عرض مشاركة واحدة
قديم 01-29-2010, 01:22 AM   #29
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي


كتاب أضاف رصيدا غنيا من البيانات والمعلومات عن حضرموت :

الخميس , 28 يناير 2010 م

ملاحظات وتعليق السلطان غالب بن عوض القعيطي على كتاب " حضرموت الغربية بحث ميداني اثنوغرافي " تأليف الباحث الروسي ميخائيل رودينوف

ترجمها عن الانجليزية : محمد سالم قطن

استند هذا الموضوع المنشور عن أطروحة الدكتوراه للمؤلف ميخائيل رودينوف ، على ثماني سنوات من البحث الميداني وتجميع المواد الاثنوغرافية ، اضطلع بها المؤلف يساعده فريق من الباحثين خلال الفترة من عام 1983 م وحتى عام 1991م .
ومثل هذا العمل ، لايمكن وصفه إلا باعتباره إضافة تستحق الترحيب ، خاصة وإنها تلامس مجالاً يعاني من نقص وندرة في الأدبيات المتوفرة عنه في كل اللغات. ويستحق المؤلف كل التقدير لقيامه بحفظ وصيانة سجل بيانات اثنوغرافية – كانت في طريقها للإهمال والنسيان في مجتمع متواضع له أولوياته الخاصة. ومثل هذا الإرث الطيب في أسلوب التعامل مع الموضوعات المتعلقة بحضرموت ، بدأت ريادته منذ أعمال " فان دين بيرج" التي نشرت عام 1886م، مرورا بالتقرير الشامل الذي أعدته " دورين انجرا مز" عام 1937م ، وأضاف إليه البريق " البروفيسور ر.ب. سيرجنت" عبر إسهاماته المتنوعة. ولنا أن نشير إلى أن التوجه الأول نحو هذا الاتجاه بدأه الباحث الوطني صلاح البكري .

وهذا الكتاب ، إضافة إلى كونه رصيدا جديدا يضاف إلى رصيد غني من المعلومات والبيانات عن حضرموت ، يحتوي أيضاً على شيء ما يعود بنا لنتذكر ماسطره " ديكسون " في كتابه الموسوم " عرب الصحراء " المنشور عام 1949م. على الرغم من أن المؤلف هنا قد قدم كتابه وفقا والنمط الوقور لأكاديمي روسي ؛ حيث كتب يقول :ــ ( لقد تعامل فريقنا البحثي مع مجتمع تقليدي خضع لعملية جراحية راديكالية ضمن تجربة اشتراكية) .

في وصفه للمنطقة أتبع المؤلف ما اقترحه العالم الأرمني " يوري مكروتوميان" من قبل. اذ قسّم الثقافة الاثنية إلى أربعة أقسام تغطي أساسا مجالات :ــ المهن التقليدية، بنية الحياة وأشكال المعيشة، أنماط سلوك وعادات الجماعات، وأخيراً المبادئ الإيديولوجية للأفراد. وكل هذه الأقسام الأربعة وفقا للعالمين " اروتونوف" و" مكروتوميان" لها درجاتها الخاصة من الاثنية . وتنقسم إلى " تقنيات مادية" و " خبرات اجتماعية" .

وكم أوضح المؤلف " روديونوف" بأنه طالما أنه كان يوجد ضمن فريقه البحثي باحثون يقدم كل منهم دراساته التفصيليه في ميدانه ، الأمر الذي أتاح له شخصياً الاهتمام بتقديم رؤية واسعة وشاملة لموضوع البحث ككل، دون الحاجة إلى التركيز على التفاصيل. وهذا بالتأكيد يفسر المجال الواسع الذي طرقه مؤلف الكتاب والطموح الذي حققه. وتنوع وتعداد المواد المطروحة على الرغم من تفاوت اهتمامه من مادة عن أخرى و احتفاظه باختياراته الخاصة. وقد أشار هو نفسه عن موضوع البحث هذا واصفا إياه بأنه " معاصرة اثنوغرافية". فهو يقول ــ " الشروع باتجاه الماضي يفقده دقته، لكنه بالمقابل يصبح أكثر تلوناً وأغزر تعبيرا"

ونراه ينتقل في الفصل الثاني من كتابه إلى ما أسماه ( الثقافة ماضياً).

