عرض مشاركة واحدة
قديم 09-18-2010, 08:01 PM   #1
أبوعوض الشبامي
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية أبوعوض الشبامي

افتراضي الحضـارمة والمعـارف الملاحية البحرية ...!!

.

عرف الحضارمة ركوب البحار منذ وقت مبكر من تاريخهم ، وتواصلت صواري سفنهم الماخرة عباب البحار القريبة والبعيدة مع شعوب وامم كثيرة متعددة الأعراق والاجناس ، ومن خلال رحلات تواصلهم للتجارة والهجرة ، تراكمت لديهم كما هائلا من معارف ملاحية مهمة ، كما استفادوا من خبرات تلك الأمم والشعوب ، وأفادوا ونقلوا ايضا معارفهم الملاحية لشعوب وامم تواصلوا معها منذ أزمنة بعيدة وموغلة في القدم .

اشتهر الملاحون الحضارم بالاقدام والجسارة الى جانب خبرتهم بالنجوم وفنون الملاحة فقد تركوا من بعدهم تراثا كبيرا ومهما ، دلّت عليه تلك المصنفات الهامة نثرا منها أو نظما، وفي هذه الدراسة المتواضعة التي خصيت بها سقيفة الشبامي ، ومنتدى الحامي بناءا على رغبة من صديق و(( استاذ )) من أهل الحامي يقيم في عدن حين لمست منه أن منتدى أهالي الحامي يهتم بهذا الجانب من العلوم الملاحية البحرية عند عرب حضرموت . وخصص منتدى سمي ب (( الساعية )) يعنى بهذه الجوانب الملاحية .

وحين الكتابة عن رواد الملاحة البحرية ورموزها في حضرموت ، لا بد من الاشارة الى ابرز الملاحين الحضارمة الذين أضافوا الى مكتبة العلوم البحرية العربية رصيدا هائلا من العلوم البحرية ، والمعارف الملاحية .

إنه الربان الماهر الشيخ سليمان بن أحمد ( باعوين ) المهري ، والذي كان معاصرا للملاح العماني المشهور ابن ماجد النجدي (825-906 هـ ).

وكان كلا الشيخين الحضرمي سليمان المهري ، والعماني ابن ماجد النجدي ، قد خاضا تجربتهما الملاحية على سطح المحيط الهندي وبحر العرب ، وقد أثرت تلك التجربة الملاحية علوم المعارف الملاحية الفلكية العربية ، وبالرغم أنه لم تكن هناك بين الشيخين ( سليمان المهري – وابن ماجد ) أي اتصال كما يدعي بعض الباحثين الخليجيين أن المهري الحضرمي كان تلميذا لإبن ماجد العماني ، وفي هذا الصدد يرد الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف في كتابه في سبيل الحكم على من زعم بذلك ويقول:

(( الشيخان المهري وابن ماجد ، خاضا التجربة وعراكها على سطح المحيط الهندي ، ولكنهما عاشا في موقعين مختلفين ، فالمهري من قاطني ميناء الشحر الواقع على الشاطئ الجنوبي لجزيرة العرب ، وعلى مدخل خليج عدن وعلى خط طول 49 درجة 34 ق وعرض 14 درجة 44 ق . وابن ماجد من قاطني ميناء جلفار ( رأس الخيمة الآن ) الواقعة على خليج عمان بخط طول 56 درجة 4 ق وعرض 25 درجة 38 ق وليس بينهما فاصل زمني كبير يمكن الخلف من الابداع وتفنيذ آراء معاصره ، مع صعوبة التواصل بينهما وان تم هذا التواصل فلم يكن عميقا ومؤثرا على ما يبدو . فلم يشر كل من الشيخين للآخر في كتبه سواء على سبيل الذكر أو النقل او التفنيذ ، ففي الفترة التي يجرب ويختبر الاول البحر ويختزن حصيلته العلمية ويدون ملاحظاته ومعلوماته المستجده في سبيل ارشاداته كان الثاني يقوم بنفس التجربة وتتم معه نفس عملية تخزين الحصيلة العلمية، ولذلك عندما يقال ان المهري يشرح مايورد معاصره ابن ماجد من معلومات فانه انما يعمق ويضيف ايضا وفق تجربته هو واستنتاجاته في موقعه . فليس في هذا تقليد بل تأكيد لتجربة أبن ماجد واغناء لها فالاثنان كما قلنا خاضا التجربة على معترك واحد والاحرى القول ان مؤلفات المهري تأكيد لمعارف ابن ماجد وليس شرحاً لها ، وان منهجه في البحث هو اسلوب مفكري عصره عامة .

