عرض مشاركة واحدة
قديم 07-16-2010, 05:11 PM   #1
أبوعوض الشبامي
شخصيات هامه
 
الصورة الرمزية أبوعوض الشبامي

افتراضي حلقــات فقه اللغة الحضرمـــــيـــــــــة ....!!

.

حول فقه اللغة الحضرمية لأهمية خصينا سقيفة الشبامي بعدد من حلقات كتبتها في هذه السقيفة وكما لاحظ الجميع نقله الى منتديات حضرمية أخرى دون ذكر لمصدر النقل ، فقد رأيت أن اجمع هذه الحلقات هنا لتكون مصدر مفيدا لزائر السقيفة .

ضمن المواضيع التي تطرقت لها في سقيفة الشبامي وبعض المنتديات الحضرمية الأخرى موضوع ( خصائص اللغة الحضرمية وفقهها ) ، وكانت هناك آراء ومعلومات متباينة وتبادل عن خصائص اللغة الحضرمية مع اخت لنا اسمها (( أميرة الوادي )) وهي من الحضرميات اللواتي يهتمن بهذا الجانب اللغوي بحكم تخصصها في اللغة العربية وكفاءتها العلمية ونيلها شهادات عليا (( الدكتوارة )) ولها مكانتها في شغل التدريس بجامعة عدن ، ناهيك أنها شاعرة وأديبة مرموقة تعود اصولها الحضرمية الى مدينة سيئون ، إلا أني لظروف معرفية توقفت عن التوسع في هذا الموضوع وأعود الآن للحديث عن فقه اللغة الحضرمية وخصائصها في حلقات احاديث يوم كل خميس التي خصيت بها سقيفة الشبامي . في البدء تعالوا نقرأ تعريفات مهمة لمعنى الفقه واللغة.

فماهو الفقه؟

قيل أن الفقه (( هو العلم بالشيء، والفهم له، والفطنة فيه ، ويقال: فَقُه الرجل فقاهة إذا صار فقيهاً، وفَقِه: أي فهم فقه. وقيل أن " الفقه هو التوصل إلى علمٍ غائبٍ بعلم شاهد ، فهو أخص من العلم )).

ماهي اللغة ؟؟

قيل أن اللغة مشتقة من لغا يلغو ، أي تكلم فمعناها الكلام؛ فهذا تعريفها في اللغة.
أما تعريفها اصطلاحا فقد عرفت بتعريفات عديدة، أشهرها ما ذكره أبو الفتح ابن جني في كتابه ( الخصائص ) حيث قال: (( أصوات يعبِّر بها كل قومٍ عن أغراضهم )). وهذا التعريف تناقله علماء اللغة العربية على اختلاف تخصصاتهم واجمعوا على أن اللغة هي : هي اصوات منطوقة ، وأن وظيفتها التعبير عن الأغراض. وأنها تعيش بين قوم يتفاهمون بها ، وأن لكل قوم لغة.
وقد عرفها ابن الحاجب بأنها: كل لفظ وضع لمعنى.
ويراها بعض المحدثين: (( أنها نظام من الرموز الصوتية، أو مجموعة من الصور اللفظية تُختزن في أذهان أفراد الجماعة اللغوية، وتستخدم للتفاهم بين أبناء جمع معين )).

,ماهو فقه اللغة ؟؟

فقه اللغة تعريفه لغة هو: فهم اللغة، والعلم بها، وإدراك كنها.
واصطلاحا (( هوالعلم الذي يعنى بدراسة قضايا اللغة ،من حيث أصواتها، ومفرداتها، وتراكيبها، وفي خصائصها الصوتية، والصرفية، والنحوية، والدلالية، وما يطرأ عليها من تغييرات، ويمكن أن يعرف تعريفاً موجزاً، فيقال: هو العلم الذي يعنى بفهم اللغة، ودراسة قضاياها، وموضوعاتها )).