هناك في الكتاب ستة عشر فصلا من هذه الفصول موزعه ضمن ثلاثة أبواب. مع وفرة في العناوين والعناوين الفرعية ، كل منها ينتهي بخلاصة، تليها خلاصات عامة. كما توجد قرابة ثلاثة ملاحق ومسرد للكلمات عربي انجليزي الخ وكذلك مسرد مفصل للكتب والمراجع وفهارس وعدد من الرسوم التوضيحية ولكن لا توجد خريطة لحضرموت تعطي للكتاب كينونته في القائمة. على الرغم من وجود رسومات صغيرة لوديان حضرموت وعمد والكسر ودوعن مع وادي العين. كما يضاف إلى رصيد المؤلف اعتذاره بشجاعه عن أي أخطاء ملحوظة في المادة العلمية وفي الكلمات العربية وترجماتها، وكلها متوقعه أن تحصل في كتاب هذه طبيعة موضوعه وهذا مجاله.

وفي هذا الجانب نشير الى إغفال من جانب المؤلف لوضع جدول ترجمة يوضح فيه النهج الذي أتبعه. كذلك هناك مثير صغير يمكن أن يسبب إثارة للقراء المطلعين على اللغة العربية يتمثل في استخدام المؤلف لمرات عدة، اداة التعريف الانجليزية the إضافة الى مكافئها العربي معا ، مثال من صفحة 66 ( the al – Quite sultanate ) التي تعني القعيطي. وكذلك الخطأ في تفسيره لمعنى الاسم الآخر لحضرموت الموجود في القرآن الكريم كاسم لسورة كاملة من سوره هي سورة الاحقاف . فالاحقاف فسرها المسلمون وغير المسلمين بمعنى أرض الرمال المذراة أو الكثبان المعوجة وليس كما يقول هو أنها الأرض المتشققة. وكذلك يخطئ في تفسيره لأوج ذروة عصر البطولات في الدراسات الحضرمية .

ولتوضيح قوة الكلمة المطبوعة ــ بالصحيح أو بالخطأ ــ يسقط المؤلف " روديونوف" في ذات الفخ مثله مثل غيره من الانثربولوجيين المستشرقين ومن غير العرب قبله وذلك عندما أورد كلاماً لم يدعيه حتى " انجرا مز" نفسه :ـ ( وبعد أن قام الممثل السياسي البريطاني في الثلاثينات بتوقيع اتفاقيات الصلح والسلام مع المئات من رؤساء القبائل ) . وحقيقة الأمر أن " انجرامز" لم يقم بالتوقيع على هذه الاتفاقيات . حيث أن حكومته سبق لها أن اعترفت بالسلطانين القعيطي والكثيري .

الشيء الذي أداه "انجرامز" بذكاء هو الاستفادة من حضوره كضيف شرف وممثل لدولة عظمى لتتشجيع أولئك الرؤساء المتخاصمين مع بعضهم البعض على تجديد مواثيق السلام فيما بينهم والموافقة على تمديد فترة وثيقة صلح سابقة فيما بينهم لعدة سنوات قادمة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات. ومثل هذا التجديد للصلح سبق وأن قام به رؤساء القبائل قبل زمن بعيد ، على شرف زيارة السلطان عمر بن عوض القعيطي لهم . يضاف إلى ذلك إننا نعرف أن من بين خصائص طريقة عمل " انجرامز" هو تأكيده بأنه في كل خطوة يتخذها يحرص عادة على أن تنال موافقة وإجازة من السلاطين ، أولاً، بحيث تبدو وكأنها صادرة منهم. ( أنظر مقدمة كتابه " الجزيرة العربية والجزرــ طبعة عام 1966م وكذلك كتاب صفحات من التاريخ الحضرمي لسعيد باوزيرصفحة 250 )