وقد ترعرع المهري وعاش على شاطئ المحيط الهندي يراقب هيجانه وهدوءه ويلاحظ تغيرات الانواء فيه وهبوب الرياح عليه .. ولذلك جاءت معارفه مستنبطه من التجربة الحقه فانه في مواقع كثيرة من كتابه (( العمدة المهرية في العلوم البحرية )) يؤكد على المعارف التجريبية فعنده ان التجربة أثبت وأوفى من النظرية والتي يكنيها بالمعارف العقلية ولكنه مع ذلك لايستهين بها . ولا يتم كمال المعرفة الا بتوافرهما معا وفي ذلك يقول ( فأن قيل أصح العقلي أم التجريبي أقول أي فأن قال قايل أي العلمين أصح العقلي ام التجريبي . قلت وفي بعض التجريب . وفي بعض العقل . أقول أي بعض العقليات أصح من بعض التجريبيات وبعض التجريبيات أصح من بعض العقليات وهذا البحث أعلى المراتب لانه يحتاج الى تمييز العقليات من التجريبيات وترجيح بعضهما على بعض وكذلك لمحققي الفن . قلت أما الدير والمواسم تجريب محض وتصوير الكواكب في الافلاك وقواعد الحساب في الاعداد و الارقاق وما تولد منهما عقل محض والقياسات والمسافات تجريب وعقل )).

وفي مقام آخر من نفس كتابه يقول :

(( أقول أي أصل علم البحر أنما هو مستخرج من نظر العقل مع استكمال التجربة وهما أصلان له )).

ومن خلال ايمانه بثبوت التجربة كأصل من اصول علم البحار وفن الملاحة فأنه لايقتنع بما اورده السلف ووضعه من نظريات . بل كان يطابق النظرية بتجربته فأن توافقت والا فأنه يعارضها .. ويعتمد ماجربه وفي ذلك يقول :

(( وأما وضعي من الاوزام في الترفات وما بين الاخنان التي وضعتها في كتابي المسمى بالمنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر فهو اقرب للصحة من صنعهم المتقدم ..)).
فالتجربة اساسية لاستكمال بلوغ اعلى المراتب في علم البحار . ومادام اساس علم الملاح المهري مصدره التجربة بتوافقها مع النظرية ، فان ماكتبه سلفه من الربابنة وعلماء الفلك . وهم الذين خاضوا التجربة في مواقع تختلف عن موقع تجربته واقاموا عليها نظرياتهم وعلمهم ان ما كتبه هؤلاء لا يتفق في بعضه مع ما توصل اليه من نتائج ووضعه من نظريات ، ولذا نشأ خلاف بيّن في المعارف ، ولم يناقشها احد من الباحثين ، فلقد كانت مصنفات ابن ماجد ومن سبقه من الرحالة والملاحين العرب اكثر شهرة وانتشاراً من مصنفات المهري التي اكتشفت ملحقة في مجلد واحد برسائل ابن ماجد )).

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ويعود نسب سليمان بن احمد بن سليمان الى قبيلة آل باعوين المهرية ، والتي ينتمي لها الولي الصالح أحمد بن صالح باعوين المهري المدفون بالشحر، وإليه ينسب حي (( عقل باعوين )) بمدينة الشحر ، وقد أتخذت عائلات من قبيلة آل باعوين المهرية مدينة الشحر موطنا لها وأبلت هذه القبيلة بلاءا حسنا في الدفاع عن مدينة الشحر حين تعرضت لغزوات القراصنة البرتغاليون في القرن العاشرالهجري وقدمت من ابناءها الشهداء منهم الشهيد سالم بن صالح باعوين المهري الذي خصه بالذكر الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف في كتابه الشهداء السبعة نقلاً عن الملاح باسباع وهو من رجال القرن العاشر الهجري إي معاصر للشيخ وذكره بأنه مهري .