وأول من استخدم اصطلاح فقه اللغة كان ابن فارس (ت 395 هـ) في عنوان كتابه (الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها). ثم نصادف هذا الاصطلاح بعد ذلك في عنوان كتاب الثعالبي: (( فقه اللغة وأسرار العربية )). ومفهوم فقه اللغة عند ابن فارس أنه كان ينظر إلى هذا النوع من التأليف على أنه دراسة القوانين العامة التي تنتظم اللغة في جميع مستوياتها الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية والأسلوبية.
أما الثعالبي فأنه كان يرى أنّ فقه اللغة علم خاص بفقه وفهم المفردات، وتمييز مجالاتها واستعمالاتها الخاصة والاهتمام بالفروق الدقيقة بين معانيها.

رب سائل يتساءل في سقيفة الشبامي أين موقع اللغة الحضرمية من تلك التعريفات ...!!

هل الحضرمية هي لغة أو انها مجرد لهجة من اللهجات العربية؟؟

يقول علماء التاريخ واللسسانيات القديمة أن السامية الجنوبية الغربية أو الجنوبية بصفة عامة شأنها شأن اللغات السامية والتي تحتوي على :

(1) العربية الجنوبية و (2) العربية الشمالية و(3) اللغات الإثيوبية.


ومن مصادر اللغة العربية الجنوبية بعض النقوش القديمة إضافة إلى اللهجات العامية المنطوق بها حاليا في حضرموت ، واليمن و عُمان ، وقد اشتقت أبجديتها من الخط الكنعاني الذي جيء به إلى المنطقة من شمال الجزيرة العربية حوالي سنة ١٣۰۰ ق .م . وتعود النقوش العربية الجنوبية ـ وهي في شكل نذور ووثائق ونقوش على القبور ـ إلى فترة ما بين ٧۰۰ ق. م. و ٥۰۰م. وتضم العربية الجنوبية بضع لهجات منها السبئية والمعينية والقتبانية ولهجة حضرموت. أما اللغات المعاصرة لجنوب الجزيرة العربية فليست مكتوبة وهى في طريقها إلى الانقراض نتيجة انتشار اللغة العربية الشمالية. وأشهر تلك اللغات هي المهرية والسقطرية والشحرية (( الجبالية )) والتي لازالت الى هذا اليوم شائعة الاستعمال في المهرة وسقطرة و في ظفار .

فاللغة الحضرمية تشكلت من لغات كانت شائعة في حضرموت منذ ازمنة بعيدة وضاربة في القدم
، ووردت في النقوش الحضرمية كثير من المصطلحات التي لازالت شائعة الاستعمال في حضرموت منها على سبيل المثال كلمة (( طبين )) وهو مالك الأرض وقد ذكر الدكتور جواد علي في كتاب (( المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام )) (( وهو مجلس كبار الملاكين للارض فقط .... ويقول علماء اللغة إن "الطبن"، هو الرجل الفطن الحاذق العالم بكل شيء، ولعلهم أخذوا هذا التفسير من العرب الجنوبيين. في "طبنن"، هو مجلس عقلاء التخوم وحذاقهم والمتكلمين باسم القوم )).

ومع هذا الامتداد التاريخي للغة القديمة زادت بروافد لهجات العربية الشمالية ، وبعد انتشار الاسلام وتوحد العرب تحت راية الاسلام توحدت ايضا لغتهم ضمن اطار لغة قريش التي انزل الله القرآن بها .
إلا أن الحضارمة يأثرون في نثرهم وشعرهم وغناءهم ومخاطباتهم اليومية استعمال اللغة الحضرمية أو مايسميها البعض (( العامية )) ، شأنهم كشأن بقية البلدان العربية . التي يلهج فيها كل شعب باللِّسان الذي ينطق به من الكلام، و لهذا سمّيت اللهجة لهجة لأنّه كلاًّ يَلْهَج بلغته وكلامه.