وعلى صلة بالمجال الذي طرقه " عبد الله بوجرا" في دراسته القيّمة المنشورة عن دار كلا ريندون تحت عنوان " سياسة التصنيف الطبقي" يكشف " رودينوف" بأنّ " بوجرا" اعتمد على أطروحة دكتوراه غير منشورة للباحث " جي . ه. هارتلي" معنونه ب " النظام السياسي للقبيلة العربية في حضرموت" . وأنّ كبار أهل حريضه مازالوا حتى يومنا هذا ينتقدون " بوجرا" على استنتاجاته المضادة للسادة. لكن الذي أتذكره بشان دراسة " بوجرا" المشار إليها بعيدة كل البعد عن اعتبارها مضادة للسادة الذين قدموا له المساعدة وقاموا باستضافته . وهو أي " بوجرا" هو الذي أعطى أعلى درجات التقييم لمنصب العطاس في حريضة ومؤسسته وأظهرها كأنها مستقلة عن سلطة الحكومة القعيطية، في وقت كان فيه وزير السلطنة ينتمي لآل العطاس.

لقد كان من المفيد أن يستند المؤلف إلى الدراسة الدقيقة التي قام بها العالم النمساوي الكبير " والتر دوستال" صاحب أدق الدراسات وأغناها عن البدو ، ومن بينها الدراسة الدقيقة عن قبائل البدو في المهرة وحضرموت المعنونة بالألمانية " داي بيدونين في سوداربيان" والمنشورة عام 1967م. وفي هذا الجانب ، يبدو جليا اهتمامه الخاص بابتكار وسائل جديدة لتصنيف وتقسيم هؤلاء البدو الى مجموعتين أثنيتين ثقافيا . هما ( شاد) أو ( شادا) كما أسماها هو والثانية ( حولاني) اعتمادا على اسمي نوعين من سروج الجمال . يعكس كل منهما طبيعة نشاط هذه المجموعه ويميزها عن الأخرى.

أحد أبرز المجالات التي سلطت عليها الاهتمام دراسة " رود ينوف" هذه ، هو مجال التقسيمات الاجتماعية القديمة في المجتمع الحضرمي . وهذا المجال اعتمد فيه على دراسات وضعت خلال عقود التجربة الاشتراكية في المنطقة. مثل تلك التي وضعها " عبد القادر الصبان" من سيؤون ،وغالبا ماتكون مثل هذه الدراسات مبنية على عادات وتقاليد لها علاقة بمسألة التكافؤ في الزواج فقط . ويحاول الباحثون الاجتماعيون توسيعها وإعادة تطبيقها وتعميمها متجاوزين الحقيقة والواقع بناء على أقاويل تقدم وكأنها كانت تحدث في الماضي.

دعونا الآن ، اختصارا للمساحة والوقت، أن نكتفي بالرد العام على الآراء الوارده في الكتاب ، دون الرجوع في كل حالة منها الى إعادة ذكر ما قاله المؤلف نفسه. بدلا من مراجعة ومناقشة محتوياته واستعراضها الواحد بعد الآخر. ففيما يتعلق بالرق وتجارة العبيد . علينا أن نعرف بأن الحكام المحليين كانوا قد وقّعوا على اتفاقيات مع البريطانيين في عام 1873م تحّرم تجارة العبيد في مقاطعاتهم. وهم ـ أي ا لحكام ـ ماكانوا سيقدمون على مخالفة ماوقعوا عليه ، دون تقدير وحاجة للنية الحسنة للبريطانيين في هذا الشأن. على الرغم من أن أولئك العبيد لم يتم عتقهم ، في حين يحث القرآن الكريم على المعاملة الحسنة للعبيد وينظم إمكانية عتقهم وطرق هذا العتق. ولم يكن ماقام به الحكام بالنسبة لهذه المسألة مبنيا على تخوفهم من رد فعل ا لبريطانيين مثلما حدث قبل ذلك عندما نهبت بضائع السفينة المتحطمة بالقرب من الشاطئ، والتي تعود ملكيتها الى رعايا بريطانيين.