كان ظهور الشيخ سليمان المهري والشيخ سالم بن صالح باعوين في الشحر في النصف الأول من القرن العاشر الهجري وفي هذه الفترة كانت السلطنة الكثيرية في أوج قوتها تحت حكم السلطان بدر بن عبدالله الكثيري الملقب بأبي طويرق . والذي أنشأ أول اسطول بحري عسكري وتجاري في حضرموت .
وكانت الشحر من المراكز التعليمية في الهامة في جنوب الجزيرة العربية ، في الشحر تلقى الشيخ سليمان بن أحمد المهري علومه على يد كبار المشائخ وأظهر تفوقا في تحصيلها والإلمام بها خاصة علوم الفلك وشؤون الملاحة ، وهذا التفوق العلمي انعكس على مصنفاته القيمة عن الملاحة والعلوم الفلكية والبحرية ومن اهم مصنفات الشيخ سليمان المهري كتابه (( العمدة المهرية في ضبط العلوم البحرية )) ويرجع تاريخ تأليفها الى عام 917هـ . وينقسم كتاب العدة المهرية الى سبعة ابواب الاول منها يبحث في اصول الملاحة الفلكية والثاني عن النجوم والثالث عن الطرق البحرية والرابع عن الطريق الموصلة للجزر الكبرى ويبحث الخامس في قياس الجاه والفرقدين والنعش اما الباب السادس فيتناول الرياح الموسمية وقد خصص المؤلف الباب السابع والأخير للبحر الأحمر.

قال الشيخ سليمان المهري عن عمدته التي نسبها لنفسه (( العمدة المهرية لا لمجرد السجع ، بل لإبراز قيمة كتاب ، وضعه معلم شهير ، مجرب ، محقق ، مطلع على آراء أقرانه ، من الشرق والإفرنج ... )).

لقد ظل كتاب العمدة المهرية في ضبط العلوم البحرية مغمورًا في المكتبة الأهلية بباريس إلى عام 1912م، حيث اكتشفت مخطوطتان، الأولى كانت موجودة بالمكتبة الأهلية منذ القرن الثامن عشر، والثانية كانت قد اشترتها المكتبة من أستاذ عربي كان يقيم بفرنسا، هو سليمان الجزائري عام 1860م، وقد اهتم بهاتين المخطوطتين جبرائيل فران G.ferrand وهو من كبار المتخصصين في تاريخ الملاحة في المحيط الهندي والشرق الأقصى.

وقد اهتم بهما الباحث الفرنسي «فران» ووضع مشروعًا متكاملًا لدراسة تلك المخطوطتين بعناية وصبر حتى أنجزه عام 1925م في عدة مجلدات. وقد نشر النصوص العربية بطريق التصوير أي دون تحقيق مباشر للنص, وقد القت تلك المخطوطة من كتاب العمدة المهرية الضوء على آفاق الملاحة العربية ووضع قواعد العلوم البحرية.

توفى الشيخ الربان سليمان بن احمد المهري في عام 950هـ 1553م ولم تلق مؤلفاته واجتهاداته وآرائه من الذيوع والاهتمام ، ويقول الاستاذ محمد عبدالقادر بامطرف :

(( فذلك يعود الى اسلوبه في التعبير وكثرة المفردات العامية بلغة اهالي الشحر ، المستعملة في الشرح والتذليل فيصعب على الباحثين العرب من غير الجنوبيين ادراك معانيها ومدلولها فقد استشهد الدكتور انور عبد العليم بقول الربان سليمان المهري عند الحديث عن هبوب رياح الكوس على ظفار بجملته (( لان ظفار معدن الكوس من الستين في النيروز )) ففهم منها ان الكوس يبدأمن يوم ستين من النيروز السنة البحرية والجملة كما جاءت في الكتاب العمدة - للربان المهري نفسه ( لان ظفار معدن الكوس من ستين في النيروز وقده موجود ) . فلم يفهم الدكتور انور عبد العليم معنى ( وقده ) فابتسر الجملة وافقد المقصود من قول المهري .. فأن لفظ قده في اللهجة العامية تعني الذي سبق كما مضى .. لازال مستمراً .. وبذلك فالمهري يريد القول ان الكوس تهب على ميناء ظفار قبل يوم ستين من النيروز ، فما ان يحين يوم ستين الا والرياح موجودة ومستمره .. كأن تكون بدايتها يوم اربعين او اقل.

