عرض مشاركة واحدة
قديم 03-23-2012, 11:23 PM   #15
أبو صلاح
مشرف قسم تاريخ وتراث
 
الصورة الرمزية أبو صلاح

افتراضي


والبدو ديمقراطيون إلى حد بعيد !!

وصباح اليوم التالي من الرحلة بعد توقف في قرية "زيمان الصغرى ) استأنفت المجموعة رحلتها بين الهضاب والوديان عبر الطريق الغربية
عبر " جول مسحة " -حاليا – بعد المرتفعات الهضبية فوق منطقة الحرشيات من الجهة الغربية مروراَ بمنطقة الرقق ثم ثلة باعمر العلياء ثم بعض القرى كاللصب" و" اللبيب ، وقبيل المغادرة وبناء على طلب المضيفين الذين وقفوا جميعاً في وداعهم قال الكولونيل دانيال :(000 وأخذنا لهم صورا فوتوغرافية بناء على طلبهم.) ثم أخذ يصف الطريق بعد تحركهم من تلك القرية السالفة الذكر قال :( تابعنا مجرى السيل العريض ثم عبرنا الهضبة التي تحيطها مصاطب ارتفاعها 300 قدما تقريبا. وعند نهاية الهضبة تقع قرية "حمم" على ارتفاع 50 قدما فوق تل في حافة الوادي الذي اتخذ اسمه منها. )
فقرية "حمم "هي القرية المشهورة في حضرموت
التي أتخذ التمباك (ألحمي ) شهرته منها وهي تبعد عن مدينة المكلا حوالي 50 كيلو متر تقريباً ،وهي موطن قبيلة" آل باهبري " السيبانية وأستوطنها اليوم آخرون ، وتزرع بها كثيراً من أشجار جوز الهند على مياه الينابيع الصغيرة, التي تسقى مزارع الذرة والتمباك الذي يزرع بعناية وخبرة فائقةعند سكان المنطقة ؛ وقد اشتهر بمذاقه المميز لمدخنين المداعة "الرشبة "0
كان الزائران الأجنبيان ( الكولونيل" دانيال فان در ميولين والرحالة الجغرافي"لدكتور. هـ . فون فيسمان) ضمن أهدافهما للرحلة إلى حضرموت يجمعان بعضاً من أوراق الأشجار والحشرات اضافة إلى المعلومات الأخرى عن مجتمع حضرموت قال :( 000حصلنا في معسكرنا [ يقصد المخيم المنتقل ] في حمم على كميات وافرة من الحشرات والنباتات. عثرنا على الفراش المسمى مبتلع الذنب (Swallow -Tail).)
ولم يفت عمدة حمم واظنه أحد شيوخ قبيلة باهبري السيبانية أن يزورهم ويحدثهم عن قرية ( حمم ) البالغ سكانها بين 200 و300 نسمة والتي تتخصص في زراعة التمباك, وهو المصدر الأساسي لمعيشتهم. ولذلك لم يهاجر إلى جاوا من رجاله سوى ثلاثة, لكنه سمع كل خير عن أرض جاوا وماتدر به من العسل واللبن على الحضارم ونساءها ذوات الأنوف القصيرة والعيون الصغيرة وكم يتمنى أن يذهب إلى هناك .
والبدو كعادتهم دائماً قلما يصدقون مع غيرهم ويجسدون دوماً مبدأ الميكيافلية (الغاية تبرر والوسيلة ) لهذا قال :(وعندما تقدما قليلا مررنا بمكان يسمى "كبر", زعم البدو أنه آخر مكان يمكن أن نجد فيه الماء لساعات, وألحوا علينا بشدة أن نرتاح هنا لفترة ما بعد الظهيرة. ومباشرة بعد موافقتي, اتضح لي أن القصة عن الماء اخترعت من أجل أن نتوقف.) كان المكان غير ملائم للتوقف والراحة من متاعب السفر لكنها كانت رغبة البدو المرافقين لهم , والماء يجلب من بئر في بطن الوادي من عمق عشرين قدما. قال (000ووجدنا أنفسنا مرغمين للبحث عن ظل يقينا من الشمس بين فجوة من الصخور ليس فيها مساحة كافية.) اغتنم فون فيسمان الرحالة والجغرافي الألماني زميل دانيال في الرحلة الفرصة وتسلق الجرف الشديد الانحدار الذي يصعد إلى الهضبة, يصاحبه أحد الجنود العبيد لكن البدو أخذتهم الدهشة والاستغراب من فعله وكأنهم يعتقدون أن لا أحداً يفوقهم في تسلق الجبال لهذا لم يصدق البدو أن "الإفرنجي" سوف يتمكن من الصعود بحذائه وسرواله أو بنطاله يتسلق جرفاً من الصخور الجيرية تصل إلى ارتفاع أكثر من ستون قدماً وأثناء ذلك قال الكولنيل دانيال :(000 وكانوا يتابعون محاولاته باهتمام من معسكرنا. لقد ولد فون فيسمان وتربى في الجبال الصخرية في "ستيريا", لذلك عندما تمكن من أن يقهر جزاء من الجدار محفوفا بالمخاطر بينما لم يتمكن الجندي إلا من متابعته بمشقة, فإن شعبيته ترسخت نهائيا بين أهل سيبان.)