لقد حظي الكثير ممن ينحدرون من فئة الرقيق ، بما فيهم أولئك الذين وردوا في القائمة التي كتبها " الصبان" بمناصب عالية في الحكومة القعيطية، فمنهم من شغل مناصب نواب السلطان ووزراء ونوابهم ومدراء إدارات وحكام ومفتشي مقاطعات وقضاة وضباط في الجيش النظامي . أي أنهم حظوا بما يشبه أن حظي به المماليك في مصر وسوريا وغيرها من البلدان .

وفي الحقيقة، فأنّ السلطنة القعيطية جرى تأسيسها على كتفي رجلين من هؤلاء الرقيق، هما "الماس عمر" و " عنبر عبيد" الذين كان يقومان بالمهام والأعمال تحت إشراف وتوجيه سيدهما " عمر بن عوض القعيطي" الموجود حينها في " حيدر أباد". وفي الواقع فقد كادت أن تحدث مأساة عشائرية في زمن لاحق ، لولا إن السلطنة كانت تدار برجال من مثل هذه الخلفية الرقيقية. وبكل أسف فقد تمت بقيادة من بعض أعضاء العائلة القعيطية الحاكمة . فقد طالب حسين بن عبد الله القعيطي ، الذي ظل لفترة طويلة نائبا للسلطان وحاكما على الشحر، أن يجري تقسيم السلطنة الى نصفين . يكون له ولأخيه منصرأحدهما، ويكون النصف الآخر لعمهما السلطان عوض بن عمر. ثم فيما بعد ، تجددت مثل هذه المأساة في قصة علي بن صلاح القعيطي ، الذي جرى تعيينه في منصب نائب السلطنة وحاكم شبام ، إلا أنه جرى إعفاؤه فيما بعد نتيجة لتعرضه للاتهام بالاشتراك في تمرد " بن عبدات" وخيانته لثقة عمه السلطان صالح . هذان اسمان من الأسرة القعيطية الحاكمة يمكن الاستشهاد بهما في مثل هذا المآسي. كما يمكن لنا أن نستشهد ببعض ما صاغه هذان القعيطيان من أشعار :ـ

يقول حسين في مقطع شعري له يعبر عما يضمره من مشاعر معادية:ـ
باجار محبوب ما باجار باعامر والدون ماباه وأحسن حكم بو شتره
وبغيت قسمي وعند الناس باخابر مابا حكومة مخارش وباصرة


بينما نرى علي بن صلاح يكتب في شكوى بعث بها الى الشيخ صلاح بن احمد لحمدي :ـ( ولا عاد شيء تمام ولا شرف خلف الدولة القعيطية إلا اسم)
لقد تم التعامل مع علي بن صلاح بعد فشل تمرد بن عبدات باحترام كبير فبدلا عن نفيه جرى وضعه في سكن تابع للحكومة (دار بوبك) في الشحر،قبل أن يعطى له السماح بالسفر الى عدن للعلاج لمدة خمسة أشهر، وأخيرا تم تلبية طلبه في العودة الى منطقته بالقطن.وعندما اشتكى بأن منزله في القطن لم يعد قادرا على استيعاب عائلته لتكاثر عددها ، تم منحه حصن الدولة هناك ليستعمله كسكن واستخدام مسكنه الأصلي كمقر للسلطة الحكومية لفترة مؤقته، وأخيرا جرى اعادة هذا السكن لعائلته فيما بعد.

