.
لم تقتصر علوم الملاحة البحرية على معالمة القرن العاشر الهجري ، والذين يعد قرنهم من قرون الإزدهار في تاريخ حضرموت ، فقد تركت تلك الكوكبة من علماء القرن العاشر عصارة معارفهم وابداعهم وعلومهم في شتى المجالات ، ومنها العلوم التجريبية في الملاحة البحرية وتركوا مصنفات منها بقية باقية الى اليوم ، وتواصلت تلك العلوم والمعارف بين ربابنة البحر في مدن حضرموت الساحلية كالشحر والحامي وقصيعر ، وبرزت مدينة الحامي بدور كبير في الريادة و الملاحة.
وقد ذكر الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف دور أهل الحامي الرائد في الملاحة البحرية بين الملاحين الحضارم , وتناول بالتفصيل نشاط وتراث أبرز الملاحين منهم , الملاح عوض أحمد بن عروه , والملاح عمر عبيد باصالح والملاح محمد عوض عيديد ، و أشار الى ماتعرض له الملاحون من أهل الحامي كغيرهم من الملاحين الحضارم واليمنيين والعمانين للخطف والقتل على أيدي القراصنة البرتغاليين ، وكيف كان صودهم في مواجهة كافة أشكال القرصنه البحرية البرتغالية .
ومن أشهر الملاحين الذين أسهموا في وضع المرشدات البحرية وتطوير المعرفة البحرية المتعلقة بوصف مجاري الملاحة البحرية هو الشيخ سعيد بن سالم باطايع ( مولده بالحامي سنة 1180هـ ) ، والذي نظم مرشدتين بحريتين ، كانت الأولى في وصف الطريق الملاحي من ميناء سيحوت إلى جزيرة زنجبار بشرق أفريقيا. أما المنظومة الملاحية الثانية فقد كانت وصفا ملاحيا لمجاري الملاحة من ميناء مسقط العماني إلى ميناء المخا اليمني .
وحوت المنظومتين على إشارات للمجاري البحرية في تلك البحار والممرات المائية ، وعلى الشواطئ الممتدة من عمان إلى اليمن وشرق أفريقيا، كما اشارت إلى الجبال والرؤوس البحرية والخلجان والشعاب الخطرة المغمورة بالماء والضحلة في الأماكن البحرية الساحلية، ومناطق التيارات البحرية والرياح.
حظي الشيخ الملاح سعيد بن سالم باطايع على شهرة وصيت كبيرين ، ذلك من خلال منظومتيه ( رباعياته ) التي حوت على ملخص موجز وبسيط للإرشادات ملاحيه جاءت بلغته مفهومة وسلسة ومقبولة عند الملاحين الحضارمة وغير الحضارمة ، فالمنظومة الأولى وضعها سنة 1802م وكانت وصفا للملاحة من سيحوت الى جزيرة زنجبار في شرق افريقيا ، حوت على تسع وعشرين رباعية قال فيها :
يارب سالك تسهل ما عســر =على عبيدك وسط بحراً وبـــر
بجاه طه الـــنبي خير البـشــــر = رحيم قدوس سالك ياســلام
وبعد ياصاح اسمع مانـقـــول = لاغابت الشمس صلوا عالرســول
نقـــول يالله بتوبــه والقــــبول =أغفر وسامح وسهل في الكـلام
سيحوت منها شمرنا بالعشـــي =من بعد ماقد قضيـــــنا كل شــي
والقبض في مطلع العقـرب وفي =من بعد ليــــــله نـوفي كــل زام
نجم الحمارين هب الغيث يوم =شف ليلتك باتبين لك رســــــوم
اوضاح بعده ثلاثه في النجوم =وعبد الكوري تظهــــــر لك تمام
جاك حافون يأتيك عالي مرتفع =من بعد ماقد تأخر لك دفــــــع
سهيل الأخضر قبضه واستمع =مولى الدرك يحتكمله لاينــــام
وفي عام 1805م وضع منظومته الثانية التي يصف فيها السفر من ميناء مسقط العماني الى ميناء المخا اليمني , وقد بدأ منظومته بقوله:
ياالله يـــــارب =أدعوك ياخير مطلب
تعطي وتوهب =ســــــالك بخير البريه
رحيم قدوس =اكشف لنا الهم والبؤس
في هذه الروس =نعبر باخلاص نيه
ويستمر الملاح باطايع في وصفه للمجاري من مسقط إلى المخا فيقول:
من تحت صـــيره =الفلك قد جد سيره
ربــه خبــــــيـــره =ينظر بعين العنــيـة
والقبض في التير=-ساعه وهاك التفاسير
لا تسمع الغيــــر = ياصاح خذها وصيه
والعقــرب الآن = مجراك منها لسيلان
تشوف شمسان =بندر عدن سلطنيه
باب اليمن جاك =ميون ترجع بيسراك
والله يرعــــــاك = والقبض نجم الثرية
اشار لنا الملاح باطايع في منظومته انه حال دخول ربابنة السفن باب المندب عليهم ان يجعلواجزيرة ميون على يسارهم ، ثم التحول من المجرى السابق إلى مجرى نجم الثريا للمرور على بندر الشيخ سعيد، القفز على أربعة نجوم هي السماك ، والعيوق ، والناقة ، مغيب ثم قبض نجم النعش حتى مشاهدة النخيل والبر اليمني على يمينهم .
تعد منظومتي الشيخ سعيد باطايع من التراث الملاحي والبحري وقد اهتم بها الاستاذ محمد عبدالقادر بامطرف وقدمها للقارئ بعد دراستها في كتابه الموسوم ب (( الرفيق النافع في منظومتي الملاح باطايع )).
تسجيل لمنظومة الملاح باطايع من سيحوت الى زنجبار بصوت مواطن من الحامي