فإظهار التميز وخرق العادة والرجولة والشجاعة حتى ولو في الباطل عادة مدعاة لكسب الشهرة أو الشعبية بين كثير من الأعراب وتأكيداً على ذلك قال:(000 وأصبحوا يلقبونه منذ ذلك الوقت "حرمل", وهو يعني الرفقة الحسنة, ولازمه الاسم طوال إقامته في حضرموت. و"حرمل" تحريف لكلمة "هيرمان" وهو نبات شهير في حضرموت لا تأكله الأبقار, فهو لذلك عديم الفائدة.)
وهذا مايظنه الكولنيل القنصل الهولندي غير أن الصحيح أن" الحرمل"هذا النبات العشبي الذي لا تأكله الأغنام أو الأبقاروينمو بريا في معظم بلدان الوطن العربي، خاصة في المناطق الصخرية في البيئات ذوات المطر الوفير نسبيًا كبلدان البحر الأبيض المتوسط ، فإن له فوائد طبية منها في الطب الشعبي الذي يتداوى به كثير من الناس اليوم ، كما تستعمل بذوره أيضا في أغراض أخرى كما يذكر بعض المختصين في إدرار اللبن عند النساء، وتقوية الناحية الجنسية عند الرجال. وقد أثبتت الدراسات أن القلوانيات التي تحويها بذور هذا النبات قاتلة للكائنات الحية الدقيقة، وأنها تؤثر في الديدان الشريطية0
وفي كل الأحوال فإن الرحلة والتعامل مع البدو مباشرة أكسبتهما شهرة كبيرة ولهذا قال عنهم "والبدو ديمقراطيون إلى حد بعيد,"لكن من أين له أن يستنتج ذلك ويتخذه حكماً قال :( لم يتمكنوا من حفظ اسمي, فأخذوا ينادونني منذ ذلك الوقت "قنصل". فإذا أرادوا أن يستفسروا عن شيء لا ينتظروا اللحظة المناسبة وإنما يصيحون من مؤخرة القافلة "يا حرمل" أو "يا قنصل". فأرد عليهم في الحال بنفس الصوت العالي "يا حاج" أو "يا سيباني". ثم يأتي بعد ذلك السؤال الذي أحاول أن أرد عليه مازحا. ) فالمجتمع البدوي تتمثل فيه الحرية الشخصية مع شظف العيش وقساوة الطبيعة حيث تكسبهم الصلابة و الصبر وقوة التحمل ،وتسقط كثيراُ من التكاليف المعهودة في مجتمع الحضر فهم يستمتعون بالضحك مع هولاء الأجانب من دون تكلف , قال : ( وإذا استطاع الإنسان أن يمتلك زمامهم بالحفاظ على روح المرح عندهم, فإنه يستطيع قهر ما هو عصي لديهم. واتضح لي ضرورة خلق صداقات مع البدو, على أن نحافظ في نفس الوقت على مسافة في علاقتنا حتى يشعروا بنفوذنا.)
ومما تجدر الإشارة أليه أن فون فيسمان استطاع أن يرى من فوق حافة الهضبة المرتفعة على البعد منظرا بديعا. في الجنوب الشحر والبحر, وفي الشمال أعلى جبل في حضرموت هو كور سيبان, والكتلة الضخمة للصخور الجيرية العتيقة. وفي الشرق والغرب السهل اللامتناهي 0
ثم أصبح من الضروري التحرك نحو دوعن بوادي حضرموت في صباح اليوم التالي حين بدأت الشمس ترتفع من اعلى الكتلة الصخرية التي كانوا قد باتوا تحتها قال :(000 وارتفعت الحرارة إلى 33 درجة, أرغمنا على الرحيل, بالرغم من أن البدو لم يكونوا ميالين لذلك. فكان إيقاظهم مشقة)
سنكمل الرحلة معهم إن شاء الله تعالى لكم تحياتي

التعديل الأخير تم بواسطة أبو صلاح ; 03-24-2012 الساعة 07:42 AM
  رد مع اقتباس