أما مايتعلق بتمرد " بن عبدات" ومسألة وضع السيناريو الذي جرى به في حجمها الصحيح ، فأن القراء سيعجبون عندما يكتشفون بأن " هارولد انجرا مز وزوجته دورين " تم تكريمهما سابقا كضيوف شرف لدى عائلة بن عبدات في اندونيسيا . وقد أخبرتني " دورين انجرا مز " ذات مرة بأنّ بوابتي بلدة الغرفة المحصنة المتقابلتين " مقر بن عبدات" كانتا تحرسان بواسطة حارس واحد فقط في أوقات السلم، على الرغم من أن لدى بن عبدات العديد من الأتباع والخدم. ويستطيع الواحد أن يفهم ببساطة ، كيف أن بن عبدات وهو ينتمي لأل كثير أيضا، نظرا لكونه أكثر ثروة من سلطانه الأعلى الكثيري، لايريد أن يبقى في درجة أقل من ذلك السلطان . ولهذا صار يطمح للاعتراف به متميزا ك(راجا )مستقل وهذا الشيء هو الذي لم يكن يوافق عليه البريطانيون .

لأنه يعني ضمنيا السماح بتوالد الدويلات وتكاثر السلطات في زمن كانوا فيه يعملون على انجاز عكس هذا المفهوم في المنطقة بأسرها. ولأنّ بن عبدات لم يستوعب ذلك ، نراه يلتمس الملاذ والملجأ راميا بكل ثقله هنا وهناك من أجل إيصال الأمورالى قمة التوتر واثبات قدرته على الإزعاج وبالتالي تكون النتيجة حصوله على الاعتراف. وهذه المحصلة من الحسابات الخاطئة هي التي قادت " بن عبدات" الى هاوية السقوط.

مرة أخرى نعود الى موضوع الجداول المتعددة عن الطبقات الاجتماعية ومضامينها الحقيقية . فبالإضافة الى ماسبق طرحه والإشارة إليه عن اعتماد وضع لأناس من درجات متنوعه في هذا السلم الطبقي ليشغلوا مختلف المواقع المتقدمة في السلك الحكومي . متجاهلين جانبا، مسألة التكافؤ الاجتماعي في الزيجات البينيه ، وهي حالة تتضاءل وتتناقص ظهورا اليوم . أود أن ألفت انتباه القراء هنا الى آية قرآنية كريمة هي الآية 60 من سورة النساء ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فأن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرُ وأحسن تأويلا) .

فما يتضمنه هذا التوجيه الإلهي للكل ، وبصورة خاصة حول قضية إبراز التقدير والاحترام المطلوب نحو اولي الأمر يستحق أن نفهمه ونمارسه هنا يبدو أن "رودينوف"يعاني أيضا من تشويش في الفهم حول الخلفية الحقيقية والوضع التقليدي لعائلتي كل من " بن علوان" و " باعطوة" . نتيجة لأنهما أي العائلتين لم تتلاءما وتتطابقا بدقة مع أقسام الإطارات الاجتماعية الموضوعة من قبل أولئك الباحثين الاجتماعيين الذين سبق منا الحديث عنهم. ف"بن علوان" دون شك، أتى من شمال اليمن ويمارس الرقص بمهارة مستخدما السلاح الأبيض ( جنبيه)التي يقذفها في خفة إلى أعلى ليعود لالتقاطها باليد بسرعه في رشاقة وهكذا لعدة مرات خلال أيام الأعياد والمواسم . أما " باعطوة" فهي جماعه أكثر تعقيدا في نسيجها الاجتماعي ، فهم يرجعون بأصولهم القبلية إلى قبيلة بني هلال .