لئن كان الجنوبيين ذو ريادة وخبرة بالمحيط الهندي منذ الحضارات الجنوبية القديمة فأن عصرهم الذهبي كان على عهد شيخهم المهري في القرن السادس عشر الميلادي . وجاء الخلف من بعده ليعمق التجربة ويستزيدها . فلم تتقوقع معارفهم ويقف من حيث ابدع شيخهم ورائدهم . بل تطورت بتطور وسائل الملاحة والمعرفة ، وبرز منهم ملاحون موهوبون عرفنا منهم الربان سعيد سالم باطايع ) المولود بميناء الحامي عام 1180هـ - 1766م ) الذي ترك لنا مرشداته البحرية القيمة ))..!!


في عام 1970م صدرت ضمن مطبوعات مجمع اللغة العربية في دمشق سلسلة (( العلوم البحرية عند العرب )) الجزء الأول (( كتاب العمدة المهرية في ضبط العلوم البحرية )) لسليمان بن أحمد بن سليمان المهري قام بتحقيق المخطوطة إبراهيم الخوري.

وصدر ايضا الجزء الثاني ضمن نفس السلسلة كتاب (( المنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر )) . ثم صدر الجزء الثالث من سلسلة العلوم البحرية عند العرب ضم ثلاثة كتب مهمة ومفيدة وتأتي تكملة لكتاب (( العمدة المهرية )). وهي :

1 - رسالة قلادة الشموس واستخراج قواعد الأسوس
2- تحفة الفحول في تمهيد الأصول في أصول البحر
3- كتاب شرح تحفة الفحول في تمهيد الأصول في علم البحر

وتلك الكتب التي ألفها الشيخ سليمان المهري جاءت متممة لكتابه (( العمدة المهرية )) جاء في تمهيد محقق المخطوطات ( ابراهيم الخوري ) هذه النبذة التعريفية :

(( وسليمان المهري معلم ماهر يفوق ابن ماجد علما ، ولايقل عنه تجربة ، فاسلوبه بخلاف أسلوب إبن ماجد ، موضوعي بحت ، خال من الحشر والاستطراد ، والتبجح وإدعاء المعرفة ، ونزعته علمية تجريبية ونظرية بآن واحد ، يلمها القارئ في جميع كتبه بلا استثناء )) وقال : (( ولايحتاج المرء الى عناء كبير لكشف مصادر المهري ، فهو نفسه يعلن عنها ، ولاشك أنه عرف جيدا الرهمانجات والاراجيز البحرية العربية ، كما جاء صراحة في مقدمة عمدته (( فإني لما رأيت علم البحر قليل تأليف كتبه المحققة ، بل في روايات ملفقة وأراجيز مفرقة ..))

ويقول ايضا في شرح التحفة أنه رجع الى علوم شتى ، عند كتابته فيقول : (( بل استخرجته من علوم شتى وجمعته لنفسي ولسائر الأخوان .. ولم يكتف المهري بالمصادر العربية بل عاد ايضا إلى مراجع أجنبية هندية وافريقية ( القمر ) وحتى برتغالية ، ويبدو أنه كان ملما ببعض اللغات فهو يذكر احيانا مذاهب الجوشك ، والكتكيين ، والجوزراتيين ، والشوليان ، ويتبنى أحيانا رأي معالمة القمر ويشير إلى أقوال الإفرنج ( البرتغاليين ) في بعض المواضيع ، واكتسب المهري شهرة واسعة في المحيط الهندي ، فنقلت مؤلفاته الى اللغة التركية ، وإلى بعض اللغات الهندية ، وكان الهنود يحتجون به ، ويروون جمله حرفيا مسندة إليه فيكون هذا المعلم قد أخذ من العلوم البحرية الأجنبية واعطاها ...))
.


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة


نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة




لنا تواصل مع الموضوع.
.
التوقيع :

التعديل الأخير تم بواسطة أبوعوض الشبامي ; 09-22-2010 الساعة 12:57 PM
  رد مع اقتباس