بينهم. )
وأردف في وصف البدو في هذه القرية ألمسماه (الدهماء )التي تتكون من عشرين منزلاً صغيراً مبنيا من الحجارة وبها بعض من الزراعة التي تعتمد على مياه الأمطار نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة غالبية البدو صغار الأجسام وبنيتهم ضعيفة, لكن لهم قوة تحمل عظيمة ولا يعطونك الانطباع بأنهم يعانون نقصا في التغذية.)
غير أنهم يعانون من انتشار بعض الأمراض المنتشرة في القرية التي أدت إلى فقدان البصر كما لاحظ كثرة القبور الجديدة حول القرية قال (
كان عدد المصابين بالعمى وبأمراض العيون الأخرى مروعا. والمقبرة التي تقع خارج القرية كبيرة. صفوف من المقابر مغطاة بأكوام من الحجارة مما يعطى انطباعا بأنها حديثة. ويبدو أن "الدهما" ابتليت بوباء.)
وبعدما اجتازوا قرية "دهما" شاهدوا (الكريف ) الذي أطلق عليه المستشرق ببحيرة صناعية تم حفرها بجهد كبير لتحفظ ماء المطر, مخصصة لشرب الإنسان والدواب كانت جافة في ذلك الوقت 0
وإلى لقاء آخر بأذن الله تعالى لكم تحيات كاتب هذه الوقفات أبو صلاح حفظه الله0
  رد مع اقتباس