وهي القبيلة الشهيرة بهجرتها إلى الشمال الإفريقي مع الموجات الأولى من موجات الفتوح الإسلامية ، حيث أقامت مستوطناتها هناك. وهم في حضرموت يمتهنون أساسا مهنة الدلالة ، ومفردها دلال وجمعها دلالين. أي الوسطاء في عمليات البيع والشراء. ويشتغلون كذلك بتقديم الخدمات في الأفراح والمناسبات وتقديم المأوى والضيافة وتسلية المعروفين من ضيوف المنطقة وعابري السبيل في المواسم التي تنعقد هناك . وتكون تسليتهم بتقديم القصص والحكايات الجديد منها والقديم وكذلك انشاد القصائد الرائعه التي يحفظونها وفقا وطبيعة المناسبة والموسم. كما يجري الاستفادة منهم كرسل موثوقين لذلاقة ألسنتهم وحسن تعبيرهم, وعرف عنهم بأنهم خبراء في التأثير على القبائل ببث الروح والمشاعر القبلية.

وفي التاريخ نجد أن احد أعضاء هذه العائلة ويدعى " سعيد باعطوه" قد استعان به الوفد اليافعي واصطحبوه معهم في رحلتهم الشهيرة إلى حيدرأباد عام 1844م من أجل المساعدة في التأثير على " عمر بن عوض القعيطي" للقبول بمنصب القيادة اليافعية من أجل مواجهة التحدي الكثيري الذي كان يستهدف اجتثاث الوجود اليافعي برمته من حضرموت.وقد حبكت الحيلة في صورة مشهد درامي جرى تطبيقه لدى دخول الوفد إلى مجلس عمر بن عوض في حيدر أباد ، بأن يقوم احد رجالات يافع المرموقين من أعضاء الوفد بحرق عمامته على قدمي عمر بن عوض، في إشارة واضحة إلى انخفاض شرفهم وغرق عزتهم وقدرهم ، على أن يدخل " باعطوة" بعد هذا المشهد بدقائق واضعا يده على أنفه وهو يقول متأوهاً :ــ

أنني أشم رائحة مستنكرة للحم بشري محروق". وفي ذلك القول تلميح والماع تذكيرا لعمر بن عوض بحادث هلاك اثنتين من عمّاته في حضرموت عندما فجّر عبيد الحاكم الكثيري القلعه التي كنّ يسكن فيها في شبام.وقد كان مثل ذلك ا لحادث والفعلة الشائنة اهانة بالغة واستفزاز ، لم يقم " عمر بن عوض " أوغيره برد فعل مناسب تجاهه حتى هذه اللحظة، وهذا أمر يتعارض مع جوهرمباديء الشرف القبلي.

وعلى الرغم من أن " رودينوف" يعتبر مثل هذه الموضوعات بأنها لاتتجاوز عمليات تجميل و صبغ الوجه ، الا أننا نراه مستغربين يتجاهل انشاء وتطوير مؤسسات تعليم الفتيان والفتيات . والذي كانت السلطنة القعيطية تنفق عليه زهاء ثلث ميزانيتها، إضافة إلى ماكانت تحصل عليه لهذا الهدف من معونات ودعم بريطاني وخارجي. لماذا؟ بعد عامين فقط من اعتلائه السلطنه ، يصرح السلطان صالح القعيطي في مقابلة مع " مجلة العرب" بأن ما اعتمدته السلطنه في ميزانيتها للتربية والتعليم يعادل ضعف المبلغ المخصص لهذا الغرض في مستعمرة عدن البريطانية .