ولكن هناك سؤال ربما يتبادر في دهن القارئ هل اللغة الحضرمية أو كما يسميها البعض ( العامية ) عاجزة عن التعبير ؟؟


هنا لابد ان أعترف بعجزي وأني لا أطمح إلى أن أعالج هذا الموضوع من جذوره، ولكن حسبي أن أشير إلى الطابع الذي تميزت به اللغة الحضرمية على اختلاف لهجاتها. بأنها كانت استمرارا لواقع ثقافي واجتماعي وسياسي تاريخي ، وجد في ظروف تاريخية وأزمنة يمكن ان نقول عنها أنها كانت تمثل الخصوصية الحضرمية . ولهذا منذ أن انتشر الاسلام في حضرموت وانتشرت معه لغة قريش (( لغة القرآن )) استطاعت اللغة الحضرمية أن تجابه اللغة القادمة من الشمال لغة (( قريش )) بالحفاظ على نفسها من التلاشي والاندثار . واختلطت العربية الحضرمية بالعربية (( الشمالية والقرشية )) . وربما كانت الغلبة لكثير من الكلمات المتداولة في التخاطب اليومي للعربية الحضرمية . ولا يغيب عنا أن اللغة الحضرمية تتكون من لهجات تختلف باختلاف المناطق في حضرموت ، وإن كانت بدأت في التصدع خلال الخمسة العقود الماضية ، وفتحت حصون الانغلاق والعزلة التي كانت تتمترس خلفها تلك اللهجات. ومدت جسور قوية تتصل بها مع اللغة العربية ((الشمالية – القرشية )) من جهة ، ومع اللهجات العربية الأخرى من جهة أخرى ، خاصة المصرية والخليجية والشامية ، وذلك تحت وقع تأثير تواصل ابناء حضرموت ببعضهم البعض ، وتحت تأثير موجات الهجرة ، وظهور المؤسسات الإعلامية من إذاعات وصحافة وسينما وأخيرا المسلسلات التلفزيونية.

وفي الأخير لابد من الاستشهاد بما قاله الشاعر جبران خليل جبران حول الصراع بين العربية الفصحى وبقية اللغات (( العامية )) قال جبران (( إن اللهجات العامية تتحور وتتهذب، ويُدْلَكُ الخشن فيها فيلين. ولكنها لا، ولن تغلب ويجب ألا تغلب لأنها –الفصحى - مصدر ما ندعوه فصيحاً من الكلام ومنبت ما نعده بليغاً من البيان. إن اللغات تتبع، مثل كل شيء آخر، سنَّة بقاء الأنسب. وفي اللهجات العامية الشيء الكثير من الأنسب الذي سيبقى، لأنه أقرب إلى فكرة الأمة، وأدنى إلى مرامي ذاتها العامة. قلت: سيبقى، وأعني بذلك أنه سيلتحم بجسم اللغة ويصير جزءاً من مجموعها )).

اتفق مع رأي الشاعر جبران خليل جبران ومنه انطلق في كتاباتي عن فقه اللغة الحضرمية من حيث ان اللغة الحضرمية هي حرف قديم متمرد على قواعد اللغة (( الضمة – والكسرة – والفتحة )) وانها لغة تتبع مثل كل شيء سنة بقاء الأنسب وفيها الشيء الكثير من الأنسب الذي سيبقى لأنه أقرب الى فكرة الانسان الحضرمي . ولاغرابة إذا عني الحضارمة بلغتهم وكتبوا عن فقهها وخصائصها ، ولاغرابة حين نظـَّروا للأدب الشعبي (( الشعر )) وجعلوا له بحورا وموازين متعارف عليها. وإن كان القاريء المتابع لهذه الحلقات سيكتشف الهوة الواسعة بين اللغة الحضرمية واللغة العربية الفصيحة .

ولكن هذه الهوة تبين على مقدرة اللغة الحضرمية في طريقة تصنيف الموجودات، شانها شأن اللغة العربية الفصيحة ، فمفرداتها تدل على أن الحضارمة صنفوا الوجود تصنيفاً شاملاً دقيقاً ومنطقياً ، لهذا تظهر في الألفاظ الحضرمية أنواع الموجودات الانسان والنبات والحيوان والوحوش والطير والسباع والهوامَّ والسوائم والحشراتِ ، وتظهر أيضاً الأخلاق والمشاعر كالمكارم والمثالب، والمحاسن والمساوئ ، والفرح والحزن، والحسيات والمجردات .

فنجد في اللغة الحضرمية سعة كبيرة وغزارة في التعبير عن أنواع العواطف والمشاعر الإنسانية. كما أنها اشتملت على الكلمات الدالة على الطباع والأفعال والمفاهيم الخلقية. واشتملت كذلك على المفاهيم الكلية والمعاني المجردة، ونلاحظ كيف ان لها باعا في الدقة والخصوص والعموم، إذ تمتاز بقدرة التعبير على تمييز الأنواع المتباينة، والأشياء المتفاوتة، والأحوال المختلفة سواء في ذلك الأمور الحسية والمعنوية. فإذا رجعنا في فقه اللغة الحضرمية وجدنا أموراً تثير الدهشة في خواص هذه اللغة . فمثلا تحت (( المشي )) الذي هو المعنى العام أنواع عديدة من المشي وهي :

(( حبا – شقع – دحق – قمس – قهس - هشل – يخب – تهلس – هربده – تقطاع – قزح – يتهبش ..))


وتحت معنى الحرب مسميات عديدة من المصطلحات فمثلا يقال للقتال الدائر في حينه يقال له :

(( بادي )) واذا التحمت الرجال في الحرب قيل (( حن البادي )) والمخبر بالحرب قيل له (( صايح - صائح )) وحين تكون جماعة من الناس عصبة واحدة قيل لهم (( صوتهم واحد )) او صائحهم واحد والرجل الذي يثبت في مكانه ساعة القتال يقال له (( رنح )) واذا انهزم قيل له (( انكسر - كسيرة - مكسور )) والمكان الذي يتحصن فيه المقاتل يقال له (( مرباه )) واذا كان كانت حفرة او خندقا قيل (( محجبة )) واذا خاطر احدهم بنفسه في القتال قيل (( دهر بنفسه )) والدهر في لغتهم وقود التنور وإذا قتل سيره أوربيعه فيقال له (( حشم )) وإذا أخذ ثاره قيل (( تنقى )) والثأر بشكل عام يقال له (( دم )) إذا اعطى الأمان لعدوه قيل (( شله في الوجهه )) وهناك زمن (( الصلح والبرى )) أي زمن الأمن وزمن القتال . والجاسوس الذي يرسل ليأتي بأخبار العدو يقال له (( رسيس )) أو (( عسيس )) والسلاح ونحوه من تموين المقاتلين يقال له (( زانه )) أما الفي والنهب والغنائم تسمى (( فيد )).

وهذه الأمثلة التي سقناها لكم ماهي إلا نماذجا من ضروب الدقة التي تدل على غزارة التعيبر والمفاهيم لتصوير دقائق الأشياء ، مع ملاحظة أن في كل ألفاظ لغتنا المستعملة ألفاظا تحيا وتستعمل في عصر ، لكنها تهرم ثم تموت ويتوقف العمل بها في عصر آخر . وكما قيل أن من فصاحة اللغة تناسب ألفاظها مع عصر استعمالها.

لهذا حين قال أبو الفتح عثمان بن جني في كتابه الخصائص أن اللغة هى : ( مجموعة من الأصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم )
. فإن اللغة الحضرمية هي مجموعة من الأصوات يعبر بها الحضارمة عن أغراضهم ، وحول فقه هذه اللغة المعبرة عن أغراض الحضرمي لنا تواصل معكم في سقيفة الشبامي حول فقه اللغة الحضرمية ...!!!


كتبه أبوعوض الشبامي لسقيفة الشبامي في 29 رمضان 1430هـ.



.
التوقيع :

التعديل الأخير تم بواسطة أبوعوض الشبامي ; 07-16-2010 الساعة 06:23 PM
  رد مع اقتباس