عرض مشاركة واحدة
قديم 12-23-2011, 02:15 AM   #361
حد من الوادي
مشرف سقيفة الأخبار السياسيه

افتراضي


قراءة في كتاب : " القائم عبدالله بن عوض مخارش وأضواء على وثائق من الارشيف الاداري للسلطنة القعيطية " ( 1-2)

الخميس , 22 ديسمبر 2011


ماذا يعرف الجيل الحضرمي المعاصر عن تاريخ حضرموت الحديث ؟ واقصد بالحديث هنا منذ ان بدأت تتشكل في حضرموت معالم وأسس الدولة الحديثة بأنظمتها التشريعية وقوانينها المدنية ، والتي تمثلت خلال فترة ما قبل الأستقلال بدولتي السلطنتين القعيطية والكثيرية .

كم من الشباب الحضرمي المثقف اليوم يمتلك من المعلومات المعرفية عن تاريخ حضرموت السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والتشريعي في فترة السلطنتين السابقتين ؟!!أسئلة كثيرة تتبادر الى الذهن ويفرض طرحها ماتشهده حضرموت من احداث وفعاليات متتالية وحراك جماهيري سلمي ، وتحديدا منذ عام 2007م ، ويمثل الشباب قوام تلك الاحداث والفعاليات وعمودها الفقري ، مثلما هو الحال اليوم في العديد من بلدان العرب التي تشهد ثورات شبابية تتطلع الى الحرية والعدالة والعزة والكرامة والانعتاق من حالة الفقر والجهل والتجهيل ، بعد عقود طويلة من الاستبداد والتسلط والفساد المستشري في كافة اجهزة الانظمة الحاكمة ، وربما يكون الشباب العربي الثائر اليوم في اقطار العرب احسن واسعد حظا من اقرانهم شباب حضرموت ، كونهم – الشباب العربي – يمتلكون رصيدا معرفيا عن ادوار تاريخ بلدانهم الحديث في المشرق او المغرب العربي ، ولديهم ثقافة عامة عن مراحل التطور وخطوات التحديث التي شهدتها دولهم خلال مرحلة ماقبل ومابعد الاستقلال عن المستعمر الاجنبي .

قد لااجافي الحقيقة ان قلت ان الانسان الحضرمي – وخصوصا الشباب – هو الوحيد من بين شعوب العرب الذي تم تغييبه – ربما عمدا – عن تاريخه الحديث والمعاصر ، ومن هنا لاعجب ان نجد نسبة كبيرة من الشباب الحضرمي المثقف اليوم يعيشون حالة من الفقر المعرفي عن الاحداث التي شهدتها حضرموت في عهد السلطنتين السابقتين وعن مراحل التحديث في ذلك العهد في الجوانب الحياتية المختلفة ، عن نشأة التعليم في حضرموت الحديثة ورواد النهضة التعليمية الحضرمية كالشيخ القدال والشيخ سعيد عوض باوزير مثلا ، عن الحياة السياسية وظهور الاحزاب ... ، عن تطور الأنظمة التشريعية وظهور القوانين المدنية الحديثة ودور المجالس البلدية في ذلك العهد ودور بعض السلاطين القعطة في التحديث والتمدن ، عن الشخصيات الحضرمية التي كان لها ادوارا مهمة في تشكيل الوعي القومي والوطني في حضرموت امثال الشيخ المناضل عمر سالم باعباد وغيره في الحياة السياسية الحضرمية ماقبل الاستقلال ، عن الصحافة ودور النشر ...عن ..عن...الخ !!!

بالطبع لست هنا بصدد سرد الاسباب والدوافع الذاتية والموضوعية التي اوصلت الشباب الحضرمي الى حالة من القطيعة مع تاريخه الحديث والى حالة من الجهل والتجهيل بذلك التاريخ يعاني منها اليوم بقدر مااود ان اوضح كم هي الحاجة ماسة اليوم الى حد الضرورة في ان يستعيد الحضرمي وعيه الثقافي المفقود بذاته وادراكه المعرفي بتاريخ حضرموت في عقودها الحديثة ماقبل الاستقلال . من هذه الضرورة الملحة تأتي اهمية الاصدارات التي تخرجها لنا المطابع اليوم وتبحث او تتناول جزءا من التاريخ الحضرمي الحديث في العهد السلاطيني القعيطي او الكثيري ، وهي تناولات بحثية تظهر بعضا من الحقائق والوقائع التي لم يكن من السهولة تناولها بالبحث والدراسة بمهنية عالية وبموضوعية وتجرد عن الهوى الذاتي السياسي او التعصب الايديولوجي في مرحلة مابعد الاستقلال الوطني ، وهي وقائع وحقائق اذا استعصت عملية طمسها او اخفائها خلال تلك المرحلة فان الكثير منها لم يسلم من التجاهل واللامبالاة في احسن الاحوال ، وفي اسوأها لم تسلم من التزييف والتعسف والتطويع والتوظيف خدمة لاهداف مرحلة مابعد الاستقلال .

من هذه الاصدارات الجديدة التي صدرت مؤخرا في حضرموت والتي اود تسليط الضوء عليها وتعريف القاريء بها في هذا الحيز المكاني كتاب حمل عنوانا طويلا الى حد ما وهو \" القائم عبدالله عوض مخارش واضواء على وثائق من

الارشيف الاداري للسلطنة القعيطية \" في طبعته الاولى 1432ه -2011م من تأليف كل من د. عبدالله سعيد الجعيدي ود. عبدالله احمد باصميدي العوبثاني احتوى الكتاب بعد الأهداء والشكر على مقدمة عامة ذات اهمية لموضوع الكتاب

ذاته كتبها الأستاذ عبد الرحمن عبد الكريم الملاحي ، الشخصية الأجتماعية بمدينة الشحر والباحث التاريخي بشئون منطقة المشقاص – منطقة شرق حضرموت الساحل – بوجه خاص ، اخذ هذا التقديم 30 صفحة من صفحات الكتاب البالغ عددها 235 صفحة . بعد التقديم يصل القاريء الى الموضوع الاساسي للكتاب حيث احتوى على قسمين رئيسيين وملاحق وصور بآخر الكتاب ، القسم الاول حمل عنوان \" القائم عبدالله بن عوض مخارش ومضات من سيرته وعصره \" اما القسم الثاني فقد حمل عنوان \" وثائق القائم عبدالله بن عوض مخارش \" ، اما في الملاحق فنجد حوالي 76وثيقة من وثائق القائم مخارش بخط يده وكذلك مجموعة من الصور التوثيقية لمراحل الاعداد للكتاب . بالعودة الى المقدمة فانها – كما أشرت – ذات اهمية بالغة كونها اعطت القاريء المطلع على الكتاب تمهيدا وخلفية تاريخية / اجتماعية عن هذه المنطقة – المشقاص – التي حكمها القائم عبدالله مخارش كحاكم يمثل السلطة القعيطية الحاكمة لمعظم اراضي حضرموت ، ويمكن القول ان المقدمة تمثل بحد ذاتها بحثا تاريخيا وانثروبولوجيا مهما خاصا بمنطقة المشقاص وسكانها ، فقد توسع الاستاذ الملاحي في تقديمه للكتاب ذاكرا معلومات مهمة عن تاريخ المشقاص

عبر العصور الماضية متناولا ايضا تعريف الاسم ودلالته ، وموقعه الجغرافي بالنسبة لخطوط الطول والعرض ، وتضاريسه المختلفة وكذلك لمحة تعريفية عن النسيج الأجتماعي – المكون الأنساني – لهذه المنطقة والمشتمل على فصائل وكل فصيل يعرف ببيت كذا ( بيت نمور ، بيت هزيل بيت مطر ...الخ ص16) وايضا التحالفات القبلية التي شهدتها المنطقة عبر تاريخها خصوصا بعد القرن السادس الهجري 12 الميلادي حتي اليوم ، مثل التحالف الثعيني _مهري_ الذي انضوى تحت لواء الحلف الضني العام _حضرمي _ ، ويشير الأستاذ الملاحي لاسباب توسعه في تقديم الكتاب حيث كتب :\" وكمحاولة للتعريف بها –بمنطقة المشقاص – كتبت هذه المقدمة وهي خلفية تاريخية مبسطة للمشقاص المكان والسكان وللظروف السياسية والامنية التي تولى فيها مخارش حكمه حتى تعين القاريء على معرفة الأحداث والأعلام والمواقع عند اطلاعه على ذكرها \"ص 35.

اهمية المقدمة لاتأتي فقط من كونها تعطي القاريء تمهيدا لفهم موضوع الكتاب فحسب بل وايضا من كونها تعطينا لمحة عامة وشاملة عن تاريخ المنطقة هذا التاريخ وتلك الاحداث التي شهدتها منطقة المشقاص منذ ماقبل ومابعد الاسلام و التي يكاد يجهلها معظم ابناء حضرموت والسبب في هذا الجهل كما يقول الاستاذ الملاحي \" لم يحظ مخلاف المشقاص ( الريدة وقصيعر ) بالكتابة عن تاريخه وعن نشاطه الاجتماعي ، فلا زال تاريخه مجهولا وان الدراسات الحديثة عنه نادرة وتتحدث عن المرويات الشفاهية وتراثه الشعبي ..

اما التنقيبات الآثارية فلا توجد ماعدا تنقيب آثاري قامت به بعثة فرنسية عام 1995م بميناء المصينعة ص 14-15\" . يكتب الاستاذ الملاحي مقدمته المهمة للكتاب واضعا ثلاثة عناوين فرعية لها ، العنوان الاول \" المشقاص مخلاف أهمله التاريخ \" وفيه تحدث عما ذكرناه آنفا من خلفية تاريخية اجتماعية للمنطقة وسكانها ، والعنوان الثاني كان \" المشقاص والتطلعات القعيطية \" وفيه عرض بعضا من أحداث الصراع الدامي الذي دار بين الكثيريين والوجود اليافعي بحضرموت متمثلا هذا الوجود اساسا في التحالف الكسادي القعيطي وذلك للسيطرة على حضرموت حيث كانت الغلبة في هذا الصراع للقعيطي

عندما سيطر على المواني الشرقية لحضرموت ومنها ميناء مدينة قصيعر وهي الميناء الرئيسي للمشقاص ودحر آل كثير واعتراف بريطانيا بالوجود القعيطي وبالتالي تأسيس السلطنة القعيطية بحضرموت . اما العنوان الثالث فكان \" مخارش حاكما \" وتحته سرد الاستاذ الملاحي كيف ومتى تم تعيين القائم مخارش كحاكم قعيطي على الريدة ( ريدة عبد الودود ) وملحقاتها حيث اوضح ان تعيينه قد تم عام 1906 م أي بعد مرور تسعة وثلاثين عاما على سيطرة القوات القعيطية على ميناء قصيعر ، هذه الفترة الزمنية الطويلة تعني ان استتاب الامر والوضع للقعيطي لم يكن سهلا في منطقة المشقاص حيث شهدت تلك السنوات توترا شديدا بين الوجود القعيطي والوجود السكاني لقبائل تلك المنطقة وكان على القعيطي تلمس وسائل سلمية لتجنب المواجهات المباشرة مع تلك القبائل وكان السبيل الى ذلك عقد اتفاقيات مصالحة واعتراف مثل اتفاقية صلح المسندة عام 1877م ص29

والتي تمت فيها المصالحة والاعتراف المتبادل بين آل كثير وحلفائهم والقعيطيين وآل يماني التميميين وترسيم الحدود بينهم وعدم تدخل كل منهم في شئون الآخر ص 29. الا ان هذه الأتفاقيات لم تمنع نشوب صراع مؤثر في الواقع الأجتماعي بين قبائل الحموم والسلطة القعيطية ، ويشير الاستاذ الملاحي الى هذه المصاعب التي حدثت في عهد القائم مخارش مثل اعتقال حاكم الشحر القعيطي لأفراد من الحموم وأعدام 27زعيما من زعمائهم وردة الفعل الحمومي على هذا الأعتقال والأعدام فيما سمي بأحتلال الحموم لمدينة الديس الشرقية عام 1925م ، هكذا تزعزعت الثقة بين السلطة القعيطية والوجود القبلي بالمشقاص التي يسيطر عليها القعيطيون وصولا الى عام 1937م

حين دعا السلطان صالح بن غالب القعيطي وبتأييد من بريطانيا الى عقد صلح عام بين عموم قبائل حضرموت لمدة 3سنوات والغاء ماكان بينهم من خلافات وصراعات وثارات وتجدد هذا الصلح العام لعشر سنوات من عام 1940-1950 م الذي اقره الجميع . خلاصة الامر ان هذه الاحداث التي يشيبر اليها الاستاذ الملاحي في مقدمته للكتاب والمتغيرات المدنية والأمنية التي شهدها اقليم المشقاص كانت مرهونة بحكمة وجهود ومساعي الحاكم مخارش الذي لم يكن مجرد حاكما منفذا لأوامر وتوجيهات القيادة القعيطية فحسب بل كان حاكما مدركا للواقع الذي يديره ويحكمه دارسا لعادات وعلاقات وثقافة مواطنيه. هكذا ينهي الاستاذ الملاحي بحثه – مقدمته للكتاب - كاشفا في ثناياه عن جزء من تاريخ الدولة القعيطية وطريقة ادارتها لشئونها ذات العلاقة بالمحكومين – المواطنين – وكيفية تعامل ممثليها مع هؤلاء المواطنين ، وما االحاكم مخارش الا نموذجا لهؤلاء الحكام القعيطيين الذين حكموا اقاليم السلطنة القعيطية ،وقد كان كما كتب الاستاذ الملاحي :\" حاكما متمتعا بالحزم والصلابة مع حكمة ومرونة في التعامل مع الزعماء القبليين والشخصيات الاجتماعية المرموقة ..

وقد اكسبته تلك العلاقة الحميمة في معظمها مكانة في قلوب المشقاصيين فأحبوه وعدّوه أخا كبيرا لهم وظلت هذه العلاقة ثابتة متينة مستمرة الى مابعد احالته للتقاعد عام 1953م ص35\" . اكتفي هنا بما تم استعراضه حول مقدمة الكتاب آملا استكمال قسمي الكتاب في حلقة قادمة بأذن الله .


[email protected]
التوقيع :

عندما يكون السكوت من ذهب
قالوا سكت وقد خوصمت؟ قلت لهم ... إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف ... وفيه أيضا لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة ... والكلب يخسى- لعمري- وهو نباح