بعد ذلك ، نرى "رودينوف" يدّعي أنه يستشهد بآراء من وصفهم ب(ممثلو المجتمع الحضرمي الثوري وبالاسم تحديدا باوزير، الشاطري،المقطري) ويقوم بدون مراجعه كافية بإقصاء وتغييب الخطوات الواسعة التي قطعها المجتمع الحضرمي في مجالات عديدة خلال تلك الفترة ، على الرغم من وجود العقبات والتحديات المختلفة. معتبرا تلك الانجازات وذلك التطور الذي جرى بأنها قليلة وغير كافية ( صفحة 66) ولا أعرف بالضبط ماهو المعيار الذي استخدمه في فهم وتقييم التقدم الذي تم أبان الفترة موضوع القضية، مع اعترافنا بأن تلك التطورات لم تجري بنفس السرعة التي جرى بها التقدم في البلدان المجاورة ذات القدرات الماليه.وسوف تكون ممارسة وتمرين ممتع لتقدير كم هو عدد الحضارمة الذين يمكن أن يعتبروا أنفسهم راضين بأن يطلق عليهم وصف الانتماء لهذا المصطلح الغريب (المجتمع الحضرمي الثوري أو المثوّر جذريا) وهم في غالبيتهم حتى الآن سكان مدن محافظين أو أفراد قبائل أو أهل باديه .

ويمكن أن "رودينوف" لم يطلّع أو يدري بأن الشاطري كان قاضيا دينيا قد فرّ مبكرا نحو المملكة العربية السعودية بعد الثورة عام 1967م مباشرة ليقضي فيها أكثر من ثلاثة عقود قبل وفاته. وسعيد باوزير الذي كان سكرتيرا ل علي بن صلاح القعيطي ، على الرغم من وفاته بالغيل ، الا أنه هو الآخر قد قضى بالمملكة سنوات طويلة. وإذا لم تخني الذاكرة فأن حال المقطري لم تختلف عن هذين. وكل من الكاتبين السابقين ( الشاطري وباوزير) قد عبرا في كتاباتهما عن أقصى درجات التقدير والاعتزاز نحو السلطان صالح وعصره والانجازات التي حققها في حضرموت. من هنا، فأن السؤال الذي لا ينبغي إغفاله :ـ ماهي الانجازات والتغيرات التي يتوقع مدّعو الراديكالية والثورية أن يتم تحقيقها من خلال المصادر المتوفرة في البلاد الحضرمية في تلك الفترة؟ ثانياً :ـ هل حصل أن توصلوا أو اقتربوا من انجاز تلك الأهداف التي كانوا يطمحون اليها بعد تغير نظام الحكم ؟ هذا اذا كانوا يعلمون ماهي تلك الأهداف؟

طوّح " رودينوف " وشطح بعيدا لدى عرضه لمسألة الدور الاجتماعي الذي لعبه الشعراء عندما قال:ــ ( يتذكر الحضارم المقولة القرآنية بأن الشاعر الحقيقي يستمد مادة شعره من أصوات خارقة للطبيعة أما من الشياطين " الجن"أو اذا كان هذا الشاعر من المسلمين الطيبين فأنه يستمدها من الروح الأمين) ويضيف :ــ ( أنه إلى اليوم مازالوا يعتقدون بأن الشاعر يمتلك قوة استبصار ليكشف أحداث الماضي والمستقبل) .

أنني أحب أن أؤكد هنا بأنّ المرجع الذي حاول الاستناد إليه لتدعيم هذا الرأي الغريب الذي ذكرناه سلفا يتعارض كليا مع فاذهب إليه. وهذا المرجع هو آيات كريمات من سورة الشعراء هي الآيات من 192 وحتى 196 وهي كلها عن الوحي الكريم من رب العالمين الذي يتنزل به جبريل عليه السلام على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم ( وانه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين. وانه لفي زبر الأولين )

وأخيرا ، فأن هذا الكتاب الذي ناقشناه في الصفحات الماضية ، قد أخرج بعناية فائقة على الرغم من أنه يعاني كغيره من علل الطباعة في عصر الكمبيوتر، كما وجدنا فيه بعض الضعف في الترجمة من العربية إلى الانجليزية وليس بالضرورة في اختياراته للمادة . مثلاً " جمل يعصر وجمل يأكل التخ" هو المثل الحضرمي الصحيح وليس كما فسره وترجمه المؤلف على أنه " جمل يعصر ولهذا الجمل يأكل التخ".
التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح